لقد جاء في الأثر: "حب الوطن من الإيمان" فالإيمان كلمة لها مغزاها ومعناها ولها دلالتها، إذا اتسم بها الإنسان استراحت نفسه، وهدأ خاطره، واطمأن وجدانه. والحياة السعيدة الهادئة لا تتحقق إلا في وطن آمن مستقر، ليس فيه مستغل فاجر، أو مستبد ظالم، أو انتهازي فاسد، أو سلبي غير مكترث بما يحيط به وبمجتمعه من أخطار ومفاسد. ومن صفات المؤمن أن يحب وطنه الذي نبت فيه، وعلى أرضه درج، وبين أرجائه نشأ، ولقد أنعم الله علينا بهذا الوطن الذي نتشرف بالانتماء إليه، وننعم بخيراته، ما يستوجب علينا الحفاظ عليه من عبث العابثين، وحقد الحاقدين، وفساد المفسدين، وغدر الغادرين، وتآمر المتآمرين. ولتحقيق ذلك علينا أن نقوي ثقتنا بالله، ونطهر أنفسنا من نوازع الشر، حتى نقلع عن شهواتنا الدنيئة، ورغباتنا الوضيعة، ونتهيأ لاستجابة دعوة الحق، ووسيلتنا إلى ذلك الإيمان الصادق بالله، لنرتقي بنفوسنا إلى المستوى الإنساني. فالإيمان الصادق بالله يقودنا إلى تخليص نفوسنا من الأمراض الاجتماعية الخطيرة ويشفينا من نوازعنا الشريرة، ويحررنا من الأثرة وحب الذات،التي تتولد عنها كل رذيلة، والشخص الذي يستسلم للرذيلة لا يمكن أن يكون مواطناً صالحاً، وليس بإمكانه أن يسهم في بناء الوطن، فهو شخص ينزع للتخريب والتدمير وإتلاف كل ما هو جميل ونافع في المجتمع، ومثله لا يمكن أن يكون مواطناً صالحاً، ولا في مقدوره أن يحمي وطنه من الأعداء، ولا في استطاعته الدفاع عن أرضه وعرضه وشرفه وكرامته، لأنه شخص يحمل في نفسه الأحقاد والضغائن للآخرين من أبناء وطنه، لذا فان ولاءه للوطن ضعيف،وانتماءه لمجتمع محدود، وبالتالي هو لا يستطيع أن يسهم في بناء الوطن، ولا رغبة لديه في الاندماج الاجتماعي. فهو يؤلمه أن يرى شخصاً آخر وهبته الحياة مركزاً أسمى، أو مكانة ارفع، خاصة إذا كان هذا الشخص يمت إليه بصلة قرابة أو صداقة أو زمالة أو معرفة، فإن رقي هذا الشخص يحز في نفسه، ويدفعه إلى ارتكاب ما ينافي الإنسانية ويجافي الفضيلة، ولو كان في ذلك الإضرار بالوطن وأهله. إن أول ما يفعله الشخص الحاقد بث الإشاعات المغرضة، وإثارة الفتنة في المجتمع، فهو يتمنى زوال النعمة عن الناس، فيستبيح المحرم، ويستملح المستهجن، ويستحسن ما لا يليق، فان حصل من وراء مغامراته هذه على مراده، ووصل إلى ما كان يرجوه ويبتغيه، امتلأ زهواً وصعر خده للناس، ونظر إليهم شزراً، ومشى مشية المتكبرين، محاطاً بالحرس، والزبانية، وان خاب سعيه ولم يصل إلى ماكان يؤمل أصبح منغص العيش، ضيق الصدر، ميت الضمير، جاف العاطفة يتبرم من كل شيء، ويتضايق من محيطه، فيقضي نهاره مكدوداً،وليله قلقاً مضطرباً، وينظر إلى الحياة نظرة سوداوية، متبرماً من حظه العاثر، وحياته الساقطة، فيعيش ساخطاً على نفسه، وناقماً على مجتمعه ووطنه. وقد تدفعه نفسه المريضة ودوافعه الشريرة إلى ارتكاب مجموعة من الرذائل، أو عمل بعض الأفعال المنكرة، كالسلب والنهب والتخريب وإتلاف كل شيء جميل في المجتمع، ومن يفعل ذلك لا يمكن أن يكون مواطناً صالحاً، لأنه سرعان ما يرتبط بأعداء الوطن، ويصبح جزءاً من الطابور الخامس الذي يزيد ويتسع ويتنامى مما يشكل خطراً حقيقياً على المجتمع، فلنكن حذرين من الطابور الخامس، ونتنبه لخطره على البلاد والعباد، ونتحصن من شروره بالإيمان وحب الوطن، فحب الوطن من الإيمان. * خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان