بحجم الرحيل فتحت المدى تحت يديك تذيبان قيود الفضة..... سفر أعيد فيه ظلي وصفة الأرض أفتح للماء الناعم مخبأ بالمجازات والأسئلة ليس لكل رحيل مسافات ولا لكل واقف ساقان.......... لم أزل كما أنا........ غيمة في اللغة البكر لم أزل كما أنا حلم يوثق النّوم والعشاق أستحي من موعد عاطفي وزر يتطاير من قميص كحلم طائش جربت أن أرتدي لون يديك وأتقاسم معك المشي حين تبتعد عنا الأرض حيث الزمن المباغت لكأنك أيها الطفل أمام المرآة مغزل يدور في الفراغ لكأنك ميلاد قمر في حوض النرجس يقطر بين أصابعك العشب كأرض تعيد حلمها القديم كهذا الصراخ المترامي على العتبات افتح عذاباتك أكثر واقتبس الموج الذي يتدفق من النافذة كضوء ينتظر انتهاء الليل) إن الدخول إلى أي نص شعري يبدأ بمساحات الرؤية التي يستطيع أي شاعر أن يجعل من اللغة متطابقة مع مساحة هذه الرؤية التي تمثل امتداد حلمه الذاتي اتجاه الحياة التي يؤرخ وهج اكتشافه إلى الذات الموضوعية وتصادمه مع الواقع الخارجي في هذه اللحظة تتجلى الأزمة التي تخلق المعاناة الذي تجعله يسعى إلى الكتابة الشعرية أو الكتابة الأخرى من أجل إعادة صياغة الواقع الذي حوله بشكل كما يراه ويحلم به وهنا تبرز قدرة الشاعر في اكتشاف اللغة التي تعبر عن هذه الأزمة الذاتية لتكون متطابقة مع سعيه لتكوين الجملة الشعرية التي تلبي أو تقترب كثيراً من التعبير عن أزمته التي تكونت ما يجعل من سيطرته على اللغة تعطي لشاعريته المساحة الكبيرة في كتابة النص الشعري ..وهنا ندرك حين نقرأ نص الشاعرة ضحى بوترعة امتلاكها اللغة التي تمكنها من التوغل برؤاها الشعرية إلى حد السيطرة على أحداث الانزياح والتأويل بحجم همها الإنساني الذي تريد أن توصله إلى المتلقي من خلال الشعر ومن خلال تركيب المفردات وجعلها بقدر ما هي عميقة في إحداث المعنى وفقاً للتراكيب اللغوية بقدر ما هي آسرة في التوغل وصولا إلى كشف المعاناة الحقيقية في تلاقي روحها مع مراهنات الواقع الذي لم يعد يلبي طموحاتها الفكرية والروحية...وهي هنا لا تسعى إلى الابتعاد عن الواقع والعيش بطوبائية خالية من الحنين بل هي هنا تحاول أعادة صياغة مشاعرها وأحلامها بواقع أكثر جمالاً وأكثر تقبلاً لشروطها الإنسانية وهي بهذا تثبت قدرة كبيرة على صياغة الحدث الشعري بلغة أكثر جمالية وتمتلك عمقاً رائعاً في التوغل بالمعنى وصولا بصياغة الرؤيا الشعرية لديها وفق امتلاكها لمساحات لغوية واسعة . وهنا ندرك أن الشاعرة تمر بحالة من اليأس لأن كل ما تريده بعيد عنها لهذا تفتح المدى بحجم يديه كي تصل إليها لأنها تعرف أن كل شيء حولها خارج ما تريد لهذا تسعى إلى يديه أو تقرب يديه منها لأن اليدين هما محور القدرة على إحداث التغير أو حالة الوصول الذي تنشده من حيث الوجود حولها لأن اليدين هي محور الجذب حين يكون الجسد في طريق الرحيل: بحجم الرحيل فتحت المدى تحت يديك تذيبان قيود الفضة سفر أعيد فيه ظلي وصفة الأرض أفتح للماء الناعم مخبأ بالمجازات والأسئلة ليس لكل رحيل مسافات ولا لكل واقف ساقان و الشاعرة هنا تريد أن تؤكد أن اليدين هما محور التلاقي والفراق لأن الفراق لا يتم إلا عن طريق اليدين في التلويح أو الوداع لهذا تجعل من المدى الواسع بحجم لحظة الفراق والوداع ..والشاعرة هنا تصف بشكل أفقي أي أن الفراق يبدأ من لحظة الابتعاد إلى حد التلاشي أي يبتدئ من لحظة احتضان الأحبة عند الفراق إلى المغادرة والابتعاد وهي هنا تضع كل ما يمتلكه المدى من حنين وتذكر تحت يديه لأن آخر شيء يتلامس هو اليدان.. وهي تؤكد على الغياب حتى ظلها لم يعد موجوداً بغيابه ...حيث تفتح الدموع كالماء الناعم هنا التي تهطل وقت الوداع تفتح أسئلة هل يعود أو يتذكرها عندما يغيب بعيداً عنها... هل يتذكرها وهي بعيدة عنه وغير موجودة حوله وتلامسه؟ والشاعرة هنا استطاعت بحنكة شاعرية جميلة حيث تثبت هل أن غياب التلامس بينهما والحضور المكاني يؤدي إلى النسيان لأنها تشعر بالرغم من غيابه أنه لا توجد مسافات بهذا الغياب بل هو حاضر حولها في مكانها وتبقى تشعر بجوده حولها ويسكنها ويسكن المكان الذي حولها ..وقد استخدمت الاستعارة بشكل عميق لتوصيل المعنى الذي تريده..وفق رؤيا مكانية كي تثبت المعنى التأويلي لكل غياب .. وقد أكدت هنا (ليس لكل واقف ساقان) ...وهنا حدث الانزياح في الرؤيا لأنها لم تعد تستطيع بفراقه أن تقف بل حدث انهيار كامل لها وحتى ساقاها لم تعد تشعر بهما ...وهنا تبرز قدرتها الشعرية من خلال استخدام الدالة (الساقان) على انهيارها كي تحد المدلول عليه على أنها بغيابه حتى لم تعد تستطيع الوقف أو المشي أي أن غيابه سبب لها الانهيار والشلل في كل شيء حولها هي هنا تشكل الصورة الحسية لتمثل الرؤية الجسدية من اليد ، والساق. الماء الناعم ( الدموع) لتقود كل هذا ضمن المسافات في لحظة وداع من نحب: لم أزل كما أنا غيمة في اللغة البكر لم أزل كما أنا حلم يوثق النوم والعشاق أستحي من موعد عاطفي وزر يتطاير من قميص كحلم طائش جربت أن أرتدي لون يديك وأتقاسم معك المشي حين تبتعد عنا الأرض حيث الزمن المباغت لكأنك أيها الطفل أمام المرآة مغزل يدور في الفراغ وهنا في هذا المقطع تحاول أن ترجع إلى ذاتها لتبين أنها لم تنهر كانعكاس إلى روحها وكبريائها وبأنها لا تهتم لغيابه..بل هي ستبقى كما هي ( لم أزل كما أنا / غيمة في اللغة البكر/ لم أزل كما أنا حلم يوثق النوم والعشاق ) وهذه ردة فعل طبيعية اتجاه الذات بسبب رحيله وتجاهلها بفراقه وهي ترجع إلى الدلالة الصورية الأولى في بداية القصيدة مستمرة بقدر ما أظهره الفراق ما سببه لها من ألم ودموع ترجع إلى ذاتها لتنتفض تحقيقاً لكبريائها ضمن حوار مع الذات حول ما سببه فراق من تحب وهي تعيش الوعي الداخلي بمرارة الفراق الذي هو يمثل الواقع الخارجي ونحن ندرك أنها تعيش حالة من التخيل الصوري التي لازمتها منذ فراقه وقد استخدمت الاستعارة لتكون أكثر عمقاً لتلتئم فكرتها مع عاطفتها في جودها الحسي حيث تبتدئ أنها كما هي غيمة في اللغة البكر أي أنها لن تتأثر بفراقه بل هي كما هي حلم يوثق النوم والعشاق أي أنها تمتلك السيطرة الكاملة على حياتها كما ترغب هي وليس كما يرغب هو وهي بهذا لم تخرج عن التوازن النفسي بسبب فراق ذلك الحبيب فهي بعد فراقه بدأت تشعر بالندم على تأثرها إلى حد أنها تستحي من هذه المشاعر فهي تمتلك الكبرياء والروح ومع هذا فأنها تمتلك حزناً خفياً تحاول ألا ًتظهره كي لا تبدو كحلم طائش بعد فراقه وهنا تريد تأكد الشاعرة أنها تعيش فراقه داخل روحها كي لا يتصورها الآخرين بحالة ضعف لأنه تجاهلها وسافر بعيداً عنها ( أستحي من موعد عاطفي وزر يتطاير من قميص / كحلم طائش /جربت أن أرتدي لون يديك ) حيث هي ترجع إلى كبريائها ومحاولة منها لإبعاد الألم والحزن حيث تصوره بصورة تصغر من أهميته في حياتها وأنه لا يستحق كل أحزانها فهو لم يكن جديراً بها ولم تعد تهتم لفراقه ( وأتقاسم معك المشي حين تبتعد عنا الأرض /حيث الزمن المباغت /لكأنك أيها الطفل أمام المرآة مغزل / يدور في الفراغ ) أي الشاعرة بقدر ما تألمت بفراق من تحب تحاول أن تخرج ذاتها من أزمته وما يتبعها من ألم بالرجوع إلى ذاتها كي ترتقي بمشاعرها إلى حالة من النبل والطيبة (وأتقاسم معك المشي حين ) وفي نفسها ترتد عليها ذاتها بأن الذي فارقها لم يكن يستحق ألمها فهو لم يكن سوى طفل لا يعرف قيمتها وإنسانيتها لهذا تبتدئ بتصغيره فهو لم يكن سوى مغزل يدور أمام المرآة (لكأنك أيها الطفل أمام المرآة مغزل / يدور في الفراغ) وهنا تبرز دالة كبيرة في تحديد المعنى في المدلول حيث المغزل لا يدور ولا يترك بدون اليد وبهذا فأن الشاعرة استطاعت أن تخلق حدثاً سيميائياً في الربط بين الرؤيا التي يوجه المتلقي إلى الأثر الدالي في النص الذي يحدد أنساقه ومن ثم توحي بدلالاته التي يرتكز عليها هذا النص وهو اليد التي هي المكاشفة الحقيقة في المعنى كي تضفي على اليد كدالة تأويلية في مساحة الربط بينها وبين من تحب فبعد أن كانت تريد أن ترتدي لون يديه أصبحت هي المتحكمة فيه من خلال يديها التي تتحكم بالمغزل و هو رمز وصفي تخيلي إلى قدرة ذاتها على السيطرة على الأخر نتيجة عدم مبالاته بفراقها والابتعاد عنها فالشاعرة بقدر ما خلقت نص علنياً استطاعت أن توجد ضمن هذا النص صورة تخيلية ذهنية كي تبين لذاتها أنه لم يكن جديراً بها لأنه محض فراغ ( يدور في الفراغ) لكأنك ميلاد قمر في حوض النرجس يقطر بين أصابعك العشب كأرض تعيد حلمها القديم كهذا الصراخ المترامي على العتبات افتح عذاباتك أكثر واقتبس الموج الذي يتدفق من النافذة كضوء ينتظر انتهاء الليل . وتستمر الشاعرة في وصف الذي فارقها بأوصاف كي تبعد عنها كل آلامها بسبب فراقه وعدم مبالاته بهذا الفراق حيث تصفه بأنه مغرور ومتعال عليها لهذا فهو غير جدير بها (لكأنك ميلاد قمر في حوض النرجس/ يقطر بين أصابعك العشب/ كأرض تعيد حلمها القديم) والنرجس هنا ليس إلا دلالة على أنانيته وحبه لذاته وعدم اهتمامه بها فهو يقطر من أصابعه العشب كأرض لا تمتلك سوى حلمها القديم أي أنه أرض خاوية كأرض البور حتى في أحلامها فهو لم يعد يمتلك حلم الحاضر وتطورات الحياة بل هو يعيش في القديم الذي كانت الحياة فيه غير متوازنة في العلاقات الإنسانية هي هنا تريد أن تقول له أن حياته وإنسانيته غائبة لأنه لم يكن سوى صراخ مترامي على العتبات لهذا عليه أن يعرف نفسه أكثر ويفتح عذابه لكي يقتبس النور القادم من الفجر كي يطهر روحه من نرجسيتها و يعيد توازنه إلى ذاته يتخلص من ليل مشاعره وينتظر الفجر ليطهر روحه من نرجسيتها (كهذا الصراخ المترام على العتبات /افتح عذاباتك أكثر / واقتبس الموج الذي يتدفق من النافذة /كضوء ينتظر انتهاء اللّيل ) الشاعرة استطاعت أن تصل إلى مغزى عبر الدلالات التي يتم عن طريقها تحقيق المنهج السيميائي بعد أن كشفت وظائف رمزية في النص وتعلن عنها من خلال مكونات دلالية مكتنزة الثراء والمعنى حيث أنها بقدر ما خلقت نصاً علنياً بقيت محتفظة بأنزياحات تخيلية من خلال دلالة اليد والمدلول عليه بعد من تحب وهي بهذا حققت ازدواجاً دلالياً من خلال تحريك اللغة في تحويل الحدث الشعري من قول إلى قول وفق نسق إدراكي تسقط عليه انفعالاتها وتشكل من هذه الانفعالات نصاً شعرياً محتدم بالرمز والإشارات اللغوية ضمن مخيلتها الشعرية وعواطفها والشاعرة خلقت نصاً يؤثر في المتلقي بشكل كبير.