تفحمت بالكامل .. شاهد بالصور هذا ما تبقى من مروحية الرئيس الإيراني    من هو الرئيس الإيراني الجديد بعد وفاة إبراهيم رئيسي؟ (السيرة الذاتية)    عودة خدمة الإنترنت والاتصالات في مناطق بوادي حضرموت بعد انقطاع دام ساعات    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    صيد حوثي بيد القوات الشرعية في تعز    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    تغاريد حرة.. هذا ما احاول ان أكون عليه.. الشكر لكم    أول فيديو من موقع سقوط طائرة الرئيس الإيراني ووصول فريق الإنقاذ "شاهد"    هادي هيج: الرئاسة أبلغت المبعوث الأممي أن زيارة قحطان قبل أي تفاوض    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    تناقض حوثي مفضوح حول مصير قحطان    الليغا .. سقوط البطل المتوج ريال مدريد في فخ التعادل وفوز برشلونة بثلاثية    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    الوزير الزعوري يتفقد سير العمل بمشروع إعادة تأهيل شوارع ومداخل مستشفى المعاقين ومركز العلاج الطبيعي عدن    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    وفاة وإصابة عشرة أشخاص من أسرة واحدة بحادث مروري بمأرب    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمال عبد الناصر.. 39 عاماً وكاريزما الزعامة ما تزال مفقودة
نشر في نبأ نيوز يوم 30 - 09 - 2009

بعد 39 عاما على رحيل جمال عبد الناصر ما تزال ذكراه تنعش احلاما وتربك الذاكرة العربية التي ترى التراجع في كل مكان فتتشبث بالماضي في خطوة لا يراها البعض صحية تماما ومع ذلك ما يزال كثيرون من المفكرين والنقاد والسياسيين يرون أن عند الناصرية كفكرة ما يمكن أن تعطيه لتجديد الحلم المصري والعربي كما أثبت هذا التحقيق الذي شارك فيه مقربون من عبد الناصر وآخرون لم يعرفوه الا بالاسم وقد كشفوا جميعا عن اضاءات ويصمات تركتها الناصرية في اكثر من قطاع من قطاعات المجتمع المصري.
الخائفون لايصنعون الحرية والمترددون لن تقوي ايديهم المرتعشه علي البناء .. شعار لايزال يسير علي نهجه الناصريون في انحاء الوطن العربي نتذكره كلما حل 28 سبتمبر من كل عام وهي ذكري رحيل الزعيم جمال عبدالناصر القائد الذي وهب نفسه من أجل القضية الوطنية والقومية العربية وعمل من أجل تحرير القارة الأفريقية وكل المستضعفين من هيمنة الاستعمار..والي اليوم يحكمنا الخوف والتردد في مواجهة استعمار من نوع جديد خلقه مناخ غاب عنه الفكر الثوري والايمان بالقومية العربية التي اسس لها جمال عبد الناصر و افلت حين غربت شمس حياته القصيره التي امتدت فقط الي 52 عاما من الجهاد والمقاومة والشقاء من اجل الحرية والهم العربي.
في عهده كان المواطن العربي والمصري خاصة يشار إليه في كل مكان في العالم فقط لان عبدالناصر زعيماً لامته العربية .. أحبه العرب وفي ذكرى وفاته قالوا جاء اليوم الذي افتقدنا فيه البدر فسوف يعم الظلام من بعدك.ياابا خالد . وحتى الذين اختلفوا مع عبدالناصر اقروا أنه كان زعيم عظيم في إنجازاته وعندما رحل حلت الانتكاسة العربية على كل المستويات فعلى الصعيد السياسي فقدت هذه الأمة قوتها التي كان يمثلها عبدالناصر وأصبحت الأقطار العربية مستباحة دولياً للقوى الكبرى بل جزء كبير من الأنظمة العربية لم يعد يمتلك مشروعاً لا قطرياً ولا قومياً وأصبح عمل بعض الأنظمة على استمرار بقائها فقط ولو عن طريق الفساد، وغاب خيار المقاومة والتحرير وأصبح خيار الاستسلام والموافقة على شروط إسرائيل هو الحل لدى العديد من الأنظمة العربية.
واقتصاديا كان خيار الاشتراكية هو خيار الأمة لتحقيق العدالة الاجتماعية المفقودة ووقف هذه الفوارق الكبيرة بين الفقراء والأغنياء ولكن الذي يحصل اليوم هو تطبيق رأسمالية مشوهة يشوبها الفساد في العديد من الأقطار العربية فتحولت الطبقة الوسطى إلى طبقة فقيرة وتحول الفقراء إلى قاع الفقر وزاد جشع الأغنياء وكانت الاشتراكية عنوانا للتحرر الاجتماعي وتحرر المرأة العربية ولكن اليوم وبعد 39 عاماً على غياب عبدالناصر أصبح هناك تحول كبير وتراجع للخلف وتخلف اجتماعي وسيطرة لجماعات إسلامية متطرفة ومتشددة على مواطن العمل الاجتماعي نتج عنها انتهاك لحقوق المرأة وبدلاً من إعادة الحقوق للمواطنين العرب أصبح المواطن العربي يعيش على فتات الصناديق والجمعيات الخيرية لذلك أصبحنا بحاجة إلى فكر وثورية جمال عبدالناصر. هكذا عبر ساسة ومثقفون وادباء في ذكري رحيل الزعيم جمال عبد الناصر رغم ما عاناه البعض منهم في عهده من اعتقال وقهر ارجعوه الي سيطرة الحاشية التي احاطت بناصر و حالت دون وصول صوت جموع الشعب الي زعيمهم .
الكاتبة فريدة النقاش رئيس حزب الاهالي تقول سأبقى إلى آخر نفس فى حياتى أثق بأن العداء الأمريكى - الإسرائيلى ل«جمال عبدالناصر» كان عداء للحلم.. كان عبدالناصر كتلة من الأحلام النبيلة لمصر والوطن العربى والقارة الأفريقية، وكل شعوب العالم الثالث المقهورة التى استنفدت واستنزفت ثرواتها القوى الاستعمارية الطامعة، ولا تكف شهيتها عن طلب المزيد..
وهو ما يفسر أن الحرب على المشروع الناصرى لم تضع أوزارها طوال ما يقرب من أربعين عاماً بعد رحيله، بل تشتعل بضراوة متزايدة كما يتبدى فى تفتيت الوطن العربى واحتلال بعض أقطاره.. فى زمن انتهى فيه الاحتلال من كل بقاع الدنيا من جهة، ومن جهة أخرى فى اللعب الإسرائيلى - الأمريكى فى أفريقيا وتحديداً العبث فى دول المنبع بحوض النيل، وأرجو ألاّ «يفترض» أحد العقلاء أن أفيجور ليبرمان وزير خارجية إسرائيل كان يوصى إثيوبيا وكينيا وأوغندا خيراً بمصر!!
سلمت مصر 99٪ من «أوراق الحل» لأمريكا، وكادت مساحة الواحد بالمائة المتبقية تخنقنا لفرض ضالتها على كل الأصعدة.. وفى ذكرى يوم رحيله التاسعة والثلاثين بدأت الأمور تتكشف بأكثر من قدرة العقلاء» على إخفاء عوراتها..
كانت شعوب القارة الأفريقية تهتف فى الستينيات ناصر.. ناصر.. وكان الحكام يدركون أنهم يعتمدون على بلد عريق بقيادة ثائر عظيم - ومع ذلك - لم تغمض عيناه عما يحيكه الأعداء، فكانت استراتيجية واعية بأن الأمان فى المصالح المتبادلة والاستفادة لكل الأطراف، كانت مصر السياسية والثقافية والمناصرة لحرية الشعوب هى القدوة والمثل.. ولكن.. جرت فى النهر مياه كثيرة وولينا وجوهنا شطر «أصدقاء»؟!.. جدد، يثبت فى كل يوم أنهم إن لم يريدوا فناءنا فعلى الأقل بالتحكم فى مصائرنا وليس هناك أخطر من العبث فى مياه النيل!!
أتمنى أن يعيد الجميع قراءة تفاصيل سياسة القاهرة التى جعلت معظم الدول الأفريقية تقطع علاقاتها بإسرائيل بعد عدوان 1967 التى يقول حكامها لأنفسهم الآن: إن إسرائيل باتت دولة صديقة، وعقدت سلاماً مع مصر! فلماذا نقاطع نحن؟ ولماذا لا نستفيد من «التكنولوجيا» الإسرائيلية، والتحويل الأمريكى؟.. ومن بين دموعى فى هذه الذكرى أقول مع نزار: رفيق صلاح الدين هل لك عودة.. فإن جيوش الروم تنهى وتأمر!!
انهيار الصف العربي
اما المفكر والكاتب ضياء الدين داوود رئيس الحزب الناصري يقول : أننا أحوج ما نكون لنتمثل دروس ومبادىء القومية العربية التي كان جمال عبد الناصر أحد روادها، وأن نبدأ فورا بوقف الانهيار وذلك بالعودة لتحقيق وحدة الصف العربي ضمن إطارها الاستراتيجي الجماهيري والحزبي والاجتماعي، لأن هذه الوحدة هي الوحيدة الكفيلة بتبديد ظلمة ليل الذل والهوان الرسمي، من أجل الحفاظ على تراب الوطن المقدس، بانتظار التوصل إلى الوحدة الشاملة أو الاتحاد والتكامل السياسي والاقتصادي.
ويضيف : في ذكرى رحيله لا نملك إلا أن نقارن بين يومه ويومنا.. في يومنا تمددت حالت الانقسام على الأرض العربية، ذلك الانقسام الذي فرضته علينا في الماضي قوى الغدر والعدوان .. الفارق بين الماضي والحاضر أن حالة الانقسام التي فرضها الاستعمار علينا كانت ضد الطبيعة والتاريخ والإنسان وجدت من يتصدى لها، وكان جمال عبد الناصر أحد فرسانها، حيث تصدى ومعه كل الشرفاء والأحرار من أبناء الأمة العربية للمعركة المفروضة، وسعى إلى نقل حالة التمزق وضرب إرادة المستعمرين على امتداد الأرض العربية من المحيط إلى الخليج دون هوادة اما اليوم فالانقسام حالنا والمصالح الشخصية تحكمنا.
نكسات وتراجع
وفي دراسة مهمة دفع بها سامى شرف سكرتير الرئيس عبدالناصر للمعلومات ووزير شئون رئاسة الجمهورية وهى دراسة عميقة التأمل غنية الرؤى ترجع اهميتها انها ترصد الزعيم من كل جوانبه السياسية والإنسانية بأقلام عرب وأجانب، إن الرئيس جمال عبد الناصر الذى لم يستعن أبدا فى أى وقت من الأوقات بخبراء علاقات عامة او دعاية لا من الداخل بل كان الثائر الذى جاء لتغيير ما بشعبه من تخلف وتربطه بالثورة الصناعية والتقنية العالمية يتمسك فى نفس الوقت بأسلوب ونمط حياة محافظة تحترم تعاليم الأديان والتقاليد والأعراف والتربية وإن كانت بعيدة عن التزمت.
فضلا عن موقف الرئيس جمال عبد الناصر من المرأة التى اعتبرها هو عن قناعة تامة الأم التى اوصى بها الاسلام والرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام الي الحد الذي دفعه الي حسم قراره بتعديل قانون الأزهر الشريف ليسمح بانضمام العنصر النسائى لهذه الجامعة الإسلامية العريقة وباختصار لكى يتحقق فتح المجال الصحيح لأم مسلمة تشارك فى خلق المجتمع المصرى الجديد...
. عبد الناصر والدين
وترصد الدراسه ما قاله جورج فوشيه فى كتابه "عبد الناصر وصحبه"، من إن قوة الإيمان عند ناصر ترجع للفترة التى عاشها وهو طفل مع عمه فى القاهرة حيث التحق بمدرسة النحاسين الابتدائية التى تقع أمام مقابر سلاطين المماليك المجاورة لحى الحسين وخان الخليلى وملاصقة للأزهر الشريف، ويقول فوشيه " إن الجو فى هذا الحى الدينى من مساجد ومشايخ وروائح البخور قد أثر فى شخصية الرئيس وتوج إيمانه بالدين وقيمه الروحية والأخلاقية ومبادئه النضالية.
" كان جمال عبد الناصر فى ذلك أيضا يتسق تماما مع طبيعة المجتمع المصرى والعربى فى تدينه القوى، وإن كان دون تزمت ودون مظهرية مبالغ فيها لأن المبالغة فى هذه الحالة كثيرا ما تعطى انطباعا معاكسا لدى الجماهير المصرية بالذات. إن نجاح الصورة الجماهيرية للزعيم السياسى يجب أن تكون فى مجموع صفاتها معبرة عن السواد الأعظم من الشعب حتى يستطيع أن يرتبط بها أكبر عدد من الناس ويجد فيه انعكاسا لأوضاعه الخاصة. فالزعيم الذى تشعر الجماهير بأنه بعيد عنها، أو ينتمى لطبقة مميزة لا تمثل السواد الأعظم منه قد تعجب به وقد تحترمه إذا كان فيه من صفاته ما يجعله أهلا لذلك، ولكنها يصعب أن تجد فيه نفسها.
جمال عبد الناصر شارك الغالبية العظمى من الشعب المصرى والعربى وجدانه، فقد كان أول مصرى يحكم البلاد منذ آلاف السنين، ولأنه جاء من بين عامة هذا الشعب فقد ظل ولاؤه لهم طوال حياته ولم يحاول أن يستخدم منصبه وجاهه أو سلطته فى محاولة للتشبه بطبقة أخرى غير تلك التى جاء منها. وربما كانت هذه هى أكثر جوانب صورة عبد الناصر الجماهيرية التى أدخلته فى قلوب الملايين من مشرق الوطن العربى إلى مغربه، ولم تستطع المحاولات المستميتة أن تقتلعه منها، وقد كان الابن البار للغالبية العظمى من هذا الشعب.
وعندما وضع جمال عبد الناصر مبادئ الاشتراكية كان يعنى به بالدرجة الأولى الكفاية فى الانتاج والعدالة فى التوزيع بمعنى ان تنتج مصر ما تحتاجه من أجل كفاية حاجة الغالبية العظمى الفقيرة من الشعب من غذاء وكساء وتعليم وصحة وحياة مستقرة كريمة وتستفيد الغالبية العظمى الفقيرة من هذه السياسة او من هذا المنهج فى الحياة. المظهر والحياة المتواضعة البسيطة إن أول انطباع لصورة جمال عبد الناصر هى ذلك المظهر البسيط.. ملبس عادى من بدلة كلاسيكية وكرافتة ذات تخطيط مائل من اليسار لليمين والحذاء الأسود، هذا إذا كان فى مناسبة رسمية، أما إذا كان فى المنزل أو فى أوقات غير رسمية فإن القميص والبنطلون والحذاء الخفيف هو اللبس الغالب.
ومنذ 1954 خلع الرئيس جمال عبد الناصر الزى العسكرى ولم يضعه إلا مرة واحدة ولمدة ساعتين فقط أثناء زيارتنا ليوغوسلافيا فى يوليو1956 وكان ذلك لتفادى لبس الاسموكنج والفراك. ولم ير أحد أثناء حياة جمال عبد الناصر صورة لرئيس الجمهورية فى الحمام او وهو نائم أو وهو بغير ملابسه وحتى الصور غير الرسمية فهى قليلة جدا وربما كان أشهرها وهو يلعب الشطرنج وهى وإن كانت صورة غير رسمية إلا أنها تدفعنا للتفكير فى صفات معينة ابرزها الذكاء وحسن التدبير والصبر والشجاعة والحكمة.
والتزام جمال عبد الناصر بالبساطة يتمثل فى أسلوب معيشته الواضح فمثلا أكلته المفضلة كانت قطعة من الجبن الأبيض والخيار والطماطم وفى بعض الأحيان بيضة مسلوقة، أما غداؤه فلم يتعد الأرز والخضار وقطعة اللحم أو قطعة السمك مما كان يشكل بعض العبء على من حوله. كان يتعمد تناول طعامه مع قرينته والأسرة يوميا حوالى الثالثة من بعد الظهر يوميا ما لم تكن هناك ظروف قاهرة طارئة تحول دون ذلك، حيث كانت فرصة لتبادل معرفة أحوال الأبناء فى الدراسة ومشاكلهم وطلباتهم أو الاحتفال بأعياد الميلاد فى أبسط مما يتصوره الانسان.
وفى المساء وبعد انتهاء المقابلات والاجتماعات والرسميات يتوجه الرئيس والسيدة قرينته وفى بعض الأحيان من الأبناء من أنهى واجباته إلى إحدى قاعات المنزل حيث تدور عجلة آلة السينما بواسطة عم إسماعيل ويشاهد الحضور فيلما أو اثنين حسبما تسمح الظروف ولم يخل هذا أيضا من ازعاجات يقوم بها سامى شرف ليدخل القاعة على ضوء بطارية ليعرض أمراً عاجلاً أو مهماً على الرئيس.
كانت هذه هى المتعة الوحيدة التى يمارسها جمال عبد الناصر مع ماتش تنس لو سمح الوقت فى ملعب داخل منشية البكرى. جان لا كوتير يقول فى كتابه "ناصر": "إن منزل الرئيس ناصر فى منشية البكرى ظل إلى النهاية يعتبر منزلا عاديا لا تميزه أى مظاهر للفخامة التى كانت تتسم بها الكثير من المنازل الأخرى بمصر الجديدة والتى كان يعيش بها بعض المواطنين".
ويقول روبرت سان جون فى وصفه للبيت الذى كثيرا ما استقبله فيه الرئيس جمال عبد الناصر : " يعيش الرئيس ناصر هو وأسرته فى منزل بمنشية البكرى لا تحيط به أى مظاهر خاصة تقريبا.. ولا يزال الشطرنج هو لعبته الداخلية المفضلة، وقد علمه لابنتيه الكبيرتين وابنه الأكبر خالد، لكنه وجد أن مشاهدة الأفلام تريح أعصابه أكثر من أى شيء آخر، وحتى قيام الثورة كان يأخذ زوجته إلى السينما مرة أو مرتين فى الأسبوع.. وفى يوم الجمعة لا يذهب أولاد ناصر إلى المدرسة ولذلك فيمكنهم ان يسهروا ساعتين فى ليلة الخميس لكى يشاهدوا أحد الأفلام مع والدهم. وجرت عادة العائلة على أن يسمح لهم باختيار الأفلام التى يريدونها، لكن والدهم يقول : إن ذوقهم لا يماثل ذوقى فهم يحبون أفلاما أعنف من الأفلام التى أحبها وخصوصا أفلام الحرب، ولذا فبعد أن يذهبوا إلى نومهم فإننى عادة أضع الفيلم الذى أريده.
وهو يهتم كثيرا بالملابس، وحتى أيام كان بالجيش كان يلبس الملابس المدنية بقدر استطاعته ولكن سرعان ما يكتشف من يعرفونه إنه لا يملك دولابا ممتلئا بالملابس : " لقد جرت سياستى دائما على أن أشترى بذلة جديدة يفصلها لى ترزى بالقاهرة كل عام ولكننى أغفلت عام 1955 فلم أشتر فيه شيئا". ونقطة الضعف عنده هى حبه لاقتناء أربطة العنق.. ورباط العنق المثالى بالنسبة له يجب أن يكون به خطوط واسعة ذات ألوان مختلفة ويجب أن يكون تجاه هذه الخطوط فى المرآة من الشمال إلى اليمين.. وقد جاءته هدايا تتراوح ما بين طائرات يبلغ ثمنها نصف المليون جنيه وكتب موقعة بأسماء مؤلفيها وقد وزعها كلها أو سلمها للدولة لكنه يحتفظ بالهدية إذا كانت رباط عنق مخططا فى اتجاه اليمين. وهو لا يملك ملابس للسهرة لأنه يشعر أن مثل هذه الملابس لا تتناسب مع مصر الحديثة.
" كان من الافلام التى كثيرا مايشاهدها الرئيس جمال عبد الناصر هى تلك التى تتعاطف مع الجماهير الفقيرة والغلابة وتلك التى تمس العواطف ولطالما شاهد فيلم " "فيفا زاباتا " ويحكى عن الاقطاع ومحاربته فى إحدى بلدان امريكا اللاتينية، وفيلم " IT IS A WONDERFUL LIFE " لجيمس ستيوارت عن الترابط العائلى وكيف تعالج مشاكل الأسرة. عزوفه عن العنف من الصفات التى يتصف بها الشعب المصرى بوجه عام والتى طالما كانت من مقومات شخصيته القومية منذ أيام الفراعنة هو عزوفه الفطرى عن استخدام العنف.
وقد كانت هذه الصفة التى جعلت من ثورة عبد الناصر " ثورة بيضاء " بعكس جميع الثورات الأخرى من الثورة الفرنسية إلى الثورة البلشفية هى احدى أهم سمات الصورة الجماهيرية لجمال عبد الناصر، وفى ذلك كان السواد الأعظم من الشعب المصرى يجد نفسه فيه. وهنا أيضا نجد أن جمال عبد الناصر كان يمثل نموذجا فريدا لزعيم يأتى بثورة تطيح بالنظام القديم وتعادى الاستعمار والتبعية فى الخارج والاستغلال والرأسمالية فى الداخل دون أن يلجأ لاستخدام العنف كوسيلة لإحداث التغييرات الجذرية التى كان يسعى لتحقيقها.
لقد كانت تلك الصفة فى شخصيته مثار اهتمام عدد كبير من الكتاب الغربيين والشرقيين على حد سواء كالذين اقترنت الثورة فى تاريخهم الوطنى بالعنف والدماء، ومن بين هؤلاء الكاتب البريطانى ديزموند ستيوارت الذى نشر فى كتابه "مصر الفتية" young egypt حديثا أجراه مع الرئيس جمال عبد الناصر وسأله فيه عن الشخص الذى حاز إعجابه من بين قادة الثورة الفرنسية : دانتون مثلا أم روبسبيير؟، فقال له عبد الناصر على الفور : لا أحد فى الحقيقة، لقد أعجبت بفولتير لأنه كان رجلا هادئا ولم يكن قاسيا، أما الباقون فقد كانوا دمويين للغاية، فقد قتل كل منهم الآخر، وماتوا جميعا عن طريق العنف".
وشرح الرئيس جمال عبد الناصر للكاتب البريطانى كيف أنه تعلم من رائعة تشارلز ديكنز "قصة مدينتين" عن الثورة الفرنسية: أنه إذا بدأت الثورة بإراقة الدماء فلن تتوقف عن ذلك وسيقلدها الآخرون.. " ويقول ستيوارت فى نفس الحديث: "إنه لم يعجب قط بمؤسس تركيا الحديثة كمال أتاتورك فقط لأنه كان عنيفا وقاسى القلب. وقد كان هذا هو سبب رفض عبد الناصر الموافقة على إعدام الملك المخلوع فاروق. وترجع كراهية عبد الناصر للعنف السياسى إلى أحاسيس متأصلة فيه كما هى فى الشعب المصرى ذاته، وإن كان هو لم يعرف ذلك فى بداية حياته كما يتضح من محاولته الوحيدة مع الاغتيال السياسى.
الصورة الجماهيرية
اما احمد حمروش عضو تنظيم الضباط الاحرار سابقا يقول: ليس صحيحا أن ما يبقى من الزعيم هو أعماله الملموسة والمحسوسة، وإنما ما يبقى من الزعيم هو صورته غير الملموسة وغير المحسوسة، فالأعمال العظيمة التى يقوم بها الزعيم يمكن أن يهدمها النظام الذى يليه أو يحاول تشويهها لكن صورته الجماهيرية هى ما لا تستطيع أى يد أن تطولها، فهى محفوظة فى أفئدة الناس، أفئدة الجماهير ذاتها، وذلك يحصنها ضد محاولات العبث بها. وللتدليل على هذه الرؤية، دعونا نتساءل : أين قوانين جمال عبد الناصر الاشتراكية؟ وأين الاصلاح الزراعي؟ وأين المصانع التى بناها جمال عبد الناصر؟ أين القطاع العام؟ وأين الاتحاد الاشتراكي؟ وأين الحياد الإيجابي؟ وأين القومية العربية؟ أما الصورة الجماهيرية لجمال عبد لناصر فلا تزال و سوف تظل باقية مما ستدفع بأجيال جديدة قادمة بتحقيق أحلام وأمنيات تكمل المسيرة التى بدأها عبد الناصر العظيم بالرغم من نكسات وتراجعات وانقلابات حاولت وتحاول المساس بالتجربة الانسانية من أجل الحرية والاشتراكية والوحدة.
كاريزما الزعيم
الكاتب الصحفي صلاح عيسي رئيس تحرير جر يدة" القاهرة :" احد الكتاب الذين تم اعتقالهم اثناء الحكم الناصري يقول: ذات يوم قال عني عبد الناصر "الواد ده مش هيخرج من السجن طول ما أنا عايش".. وبالفعل لم اخرج في حياته، وبرغم ذلك لم اتمن يوما أن يرحل الزعيم الذي كنت ومازلت ا حبه واقدره .ويتابع عيسي: ولد جمال عبدالناصر فى 15 يناير 1918مما يعنى أنه كان يبلغ من العمر 34 عاما حين قاد ثورة يوليو وهذا كان متوسط أعمار رفاقه فى تلك الفترة وتوفى في (28 سبتمبر عام 1970) أى عن عمر يناهز 52 عاما بعدما غيّر خريطة المنطقة العربية وموازين القوى فيها ورد الاعتبار والكرامة للمواطن المصرى فى مصر وخارجها ودعم حركات التحرر فى العالم الثالث، كان عمره 34 عاما حينما أطاح بالاحتلال البريطانى لمصر، ووقف موقف الند للند مع الغرب، ورغم أنه رحل عن دنيانا منذ 39 عاما فإن حضوره القوى مازال يتجدد ويفرض نفسه إلى الآن واتذكر ان اول مصادمة حقيقية حدثت بيننا في سنة 1966 عندما كتبت مقالات بعنوان "الثورة بين المسير والمصير" ونشرتها في مجلة لبنانية، وكان عبد الناصر لا يهتم بأن يشتمه الرجعيين أوعملاء الاستعمار، لكن يغضب جدا عندما يفعل هذا شخص يساري لأنه كان يعتبر نفسه يساريا وبالتالي كان ينظر لأي يساري ينقد نظامه على أنه يزايد عليه.. وطبعا تم فصلي واعتقالي، وعندما ذهب له خالد محيي الدين ونايف حواتمه يطلبوا منه الإفراج عني قال لهم هذه المقولة.
ومع ذلك لم أتمن أن يموت وحزنت جدا جدا يوم رحيله، بل بالعكس حبست ثلاثة أيام حبسا انفراديا بسبب إصراري على العزاء فيه.. "رحم الله عبد الناصر ضيعنا صغارا وحملنا دمه كبارا"
وحول وضع الثقافة والمثقفين في العهد الناصري وتداعياته الي اليوم يقول كان المثقفون لا يشكون في أن الثورة وطنية وتسعى للعدالة الاجتماعية ورفع مستوى الطبقات الكادحة ، لكن كان هناك خلافا أساسيا على الديمقراطية وهذا الذي خلق الأزمة.
وفيما يري الأديب "محمد البساطي" أن مكاسب ثورة يوليو انتهت ولم يتبق منها سوى العسكر، وأن من أكبر أخطاء الثورة أنها لم تكن تحمل مقومات الاستمرار وماتت بموت زعيمها فان صلاح عيسي يؤكد ان الثورات لا تحسب بأبنيتها ولا قوانينها ، فهذا يتقادم بالزمن ، ولكنها تحاكم بمقياس القيم التي أرستها في المجتمع .
وفي هذا السياق فإن الثورة أرست عدة قيم أساسية لازالت قائمة حتى الآن ، وأولها قيمة "الاستقلال الوطني" فالآن لدى المصريين كشعب وحتى إدارة، قناعة بضرورة استقلال الإرادة الوطنية وعدم تقبل التدخل الأجنبي في القرار السياسي. وحتى السادات حينما فاوض الإسرائيليين اشترط ألا يكون ذلك على حساب الأرض أو السيادة المصرية مطلقا . كما أن مصر رفضت فكرة القواعد الأجنبية منذ الثورة وللآن.
الفكرة الأخرى أنها رسخت فكرة كانت سابقة عليها وهي أن الشعب المصري جزء من الأمة العربية ولذلك هي التي أشاعت المشاعر العروبية لدى الشعب وأن مصر لا تستطيع أن تعيش إلا بمحيطها العربي ونتج عن ذلك أننا حتى هذه اللحظة - برغم وجود قوى ضغط على مصر للتنصل من عروبتها- إلا أن فكرة العروبة لا تزال قائمة لدى الإدارة والشعب.
ويتفق عيسى مع الشق الثاني من رأي البساطي، فيقول أن مشكلة الثورة الأساسية أنها اعتمدت على كاريزما الزعيم، ولغت الأحزاب وكل شكل من أشكال المبادرة الذاتية للمواطنين حتى الذين يقتنعون بأفكارها ويريدون الدفاع عنها، وكونت جهاز دولة ينفذ هذه الأفكار ويدافع عنها ويتكون في معظمه من عناصر بيروقراطية ماهرة في النفاق وتغيير جلدها وبالتالي عندما توفى الزعيم عبد الناصر تبين أنه في داخل المؤسسات التي أنشأها عناصر عديدة جدا رافضة لهذه الأفكار وكانت تنفذها مكرهة .وبعد أن رحل عبدالناصر عن الدنيا وضاعت قبضته عن السلطة بدأت هذه الفئة تنقلب على كل ما قام به..
ويضيف عيسي :هناك جيلا كبيرا جدا من المثقفين والمبدعين تكونوا خلال الأربعينات منهم نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وعبد الحميد جودة السحار ومحمد عبد الحليم عبد الله ونعمان عاشور وسعد الدين وهبة وأحمد عبد المعطي حجازي وصلاح عبد الصبور، وغيرهم عشرات كلهم وإن كانوا ينتمون لجيل الأربعينات، ولكن أعمالهم برزت بعد الثورة وعملوا تيارات جديدة فظهر مثلا تيار شعر التفعيلة، وترسخت الرواية كفن يمتلك أدواته أكثر .
حتى أن الأجيال السابقة على جيل محفوظ من الثلاثينات أو العشرينات مثل العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم، كتبت وأبدعت في ظل الثورة، وخلقت مرحلة جديدة والتي نسميها الآن مرحلة الازدهار في المسرح وما نطلق عليه مسرح الستينات.
الجيل الذي صنع هذا لم يتربى في ظل الثورة بل قبلها، فالجيل الذي ولد بعد 1952 أو كان صغيرا حينها ربما لم يكن إبداعه بنفس القدر الذي كان عليه الجيل السابق، لكن الثورة لم تتصد لحرية الإبداع، وكانت مشكلتها الأساسية هي صراع ضد الأيديولوجيات وضد التظيمات السياسية، لذلك كل المثقفين الذين تم اعتقالهم أو قدموا للمحاكمات كان لأسباب سياسية وليست إبداعية، ومنهم عبد الرحمن الخميسي، يوسف إدريس، محمود أمين العالم، فؤاد حداد، وعشرات المثقفين دخلوا السجون في عهد الثورة لأنهم كانوا أعضاءا في تنظيمات سياسية.
توأمة فكرية
الناقد د مدحت الجيار يقول: في عهد عبدالناصر أنشئت هيئة قصور الثقافة لاكتشاف المواهب وتقديم الخدمات الثقافية ورعاية الموهوبين فتم إقرار جوائز الدولة . وفي هذا العهد تبنت الدولة قطاعا للسينما والمسرح وأنشأت أكاديمية الفنون ومعاهد للتدريب على الفنون، وغير ذلك من شواهد الاهتمام بالآداب والفنون والعلوم الاجتماعية، وأنشأت دار نشر تمولها الدولة وتبيع الكتب بمبالغ زهيدة.ويذكر الجيار ان الثورة كان قادتها عسكريين ينتمون إلى النخب السياسية والفكرية وكان بهم عناصر معنية بالأدب والفن مثل ثروت عكاشة ويوسف السباعي ومحمد عبد القادر حاتم، وبدأت فكرة إنشاء وزارة للثقافة التي اقترحها فتحي رضوان واقترح أن يسميها وزارة الإرشاد القومي لتقوم بالدعاية لأفكار الثورة، بعد ذلك قامت الوزارة بعمل إدارة الفنون ووجدوا آنذاك وزيرا مهتما بالأدب وهو "يحي حقي" فجعلوه مسئولا عن الإدارة، وقام هو بالبحث عن موظفين فقرر أن يجمع الأدباء الموظفين في الوزارات الأخرى، فأتى بنجيب محفوظ وكان مدير مكتب وزير الأوقاف، وتوفيق الحكيم، وعلي أحمد باكثير كان مدرس إنجليزي في مدرسة ثانوية، ومحمد عبد الحليم عبد الله كان في المجمع اللغوي، وهكذا بدأ يجمع المثقفين ومن هنا نشأت وزارة الثقافة.
الناقد رفيق الصبان اشار الي ان السنيما كانت في دم ناصر وكان دائم المشاهدة للافلام السنيمائية كما كان صاحب حنكة سياسية وحكمة في التعامل مع الفنانين فلم يحاب فنان دون الاخر او يفضل مخرج عن غيره رغم تفضيله لمطربين بعينهم كالسيدة ام كلثوم او فنانين الكوميديا عن غيرهم لكن تعامل مع الجميع كأب لكل المصريين فيما عهد الي رجل مثل د. ثروت عكاشة بمقاليد الثقافة في مصر في فترة كانت من ازهي فترات الثقافة والفن حتي اليوم في مصر رغم وجود رقابة سياسية صارمة علي الافلام في عهد الثورة والتي كنت لها ايجابياتها وسلبياتها ككل الثورات في العالم لان فلسفة الثورة في ذلك الوقت كانت يجب ان تدافع عن نفسها "رغم ايماني بعدم تقييد الحريات" لكننا كنا في حرب دائمة مع اسرائيل بما اقتضي ضرورة تماسك البناء الداخلي للدولة خوفا من تهديد الجدار الحصين للقومية العربية التي كان يؤسس لها عبد الناصر واتذكر ان فيلم" شئ من الخوف " بطولة الفنانة شادية ومحمود مرسيي قد تم منعه لحدوث تشابه بين شخصية البطل و شخص جمال عبد الناصر ووقتها سمح الرئيس بعرض الفيلم وقال لو كنت مثل عتريس بطل الفيلم في ظلمه وجبروته لاستحقيت تلك النهاية هذا بالاضافة الي انه يحسب لعبد الناصر انه سمح بنشر العديد من الروايات مثل رواية اولاد حارتنا للكاتب الكبير نجيب محفوظ وغيرها من الروايات المثيرة للجدل.
الكاتب محمد الفارس يقول :الجانب المهم في مسيرة عبد الناصر هو تصوره الحضاري للثقافة من خلال الاهتمام بالتعليم الذي اعتبره البوابة الرئيسية للحراك الثقافي وعندما تحدث عبد الناصر عنها كان هدفه الرئيسي ان يصل العمل الثقافي الي اوسع نطاق حتي ابعد نجع في مصر وتلك كانت سياسة ثابته للحكم في تلك الفترة ونتذكر الثقافة الجماهيرية التي انتقلت الي حظيرة الحكومة بعيدا عن عبء الافراد والجمعيات وصارت التزام حكومي كما ان مصر وقعت انذاك علي الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الانسان منها اتفاقية الحقوق الاقتصادية والثقافية وهذا اعطي المجتمع المصري شكلا ثقافيا اخر حيث لم تكن هناك منتديات فكرية وانجازات هذا العمل مازال تاثيرها موجودا الي الان فضلا عن ان كثير من الممثلين خرجوا من عباءة الثقافة الجماهيرية وصار لهم شهرة واسعة الان وسمعنا عن مبدعين من كافة انحاء مصر من مدارس فكرية وادبية وفنية جديدة ولولا الثقافة الجماهيرية لما تواجدت حركة ادبية واسعة اليوم نابعة من الاحساس بقضايا الوطن فلايخلو مؤتمر اقليمي من طرح القضايا الوطنية القومية ومازال مردود عمل الثقافة الجماهيرية ينتج حتي الان حركة ثقافية ضخمة لاسيما خارج نطاق مدينة القاهرة التي تضج بالعديد من الفعاليات الثقافية والادبية.
اشعاع مسرحي
الناقد محمد الشافعي اشار الي ان المسرح المصري كان اهم آليات التنمية في العهد الناصري الذي شهد حالة من حالات الانفتاح الثقافي والفكري علي كل المدارس الفكرية في العالم منها المسرح العالمي المترجم والمسرح الانجليزي والفرنسي ومسرح امريكا الللا تينية والمسرح الافريقي ، اما المسرح المصري كان بؤرة اشعاع حقيقية استكملت اشعاعاتها من خلال البعثات الدراسية التي خرج من عباءتها الكثير من الفنانين والمخرجين منهم سعد اردرش واحمد عبد الحليم وكرم مطاوع وجلال الشرقاوي حيث عادوا بمناهج دراسية وتجارب فنية مثلت اضافة للمسرح المصري الذي استطاع ان يجمع حوله جموع الشعب المصري واستطاع ان يفرخ العديد من كتاب المسرح امثال سعد الدين وهبة ومحمود دياب والفريد فرج وميخائيل رومان الذين بنوا صرحا شامخا فهذا المسرح المصري لم يكن ليتألق الا في ظل وجود حاكم مستنير يؤمن بالثقافة والفكر والراحل جمال عبد الناصر بطبيعته كان مثقفا ومدمنا للقراءة في كافة مجالات المعرفة ومستمعا جيدا للاذاعة واعتقد ان انحيازه الكامل للسيدة ام كلثوم يدلل الي اي مدي كانت ذائقته الفنية راقية وهناك واقعة تثبت ذلك عندما اخطا بعض المنتمين الي ثورة يوليو ومنعوا اغنياتها بعد الثورة وعندما علم بهذا الامر ثار ثورة عارمة واعتذر لام كلثوم وقال مقولته الشهيرة:اذهبوا وحطموا هر م خوفو اذا ارتم منع اغاني ام كلثوم فمثلها مثل الهرم وهذا دليل علي انتمائه وحرصه علي رقي الفن والثقافة.
الكاتب والناقد اسامة عفيفي يذكر حادثة مهمة يعتبرها جزءا من تاريخنا الوطني بطلها التشكيلي الكبير والكاتب رمسيس يونان احد مؤسيي حركة الحداثة في مصر والذي كان معاديا للثورة في بدايتها لانه كان غير مقتنع بخروج الجيش لتولي الامور وكان يعمل في فترة الخمسينيات في الاذاعة الفرنسية وعندما حدث العدوان الثلاثي علي مصر عاد فورا الي مصر ليشارك بالحدث وعندما علم عبد الناصر اتصل بفتحي رضوان وزير الثقافة انذاك وامره ان يهتم بيونان واستصدر قرار التفرغ له وكان يتجدد عاما بعد عام وعندما تولي ثروت عكاشة الوزارة انهي تعاقده معه وعندما استمع جمال عبد الناصر الخبر في اذاعة مونت كارلو ايقظ عكاشه من نومه ليلا ولامه علي ما حدث قائلا رمسيس يونان فنان وله ان يفن في الوقت الذي يحلو له وهو قامه كبيرة ،وهذا يدلل كم كان ناصر مؤمن بالفن والفنانين كما وقف الي جانب نجيب محفوظ في رواية ثرثرة فوق النيل وميرامار وغيرها واولاد حارتنا التي نشرت كاملة في الاهرام وقتها وكانت معظمها تنتقد التجربة الناصرية او الثورية ان صح التعبير،ويتابع عفيفي المشكلة ان مفهوم الثورة وعبد الناصر كان تعبير عن الضمير الثقافي الوطني والا لم يكن ليزدهر المسرح اذا ما تمت مئات القرارات لازدهاره دون المبدعين والفنانين، لكنها كانت ظاهرة ابداعية تخلقت من رحم الثقافة الوطنية وتطورت وكانت علي موعد مع التغيير العام الذي قاده الزعيم جمال عبد الناصر في مرحلة من اهم مراحل تاريخ مصر الحديث.
اما عبد الحكيم عبد الناصر نجل الزعيم الراحل بسؤاله ماذا تبقي من الناصرية بعد قرابة 40 عام علي رحيل والده قال:لابد من العودة إلى مبادئ ثورة يوليو الخاصة بالعدالة الاجتماعية وحق المواطنين فى توفير فرص عمل حقيقية وهذا ماغرسه جمال عبد الناصر ولن يموت ابدا مؤكدا ان الايام القادمة ربما ستنبئ عن مفاجأت تكشف عن حقيقة وفاة والده التي مازالت مثاار للجدل وستجيب علي التساؤل هل توفي وفاة طبيعية ام تمت تصفيته؟
ومع اختلافنا او اتفاقنا علي الثورة او العهد الناصري فالحقيقة التي اجمع عليها كل من ثمن التجربة الناصرية او اختلف حولها ان كاريزما و شمس جمال عبد الناصر ستبقى تعم المنطقة، ككلماته التي مازالت التعبير الأقوى عن الضمير والطموح العربي، لأنها تشكل عصارة الفكر القومي المعاصر.. فمقاومة الإمبريالية والصهيونية وكل أعداء العرب لم تكن لديه انسياقا وراء عاطفة ولا منة على الآخرين أو ظاهرة إعلامية كما يتندر الكثيرين هذه الأيام عبر الفضائيات، بل كانت الكلمات التي ينطقها تعبير عن التاريخ المشترك واللغة والدين. والوحدة العربية لم تكن عنده حلما عابرا ولا ترفا فكريا، بل كانت تعبيراً عن حال الأمة العربية عبر التاريخ لتحقيق ذاتها،
فقد كان يردد دائماً أن الكارثة الكبرى هي أن العرب لا يدركون مدى قوتهم، بينما يحسبون بالأرقام مدى هذه القوة وقوة الرابطة بينهم تاريخا ودما ومصيرا، وسوف يحسون بهذه القوة وسوف يوظفونها للانتقال من واقع التراجع ورد الفعل إلى حاضر التقدم والمستقبل الأفضل.
"الهدهد الدولي"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.