أثارت التجارب الصاروخية الروسية الأخيرة حالة من الترقب لإمكانية عودة الحرب الباردة وسباق التسلح من جديد بين روسياوالولاياتالمتحدة الاميركية. وأظهرت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخميس موقفا روسيا جديدا يتسم بالقوة والقدرة على المواجهة واعادة توازن القوى والوجود على الخارطة السياسية والعسكرية بين واشنطنوموسكو بعد غياب للأخير استمر عدة سنوات. وفيما نجحت تجربة اطلاق الصاورخ الباليستي المطور العابر للقارات ارس -24 من قاعدة بليسيتسك والصاروخ المجنح اسكندر من منطقة استراخان الثلاثاء الماضي أكد الرئيس بوتين ان ذلك يمثل الجواب على افعال الولاياتالمتحدة في نشر عناصر الشبكة الامريكية للدفاع المضاد للصواريخ في اوروبا الشرقية . وبينما اشار الى ان واشنطن اقامت قاعدة في بلغاريا واخرى في رومانيا وتريد الآن نشر قاعدة صواريخ اعتراضية في بولندا ومحطة رادار في تشيكيا شدد الرئيس الروسي ان روسيا لا يمكن ان تقف بلا حراك ازاء نشر القواعد الغربية بالقرب من حدودها وان لديها القدرة لمواجهة مثل هذا التحدي والتهديد. غير انه وبمنظور سياسي متزن اشار في ذات الوقت الى عدم الخوف من افعال روسيا ، لان بلاده لا تتسم بطابع عدواني بل هي جواب على "الخطوات المتشددة جدا من قبل الولاياتالمتحدة والناتو". وبخلاف ذلك يرى مراقبون بأن اطلاق موسكو لتلك الصواريخ المطورة جدا والقادرة على اختراق منظومة الدرع الصاروخي المضاد ,وقدرتها على ضرب عشرة اهداف في أن واحد يعد مؤشر قوي على عودة الشرق في مواجهة الغرب من جديد. ويعزون ذلك الى تعافي الاقتصاد الروسي ونجاح اعادة بنائه والذي ساهم فيه الى حد كبير الخزينة الايرانية التي اغدقت بفيضها عليه مقابل اهدافاسعت لها الاخيرة تتعلق بتعزيز قدراتها العسكرية . ولم يأت هذا التقارب بين كل من موسكووطهران من فراغ أو وليد الصدفة بل أن هناك دوافع عديدة أدت إلى حدوث هذا التقارب خاصة في الآونة الأخيرة. فبالنسبة لإيران فإنها ترى أن التعاون مع روسيا من شأنه أن يصلح من الخلل في توازنات القوى في منطقة الخليج في ضوء شعورها بأنها مهددة من الوجود المكثف للقوات الأميركية في الخليج. ووفقاً لحساباتها الاستراتيجية سعت ايران على مواجهة ذلك بامتلاك القوة العسكرية التي تحقق لها الردع المتبادل في مواجهة ضربة عسكرية أميركية ولن تأتي هذه القوة إلا من خلال روسيا. كما ان روسيا تمثل الاستثناء الوحيد في هذا المضمار .. يضاف إلى ذلك عدم اطمئنان طهران تجاه مستقبل علاقاتها مع أوروبا ومدى قدرة عواصم القرار الأوروبي على الذهاب بعيداً في معارضة سياسات وإجراءات الحظر الأميركي المفروض عليها. من جهتها رأت روسيا التقارب مع ايران بأنه يعد امتداداً"جيوبولوتيكيا"ً لها حيث تتاخم إيران كلاً من تركمانستان وأرمينيا وأذربيجان وأيضاً أفغانستان وباكستان وتركيا «العضو في حلف الناتو» إلى جانب المصالح الاقتصادية الروسية. وبحسب مصادر عسكرية روسية فإن إيران تستوعب ما يقدر ب6% من صادرات الأسلحة الروسية للخارج وبتكلفة مالية تقدر بعدة مليارات من الدولارات التي كان الاقتصاد الروسي يحتاجها انذاك بشدة . في المقابل نفت الولاياتالمتحدة الاميركية ان يكون الدرع الصاروخى الامريكى في اوروبا يمثل تهديدا لروسيا وان ذلك سيعيد الحرب الباردة بين الجانبين. واعتبرت وزيرة الخارجية كوندليزا رايس فى تصريحات لها فى المانيا الجمعة ان الدرع الصاروخى الاميركى لن يشكل اى تهديد لردع النووى الروسى وذلك ردا على اتهام الرئيس بوتين في هذا الشان. وكانت رايس علقت على الموقف الروسي امس بالقول "نريد ان تكون روسيا قوية، انما قوية بمفاهيم القرن الحادي والعشرين ليس فقط مع مركز قوي بل بمؤسسات قوية مستقلة داخل الحكومة وخارجها". وقالت ان "حرية التعبير وحرية الصحافة ليستا مصدر ضرر يمكن للدولة مهاجمتها كما يحلو لها" متحدثة عن نقاط الخلاف الكثيرة بين واشنطنوموسكو. واضافت "يصعب علينا فهم الدبلوماسية الروسية حول الصواريخ ونأسف لتحفظات روسيا على قبول الشراكة حول الدفاع المضاد للصواريخ الذي نقترحه عليهم" في اشارة الى مشروع الدروع الاميركية المضادة للصواريخ في اوروبا. وفي تطور لاحق الجمعة هيمنت المشاجرات بين وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس ونظيرها الروسي سيرجي لافروف على المؤتمر الوزاري لمجموعة الثماني في بوتسدام (ألمانيا) . وتحول المؤتمر الصحفي الختامي لاجتماع وزراء خارجية الدول الصناعية الكبرى الى مواجهة حقيقية بين رايس ولافروف سواء بشكل صريح او بمراعاة اصول اللياقة البسيطة. وعلى الرغم من الابتسامات الظاهرية، تبادل الاثنان السهام وسعي كل منهما الى تثبيت موقفه والاحتفاظ بالكلمة الأخيرة في السجال الدائر، فيما بدا الارتباك على وزيرة الخارجية البريطانية مارغريت بيكيت التي كانت جالسة. وسئل الوزير الروسي عن كلام رايس التي وصفت مخاوف موسكو في شأن مشروع نشر الدرع الاميركي المضاد للصواريخ في اوروبا الشرقية بانها 'سخيفة'، فقال انه 'ليس هناك اي سخف في هذا الملف لأن سباق التسلح يبدأ مجددا'. وأردف لافروف قائلا ان الاميركيين يقولون (لا تقلقوا، الامر ليس موجها ضدكم)، لكن تحليلنا هو ان مثل هذا الرد سخيف'. في حين اكدت رايس مجددا ان المخاوف الروسية عارية عن اي اساس، مشددة على القدرة العسكرية المحدودة للدرع المضاد للصواريخ المزمع نشره. وعلقت رايس على التصريحات الروسية بأن الصاروخ الجديد العابر للقارات الذي اختبرته موسكو بنجاح الثلاثاء سيكون قادرا على خرق اي نظام دفاع مضاد للصواريخ، فقالت 'اننا متفقون على ذلك'. ويستشف من ذلك كله ان مرحلة قادمة جد مهمة على طريق اعادة التسابق بين موسكووواشنطن على الصعيدين السياسي والعسكري تؤكدها خفايا التصريحات وردورد الافعال بين الجانبين. ويعزز ذلك موقف روسيا الجاد في العودة الى الخارطة الدولية بقوة كما كانت في السابق في الوقت الذي من غير الممكن ان تسلم الولاياتالمتحدة بذلك دون ان تحشد قواها في مواجهة ذلك ، الامر الذي يشير الى ان الجانبين اجلا ام عاجلا في طريقهما الى حرب قد تكون ساخنة. سبأنت