لم أكن أتوقع أن يغادر ثوب الزفاف الأبيض مكانه في محل بيع الملابس المستخدمة في سوق الحصبة، لكني لم أجده في زيارتي الثانية أثناء إعداد هذا الموضوع وعندما سألت أحد العاملين عن الفستان قال أنه باعه بثمن جيد لإحدى السيدات. ربما لم يجرب أحدكم التسوق في محلات بيع السلع المستخدمة، إن متعة من نوع آخر ستصاحبك وأنت تقلب سلع محملة بالكثير من الأسئلة والتوقعات، وستتعرف الى أشياء مثيرة وأخرى مستفزة، وستستبعد أن تجد لمثل هذه السلع راغب في اصطحابها معه الى أي مكان، لكن الباعة سيؤكدون لك أنهم يعملون جيداً وأن لسلعهم زبائن يزورونهم باستمرار، والبعض منهم يشتري الكثير من المستلزمات المنزلية من محلاتهم. انتشرت في معظم المناطق في العاصمة وبدأت تغزو المدن الأخرى حتى الصغيرة منها أسواق السلع المستخدمة أو «أسواق الحراج» ظاهرة لا تستطيع الحكم عليها بالإيجاب كما تعجز عن وصفها بالسلبية، لكنك تستطيع زيارتها والاستمتاع بمعرفة أشياء ربما لن تجدها في غير هذه الأماكن. لأنك تعرف جيداً أن مثل هذه السلع لا تستخدم في المجتمع اليمني كالقبعات الغربية والجاكتات الطويلة والمزركشة وبعض أدوات الزينة، بالإضافة الى ملابس بتشكيلات معينة لن تجد يمنياً واحداً يقبل بارتدائها، لأنها قد تثير الضحك وربما الاستهجان كالملابس المقطعة في تشكيلتها الأصلية وذات الألوان المنفرة والعشوائية وملابس فصلت طبقاً لموضات قديمة لم نعد نشاهدها سوى في بعض الأفلام التي انتجت في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. لا أدري ما الذي يجبر التجار على شراء مثل هذه القطع لكن أحد الباعة أخبرني بأن هذه الملابس لا تكلفهم الكثير وقد تجد من يشتريها رغم أني لا أعتقد أنه سيرتديها، وأضاف: ثم أن معظم هذه القطع تأتي وسط «البنده». والبندة هي مجموعة من الملابس تحزم بشكل مكعب وملفوف بقماشات معينة تخفي كل شيء تحتها. هذه الأكوام لا تحتوي بالضرورة على سلع جميعها مستخدمة فأحياناً تضم سلع جديدة وما تزال تحمل علامة الشركة المصنعة والكرت المعلق بأحد أطرافها، لكن هذه السلع صنعت لفترة معينة وانتهت موضتها في أسواقها الرئيسية ولم يعد أحد يرغب بشرائها فتضطر تلك الشركات والأسواق الى شحنها ضمن السلع المستخدمة لتباع بثمن قليل ومن ثم تصل الى أسواقنا. سلع أخرى ليست قديمة أيضاً ولم تنته موضتها بعد وتجدها معروضة ضمن السلع المستخدمة في أسواق الحراج وتباع بأثمان منخفضة، هذه السلع تعرضت لبعض الأخطاء الطفيفة مثل خياط في مكان خطأ، أو اختلاف في الألوان أو بهتان في الصبغة، أو أي خطأ بسيط قادها الى أرفف السلع التالفة ومنها الى أسواق السلع المستخدمة التي أوصلتها الطرق الى أسواق الحراج اليمنية، هذه المعلومات حصلت عليها من أحد التجار الصغار الذي اعتاد على شراء بضاعة من المستوردين وأخبرني أنه غالباً ما يختار «أكواته» جواكته من هذه البضائع حيث قال: «أحياناً تجد في بعض «البندات» سلع متميزة وجديدة ومن ماركات عالمية، وهذه دائماً ما نأخذها ونبيعها بأسعار مغايرة أو نأخذها للاستخدام الشخصي لأنك قد لا تجدها في الأسواق اليمنية». قد يكون محقاً فيما يقول فأسواق الحراج مليئة بالمتناقضات التي تجعلك تتوقع أن تجد بين رفوفها وأدراجها أي شيء وكل شيء، فالتجارة في ثقافتهم تشمل جميع ما تقع عليه اليد في أي حالة يكون. ** أسواق مفتوحة اعتاد تجار الحراج على اختيار أماكن مفتوحة لعرض بضائعهم، فمثلاً سوق الحصبة يبدو للوهلة الأولى محلاً عادياً لكن ما أن تدخله حتى تنتقل منه الى مكان مفتوح تعرض فيه بضائع مختلفة بشكل غير منتظم ولا مرتب ما يوحي لك أنهم يستعدون للنقل، سوق الصافية هو أيضاً شبه مفتوح بطبيعته وهو أكبر من سابقه وأقدم وجودياً، وأكثر شهرة لذا يجلب الزبائن من مناطق مختلفة بعضهم لغرض الشراء والبعض الآخر للفرجة والبحث عن شيء ما يزال في حالة جيدة، أيضاً السوق مصدر لبعض تجار الخارج في مدن أخرى الذين يحرصون على زيارته من وقت لآخر لشراء ما يعتقدون أنهم سيجدون له رواجاً في مدنهم وسيحصلون على ربح جيد، ويقول عوض مبارك أحد العاملين في السوق «سوق الصافية» أشهر سوق حراج في اليمن ويمكنك أن تحصل على ما تريد بأسعار أقل». وأضاف: «إن الموردين لهذا الحراج حريصون على أن تكون سلعهم جيدة وغير متهالكة حفاظاً على سمعة السوق»، قد لا يكون محقاً تماماً فيما قاله فواقع السوق له رأي آخر لكنها طبيعة البائع يجب أن يدافع عن سلعته ويروج لها. ** سوق آخر سوق آخر للحراج لكنه متخصص في بيع الملابس المستخدمة فقط، هذا السوق يقع خلف البنك المركزي وهو كسابقيه شبه مفتوح وعبارة عن مجموعة من المحلات عرفت من أحد العمال أن معظمها لأبناء منطقة واحدة اتخذوا من هذه التجارة مصدراً للرزق، العامل قال: أن السوق هذه الفترة «بارد»، أنا أيضاً لاحظت ذلك فخلال تواجدي في السوق لم أجد سوى امرأة متقدمة في السن كانت تبحث عن فنائل صوف، ويبدو أنها لم توفق في الحصول على ما كانت تريد، لذا تركت المكان وذهبت لسبيلها بينما ظل الباعة في جلستهم المتعبة أمام المحلات بانتظار زبون آخر. ** أثاث جاهز كان يبيع تاجر المفروشات بضاعته في الشارع الى جوار وزارة التجارة والصناعة وكنت استغرب لإصراره على الاستمرار في عرضها، فقد كنت أمر يومياً من جواره دون أن ألاحظ أي نقص في البضاعة المفروشة ما جعلني أعتقد أنه لا يبيع شيئاً ويعاني من عزوف المستهلك، غير أن الحقيقة كانت غير ذلك، لقد كان يرفد سوقه بالبضائع اسبوعياً لأنها تلاقي رواجاً جيداً رغم أنه قال: أن معظم زبائنه من محدودي الدخل أو حسب قوله: «الطبقة المطحونة» تحدث كثيراً يومها عن الجوانب الانسانية التي قال: أنه يراعيها في تجارته. سوق الحراج حالة إنسانية، هذا ما خلصت اليه بعد رحلة مليئة بالدهشة فمن سوق المفروشات الى أسواق الأثاث حيث بامكان أحدكم تأثيث منزله كاملاً دون أي نقص من هذه الأسواق فقط يكون عنده الاقتناع الكامل بهذه السلع ويكون نفسياً متقبلاً لهذه السلع المستخدمة، عندها تستطيع أن تجمع ما تحتاجه في منزلك بزيارة واحدة لواحد من هذه الأسواق. ** أجهزة كهربائية المساحات المفتوحة غالباً ما يخصص فيها جزء لا بأس به لعرض الأجهزة الكهربائية أهمها التلفزيونات والمسجلات والثلاجات والغسالات وأجهزة كهربائية صغيرة كالعصارات وغيرها. لكن معظم هذه الأجهزة تبدو بحالة غير جيدة ربما لكثرة الاستخدام فالجميع لا يعرف الفترة التي خدمت تلك الأجهزة مالكيها السابقين لأنها لا تحمل تواريخ الصنع، وربما تكون قدرتها ما تزال جيدة لكن ظروف النقل من مواطن عملها الأولى الى أسواق العرض في المدن اليمنية اكسبتها تلك الهالة غير الجيدة، أو قد تكون فترة العرض الطويلة حيث تتعرض للرياح والغبار ولمسات الأيدي المجربة اكسبتها حالة لا تشجع لكنها في كل الأحوال تجد زبائنها الذين يرغبون في جلبها الى منازلهم مستغلين انخفاض اسعارها مقارنة باسعارها بعد خروجها من المصانع، هذه الأجهزة تتفاوت أسعارها بحسب حالتها وقدرتها على الخدمة والعمل، فقد تجد جهازين من نفس الماركة ونفس الحجم، لكن أسعارها مختلفة رغم أنها من نفس الموديل، يقول عبده صالح - أحد العاملين في هذا المجال- : إن حالة الجهاز هي التي تحدد قيمته فهناك أجهزة أهلكت في العمل وهناك أجهزة أخرى لم تستخدم كثيراً». «مستخدم نظيف» وصف ستسمعه من الباعة عندما تلمس أي سلعة مبدياً رغبتك في معرفة السلعة وقدرتها على العمل، انهم يجيدون عرض السلع ويملكون قدرة جيدة في محاولة إقناع الزبائن بصلاح سلعهم وقدرتها على العمل والخدمة لفترات طويلة، يقول أحد العاملين: أن «البوتجازات» هي أكثر السلع حركة وتحظى بإقبال كبير، ويرجع ذلك الى أن هذه الأجهزة غالباً ما تكون جيدة وما تزال قادرة على العمل وشكلها الخارجي مشجع، بالإضافة الى تكويناتها التي يمكن إصلاحها بسهولة وخالية من التعقيد. ** أدوات أخرى من أكواب الشاي الى ملاعق الطعام وأدوات الحمامات جميعها متوفرة بأشكال وأحجام مختلفة وبإمكان المتسوق فحصها كما يريد، أدوات المطبخ هي أيضاً تسجل حضوراً قوياً في أسواق الحراج، الخلاط اليدوي وأواني الطبخ بجميع مقاساتها جميعها متوفرة مع اختلاف حالاتها ومقاساتها وقدرة استخدامها، لكن طريق عرضها لا يشجع أبداً على شرائها وتبدو غير صالحة للاستخدام خاصة الأشياء المتعلقة بالأكل والشرب فقد تشعر بالاشمئزاز كلما فكرت أنه يمكن ان تستخدمها في تناول الطعام. الشيء الملفت أن الثقافة لها مكانها، ففي أسواق الحراج تجد بعض الكتب والمجلات على أرفف المحلات وما لفت نظري وجود أعداد كثيرة من مجلة الأسرة السعودية والمستقبل وغيرها معروضة في محلات الحراج في سوق الحصبة، قال أحد الباعة: أنم يحصلون عليها مجاناً لكنهم لا يوزعونها مجاناً. ** مصادر غير معروفة السؤال التالي كان أكثر الاسئلة التي تثير حساسية تجار السلع المستخدمة، من أين تأتون بهذه السلع؟ هناك من رفض الاجابة وآخرين تهربوا وقالوا أنهم يشتروها من تجار يمنيين لا يعرفون من أين يجلبوها، لكن هناك من قال: «نعم نشتريها من تجار سعوديين ويمنيين يعملون حول الخليج هم الذين يجلبون معظم السلع. دول الخليج هي المصدر الأساسي لرفد السوق اليمنية بالسلع وخاصة الأثاث المدرسي والأجهزة الكهربائية التي يستغني عنها المواطن الخليجي بعد فترة ليست طويلة من العمل ويبيعها بأسعار زهيدة وأحياناً يبحث عن من يأخذها دون مقابل أيضاً عندما تتخلص المؤسسات والوزارات من بعض أثاثها وتقوم بعرضها للبيع، فتجد تجار الخردة الذين يجلبونها الى أسواق الحراج اليمنية، مستغلين التقارب الجغرافي وانخفاض تكلفة النقل من الدول المجاورة وبهذا فإنهم يحققون أرباحاً في بيع هذه البضائع الى أسواقنا. هذا بالنسبة للأجهزة الكهربائية وقطع الأثاث أما الملابس فإن المصدر الرئيسي لهذه السلع هي السوق الأوروبية حيث يعمل بعض التجار في نقلها من أسواق أوروبا الرخيصة وبيعها في أسواق اليمن، يظهر ذلك من خلال اشكال وتوصيل بعض الملابس وموضاتها الغربية وغير المستخدمة في البلاد العربية، والمشكلة التي تكمن في هذه التجارة هي ما تحمله الملابس بين خيوطها حيث يحذر بعض الأطباء من أن الكثير من الأمراض الجلدية قد تنتقل عن طريق الملابس ويدعون أنه في حالة ضرورة شرائها يجب غسلها جيداً قبل ارتدائها تجنباً لأي فيروسات أو بكتيريا قد تنتقل الى الأجساد وتسبب بعض الأمراض"الثورة".