مساء الثلاثاء قبل الفائت وحين كانت الساعة تزحف نحو التاسعة مساء كان (عبد العزيزحمود 21عاماً) يعتصر الألم في بطنه، وبدأ الألم يزداد حدة من وقت لآخر، وأخذ الشاب العشريني يتقلب على فراشه ويستنجد بأهله، ومع مرور نحو ساعة على معاناة عبد العزيز أسعف إلى أحد مستشفيات أمانة العاصمة، وبدأ يتقيأ دماً، وبعد التدخل السريع من قبل الطبيب المختص وإجراء الفحوصات اللازمة تبين أن عبد العزيز وقع ضحية قات مسموم، ولولا تواجده في العاصمة وسرعة إسعافه، لما تمكن من تفادي دخوله في مضاعفات خطيرة، لكن المؤلم أن عبد العزيز لم يكن الوحيد الذي تعرض لحالة تسمم، فهناك الآلاف من اليمنيين أو بالأصح ملايين يتعرضون سنوياً لمثل هذه الحالات، ويقعون ضحية (كيافة) أودت ببعضهم إلى الهلاك. ولعل فصل الشتاء الطويل والقارس هو أكثر شهور السنة الذي تحدث فيه حالات تسمم بالجملة، فمع دخول هذا الفصل يجد مزارعو القات صعوبة في نموه تدريجياً نتيجة موجة البرد التي تخيم على البلاد، ولأنه يعد عند الأغلب من فئات الشعب سلعة ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها، بل يعدونه المحرك الرئيسي أو "الدينامو" في أشغالهم، لذا تجد مزارعي القات يتفننون في رشه بكميات هائلة ومتنوعة من المبيدات، وللعلم فإن بعضهم من شدة جشعه لا يتيح الفترة الزمنية والآمنة لقطفه بل يقطفه بسرعة أملاً في الربح الوفير ودون أن يبالي بأن عمله هذا ينخر في أجساد ملايين المستهلكين لهذه الآفة الخبيثة التي سيطرت على أرواح المواطنين وهي مشبعة بأنواع المبيدات الكيماوية المختلفة. ومع أن مظهر القات في فصل الشتاء يؤكد أنه مسموم، إلا أن الغريب في الأمر أن هناك أناساً يشترون الموت بأيديهم ويدفعون المال من أجل خسارة صحتهم، وبما أن القات لن ينبت في فصل الشتاء إلا إذا غذي بالسم وبمختلف المبيدات، فإنه ترتفع نسبة الأمراض الناتجة عن سموم القات في هذا الفصل، وكم من حالات أسعفت إلى المستشفيات وهي بين الحياة والموت، وكم من أشخاص فقدوا حياتهم بعد تناولهم بضع وريقات من هذه السموم. مبيدات وسموم يؤكد محفوظ شعلان (22عاماً) أن القات بكافة أشكاله لم يعد ينمو في اليمن إلا برشه بسموم ومبيدات ضارة للغاية، وإذا كانت كمية السم تقل في فصل الصيف بفعل المناخ الدافئ الذي يسمح بنموه سريعاً فإن ما يحدث شتاء هو العكس، فجميع أنواع القات سامة ومضرة بالصحة تماما، مضيفا : ويبدو أن معظم مزارعي القات وجدوا في المبيدات الحشرية الأكثر سمية والأشد فتكاً بصحة الإنسان ضالتهم، لما لها من مفعول سحري في تخصيب نبتة القات وجعل أعشابها أكثر نضارة وإغراء، ويمضي في قوله : وهنا تكمن الخطورة فمع أن مظهر القات في فصل الشتاء يؤكد أنه مسموم لكن الغريب في الأمر أن تجد أناساً يشترون الموت بأيديهم ويخسرون المال على إعلال صحتهم، ورغم ثقتهم أن القات لن ينبت في فصل الشتاء إلا إذا غذي بالسم وبمختلف المبيدات، لهذا السبب ترتفع نسبة الأمراض الناتجة عن سموم القات في فصل الشتاء، كما أن بعض الحالات أسعفت إلى المستشفيات بين الحياة والموت، وكم من الأعزاء فقدوا بعد تناولهم بضع وريقات من هذا السم الأخضر الفتاك. عشوائية الاستخدام أما الدكتور عبد الرحمن ثابت، أستاذ السميات بكلية الزراعة بجامعة صنعاء فيشير إلى أن تركيز السم في عصارة القات يكون في فصل الشتاء عاليا جداً، لأن المزارعين بعد رشه بالمبيدات المسمومة والمحظورة دولياً لا ينتظرون فترات الأمان التي يفترض أن تكون 21 أو 25 يوماً، وإنما يعمدون إلى قطفه بعد 3 أيام من الرش، الأمر ذاته أكده مدير قسم وقاية النبات بمكتب وزارة الزراعة بقوله إن مشكلة المبيدات في اليمن تكمن في أن مزارعي القات يستخدمونها بشكل عشوائي ليس لمكافحة الآفات وإنما لأغراض أخرى مثل تحفيز النمو وتحسين شكل القات. وبهذا الصدد يؤكد الدكتور (نصر النميري) استشاري الأمراض الباطنية بالمستشفى الجمهوري، أن هذه المشكلة أضحت خطيرة للغاية وبالذات في الآونة الأخيرة، وبالأخص في فصل الشتاء فمن خلال متابعته لحالات المرضى الناتجة عن السموم فإن بعض الشباب رحلوا عن عالمنا والبعض أصيب بجملة من الأضرار الصحية رغم أن تجربتهم مع القات مبكرة لكنهم تعاطوا القات مسموماً. فالسم بحسب النميري يدخل في الدم ويوقفه عن الحركة، وإذا لم يمت الشخص المصاب فإنه يصاب بأمراض خطيرة كالفشل الكلوي وتضخم الطحال، كما أن الكبد التي يصفها الأطباء بمصفاة الجسم، تعجز عن امتصاص السم، فيسري عن طريق الدم إلى جميع أجزاء الجسم وحين يصل إلى القلب يتوقف ويموت الشخص مباشرة. ولفت الدكتور النميري إلى أن الأضرار الناتجة عن تناول قات مسموم تحدث تدريجياً لكن مضاعفة كميتها في فصل الشتاء يجعلها تختزل حدوث هذه الأضرار وترفع من نسبة وفيات القات المسموم وخاصة لدى من يعانون من نقص التغذية ونقص المناعة، منبهاً إلى خطورة تناول القات في فصل الشتاء دون غسله، نتيجة رشه بالكثير من المبيدات غير المصرح بها بغية تسريع حصاده، مشيراً إلى ارتفاع عدد الحالات المصابة بسم القات خلال فصل الشتاء، وأضاف أن هناك فرقاً بين المبيد والسماد، فالأخير يوضع في جذور النبات، فيما يوضع المبيد على الأوراق، مما يجعله عرضة لأن يكون ساماً. مسببات للسرطان وكانت دراسة علمية حديثة أجرتها جامعة عدن العام الفائت أكدت أن مالا يقل عن 118 نوعاً من المبيدات يتم استخدامها في رش القات، منها نسبة كبيرة تسبب مرض السرطان، وأضافت الدراسة التي أنه يتم استيراد تلك المبيدات السامة بأسماء تجارية مختلفة يبلغ عددها 555 اسماً تجارياً. وطبقا لإحصائيات طبية من وزارة الصحة العامة والسكان ومراكز السرطان والجمعية الخيرية لمرضى السرطان فإن 70 من أسباب هذا المرض تعود إلى المبيدات التي دخلت إلى مختلف مأكولاتنا، وإن كانت بنسبة متفاوتة إلا أنها أشد وأخطر في القات، حيث عملت على زيادة أعداد المصابين بسرطان الفم واللثة، وقالت الدراسة إن 73,15 من مزارعي القات يستخدمون مبيد جيموثاث والمبيد السام مونوكروتوف، وأنواعا سامة أخرى. وأشارت الدراسة التي أجريت في ثلاث محافظات انه سجلت أكثر من 470 حالة تسمم بين الجنسين خلال فترة الدراسة، وخلصت إلى احتمال حدوث ضرر حاد لتعاطي مخلفات المبيدات خلال يوم أو عدة أيام من رشه. وعن علاقة المبيدات بالكابوس المخيف (السرطان)، قالت دراسة ميدانية نفذتها الجمعية الخيرية لدعم مراكز مرضى السرطان إن المبيدات تعد السبب الرئيسي في إصابة أكثر من 70 بالمئة من مرضى السرطان في اليمن. وأشارت إلى أن المبيدات الزراعية تأتي في صدارة العوامل التي زادت من معدلات الإصابة بهذا المرض. وكشفت الدراسة عن استخدام مزارعي القات مبيدات إسرائيلية تداولها محظور دولياً بغرض إنضاج القات، وهو ما يتسبب بشكل رئيسي في إصابة الآلاف من اليمنيين سنوياً بالسرطان. أما علي محمد صالح، 23 عاماً، والذي يرقد أخوه الذي يصغره بعامين في مركز الأورام السرطانية منذ نحو عام بعد إصابته بورم سرطاني في البنكرياس إثر تناوله قاتاً مسموماً خلال فصل الشتاء، ووفقاً لما قاله أخوه الأكبر عبد الله الذي روى لنا القصة- فقد أجريت له عملية لاستئصال اللوزتين منتصف العام الفائت مما سهل على السم سرعة الانتقال إلى جميع أجزاء الجسم عبر الدم ليستقر جزء كبير منه في البنكرياس وتم نقله إلى مركز الأورام السرطانية. تنظيم تداول المبيدات ويذكر مدير عام مكتب الزراعة والري بالمحافظة، المهندس أحمد سالم الحضرمي، فيما يتعلق بتنظيم وتقنين تداول المبيدات ومكافحة الآفات الزراعية، أنه تم التنسيق مع مشروع وقاية المزروعات لتنفيذ عدة حملات رش لمكافحة السم الأسود في اللوزيات والتفاح، لتنظيم وتقنين تداول المبيدات، وفقا للقانون، وقام المكتب بتطبيق قانون تداول المبيدات لعام 1990، حيث تم إلزام جميع محلات المبيدات بقطع تراخيص مزاولة المهنة وتطبيق الشروط الفنية كما يوجد العديد من فرق التفتيش التي تتولى الرقابة على المحلات ورفع المخالفين إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية بذلك، وأضاف أن هناك مناطق متاخمة لأمانة العاصمة تشتهر بزراعة القات وهناك مساحات زراعية واسعة قضى عليها القات، حتى أصبح أكثر النباتات التي تستهلك المياه، حتى وصل الأمر إلى أن حوض صنعاء الذي بدأ يجف بشكل فظيع، كون المياه في صنعاء جوفية والآبار ارتوازية. وقال: "نحن في الإدارة العامة للزراعة بمحافظة صنعاء نعمل على مكافحة زراعة القات بشتى الوسائل ونحرم استخدام المبيدات حيث تقوم إدارة الوقاية بنزول ميداني ودوري إلى محلات بيع المبيدات الكيماوية في مديريات المحافظة والبالغ عددها أكثر من 25 محلاً تجارياً وإلزامهم باتخاذ الإجراءات الاحترازية قدر الإمكان بحيث نستطيع أن نحد من الاستخدام العشوائي لرش القات بالمبيدات"، موكداً أنه ونتيجة لظهور أشكال مخيفة من أمراض السرطان نتيجة الاستخدام العشوائي للمبيدات، فإن ذلك ضاعف من جهد المكتب لعمل ندوات توعوية للمزارعين لتوضيح نتائج وكيفية الاستخدام السليم، وأوضح مدير عام الزراعة بالمحافظة أنه تم وضع برنامج خاص بهذا الجانب سيتم تنفيذه خلال العام القادم بإقامة الندوات والمحاضرات الإرشادية والتوعوية بأضرار التعامل مع المبيدات في مختلف محافظات الجمهورية.