مسلسل الحوادث الأمنية والاغتيالات المتكررة في محافظة عدن والتي تضرب عمق الدولة تعطي مؤشرا واضحا بأن من يقف وراء تلك الأحداث قوة لا يستهان بها تسعى إلى إرباك الدولة وخلق وضع غير آمن وغير مستقر في عدن خاصة وفي الجنوب بشكل عام. وفي دلائل تعزز هذه التكهنات، ذكر مصدر محلي مسؤول أنه تم إلقاء القبض على مرتكب جريمة تفجير مصفاة النفط في البريقة بعدن بعبوة ناسفة صباح الجمعة، ومن خلال التحقيقات الأولية معه تبين أنه من المتمردين الحوثيين وعلى صلة بجهاز الأمن القومي (الاستخبارات). وأوضح ل«القدس العربي» ان المتهم «يصنف من الخلايا النائمة للمتمردين الحوثيين الذين تم طردهم من محافظة عدن منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، وأنه عثر على أسلحة نوعية ومتفجرات في المنزل الذي يقطن فيه في منطقة البريقة التي تقع فيها مصفاة النفط وتتخد منها القوات الإماراتية والسودانية مقرا لقيادتها». مشيرا إلى أن هذا المنزل كان مجهزا لارتكاب عمليات الاغتيالات وتفجير المنشآت الحيوية في محافظة عدن، لضرب الوضع الأمني في مقتل والدفع بمحافظة عدن ومحفاظات الجنوب بشكل عام إلى الغليان (تحت صفيح ساخن) حتى لا تنهم سلطة الرئيس عبدربه منصور هادي بإدارة شؤون البلاد من العاصمة المؤقتة عدن. وشهدت محافظة عدن صباح الجمعة انفجارا ضخما أسفر عن تفجير مصفاة النفط الوحيدة في الجنوب أدت إلى اشتعال النيران فيها لعدة ساعات وتوقف نشاطها النفطي تماما، وكانت استأنفت مؤخرا عملها بعد توقف استمر نحو خمسة أشهر جراء تعرضها من قبل المتمردين الحوثيين أثناء المواجهات معهم، قبيل مغادرتهم محافظة عدن. وكانت محافظة عدن تعرضت خلال الشهور الماضية لسلسلة من الحوادث الأمنية والعمليات الانتحارية والاغتيال طالت العديد من المسؤولين السياسيين والأمنيين وفي مقدمتهم محافظ عدن العميد جعفر محمد سعد، الذي قضى نحبه مع خمسة من مرافقيه ومسؤول محلي في عدن قبل نحو شهرين، بالإضافة إلى اغتيال العديد من المسؤولين العسكريين والأمنيين في سلسلة حوادث أمنية متفرقة، تعزز التنبؤات بأن المخطط ومن يقف وراءه جهة واحدة تمارس نشاطها بشكل مدروس لاستهداف الوضع الأمني وإفشال عملية الاستقرار. وانعكس الوضع الأمني غير المستقر في محافظة عدن على بقية المحافظات الجنوبية اليمنية، التي لم يدخلها المتمردون الحوثيون، ولكنها أهملت بفعل انشغال السلطة بالحرب ضد المتمردين في المحافظات الشمالية وتركت محافظات الجنوب عرضة للفوضى وللمجموعات المسلحة ومن ضمنها عناصر القاعدة، الذين عبثوا بأمنها ولعبوا باستقرارها وعرضوها لمخاطر التشظي وإدارة شؤونها بعيدا عن الحكومة المركزية. وعبثت العديد من الجماعات المسلحة ببعض مناطق محافظاتحضرموتوأبينوشبوه ولحج وتمتد تأثيراتها لبقية المناطق، في حين لم تول الحكومة المركزية أي اهتمام بما يدور في تلك المناطق التي تعرضت لعمليات الإهمال، ما دفع بمحافظ حضرموت الدكتور عادل باحميد إلى تقديم استقالته من منصبه بعد شعوره بالإهمال الحكومي الواضح لمحافظة حضرموت رغم أهميتها الاستراتيجية وصدور قرار رئاسي بتعيين أحمد سعيد بن بريك خلفا له أمس الأول. وجاءت استقالة باحميد بعد أن أصبح عاجزا عن ممارسة سلطاته الحكومية إثر التوسع المستمر لدائرة سيطرة الجماعات المسلحة في حضرموت، في ظل قصور الحكومة المركزية عن تقديم أي دعم للسلطة المحلية لبسط سلطة القانون والنظام والاحتفاظ بهذه المحافظة الهامة الغنية بالنفط والمترامية الأطراف والتي أصبحت عاصمتها، مدينة المكلا، لعبة في أيدي المسلحين المحسوبين على تنظيم القاعدة، والتي أصبح فيها نفوذهم أقوى من نفوذ الدولة. وما يحدث في محافظة أبين المجاورة لمحافظة عدن يشبه إلى حد كبير حضرموت، حيث أصبحت العديد من مناطقها النائية تحت نفوذ الجماعات المسلحة وخارجة بشكل شبه تام عن تغطية السلطة المركزية، رغم أهمية هذه المحافظة من الناحية الأمنية والعسكرية والسياسية، وهي المحافظة التي ينتمي اليها الرئيس هادي. وأما محافظة شبوه التي تقع فيها أكبر منشأة نفطية في اليمن، وهي ميناء بلحاف لتصدير الغاز الطبيعي المسال، فإن شواطئها أصبحت مرتعا للتهريب بكل أشكاله وأنواعه، ابتداء بالمحروقات وانتهاء بتهريب الأسلحة ولا شك أن المستفيد الأول من ذلك هم المتمردون الحوثيون الذين أغلقت جميع المنافذ والموانئ أمامهم في المحافظات الغربية والشمالية من قبل قوات التحالف ووجدوا من محافظة النائية ملاذا للحصول على كل ما يحتاجون بعيدا عن عمليات القصف الجوي، وهذا ما تنبهت له السلطة المركزية واضطرت قبل ثلاثة أيام إلى استدعاء كافة مسؤولي المحافظة وفي مقدمتهم المحافظ لعقد لقاء مع الرئيس هادي في عدن لمناقشة هذا الوضع الخطير. ولا شك أن هذا الوضع غير الطبيعي في الجنوب رغم خطورته يجد من يسانده ويهيئ له الظروف لانعاشه من أبناء تلك المناطق، إما لتقاطع مصالحهم مع السلطة المركزية أو لتحقيق مصالح شخصية أكثر ربحية من الدعم الحكومي لهم.