موقف بطولي.. مواطنون يواجهون قياديًا حوثيًا ومسلحيه خلال محاولته نهب أرضية أحدهم.. ومشرف المليشيات يلوذ بالفرار    إصابة مواطن ونجله جراء انفجار مقذوف من مخلفات المليشيات شمال لحج    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    للجنوبيين: أنتم في معركة سياسية تاريخية سيسقط فيها الكثير وتنكشف أقنعتهم    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    أقذر أنواع الحروب هي حرب الخدمات... بريطانيا وإسرائيل أشرف من الاحتلال اليمني    يوفنتوس يتوج بلقب كأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    تسليم الجنوب لإيران "لا يجب أن يتم عن طريق دول الجوار"    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    أوقفوا هذا العار.. إعلان إسرائيلي غاضب ضد ''توكل كرمان'' بسبب تصريحاتها الجريئة عن حرب غزة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    عاجل: قبائل همدان بصنعاء تنتفض ضد مليشيات الحوثي وتسيطر على أطقم ومعدات حوثية دخلت القبيلة "شاهد"    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    الكشف عن ترتيبات أمريكية مؤلمة للحكومة الشرعية وقاسية على القضية الجنوبية    هل تتجه المنطقة نحو تصعيد عسكري جديد؟ كاتب صحفي يكشف ان اليمن مفتاح اللغز    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    نجل قيادي حوثي يعتدي على مواطن في إب ويحاول ابتزازه    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    تطور مفاجئ.. فريق سعودي يقدم عرضا ضخما لضم مبابي    اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    استعدادا لمواجهة البحرين.. المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في سيئون    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    بريطانيا تخصص 139 مليون جنيه استرليني لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن مميز    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    دعوة مهمة للشرعية ستغري ''رأس المال الوطني'' لمغادرة صنعاء إلى عدن وتقلب الطاولة على الحوثيين    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(الحصار والحب من أجل الانتصار) لصالح قائد الكهالي ( 3 –4 )
مذكرات مقاتل من حصار صنعاء 67و1968م
نشر في 14 أكتوبر يوم 05 - 02 - 2014


المعركة الأولى مع الفريق حسن العمري :
بعد قطع طريق صنعاء _تعز وجدت نفسي ذات يوم في بيت الفريق حسن العمري كانت الساعة السابعة صباحا، وبدا الجنود يتساءلون: (الفريق خارج اليوم بحين ما ندري أين هو موجه بنا اليوم، طريق تعز مقطوعة والفريق يريد أن يفتحها مهما كانت النتيجة ) وقال آخر: ( مطار الرحبة قد أصبح تحت رحمة مدفعية قاسم منصر ومحتمل أن يهاجموا جبل براش وجبل نقم كون هذين الجبلين أهم الجبال المحيطة بصنعاء على الإطلاق ) .
والمعروف عن جبل نقم انه مستودع الأسلحة والذخائر فهو أهم الجبال حول صنعاء. وهو ذو أهمية خاصة أيضا بسبب وجود المخازن الأرضية التي حفرت فيه منذ فترة طويلة. أما جبل براش فهو ارفع وخلف جبل نقم ولكنه قريب منه جدا وهو جبل حصين يسيطر على الجهات الشرقية من جبل نقم وعلى رأس نقم كذلك من الجهة الشمالية الشرقية ،كما انه امتداد لسلسة جبال مترابطة مع جبال خولان العليا وبني حشيش المجاورة لهذا الجبل الحصين ، وقد ظلت المحاولات المستمرة لاحتلال جبل براش وجبل نقم طوال فترة الحصار وحتى بعد الحصار نفسه ،وكانت القوات التي رابطت في هذين الجبلين اللذين يعتبران أكثر الجبال قربا من صنعاء القديمة مشكلة من وحدات المظلات وطلبة الكلية الحربية من الدفعة السادسة والسابعة وكان لواء النصر يحتل جبل براش وهذه الوحدات تعتبر من الوحدات الأكثر وفاء وإخلاصا لثورة سبتمبر 1962م وقد تحملت الكثير من بداية الثورة ، فقد قدم لواء النصر عشرات ومئات من الشهداء وقدمت المظلات بدون حدود ، كما قدمت كل وحدات الثورة التي تم إنشاؤها بعد قيام ثورة 26سبتمبر 1962م خدمات جليلة.
يسار الصورة العميد محفوظ سعيد الحكومة قائد سلاح السواحل إلى عام 1983 وسط الصورة العميد عبدالسلام نعمان نائب قائد لواء الحديدة يمين الصورة أمين أحمد سيف المغلس (تونج)
بعد الحوار بين الجنود أمام بيت الفريق العمري استعد الحرس للتحرك فقد خرج الفريق من بيته وركب سيارة سوداء من صنع أمريكي ، وكانت أشبه بسيارة كاديلاك وقد تحركت سيارات الحراسة وكان عددها أربع سيارات من نوع تويوتا طقوم مسلحة :
وأخذت السيارة الأولى تشق طريقها من بيت الفريق مارة بشارع جمال عبد الناصر ، بينما كانت (ونانات) الحريق التي زودت بها تلك السيارات ترعب المدينة ، وكان الفريق يرفع يده يحيي المواطنين الذين كانوا ينظرون إليه بسخرية واحتقار ، ولم يرفع أي مواطن يده لتحية الفريق عدا بعض العسكريين المارين في الشارع ، وبعد دقائق مر الفريق مسرعا من طريق باب اليمن واتجه نحو طريق صنعاء تعز وكان الناس يتساءلون (عما إذا كان الفريق قد خرج في الشمس الحامية لفتح الطريق بخمسة وثلاثين فردا من الحرس الجمهوري"؟)، وعندما وصلنا بيت معياد خارج صنعاء جنوب غرب جبل نقم كانت مئات القبائل تتجمع هناك استعدادا لفتح الطريق .ووقف الفريق للتفاهم مع المشايخ الذين كانوا على رأس القبائل التي صرفت لها الذخائر والأموال وكان الجندي لا يستلم حتى ربع ما يستلم القبيلي وبعدها أخذت القبائل نصيبها من الذخيرة والنقود وبدؤوا الهروب من بيت معياد إلى صنعاء ".
وكان خمسون فرداً من المقاومة الشعبية، واغلبهم من الطلبة قد لحقوا بحرس الفريق ، وبعد ساعة من الحوار بين الفريق والمشايخ وبعض الضباط اتجه الفريق بسيارته السوداء وانطلقت أمامه سيارتان من الحرس وخلفه سيارتان وألحقت عدة سيارات مدنية تحمل كمية من الذخيرة الخفيفة (والكدم) وعلى بعد كيلو متر من بيت معياد بدأت أول قذائف مدافع الهاون من سود حزيز وبيت بوس وارتل ودار سلم وكان القصف كثيفاً ارغم الفريق على أن يحول اتجاه السيارة إلى (تبة شرقاً) بجانب الطريق (سميت فيما بعد تبة العمري) وقد وقعنا في هذه (التبة) أمام مرمى الرشاشات والمدافع لقوات الملكيين التي شكلت كماشة من حولنا وقد أصبحنا تحت القصف ودارت معركة عنيفة كنا فيها نتلقى ضربات قاتلة من جميع الجهات واخذ قصف المدفعية الهاون يركز على كل شبر من التبة ومن جميع الجهات، حتى خط الرجعة قطع وبعد نصف ساعة وصل إلى (التبة )العقيد عبود مهدي ومعه سيارة تحمل مجموعة من الجنود وقد اشتد القصف علينا وكان الفريق مع عبد السلام صبرة الذي كان نائبا لرئيس الوزراء للشؤون الداخلية وكان بصحبته دائما وقد ترك الفريق سيارته المقفصة مع صبرة وبعض المرافقين مثل العقيد عبود مهدي والطهيف عبد الله وهو من أرحب وملازم ثانْ ؛ صالح قائد الكهالي كاتب هذه السطور والنقيب سيف الخامري قائد سرية حراسة الفريق، وكان النقاش يدور حول قوة الملكيين وبينما كانوا في ذلك النقاش في إحدى الحفر وسط التبة إذا بقذيفة هاون تنفجر بجانبنا على بعد مترين وقد أصبت أنا بشظية صغيرة بحجم الإبرة الكبيرة ودخلت تحت جلد راسي، وبعدها شعر الفريق ومن معه بالموت.
الشهيد ملازم أول عبده قاسم الصلوي مدرب الصاعقة الأول شهيد السبعين في منطقة دار حيد ورفيق معد الكتاب في أول دفعة صاعقة في اليمن أيام الشهيد النقيب حسن رسمي المصري 1963م وكان أول قائد دفعة صاعقة يمنية وسط الصورة شرف الوشلي الدفعة الأولى ورفيق الشهيد جار الله عمر يمين الصورة رقيب أمين أحمد سيف المغلس دفعة ثانية صاعقة التقطت الصورة عام 1963
فأسرع إلى سيارته المقفصة، وفي أثناء مروره في الطريق إلى السيارة بينما نقاتل من موقع إلى آخر، بأسلحة خفيفة ومتوسطة لا تصيب العدو ولاتصل إلى مواقعه ، وبعد أن غيرنا المكان إلى جزء آخر من (التبة ) سقطة قذيفة أخرى فقتلت وجرحت مجموعة، وكان منهم النقيب محمد سيف الخامري الذي بترت رجله وهو قائد سرية الحرس للفريق كما سبق الإشارة وكان من ضمن الجرحى العقيد عبود مهدي الذي عرفته ذلك اليوم وكان برتبة مساعد عند قيام الثورة بجيش السعودية، حيث انضم إلى صفوف الثورة وخاض عدة معارك وحصل على ترقية، نظراً لأنه أول من أسس وحدة المظلات في اليمن مع القوات العربية المصرية.
وفي هذه اللحظات سقطت عدة قذائف على السيارات المدنية التي كانت تحمل الذخيرة والمؤن الأخرى وقد قتلت مجموعة أخرى وجرح البعض لم نعرف عددهم أو أسماءهم لان الوضع كان خطيراً جداً وكل فرد كان يبحث عن مكان يلجأ إليه في جحيم مدافع الملكية ورشاشاتها عيار-(50) أمريكي الصنع أما الفريق فقد دخل في سيارته التي تبين أنها ضد الرصاص وضد الشظايا وبينما أفراد المقاومة يقاتلون بسلاحهم التشيكي وكذلك نحن بعض أفراد حرس الفريق الذين لم يكونوا يعرفون أن الفريق سوف يفر هارباً، وسقطت عدة قذائف أخرى في عدة أماكن من التبة واشتد الضرب على كل متر ونقطة حتى الرشاشات الثقيلة أخذت تصب نيرانها بغزارة على كل من يحاول اللحاق بسيارات الفريق والسيارات المنسحبة وقد ترك الفريق الجرحى والقتلى على ارض المعركة ولم يأخذ معه واحدا منهم، وعندما هرب الفريق بعد الانكسار الذي منينا به في ذلك اليوم الأول، للهجوم لفتح طريق تعز- صنعاء واجهنا صدمة عنيفة نحن الباقين في تلك (التبة ) عندما وجدنا أنفسنا تحت الحصار ووجدنا أن الفريق قد هرب مع جميع السيارات عدا ثلاث سيارات مدنية وأخرى عسكرية كانت قد عطلت وسقط البعض منها وكانت قد دمرت بما فيها من عتاد وما بقي سقط بيد العدو وكانت مواقعنا قد بدأت توجه نيرانها من تباب مواقعنا في( الحفاء) جنوب جبل نقم على مواقع (الملكيين) وبعد ربع ساعة لم نشعر إلا بهجوم سيارات (فورد) الأمريكية (ونيت) السريعة التي كانت تحمل القاذف الصاروخي والرشاشات الخفيفة والثقيلة وقد اندفعت نحونا وكانت مواقع مدفعيتنا بعيدة عنا، بينما أرسل قائد سلاح المدرعات ثلاث دبابات إلى مسافة كيلومترين من التبة التي كنا محاصرين فيها وقد حاولنا الانسحاب بعد أن وصلت إلينا سيارتان نقلتا بعض الجرحى والقتلى من التبة التي سميت (تبة العمري) فيما بعد، وهي تقع بالقرب من سواد حزيز في المكان الذي قتل فيه الطاغية الإمام يحيى حميد الدين في حركة 1948م، وعندما تأكدنا من إخلاء القتلى والجرحى حاولنا الانسحاب وثبت لنا أن جميع الأفراد انسحبوا ولم يبق إلا عشرة من الحرس والباقي من المقاومة الشعبية وأحد المقاتلين من لواء الثورة كان في إجازة فاندفع متطوعاً. وكان احد الجرحى قد ترك على بعد (150) متراً من التبة طرف غيل صنعاء وكان الجرح في يده اليسرى بليغاً جداً وبينما كنا في حالة انسحاب إذا بالملكيين يهجمون علينا ويحاولون أسرنا ولكن قصف الدبابات كان قد اقترب منا وساعدنا وحمى انسحابنا والخروج من الحصار كما ساعدنا قصف مدفعيتنا من مواقع الحفاء. وقد انسحبنا تحت قصف عنيف من مدفعية العدو وكانت الأطيان التي انسحبنا منها محروثة بالحراثة فكانت أحذيتنا تغوص في الطين ما سبب صعوبة شديدة في سرعة الانسحاب وكانت ضربات الرشاشات الثقيلة شديدة التأثير علينا ولم نستطع مواصلة الانسحاب إلا على دفعات صغيرة وكانت طلقات العدو تنزل علينا مثل البرد وكان علينا السقوط على الأرض كلما سمعنا أزيز قذائف هاون العدو الأمريكي التي تحمل يد الصداقة الملعونة حتى اقتربنا من منبع غيل صنعاء. وكان غير معروف لنا مسبقاً حتى تلك اللحظة الرهيبة ونحن نواجه الموت المحقق حيث ساعدنا كثيراً النزول والبقاء فيه وحمانا من ضرب الرشاش ومدفعية العدو فقد كان شبيها بخندق هندسي وكان يتجه نحو صنعاء.
وكان احد الجرحى آنف الذكر قد نزل فيه وبجانبه فرد يساعده وبالرغم من الإرهاق وحرارة الشمس وجو المعركة وبعد نصف ساعة من المشي وسط غيل صنعاء بين الماء والوحل الطين وصلنا إلى أطقم الدبابات، وكان تعاملهم مستمراً مع مدفعية العدو وبصورة غاضبة وكان تأثرهم أكثر وغضبهم اكبر من خطة الهجوم المكشوفة والفاشلة فلم يحدث أن قائدا عسكرياً يهاجم في وضح النهار ومن أمام العدو وبدون قوة وبدون تخطيط وإعداد لذلك الهجوم وتبين لنا أن القبائل التي كانت قد تجمعت صباح ذلك اليوم في بيت معياد خارج صنعاء قد أخذت النقود والذخيرة وعادت إلى صنعاء وبدؤوا على الفور ببيع الذخيرة بشكل مكشوف. وتلك كانت حالة الجمهورية مع القبائل بشكل عام منذ قيام الثورة والجمهورية وطيلة فترة الحرب (الأهلية) كما سميت والتحريرية.
وقد فهمنا بعد العودة إلى صنعاء أن الفريق العمري كان يريد حدوث خسائر بين صفوف المقاومة الشعبية والجنود المدافعين عن صنعاء الجمهورية حتى يدب اليأس في صفوف القوى الجمهورية المدافعة عن صنعاء وكانت نتائج تلك العملية سيئة للغاية إذ أثرت على معنويات الجنود المدافعين عن مواقع جبل نقم وبراش والنهدين لأنهم كانوا يراقبون المعركة من الصباح وعند وصولنا إلى مواقع الحفاء في حالة إنهاك شديد، حدث هجوم على ما تبقى من السيارات والعتاد في تلك التبة وخاصة السيارات التي أصيبت في كفراتها وسلمت من الحرق.
ويمكن استخلاص عدة نقاط من تلك المعركة كما يلي:
كانت المعركة عملية مرتجلة وغير مخططة ولم تكن لدى الفريق أي قوة للهجوم وكان لا ينوي من هذه المعركة سوى تحطيم معنويات الجنود والمقاومة الشعبية في صنعاء المحاصرة، حتى يحقق هدفه الخفي بتسليم صنعاء بعد رفض القوى الوطنية المقترح في الاجتماع الذي صوتوا ضده وطرحوا(الجمهورية أو الموت).
كانت نتائج الانكسار الذي منينا به سلبية تماما على جميع المواقع العسكرية المدافعة عن صنعاء.
أعطت المعركة صورة للمرتزقة والملكيين بأننا غير قادرين على القيام بأي محاولة مماثلة لتلك المحاولة الفاشلة، وكنت قد طرحت للفريق صباح ذلك اليوم وقبل تحركنا من بيت معياد انه لابد أن يكون الهجوم منظماً ومن جهات مختلفة وخاصة من الجبال الإستراتيجية،إلا انه - أي الفريق العمري - سخر من كلامي وأجاب بعصبية قائلا:( لابد من فتح الطريق اليوم وهذا العدو جبان أول ما تظهر عليه يهرب) ولم اكرر الحديث معه فقد أصبت بخيبة أمل أن يكون رأيه وتصوره للعدو بتلك الصورة الغريبة، وبعد هذه المحاولة الفاشلة، وهي الأولى منذ بداية الحصار، شعرت كما شعر كل جندي وضابط بمرارة من تلك الأعمال الفوضوية التي يقوم بها الفريق، لكننا لم نكن نعرف نواياه الحقيقية والدور الذي كلف به، ولم يتضح دوره إلا فيما بعد الحصار.
من قرأ صحف بيروت بعد الحصار يستطيع التأكد من تلك التسمية التي أطلقتها على أبلد قائد عسكري عرفه شعبنا اليمني لقد عاد الفريق إلى بيته وهو مرتاح البال، فقد حقق الهدف المطلوب وهو كسر وتحطيم معنويات المدافعين عن صنعاء وبدأ يردد عبارات مثل:( إن الملكيين كلاب، وانه قد أوقع بهم خسائر كبيرة"؟) بينما الحقيقة، هي كما شرحتها وكانت تلك أول معركة أخوضها مع حرس الفريق حسن العمري في بداية حصار صنعاء، الملحمة التاريخية، التي ثبت فيها النظام الجمهوري والثورة الخالدة بعد انسحاب القوات العربية المصرية بعد هزيمة يونيو1967م وعدنا إلى مواقع الحفاء مع الجريح الذي تم إسعافه إلى مستشفى الثورة،فورا وقد أمسينا،إلى جانب جنود المدفعية الذين كانوا يشكون من مشاكلهم العديدة فقد تبين لنا أنهم بدون ملابس وأحذية، وتبين أن أطقم المدفعية ناقصة وغير مكتملة ولم يكن هناك إلا خمسة أفراد بعد المدفع عيار (85) مم/د الذي يفترض أن يكون عدد أفراده ثمانية أفراد، كذلك لم تكن هناك حماية كافية من جنود المشاة ومع هذا كان الجنود مصممين على الدفاع عن الجمهورية حتى النصر أو الموت، وكانت معنوياتهم عالية جدا وفي تلك الليلة تشجع الملكيون في جميع الجبهات المحيطة بصنعاء وشنوا هجوماً عنيفاً في قرية الجرداء التي كانت على مقربة من الحفاء وسط الوادي حتى احتلوا نصف القرية كما احتلوا تبة الحفاء المطلة على مواقع مدفعية الحفاء قرب جبل نقم، وكان هجوم تلك الليلة عنيفا فلجأنا إلى طلب النجدة من وحدة الصاعقة التي أرسلت فصيلة من الصاعقة تمكنت من استعادة التبتين عند الفجر،بعد قتال عنيف استمر طوال تلك الليلة.
أما جبل نقم وحصن براش وتباب النهدين فقد شهدت تلك المواقع معركة مستمرة حتى الصباح وقد تمكن الملكيون مع مرتزقة أمريكا والسعودية من احتلال تبتي النهدين جنوب المطار الجنوبي بعد أن طردوا سرية من مجندي اللواء العاشر، وبعد أن دارت المعركة بالسلاح الأبيض سقط خلالها العشرات من الشهداء من سرية اللواء العاشر ولكنها أعيدت بهجوم مضاد عند فجر اليوم الثاني وتمت إبادة مجموعة كبيرة من القبائل والمرتزقة. وقد لعبت المدفعية دورا مهماً ورئيساً في إبادة تجمعات العدو في تبتي النهدين بالذات بسبب قربها من مواقع المدفعية التي كانت في المطار الجنوبي، على بعد كيلومتر تقريبا من تبتي النهدين .
وفي اليوم الثاني عدنا بسيارة المدفعية من مواقع الحفاء متجهين إلى صنعاء وكنا نتوقع الموت في كل ثانية وفي كل دقيقة كانت معنوياتنا، رغم هذا النصر، ما تزال مرهقة وحزينة بسبب فشل الهجوم الذي قاده الفريق حسن العمري الذي كان القائد العام للجيش، كما أن بقية المواقع المدافعة عن صنعاء كان قد وصلها الخبر، وكان له اثر نفسي سيئ ولم يكن احد يعر ف أن الفريق العمري كان يريد لنا تلك الهزيمة التي كان هو على رأسها وعلى رأس مدبريها، ووصلنا صنعاء وكانت شظية المدفع الهاون التي أصابتني في اليوم الأول لا تزال تحت جلد رأسي وكانت الحمى قد بدأت تزلزل كل جسمي. أنزلتنا السيارة في باب اليمن، فاتجهت نحو مستشفى الثورة العام الذي بني بمساعدة الاتحاد السوفييتي، وكان حتى ذلك التاريخ واليوم، بعيداً عن القصف المدفعي للملكيين المرتزقة وتم في المستشفى إخراج الشظية وحصلت على العلاج اللازم للحمى الشديدة التي كانت قد أثرت علي تأثيرا شديدا وتبين أنها كانت بحجم الإبرة الكبيرة ولها زعانف في جميع جوانبها وخرجت من المستشفى بعد العلاج، وكانت الساعة التاسعة صباحا وكانت قذائف مدفعية الملكيين الصاروخية التي كانت تطلق من بيت بوس في اتجاه باب (الحرية واليمن) من صنعاء القديمة تهز بانفجاراتها مدينة صنعاء بأكملها، وكان الهدف من التركيز على باب اليمن هو وجود المباني الجديدة ومحطة البترول هناك التي شيدت بعد قيام الثورة. وقد كنا نحذر من المشي في شوارع صنعاء حتى لا نقع صيدا سهلا لقذائف ،وقنابل مدفعية العدو وبينما كنا في موقع القتال الأمامية الأخرى لسنا بحاجةً لمثل هذا الحذر، نظراً لوجود المراقبة التي كانت يقظة ومنتبهة لأية محاولة قصف لمواقعنا.
كنا نفضل عند دخول صنعاء ركوب الدراجات النارية السريعة حتى نتجنب الوقوع، ضحية للقصف الجنوني الطائش الذي لم يكن يميز بين السكان المدنيين والمواقع العسكرية وكان من يسقط في شوارع صنعاء إثناء مروره بها وخاصةً نحن العسكريين، يوصف:(بالجبن والتهرب من مواقع القتال) وقد حدث أن سقط بعض الجنود بينما هم يمرون بشوارع صنعاء فكانت النتيجة اتهامهم بالخوف من القتال وبالهروب إلى صنعاء من المواقع التي كانت تتلقى سيلا من القذائف يكاد يكون مستمراً وبدون انقطاع. لقد كنت أسأل نفسي دائما: لماذا هذا التصرف الساذج من قبل الفريق حسن العمري القائد العام للقوات المسلحة؟ يا لها من بلادة إلا يطبق التكتيك العسكري الذي تعلمناه بالكلية الحربية كيف حدث هذا الهجوم الأبله لقد وقعنا كما تقع الفئران في المصيدة فقد دفع بنا الفريق إلى قبضة العدو وأصبحنا تحت رحمة مدفعيته وأسلحته وهو يطوقنا من جميع الجهات، ولم استطع تحمل الصدمة الشنيعة التي منينا بها فزادت الحمى ارتفاعا وقد اعتنت بي عمتي في بيتهم بصنعاء القديمة عناية كاملة واستخدمت العلاج بصورة منتظمة والكمادات، وبقيت في البيت ونمت من الساعة العاشرة صباحاً حتى السادسة ليلا عندما بدأ أذان الإفطار ومعه اخذ الملكيون يوجهون قصفهم الشديد اعتقادا منهم أن ذلك الوقت هو الوقت الملائم الذي يمكن أن يصيبوا خلاله اكبر عدد من الناس،وكان البيت الذي انزل فيه يقع في الأحياء القديمة في سوق الملح وفهمت أن اغلب سكان البيوت المجاورة هم من أنصار الملكية والإمام، ولذلك فقصف هذه (الأحياء والحارات) كما تسمى في صنعاء غير وارد. لقد قصفت المدينة في تلك الليلة بحوالي ستين قذيفة شديدة الانفجار كانت كلها مركزة على الشوارع الجديدة وقيادة الجيش (بالعرضي) ومقر قيادة سلاح المدفعية الذي يقع خارج باب اليمن (الحرية)، وعرفت أن إحدى القذائف قد سقطت على الطابق العلوي لأحد المباني المجاورة لباب الحرية وقد دمرت (المفرج) الأعلى وسقطت قذيفة أخرى على ركن بيت احد الجزارين فانهارت العمارة بكاملها فقتلت زوجة الجزار مع خمس من بناته دفن تحت الأنقاض، وسرت شائعات تقول:(أن الجزار كان ظالماً وسيئا للمواطنين) حيث كان يعاملهم بحقد وخاصةً الفقراء منهم وتبين انه رجعي.
وقد ارتاح الأهالي لما حدث له وكان بعضهم يقول ( قنابل الملكيين تقتل الرجعيين قبل أن تصل الجمهوريين) ثم سرت شائعات أخرى تقول: (الملكيون يضربون أنصارهم داخل صنعاء) وبعد الساعة الثامنة مساء بدأ البركان يشتعل فبينما كانت الحمى في جسمي على أشدها بدأ الهجوم الشديد على مواقع جبل نقم والحفاء والنهدين وعصر وقد صعد أهالي صنعاء القديمة إلى سطوح المنازل العالية لمشاهدة الاحتفال الليلي الذي أصبح ساريا كل ليلة وصعدت عمتي مع أختها وعندما اشتدت المعركة وكانت الساعة قد قاربت العاشرة مساًء صاحت عمتي قائلة (ياصالح اطلع ابسر جهنم ) شعرت حينها أن الحمى قد خفت وأسرعت إلى سطح العمارة، وكانت مرتفعة بما فيه الكفاية ، وكانت هذه هي أول ليلة أشاهد فيها القتال وأراقبه بدقة وكان جبل نقم المطل على شرقي صنعاء وكانت المدافع الرشاشة المنصوبة فيه تضرب بشكل هستيري على طول امتداده كان ذلك المشهد مفزعاً للأهالي في صنعاء حتى توقع البعض أن نكبة 1948م باتت محتملة، وقد أكد فيما بعد الطالب ناجي مسعد المضرحي من الدفعة السادسة في الكلية الحربية (انه ضرب في تلك الليلة بالرشاش حتى ولعت الماسورة وأحرقت يده عندما حاول تبديلها) أما تبتا النهدين فقد كانت الوحدات المركزية قد استعادتهما بعد أن سقطتا عدة مرات بيد القوات الملكية عندما كانت سرية المجندين من اللواء العاشر من المشاة في ذلك الجبل الصغير، وهو يشبه الرسم المدبب أو الهرمي خلفه تقع قرية بيت بوس وارتل من جهة الجنوب الغربي وتقع قرية حدة وسط غابة من أشجار المشمش والجوز واللوز، بينما جبل ظفار الذي يعتبر امتداداً لعيبان يسيطر سيطرة كاملة على المطار الجنوبي وكانوا يسمونه (المطار العدني) وتبة النهدين وكانت قيادة المدفعية، قد وضعت تحت قيادة الملازم أول/ علي مثنى جبران ثمانية عشر مدفعاً منوعاً من الرشاش عيار(12و7) م/ط وحتى الهاون (160ملم) الثقيل الذي لم يسبق استخدامه، من قبل.
وعندما بدأ الهجوم على نقم وبقية المواقع الأخرى كان الهدف منه هو احتلال تبة النهدين، والتقدم نحو المطار الجنوبي للاستيلاء على المدفعية في المطار وتوجيهها صوب صنعاء ولكن جنود صاعقة الوحدات المركزية كانوا قد تمرسوا على مجابهة هجمات الملكيين ليلياً ولم يكن قد أتيح لي أن أرى هجوماً على تبة النهدين قبل تلك الليلة وكان العريف محمد مسعد ثابت الكهالي والجندي صالح محمد مثنى الكهالي قد أرسلا مع القوة التي استعادت تبة النهدين ، وبعد أن تأكد لي وجودهما بها شدت انتباهي أكثر نظرا لان العريف محمد مسعد ابن خالي وكنت قد عملت شخصياً على إلحاقه بسلك الجندية وعندما كنت أراقب المعركة التي تدور بين قوتنا المرابطة في تلك المواقع وهجوم العدو الكاسح وكانت مدفعية المطار بقيادة الملازم أول علي مثنى جبران تقصف التبتين من جميع الجهات، وقررت أن كل شيء في تبة النهدين قد انتهى وان العريف محمد مسعد وزميله صالح محمد وهما اقرب الناس إلي قد انتهيا مع كل زملائهما، وكانت المشكلة بالنسبة لي هي كيف استطيع أن أرسل نبأ استشهادهما إلى القرية، والى أسرتهما خاصة وساعتها أحسست أن الحمى عادت تتملكني وكانت مدفعية 37/م/ط تقصف بشكل متواصل ولم تترك إلا قمة التبتين واستمرت المعركة حتى الساعة السادسة صباح اليوم الثاني وبدون توقف إلا لساعات يتم خلالها تجميع قوات المرتزقة لشن هجوم جديد، ولم أكن اعرف نتائج المعركة ؛ولم اعرف مصير زملائي في تلك الليلة ولم أر في حياتي معركة كتلك المعركة العنيفة ولم تكن تنقص معارك حصار السبعين يوما حول صنعاء إلا الدبابات والطائرات ،حيث كنا نملك بعض الدبابات التي اشتركت بالحرب العالمية الثانية , كما كان لدينا الطيران الذي كان له دور مهم وفعال طيلة الحصار .
كانت الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل ،عندما خف الهجوم بعض الشيء وكان البرد شديدا على سطح العمارة فقررت النزول بعد أن اشتدت الحمى علي من جديد أكثر مما كنت أتوقع وكنت أتمنى أن أكون مع العريف محمد مسعد ورفاقه أو في موقعي (جبل عصر) حيث كانت بعض الفصائل من وحدات صاعقة الجيش تتمركز هناك ،وفي الصباح شعرت بان الحمى قد خفت شيئا ما وكنت أريد معرفة سير المعركة والخسائر التي أسفرت عنها فذهبت إلى قيادة الوحدات المركزية التي كانت قريبة من قصر السلاح وعرفت من سيارة التموين التي نزلت من تبة النهدين (إن جميع أفراد النهدين بدون خسائر عدا جريح واحد) ولم اصدق كيف يمكن أن تدور تلك المعارك بدون خسائر من جانبنا عدا جريح واحد غير أن الصف الضابط قال ( اقسم بالله وبشرفي العسكري انه لم يحدث لأحد سوء) ،وسألته عن العريف محمد مسعد ، فرد علي (انه يتمركز في الموقع ، ولم يحدث له أيضا أي سوء ) مما أسعدني وأعطاني أملا اكبر في أن النصر حتمي ، وبدأت اشعر أن الحمى قد ذهبت ولكن واقع الأمور أن الحصار كان ما يزال في بدايته ولم يكن قد مر عليه إلا عشرة أيام فنحن تقريبا في ديسمبر 67م وفي الساعة العاشرة صباحا عدت إلى البيت لكي احصل على وجبة الغداء لدى عمتي والتي كانت تصرف آخر ريال لديها في ذلك اليوم من المبلغ الصغير الذي كان قد تركه لها عمي الأحمق الذي ذهب القرية قبل الحصار بحجة زيارة أخوانه ليتزوج امرأة أخرى ولم تكن المسكينة تعرف ذلك وظللنا نكتم عليها الخبر وكان الحصار قد أخاف التجار الجشعين فبدؤوا يضيقون الخناق على المواطنين وكان موقفهم هذا دعما عمليا للقوى الملكية المهاجمة لصنعاء وقد اختفى الحطب والقمح والسكر والجاز ،وبدأ الناس يشعرون بطائلة الحصار ،الذي اخذ يشتد أكثر فأكثر وقد تضرر الفقراء من أهالي صنعاء أكثر من سواهم وخاصة السكان الجدد الذين قدموا إليها من الخارج أما أهالي صنعاء القدماء وبالذات الأغنياء منهم فقد كان لديهم كميات من الحطب والقمح والذرة التي تساعدهم على احتمال الحصار وكنت شخصيا لا املك إلا عشرين ريالا ،وكانت الحالة سيئة عند أكثر الأصدقاء وحتى لدى بعض التجار الذين كنت اعرفهم ولم يكن المرتب قد صرف وهو لا يتجاوز على كل حال خمسة وثلاثين ريالا وهو ما كان يتقاضاه الملازم ثاني الخريج حديثا بينما كان الجندي يتقاضى (25) ريالاً وبدا واضحا انني أواجه مشكلة لا حل لها فقد طلبت عمتي مني مبلغ عشرين ريالا لتشتري بها طعاما وقمحا وحطبا وساعتها لم املك أي خيار إلا أن أعطيها كل ما كان في حوزتي وهو عشرون ريالا ومن حسن حظي إنني لم أكن أدخن أو اخزن القات الملعون وهي حالات نادرة كان الكثير من زملائي يحسدوني عليها وكنت أتصور أن العم (حمود )سوف يرسل لزوجته مصاريف خلال أسبوع من ذلك اليوم الذي أعطيتها فيه العشرين الريال غير انه ذهب إلى إثيوبيا بعد أن امضى شهرا في القرية مع عروسه الجديدة ،وترك من صبرت عليه 16 سنة بدون مصاريف وكان أبوها تاجراً صغيراً، يعول أسرة وأطفالا كثيرين ولم ترغب العمة أن تشكو إليه بعد أن عالها طيلة سنوات هجرة زوجها .
وكانت عمتي كسائر نساء صنعاء تخشى من الحرب ومن القبائل الملكيين وكانت مجالس النساء المسنات منهن تردد أحداث عام 1948م ،عندما أباح الطاغية الإمام احمد يحيى حميد الدين لقبائل صنعاء التي نهبت وعاتث فيها فساداً وكنت اعمل على تهدئة عمتي وأختها ، وطلبت منهما زجاجات كبيرة معباة بالنيس ليتم وضعها على سطح للعمارة للدفاع عنها والمكونة من أربع طوابق وحدثتها عن (جميلة بوحيرد الجزائرية ) وكيف قاتلت الفرنسيين وأبديت استعدادي لإبقاء قنابل يدوية بالبيت،على أساس تدريبهن على كيفية استعمالها لكن العمة تخوفت من القنابل وفضلت الاكتفاء بتعبئة القوارير الزجاجية بالنيس والاحتفاظ بكمية من الحجارة وفي عصر ذلك اليوم ذهبت إلى بيت الفريق حسن العمري على دراجة نارية ،وعندما وصلت سكن الحرس سالت عن الفريق (فقال الحرس انه نائم) وكان القصف المدفعي مستمرا على جميع الجبهات والمواقع ،وخاصة نقم والحفاء والنهدين، أما الجبهة الشمالية فكانت تشغلها وحدات المظلات التي كانت تتصدى بقيادة النقيب حمود ناجي سعيد لقوات قاسم منصر بالرغم من سيطرة قوات قاسم منصر المرتزقة على جبل الطويل الذي يمتد مسافة كبيرة على طول الطريق من مصنع الغزل والنسيج حتى قرب مطار الرحبة الدولي ،ولم تكن المعارك هناك اقل ضراوة من المواقع الأخرى فقد ظل القصف مستمرا ليلا ونهارا وكذلك الهجمات المباغتة التي كان يشنها قاسم منصر ويطبقها منذ سنين في محور بني حشيش وكنت والكثير من الشباب نعرف قوة وإخلاص رجال المظلات الذين شاركوا في قتال قوات ومرتزقة قاسم منصر في معارك الجميمة والحصن الأسود وذباب منذ بداية عام 1966م وحتى انسحاب القوات المصرية في نهاية عام 1967م وبداية الحصار حول صنعاء.
سلوك الفريق حسن العمري أثناء الحصار
عندما جلست أناقش حرس الفريق العمري حول خطة الهجوم لفتح طريق صنعاء تعز تبين لي أن الفريق لا يملك أي نية لفتح الطريق! وأحسست أن الوضع على غير ما كنت أتصوره ولم أكن اعرف هدف الفريق العمري بالضبط ،وظللنا نلاحظ جلسات الفريق أربعة أيام بما في ذلك اجتماعاته مع المشايخ ،وكانت المعارك على أشدها وفي الليلة الرابعة من الهجوم الفاشل على تبة سواد حزيز اشتدت وطأة الهجوم على الجبهة الشرقية (جبهة بني حشيش).
معركة باب شعوب
27/ 11 1967م ثم 17 /12 /67م
كان قاسم منصر قد تمكن من إدخال مدفع هاون /82مم /من صنع روسي أتيح له الاستيلاء عليه من قبل،وكان قد تم إدخاله تحت جنح الليل، مع مجموعة من المرتزقة إلى منطقة باب شعوب ووضع بين أشجار الاثل على مقربة من مصنع الغزل والنسيج.
وقد بدأ يركز ضربه على مبنى الإذاعة بهدف تدميرها واسكات صوت الجمهورية،وفي الساعة الثامنة مساء شن قاسم منصر بقوات كبيرة هجوماً كاسحا حتى وصل إلى ظهر حمير المحاذي لجبل نقم بالقرب من قصر السلاح.
وبينما المدفعية الثقيلة تقصف من جميع الجبهات حول صنعاء كان مدفع الهاون مركزاً ضربه على مبنى الإذاعة والمناطق المحيطة الحساسة. وكانت الخطة قد وضعت لاحتلال قصر السلاح وتدمير مبنى الإذاعة وبدأ أنصار الملكيين بإطلاق النار من أسطح العمارات، وخاصةً قرب (باب شعوب)،وقد طلبت قوات المظلات المساعدة من وحدات الصاعقة التي كانت احتياطا مهماً بالرغم من أنها تحتل عدة مواقع دفاعية لكنها كانت تتمتع بالقدرة على الحركة الخفيفة والسرعة لتقديم النجدة إلى أي موقع في حالة خطر،وقد هبت المقاومة الشعبية للتفتيش وحراسة باب شعوب، بينما أبدى حراس قصر السلاح اليقظة التامة، وبدؤوا أول إطلاق للنار على المرتزقة من قصر السلاح،وقصر السلاح هو نفسه قصر غمدان التاريخي الشهير الذي يعتبر أعلى قصور صنعاء، وذلك لأنه يقع في السفح الغربي لجبل نقم.. ودارت المعركة من الساعة الثامنة مساء حتى الصباح وتمكنت قوات المظلات والصاعقة وبعض الفرق الصغيرة من المقاومة الشعبية، والمشاة من دحر هجوم قوات قاسم منصر من ظهر حمير وباب شعوب وكان ذلك اقرب واخطر مكان وصلت إليه قوات الملكيين في زحفها إلى صنعاء.
ولم تكن المسافة بين ظهر حمير وقصر السلاح أكثر من أربعمائة متر تقريبا.وعند الفجر كانت قوات قاسم منصر قد منيت بهزيمةً نكراء وفشل هجومه، وتم صده إلى قرب قرية سعوان، وهي أول قرية تحت جبل الطويل،(وطريق جبل الجميمة وقرية ووادي الرونة تمر منها) وتم اسكات المدفع الهاون الذي قصف الإذاعة وعدة مواقع أخرى وسحب المدفع عند الفجر وتم اكتشاف مكانه بواسطة أفراد المظلات بطريقة الصدفة،وكان لابد من عمل حل سريع لغابة أشجار الاثل حتى لا يتكرر ما حدث ويتجدد الخطر،وفي اليوم التالي طلب من أفراد المقاومة الشعبية القيام بتمشيط المنطقة الممتدة من باب شعوب شمال صنعاء القديمة وحتى مبنى الكلية الحربية بالروضة على طول 10 كيلو مترات، وتمت إبادة كل أشجار الاثل على طول غيل صنعاء، وبذلك أصبح من السهل مراقبة أي تسلل من جبهة بني حشيش إذا أرادت القيام به عصابة قاسم منصر، وقد تبين فيما بعد ( أن كمية من الذخيرة قد ضبطت متجهة نحو بني حشيش من قصر السلاح) ولم يتم كشف الجهة التي أصدرت الأمر بصرف تلك الكميات التي كانت متجهة إلى العدو لاستخدامها في محاربة جنود الثورة والجمهورية الذين دافعوا عن صنعاء دفاع الأسود الأبطال واستماتوا حتى تحقق لهم النصر.
بعد هذه المعركة الكبيرة مع جبهة بني حشيش التي كان يقود القوى الملكية فيها (الفريق قاسم منصر) كما كانت تسميه في تلك الفترة إذاعة الرجعية السعودية والملكية تبين أن الفريق حسن العمري ( لم يكن مشاركاً في تلك المعركة الليلية) ولذلك كتب لها النجاح، ولو كان الفريق حسن العمري هو الذي تولى قيادة الهجوم فلربما كان مصيره الفشل كما حدث في العمليات السابقة،لقد كانت القيادة الشابة هي التي تحملت مسؤولية قيادة الهجوم والجيش أثناء الحصار وحرمت شلة العقداء والعمداء والمقدمين الرجعيين - وعلى رأسهم الفريق حسن العمري، الذي كان ينفذ مخطط السعودية وأمريكا وبريطانية من الداخل بينما ( الفريق قاسم منصر) ينفذ من خارج صنعاء بالتعاون سراً مع العمري - من إمكانية التأثير السلبي على سير المعركة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.