آخر ظهور للرئيس الإيراني وممثل خامنئي في المروحية التي سقطت "شاهد"    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    من هو اليمني؟    خسائر في صفوف قوات العمالقة عقب هجوم حوثي مباغت في مارب.. واندلاع اشتباكات شرسة    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    صحيفة إماراتية تكشف عن "مؤامرة خبيثة" لضرب قبائل طوق صنعاء    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    الكشف عن أكثر من 200 مليون دولار يجنيها "الانتقالي الجنوبي" سنويًا من مثلث الجبايات بطرق "غير قانونية"    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    تقرير برلماني يكشف تنصل وزارة المالية بصنعاء عن توفير الاعتمادات المالية لطباعة الكتاب المدرسي    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    وزارة الحج والعمرة السعودية تطلق حملة دولية لتوعية الحجاج    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    حملة رقابية على المطاعم بمدينة مأرب تضبط 156 مخالفة غذائية وصحية    اسعار الفضة تصل الى أعلى مستوياتها منذ 2013    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    وفد اليمن يبحث مع الوكالة اليابانية تعزيز الشراكة التنموية والاقتصادية مميز    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    الهلال يُحافظ على سجله خالياً من الهزائم بتعادل مثير أمام النصر!    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن .. الأهمية الإستراتيجية والأطماع الدولية والإقليمية
نشر في نشوان نيوز يوم 14 - 07 - 2010

يشكل الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به اليمن عبئا ثقيلا عليها؛ نتيجة الأطماع الدولية عبر العصور المختلفة، بالإضافة إلى بروز قوى إقليمية والتحولات التي تشهدها هذه القوى، وهو الأمر الذي يضع أمن اليمن واستقرارها في مهب هذه القوى الإقليمية والدولية

وقديما، حافظ اليمنيون الأوائل على أسرار مهنتهم (التجارة)، حيث كانت اليمن تسيطر على أهم طرق التجارة العالمية آنذاك، لدرجة أنهم خدعوا تجار شمال شبه الجزيرة العربية وشرق أوروبا والمؤرخين اليونان، الذين كانوا يظنون أن كل السلع التجارية الواردة من اليمن هي من إنتاج البلاد نفسها، ولم يكونوا يدركوا أن اليمنيين يستوردون الكثير من هذه السلع من بلدان شرقي آسيا، ثم يقومون بتصديرها إليهم، وهي فترة ازدهار اليمن وقيام ممالك لعبت دورا كبيرا في تاريخ العالم القديم، وخلفت آثارا عظيمة تؤكد عمق وأصالة الحضارة اليمنية القديمة..
غير أنه مع اشتداد الصراع والتنافس بين فارس والروم –أعظم إمبراطوريتين في التاريخ القديم- بدأت الأنظار تتجه نحو الموقع الاستراتيجي لليمن، وذلك بعد أن عمد طرفي الصراع إلى سياسة التحالف مع القبائل العربية التي كانت تقطن شمال شبه الجزيرة العربية، حيث تحالف الغساسنة مع الرومان، وتحالف المناذرة مع الفرس. وقد اشترك المناذرة في الحرب التي دارت بين الفرس والروم عام 613 - 614م.
- الأحباش والفرس في اليمن
بدأ الغزو الأجنبي العسكري في اليمن منذ بداية القرن الأول الميلادي، وذلك عندما قامت مملكة أكسوم (الحبشة) بعقد حلف عسكري مع الإمبراطور الروماني "جستنيان"، والذي أمدها بسفن حربية مكنتها من غزو اليمن عام 516م، ولم تتمكن من بسط نفوذها إلا بعد عشر سنوات تقريبا (عام525م)؛ إثر هزيمة الحميريين ومقتل ملكهم "ذو نواس".
ويأتي الاحتلال الأكسومي لليمن على خلفية المجزرة التي قام بها الملك الحميري "ذو نواس" –آخر ملوك دولة حمير في عصرها الثاني- بحق المسيحيين، والتي ذهب ضحيتها أكثر من 20 ألف مسيحي ألقاهم ذو نواس في الأخدود؛ بسبب رفضهم اعتناق الدين اليهودي الذي اعتنقه ذو نواس بعد انتشاره عن طريق النازحين اليهود من فلسطين عام 70م.
غير أن بعض المؤرخين يرون أن الدعم الذي قدمه الإمبراطور البيزنطي "جستينيان" للأحباش، لم يكن من أجل حماية المسيحيين في اليمن أو الحبشة، وإنما من أجل حماية المصالح التجارية للدولة البيزنطية التي كان يهددها الحميريون.
وولي اليمن نيابة عن نجاشي الحبشة شخص يدعى أبرهة، وهو الذي تهدم سد مأرب في زمنه، لكن أبرهة استبد بالأمر في اليمن، وخلع طاعة النجاشي، وسمى نفسه ملكاً على اليمن، وقام بغزوات عديدة لإخضاع القبائل المتمردة عليه في الداخل، وبأخرى لمد نفوذه في الجزيرة. على أن دولته لم تدم طويلاً، إذ أن الفرس بدأوا يتحينون الفرصة للسيطرة على اليمن في إطار صراعهم الطويل مع الروم، وتنافس الطرفان على كسب مناطق نفوذ لهما، فكان أن أرسل الملك الساساني عن طريق ملوك الحيرة قوات فارسية إلى اليمن عام 575م، تمكنت بالتعاون مع قائد يمني من ذي يزن اشتهر باسم سيف من تقويض نفوذ الأحباش في اليمن وطردهم.
وكان الرومان قد سيَّروا حملة عسكرية إلى اليمن بغية احتلالها في مطلع الربع الأخير من القرن الأول قبل الميلاد، غير أن حملتهم تلك باءت بالفشل.
وفي عام الفيل ولد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في مكة، وروي أن جده عبدالمطلب بن هاشم كان في جملة الوفود التي وصلت إلى صنعاء لتهنئة سيف بن ذي يزن بانتصاره على الحبشة، وتوليه سُدة الحكم في اليمن، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً، فقد قرر الملك الساساني كسرى الثاني برويز، أن يجعل من اليمن ولاية فارسية، وكان أن تم له ما أراد، وعين عليها والياً فارسياً في اليمن حوالي عام 598م.. وكانت اليمن بعد تحولها إلى ولاية فارسية لا تزال تشكل مركز الاستقطاب والثقل في الجزيرة العربية، ويمكن الاستشهاد على ذلك بتصورات الملك الفارسي لدور اليمن في الجزيرة، فقد أرسل كما هو معلوم إلى واليه في اليمن أن يقبض على رسول الإسلام محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) في الحجاز، وكأنه بهذا الطلب ينظر ببداهة إلى نفوذ اليمن في منطقة شمال الجزيرة العربية. غير أن وفاة كسرى ملك فارس، وإخبار الرسول (صلى الله عليه وسلم) بذلك عامل الفرس على اليمن "باذان"، غيرت من مجرى الأحداث، فقد دعا الرسول (صلى الله عليه وسلم) "باذان" وقومه لاعتناق الإسلام وإقرارهم على حكم اليمن إن فعلوا ذلك، وهو ما كان، وذلك قبل أن تبرز التغيرات الكبرى التي أحدثها ظهور الإسلام، وهي التغيرات التي طالت فيما بعد العالم كله، وعلى إثرها اختفت دولتا فارس والروم من الوجود.
- العثمانيون والاحتلال الغربي
ظلت اليمن طوال عهود الدول الإسلامية المتلاحقة تلعب دروا بارزا في الفتوحات الإسلامية، وفي نشر دعوة الإسلام، إلا أنه عندما بدأ الضعف يدب في أوساط الدولة العباسية، كانت اليمن محط أنظار الخارجين على هذه الدولة، ومن أمثال ذلك، الأئمة الزيديون الذين تمكنوا من حكم اليمن حوالي 165 عاما، توزعت خلال فترة تزيد على الألف عام. كما قامت أيضا –وللسبب ذاته- العديد من الدويلات اليمنية بسبب عدم قدرة العباسيين على بسط نفوذهم على اليمن؛ لصعوبة تضاريسها وبعدها عن عاصمة الدولة العباسية من جهة؛ ولضعفهم وظهور العديد من الدويلات والإمارات المنافسة لهم في المشرق والمغرب الإسلامي من جهة أخرى.
وفي عهد المماليك الذين تمكنوا من مد نفوذهم إلى بعض أجزاء اليمن وسواحله الغربية، ازدهرت التجارة الإسلامية في منطقة المحيط الهندي والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي دفع بالقوى الاستعمارية الأوروبية، بعد هزيمة ودحر المسلمين من بلاد الأندلس، إلى محاولة السيطرة على طرق التجارة هذه، وكانت البرتغال من أوائل الدول الغربية التي سعت لبسط نفوذها في المنطقة، وذلك خوفا من تغلغل النفوذ العثماني الذي كان آخذا في الاتساع. وقد فشل البرتغاليون في محاولة السيطرة على عدن عام 1513، ولم يمنعهم ذلك الفشل من محاولة السيطرة عليها مرة أخرى، ففي 8 فبراير 1517 وصلت حملة برتغالية جديدة بقيادة بهدف السيطرة على البحر الأحمر وإغلاقه نهائيا في وجه التجارة الإسلامية.
وقبل هزيمتهم على يد الأتراك، قام المماليك في اليمن وبالتحالف مع الطاهريين، بمقارعة النفوذ البرتغالي في المنطقة، وبعد هزيمة المماليك في مصر وسيطرة العثمانيين عليها في عهد السلطان سليم الأول (سنة 1517)، امتد نفوذ العثمانيين إلى اليمن، وكان مبرر دخولهم اليمن بادئ الأمر بهدف مقارعة النفوذ البرتغالي، وحماية طرق التجارة من قرصنتهم وهجماتهم ضد السفن التجارية الإسلامية.
ومع ذلك، لم ييأس البرتغاليون من السيطرة على عدن، لاسيما بعد ازدياد النفوذ العثماني في البحر الأحمر، وتخوفهم من وصوله إلى اليمن، ومقارعة الأسطول البرتغالي في البحار الشرقية، فأعادوا هجماتهم على عدن أكثر من مرة. وفي سنة 1530 تعرضت عدن لحملة برتغالية كبرى، تمكن بها البرتغاليون من إجبار حاكمها على قبول التوقيع على معاهدة اعترف بموجبها بالسيادة البرتغالية على عدن، مقابل اعتراف البرتغاليين بحق العدنيين بالملاحة في المحيط الهندي باستثناء البحر الأحمر وجدة، كما وافق أيضا على مرابطة سفينة برتغالية واحدة في ميناء عدن.
وبعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح، وتحول طرق التجارة العالمية من خلاله، تدهورت الأوضاع الاقتصادية في اليمن تدهورا فظيعا، كما تدهورت أيضا في مصر وبلدان شمال إفريقيا وغيرها من البلدان الإسلامية.
أما العثمانيون، فقد دخلوا اليمن لأول مرة عام 1538، وذلك عندما وصل الأسطول العثماني إلى عدن بعد فشل مهمته ضد البرتغاليين في الهند، حيث ركز قائد الأسطول على الاستيلاء على اليمن خوفا من سيطرة البرتغاليين عليها، إلا أن اصطدامهم بالأئمة الزيديين والمماليك في بادئ الأمر، وكذا الكثير من المواطنين، أجبرهم ذلك على الخروج من اليمن عام 1635، ثم عادوا مرة أخرى عام 1849 حيث نزلوا في الحديدة، ومن هناك أخذوا في التغلغل داخل اليمن حتى تمكنوا من السيطرة على صنعاء عام 1872، إلا أن المقام لم يطب لهم، وتسبب سوء بعض عمال الدولة العثمانية بإثارة حفيظة المواطنين، وظل السجال والمواجهات بين الطرفين قائمة حتى هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى، وخروجها النهائي من اليمن عام 1918.
من جهة أخرى، احتلت بريطانيا مدينة عدن عام 1839، في وقت اشتد فيه النشاط الفرنسي في المنطقة، فسارعت بريطانيا بعملية الاحتلال خوفاً من فرنسا ومستغلة الصراع القائم بين محمد علي باشا والدولة العثمانية، بالإضافة إلى ضعف السلطة المركزية في اليمن.
وقد انتهجت سياسة "فرق تسد" في المناطق الجنوبية، حيث قسمت البلاد إلى أكثر من عشرين سلطنة ومشيخة.. وحدثت مواجهات بينها وبين العثمانيين، وبينها وبين الإمام يحيى أيضا. وفي عام 1914 تمت معاهدة حدودية بين الدولة العثمانية وبريطانيا لتعيين الحدود بين شمال اليمن العثماني وجنوب اليمن البريطاني، وكانت هذه المعاهدة بالنسبة لبريطانيا أهم حدث بعد احتلال عدن، وبهذه المعاهدة تعرضت اليمن لأول انشطار إلى جنوب وشمال في التاريخ. وقد مهدت بعد ذلك ثورة 26 سبتمبر 1962 في الشمال ضد حكم الأئمة، إلى قيام ثورة 14 أكتوبر 1963 في الجنوب ضد الاحتلال البريطاني، وتم طرد آخر جندي بريطاني من جنوب اليمن يوم 30 نوفمبر 1967. وقد شهدت هذه الفترة (التواجد العثماني والاحتلال البريطاني) محاولات دؤوبة من قبل بعض القوى الاستعمارية لبسط نفوذها، فقد تطلع الهولنديون في بداية القرن السابع عشر إلى التوسع تجارياً في السواحل اليمنية خاصة ساحل المخا، إلا أن العثمانيين تصدوا لهم ولم يتمكن الهولنديون من تحقيق ذلك. كما أن إيطاليا كان لها نفوذا واسعا في شمال اليمن أثناء حكم الإمام يحيى وابنه أحمد، وكان للاتحاد السوفيتي نفوذا واسعا في جنوب اليمن بعد رحيل البريطانيين منه.
- أخطار الحاضر والمستقبل
ما سبق يمثل صفحات مطوية من عهود التدخل الأجنبي في اليمن، حتى وإن كانت آثار بعض ذلك التدخل قائمة حتى الوقت الحاضر، مثل معاهدة الحدود بين بريطانيا والعثمانيين؛ التي أدت إلى تقسيم اليمن إلى شمال وجنوب، حيث ترتب عليها قيام حرب أهلية عام 1994، وانهيار أمني ومطالب بالانفصال –أوفك الارتباط كما يدعي بعض قادة الحراك الجنوبي- في الفترة الأخيرة.
على أن ما يهم المراقبين الآن أكثر هو الأخطار الآنية والمستقبلية التي تهدد أمن اليمن واستقراره بسبب موقعه الاستراتيجي، الذي مكنه من السيطرة على واحدا من أهم المنافذ البحرية في العالم، وهو مضيق باب المندب.. بالإضافة إلى قربه من المحيط الهندي الذي يعد من أهم المحيطات في العالم؛ نتيجة موقعه في قلب مركز طرق التجارة العالمية. وأيضا قربه من منطقة القرن الإفريقي والتي تعد بوابة المرور إلى عمق القارة البكر (إفريقيا) والأطماع الدولية فيها. كما أن ازدهار تجارة النفط في دول الخليج والتي تسيطر على حوالي 50% من تجارة النفط العالمية، كل ذلك جعل اليمن محط أنظار القوى الدولية والقوى الإقليمية الصاعدة، والجماعات المسلحة، وفيما يلي إطلالة مختصرة عليها.
- الأطماع الدولية
مثلت ثورة النفط في دول الخليج العربية وازدهار تجارته عامل جذب واستقطاب للنفوذ الأجنبي في المنطقة ككل، الأمر الذي ترتب عليه أول مواجهة بين المسلمين الأفغان والاحتلال السوفيتي، وبمشاركة المجاهدين العرب ودعم الحكام العرب لهم وأيضا دعم الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان الاتحاد السوفيتي يهدف من وراء احتلال أفغانستان إلى السيطرة عليها كونها من أكثر البلدان إنتاجا للحشيش في العالم من جهة، ولفتح منفذ يمكنه من العبور إلى الخليج العربي واحتلال دول الخليج نتيجة اكتشاف النفط فيها بكميات هائلة من جهة أخرى.
ويمكن القول إن اكتشاف النفط في المنطقة مثَّل السبب الرئيسي في الصراعات التي شهدتها المنطقة في أواخر القرن الماضي وبداية القرن الحالي، وتمخض عن ذلك التواجد العسكري الأجنبي، وإقامة قواعد عسكرية دائمة، وخاصة بعد حرب الخليج الثانية عام 1991، واحتلال الولايات المتحدة الأمريكية لأفغانستان عام 2001، واحتلالها للعراق عام 2003، وبروز الدور الإيراني بصورة متنامية في المنطقة، بالإضافة إلى ظهور قوى إقليمية أخرى مثل تنظيم القاعدة، والقراصنة الصوماليون، حيث تتخذ الدول الكبرى من ذلك ذريعة لبسط تواجدها ونفوذها في المنطقة، وإقامة قواعد عسكرية دائمة بذريعة مكافحة الإرهاب والقرصنة..
- الوجود العسكري الأجنبي
تعد منطقة الخليج العربي من أكثر المناطق في العالم من حيث كثافة الوجود العسكري الأجنبي فيها، وذلك بهدف حماية مصالح الدول الغربية والمتمثلة في النفط، حيث أن دول الخليج تسيطر على حوالي 50% من تجارة النفط عالميا، كما أن مضيق باب المندب يمر من خلاله (3.3) مليون برميل من النفط يوميا.
وتجدر الإشارة إلى أن التواجد العسكري في المنطقة يتسم بعدم التوازن، فهو بالأساس وجود غربي، فلا توجد قوات صينية مثلا أو هندية أو روسية في المنطقة. كما أن الوجود الغربي غير متوازن، فهو في معظمه أمريكي، مع وجود بريطاني وفرنسي محدود.
وهذه أهم القواعد العسكرية الأمريكية الدائمة في المنطقة:
- البحرين: توجد فيها قيادة الأسطول الخامس الأمريكي، وتعد قاعدة الجفير من أهم القواعد الأمريكية في الخليج.
- الكويت: توجد فيها قاعدة علي السالم ومعسكر عريفجان.
- قطر: توجد فيها واحدة من أهم القواعد الأمريكية في المنطقة وهي قاعدة العديد.
- سلطنة عمان: توجد فيها قاعدة مصيرة العسكرية.
- الأردن: للولايات المتحدة فيها تسهيلات عسكرية في قاعدة الشهيد موفق الجوية بالزرقاء.
وكانت الولايات المتحدة بعد غزو العراق قد أعادت نشر قواتها من قاعدة الأمير سلطان الجوية في السعودية إلى قاعدة العديد في قطر، غير أنها لا تزال تستخدم هذه القاعدة. كما تتمتع الولايات المتحدة الأمريكية بتسهيلات عسكرية في مصر، واليمن، وجيبوتي، وإسرائيل.
ولا يقتصر الوجود العسكري الأمريكي على منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، ولكنه يشمل أيضا المناطق المحيطة به، خاصة في قاعدة دييجو جارسيا في المحيط الهندي، والقواعد الأمريكية في اليونان، وإيطاليا، والبرتغال، وإسبانيا، بالإضافة إلى القواعد البريطانية في دييجو جارسيا، وقبرص، وجبل طارق.
وبغض النظر عن النوايا الأمريكية غير المعلنة من وراء هذا التواجد العسكري في مختلف مناطق الخليج العربي والشرق الأوسط والمناطق المحيطة به، فإنه يمكن القول إن ذلك يأتي في سياق الأجندة الأمريكية الحالية في المنطقة والعالم، والمتمثلة بمحاولة السيطرة على كافة الممرات المائية الدولية، فهي تسيطر على قناة بنما. وقد أتاح لها غزوها للعراق السيطرة على مضيق هرمز في الخليج العربي، وأصبح مضيق جبل طارق تحت سيطرتها مع قبول المغرب استضافة مقر القيادة العسكرية الأمريكية (أفريكوم). وهي الآن تعمل حثيثا وتسعى لإيجاد المبرر والغطاء الدولي للسيطرة على طريق التجارة الدولية عبر مضيق باب المندب في اتجاه قناة السويس تحت دعاوى مكافحة الإرهاب مرة، ومكافحة القرصنة مرة أخرى، ولربما يمكنها ذلك في مرحلة تالية من محاولة السيطرة على جزيرة سقطرى، خاصة وأن بلادنا سبق وأن رفضت قبول عروض أمريكية باستئجارها.
من جهتها، أنشأت فرنسا قاعدة بحرية لها في إمارة أبو ظبي بالإمارات افتتحت عام 2008. كما أن لفرنسا وجود عسكري قوي في جيبوتي. أما تركيا وبحكم عضويتها في حلف الأطلسي، فإن أراضيها وقواعدها الجوية متاحة لدول الأطلنطي، وأهمها قاعدة إنجرليك الجوية.
وفي أواخر العام الماضي أعلنت الصين أنها تدرس إمكانية إقامة قاعدة بحرية دائمة لها في خليج عدن بهدف دعم عمليات مكافحة القرصنة التي تقوم بها قواتها قبالة سواحل الصومال. كما أن دولاً كبرى أبدت تطلعها تلميحا أو تصريحا لإقامة قواعد عسكرية في الجزر اليمنية، وخاصة جزيرتي سقطرى وميون، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا.
أما عن أثر الوجود العسكري الأجنبي في المنطقة، فإن هناك مدرستان فيما يتعلق بذلك، فالمدرسة الأولى ترى أن هذا الوجود يمثل ضمانة أمنية للدول العربية في مواجهة القوى الإقليمية التوسعية، سواء العربية أو غير العربية. فالوجود الأجنبي العسكري هو الذي أدى إلى إنهاء الغزو العراقي للكويت سنة 1991، كما أن هذا الوجود يشكل حاليا رادعا قويا لتطلعات إيران الإقليمية، وهو في النهاية الضمان الأخير أمام سعي إيران لتحقيق هيمنتها الإقليمية.
أما المدرسة الثانية، والتي يميل إليها معظم الباحثين، فهي ترى أن الوجود العسكري الأجنبي يشكل خطرا على الأمن العربي.. من ناحية أولى، فإن هذا الوجود، حينما يكون دائما، يؤثر سلبا على حرية القرار العربي. حيث تتمتع الدولة التي تقيم الوجود العسكري بنفوذ هائل على الدولة المضيفة فيما يتعلق بصفقات السلاح، بل والعلاقات الإقليمية، خاصة حين تستخدم الدولة، صاحبة القواعد، تلك القواعد في شن الهجوم على دولة مجاورة، كما حدث في حالة انطلاق الغزو الأمريكي للعراق من القواعد الأمريكية في الكويت. ومن ناحية ثانية، قد يؤدي الوجود العسكري الأجنبي إلى تحول الدول المضيفة للقواعد إلى ساحة للمواجهة العسكرية، إذا قامت الدولة صاحبة القواعد بشن هجوم على دولة أخرى، وهو الأمر الذي تخشى دول مجلس التعاون الخليجي حدوثه في حالة حدوث اندلاع مواجهة غربية-إيرانية في الخليج. ومن ناحية ثالثة، فبما أن الوجود العسكري في المنطقة هو وجود غربي، فإنه لابد أن يصب في مصلحة إسرائيل، باعتبار أنها جزء من المشروع الغربي. وأخيرا، لابد أن نشير إلى تصريح دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي السابق في مايو سنة 2003، أي بعد غزو العراق مباشرة، حيث برر غزو العراق بإيجاد ميدان لقواعد عسكرية أمريكية تحل محل القواعد الأمريكية في السعودية، بعد أن أبدت الأخيرة رغبة في تقليصها.
- الأطماع في إفريقيا وانعكاساتها على اليمن والعرب
تشكل قارة إفريقيا منطقة جذب لأطماع القوى الدولية، وتعتبر منطقة القرن الإفريقي وخليج عدن القريبين من بلادنا من أبرز المنافذ إلى إفريقيا. ولذا، يمكن القول إن التواجد العسكري في المنطقة له أهداف متعددة، لا تقتصر على حماية تجارة النفط في الخليج العربي، وإنما أيضا تتعدى ذلك إلى مد النفوذ إلى قلب القارة السمراء؛ بسبب موقعها الاستراتيجي، وثرواتها الطبيعية، وطرق التجارة التي تمر عبرها، حيث تعتبر الاحتياطي الاستراتيجي بثرواتها الطبيعية بالنسبة لمصالح القوى الكبرى في العالم.
وقد شهدت السنوات الأخيرة التي أعقبت الحرب الباردة، اهتماما دوليا ملحوظا بقارة إفريقيا، تمثل بالزيارات وافتتاح المشاريع الاستثمارية والسعي لتقوية العلاقات الدبلوماسية مع معظم بلدان القارة. ففي عام 1998 أعلنت الولايات المتحدة ما أسمته ب"الشراكة الأمريكية الأفريقية"، وتهدف الولايات المتحدة من وراء هذه الشراكة إلى تأمين خطوط التجارة والوصول إلى مناطق البترول والتعدين، وركزت في ذلك على مناطق إقليمية معيَّنة واختيار دولة أو أكثر تمارس دور القيادة مثل جنوب إفريقيا في الجنوب، ونيجيريا والسنغال في الغرب، وأثيوبيا في الشرق.
ويرتبط الوجود الأمريكي في قارة إفريقيا دوما بالوجود الإسرائيلي، حيث تسعى الدولة العبرية من خلال خططها المتعلقة بالبحيرات العظمى ومنابع النيل عموما، إلى فتح ثغرة في خطوط الأمن القومي والمائي العربيين.
ولعل موقف الولايات المتحدة من الصراع الدائر في جنوب السودان، والإعلان على لسان وزيرة خارجيتها آنذاك مادلين أولبرايت في أواخر أكتوبر 1992 بأنها تؤيد مبادرة (إيجاد) الأفريقية وليس المبادرة المصرية الليبية، لهو من قبيل بث روح الانقسام بين العرب والأفارقة.
أما الصين، فقد عمدت مؤخرا إلى تكثيف التبادل التجاري مع مختلف بلدان القارة، وتعد أكبر مستثمر في إفريقيا وثالث شريك تجاري لها بعد الولايات المتحدة وفرنسا، وأنشأت مئات الشركات المستثمرة في القارة في قطاع المواد الأولية. ويبدو التمدد الصيني المتسارع في إفريقيا واضحاً لمن يتجول في مختلف دول القارة، حيث يمكنه مشاهدة العلم الصيني الأحمر في أنحاء كثيرة من القارة، فضلا عن السفارات المنتشرة هنا وهناك.
من جهتها، أولت إسرائيل اهتماما بالغا بالقارة الإفريقية، وفي العام الماضي، قام وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان بجولة شملت العديد من البلدان الإفريقية، منها إثيوبيا وكينيا ونيجيريا وأوغندا، وهي الجولة التي أثيرت حولها التكهنات، بسبب تشكيلة الوفد المرافق له. ويرى مراقبون أن إسرائيل تنظر إلى إفريقيا باعتبارها بوابة خلفية لاختراق منظومة الأمن القومي العربي، وأن جولة وزير الخارجية تلك تهدف إلى تحقيق فتح قنوات جديدة لدعم العلاقات التجارية والاقتصادية بين إسرائيل وإفريقيا، ومحاولة احتواء الدور الإيراني المتزايد في القارة السمراء.
أما إيران، فقد بدأت منذ عدة سنوات في توسيع دائرة تحركها الإفريقية، فهي تتمتع بعلاقات قوية مع السودان وجنوب إفريقيا والسنغال وأوغندا. وعادة ما يتم ترويج النموذج الإيراني أفريقياً، ولاسيما في مجالات الطاقة والتنقيب عن النفط وتنمية القطاعات الزراعية والصحية وما شاكل ذلك. وقد افتتحت إيران مصنعاً للجرارات الزراعية في أوغندا، كما أنها أقامت خط إنتاج لسيارات (ساماندا) الإيرانية في السنغال، ويلاحظ في هذا السياق أيضاً أن الفرق الطبية الإيرانية تجوب كثيراً في أنحاء القارة الإفريقية لتقديم خدماتها إلى المحتاجين.
وبخصوص فرنسا، والتي تعد ثاني أكبر شريك تجاري مع إفريقيا بعد الولايات المتحدة، فإنها تسعى إلى توسيع دائرة علاقاتها السياسية والتجارية لتشمل كل دول القارة، والتخلي عن دورها العسكري من منطقة الفرنك.
ولا شك أن نفوذ القوى الكبرى في قارة إفريقيا سيكون له نتائج سلبية على اليمن والدول العربية بشكل عام، وخاصة من الناحية التجارية، حيث ستتدفق الاستثمارات على القارة الإفريقية، على أن الخطر الأكبر يكمن في تحول طرق التجارة العالمية مرة أخرى عبر رأس الرجاء الصالح وعبر قارة إفريقيا نفسها، كونها ستكون أكثر مناطق العالم من حيث حركة التجارة والاستثمار؛ نتيجة المخاوف التي يشكلها تنظيم القاعدة والقراصنة الصوماليون في خليج عدن والبحر الأحمر، الأمر الذي سيؤدي إلى أن يفقد الموقع الاستراتيجي لليمن بريقه، وكذا قناة السويس، وهو الأمر الذي يذكرنا بما حصل في القرن السادس عشر، عندما تحولت طرق التجارة الدولية إلى رأس الرجاء الصالح، والأزمة الاقتصادية التي انعكست جراء ذلك على اليمن والعديد من البلدان الإسلامية، بالإضافة إلى المخاطر التي تشكلها كل من إسرائيل وإيران على اليمن ومنطقة الخليج بالذات؛ بسبب نفوذهما المتزايد في المنطقة، خاصة وأن إيران تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية، فيما تمتلك إسرائيل ترسانة نووية يلفها الشك والغموض، رغم إفصاحها عنها عدة مرات..
- الصراع على المحيط الهندي
يمثل بحر العرب وخليج عدن امتدادا طبيعيا للمحيط الهندي، وهو ما يعني أن الصراع على المحيط الهندي سيلقي بظلاله على اليمن نتيجة لموقعها الاستراتيجي بالنسبة للمحيط. ويشكل المحيط الهندي، كما أشار روبرت كابلان في مقاله "التنافس في المحيط الهندي"، شريانا رئيسيا من شرايين شبكة العولمة، وساحة محورية لتنافس الإمبراطوريات ودول "العالم الثاني"، أو القوى الإقليمية، على النفوذ الاستراتيجي والمصالح الاقتصادية. ويمر من خلال المحيط الهندي نحو 50% من حركة النقل البحري بالحاويات، ونحو 70% من التجارة العالمية في المواد البترولية، حيث تأتي منطقة الشرق الأوسط في طريقها إلى منطقة المحيط الهادي. وتقع بالمحيط الهندي ثلاث نقاط اختناق شديدة الخطورة بالنسبة لحركة التجارة والطاقة العالمية، هي باب المندب، مضيق هرمز، ومضيق "ملقا". وتمر 40% من حركة التجارة العالمية كلها من خلال مضيق "ملقا". بينما تمر 40% فقط من تجارة النفط الخام العالمية عبر مضيق هرمز. ولذلك، يمثل عدم الاستقرار في مناطق الخليج والقرن الإفريقي وحول مضيق ملقا تهديدا مباشرا لمصالح أطراف عديدة، يأتي في مقدمتها القوتان الصاعدتان: الصين والهند.
فالصين، من ناحيتها، تعاني من معضلة مضيق "ملقا"، الذي يشكل نقطة اختناق لحركة التجارة الصادرة منها، بالإضافة إلى وارداتها النفطية. وأهم دافع لتسوية خلافاتها مع تايوان هو إمكانية أن توفر إمكانيات أكبر لمراقبة حركة الملاحة في هذا المضيق. ومن ناحية أخرى، تشعر الهند بالتهديد، لأن وارداتها النفطية تمر عبر مضيق هرمز بالقرب من سواحل غريمتها باكستان. هذا بالإضافة إلى الأخطار التي تشكلها القرصنة على حركة التجارة في المحيط الهندي، والأعباء التي يتكبدها الأسطول الأمريكي المتواجد في المحيط لأسباب تتعلق بأمن المحيط.
كما أن الإمبراطوريات الثلاث: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، كلها حاضرة في النزاعات التي تشهدها البلدان المطلة على المحيط بشكل أو بآخر. فهناك الأزمات المتصاعدة في أفغانستان وباكستان، والقلق الذي تثيره حركة طالبان، وحضور روسيا في المعادلة الأفغانية المعقدة، والعداوة التاريخية بين الهند وكلا من باكستان وأفغانستان، بالإضافة إلى المخاطر الأمنية، وقضايا انتشار الإرهاب، وتجارة المخدرات، وغيرها.
وقد دعا بعض المحللين إلى ضرورة التوصل إلى "صفقة كبرى"، لإنهاء لعبة القوة في هذا المكان من العالم، والذي يراه زبجينو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي الأسبق كارتر، نقطة الارتكاز التي يمكن أن تنطلق منها نزاعات عالمية جديدة..
- القوى الإقليمية
ومن المخاطر التي تهدد أمن بلادنا ومستقبلها، التحولات في موازين القوى التقليدية وغير التقليدية في الشرق الأوسط، فموازين القوى التقليدية مختلة لصالح القوى غير العربية، وهي إيران وإسرائيل. كما أن موازين القوى الغير تقليدية مختلة أيضا لصالح إيران وإسرائيل أيضا.
- إيران: أصبحت إيران قوة مثيرة للجدل، وتثير مخاوف الدول العربية السنية من تمدد نفوذها في المنطقة. وبدون الوجود العسكري الغربي في منطقة الخليج، تستطيع إيران أن تهزم أي تكتل من دول مجلس التعاون الخليجي بفضل القوة البشرية الضخمة التي تمتلكها، والمسلحة تسليحا جيدا، والمتمثلة في الحرس الثوري، والقوات النظامية.
كما أن إيران تمتلك التكنولوجيا النووية، حيث أنها حققت تقدما في مجل تخصيب اليورانيوم وتوفير الوقود اللازم لمحطاتها النووية. وهي بذلك قادرة على التحول إلى قوة نووية في المستقبل، إذا قررت ذلك، كما فعلت الهند وباكستان. كما أن لدى إيران صورايخ شهاب-4 ذات المدى الذي يبلغ 4000 كم.
- إسرائيل: تستطيع إسرائيل هزيمة أي ائتلاف من جيوش الدول العربية بفضل ترسانة الأسلحة التي تصنعها، والتي تمدها بها الدول الغربية، وبفضل تفوقها في الحروب الجوية، واستعمال الصورايخ متوسطة المدى، فضلا عن امتلاكها لقوة بشرية خفيفة الحركة تستطيع نقل المعركة إلى أرض الطرف الآخر بسهولة.
كما أن إسرائيل تمتلك ترسانة نووية، أكد قادة إسرائيل امتلاكها خلافا لما يعتبره البعض من أن إسرائيل تتبع سياسة الغموض النووي.. فقد أشهرت إسرائيل امتلاكها السلاح النووي، وإن كان بشكل أقل درامية مما فعلته الهند وباكستان. وتمتلك إسرائيل أدوات نقل الأسلحة النووية التي تمكنها من أن تطال أي دولة في الشرق الأوسط، فلديها الصاروخ أريحا-2، ويصل مداه إلى حوالي 4000 كم. كما أن لديها غواصات من طراز دولفين أمدتها بها ألمانيا، وهي غواصات قادرة على حمل وإطلاق أسلحة نووية.
- الجماعات المسلحة:
1- تنظيم القاعدة: هناك من يرى أن تنظيم القاعدة يشكل خطرا كبيرا على أمن اليمن واستقراره واقتصاده الوطني، ذلك أن التواجد الدولي في المياه الإقليمية اليمنية من ضمن مبرراته مكافحة الإرهاب، وكادت اليمن تتعرض لضربة عسكرية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر2001، وذلك على خلفية الهجوم الذي تعرضت المدمرة الأمريكية "يو إس إس كول" في ميناء عدن في أكتوبر 2000، وأسفرت هذه العملية عن سقوط 17 أمريكيًا وإصابة 38 آخرين بجروح.
ولإبعاد شبح الضربة العسكرية توجه الرئيس صالح لواشنطن في 28 نوفمبر 2001، بناء على دعوة من الرئيس الأمريكي حينها "جورج دبليو بوش"، حيث التقى به وتم الاتفاق على الخطوط العريضة للتعاون الأمني وخاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب. وكان من أبرز ما أسفرت عنه تلك الزيارة - غير نزع فتيل الأزمة- هو الاتفاق على تدريب الأمريكيين للحرس الجمهوري اليمني، وبذا توقف خطر الضربة العسكرية لليمن.
وبغض النظر عن كون التحذير من خطر تنظيم القاعدة بشكل أكبر لارتباط ذلك بالمصالح الغربية –وعلى رأسها الأمريكية- في اليمن، فإنه (أي تنظيم القاعدة)، لديه رؤية جيوبولوتيكية خاصة لليمن، لعل أفضل من تحدث عنها هو "أبو مصعب السوري" في كتاب له بعنوان "مسؤولية أهل اليمن تجاه مقدسات المسلمين وثرواتهم"، حيث أشار إلى أن العامل الديموجرافي في اليمن والمرتبط بالشكيمة اليمنية والفقر في آن معا، إضافة إلى العامل الجغرافي المرتبط بما يتميز به اليمن من طبيعة جبلية حصينة تجعل منه القلعة الطبيعية المنيعة لكافة أهل الجزيرة بل كافة الشرق الأوسط، فهو المعقل الذي يمكن أن يأوي إليه أهلها ومجاهدوها (يقصد الجزيرة العربية)، فضلا عن امتلاكه حدودا مفتوحة تزيد على أربعة آلاف كم، وسواحل بحرية تزيد على ثلاثة آلاف كم، وتتحكم بأهم واحدة من البوابات البحرية وهو مضيق باب المندب، وأيضا عامل انتشار السلاح نظرا للتقاليد القبلية، إضافة إلى العامل الديني المرتبط بعدد من الأحاديث والبشائر المرتبطة باليمن، حيث تمثل كلها بنظر "السوري" و"القاعدة" عوامل أساسية ليكون اليمن منطلقا وقاعدة للجهاد لتطهير المقدسات واسترجاع الثروات المنهوبة من أجل الجزيرة والمسلمين، وبالتالي فالمطلوب –وفقا للسوري- تشكيل قوة إسلامية من أهل اليمن وشبابه ومجاهديه ومن لحق بهم من أهل الجزيرة وشباب الإسلام تتمركز في اليمن كقاعدة انطلاق والتوجه لضرب الأعداء في الجزيرة عامة، موضحا أن ميدان الغنيمة كما هو ميدان الجهاد، كامل الجزيرة، حيث أموال المرتدين والأمراء والسلاطين والحكومات العميلة والشركات الاستعمارية التي تشرف إما على نهب الثروات وإما على بيع منتجات المحتلين، وهذا اليمن يشرف على واحد من أهم مضايق العالم وسفن وناقلات نفط الكفار تعبر كل يوم بالمئات بالرزق والمال، بحسب تعبيره.
2- القراصنة الصوماليون: منذ عامين تقريبا، برز نشاط القراصنة بشكل واضح في البحرين العربي والأحمر، وتمكن القراصنة من احتجاز أكثر من 70 سفينة، وتمكنوا من الحصول على أكثر من 40 مليون دولار مقابل إطلاق سراح هذه السفن. وحذرت تقارير دولية من انخفاض إيرادات قناة السويس بسبب تزايد عمليات القرصنة بالشكل الذي ضاعف من عمليات التأمين على السفن التجارية، فيما بادرت كل من الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والهند، وتركيا، وماليزيا، بإرسال سفن عسكرية لمواجهة القراصنة الصوماليين في البحر الأحمر.
وقد ترتب على بروز ظاهرة القرصنة، قيام دول حلف الأطلسي بإرسال سفن وفرقاطات حربية أطلسية إلى البحرين العربي والأحمر والمياه الإقليمية اليمنية، وذلك بغرض حماية سفنها التجارية، غير أن هذه السفن والفرقاطات الحربية قدمت دون التنسيق مع الحكومة اليمنية. ويخشى مراقبون محاولة بعض الدول الكبرى السعي إلى تدويل الممرات البحرية اليمنية بحجة حماية الملاحة البحرية بعد تزايد أعمال القرصنة من قبل العصابات الصومالية، بالإضافة إلى مكافحة الإرهاب.
ويدور جدل واسع حول بروز ظاهرة القرصنة في الفترة الأخيرة، وهناك من يتحدث عن دعم غربي للقراصنة بغرض إيجاد المبرر للتواجد العسكري في مضيق باب المندب، الذي يعد واحدا من أهم الممرات البحرية في العالم، ويمر من خلاله (3.3) مليون برميل من النفط يوميا. كما أن 30% من الملاحة البترولية تمر عبر البحر الأحمر، وهو يشكل طريقا رئيسيا للتجارة بين أوربا وآسيا، ويكاد يكون الطريق الوحيد بين روسيا والدول المطلّة على البحر الأسود إلى غرب أفريقيا وشرق وجنوب شرق آسيا.
*المراجع
1- تاريخ اليمن القديم، محمد عبدالقادر بافقيه.
2- تكوين اليمن الحديث، د. سيد مصطفى سالم.
3- المشرق العربي والمغرب العربي، د. عبدالعزيز قائد المسعودي.
4- (المركز الوطني للمعلومات).
5- مجلة السياسة الدولية، القاهرة، العددان 177 و 179.
6- مجلة مدارات إستراتيجية، العدد الثاني.
7- الجزيرة نت.
8- إسلام أون لاين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.