شهدت مدينة عدن القديمة في السنوات القليلة الماضية وما زالت أعمالا عبثية بالمعالم الأثرية شملت المعابد المتنوعة الديانات، مما أضر بخصوصية المدينة ومعالمها الحضارية، والتي تشكل أساس الثقافة والانتعاش السياحي للمدينة، هذه الإشكالية إلى جانب واقع المعالم السياحية واستعدادات المحافظة بتهيئة البنية التحتية السياحية أصبحت الشغل الشاغل لمكتب السياحة. ولتسليط الضوء على جملة هذه المسائل التقت "السياسية" نائب مدير عام مكتب السياحة في عدن عبد الصمد القدسي، وفيما يلي نص الحوار: ما رأيكم بما تشهده المعالم الأثرية والتاريخية بالمحافظة من عبث، ومنها مدرسة البادري؟ - قبل أن نتحدث عن العبث الذي تشهده المعالم الأثرية والتاريخية لا بُد أن نذكّر القارئ الكريم بمعالم عدن التاريخية والطبيعية، حتى نستطيع القول إن لهذه المدينة حقا علينا في المحافظة عليها وصون معالمها. عدن ليست شواطئ وسواحل فحسب، بل فيها عبق التاريخ والحضارة، حيث تضم عددا من المعالم التاريخية والأثرية وتأتي صهاريج عدن في مقدمة هذه المعالم، التي تعتبر مأثرة معمارية هندسية. وتزخر المحافظة بالعديد من القلاع والأسوار، أهمها: قلعة صيرة. وظلت عدن طوال تاريخها مركزا تجاريا واقتصاديا وثقافيا هاما أجتذب العديد من الهجرات والثقافات والملل من عرب وهنود وفرس وأتراك وأفارقة وأوربيين، مسلمين ومسيحيين، وهندوس وبوذيين، وتُشكّل من التباين مزيجا فريدا من الثقافة ومجتمعا مدنيا متفتحا ومتسامحا. كما تميّز ميناؤها عبر التاريخ عن بقية الموانئ البحرية في الفرص المتساوية لجميع التجار، الذين كانوا يقصدونها، وعدم التمييز بينهم تحت مسمى "الانتماء الجغرافي أو العرقي أو العقيدة"، وقد تراكم هذا العرف والسلوك عبر الأجيال المتعاقبة ليصبح من العوامل المساعدة في استمرار نجاحها ومينائها. وهذه الهجرات والثقافات والملل أوجدت العديد من المباني والمنشآت الأثرية، منها: المساجد القديمة لمختلف المذاهب والعديد من الكنائس والمعابد، كما أن هذا المزيج من الثقافات خلف موروثا معماريا متنوعا اشتهرت به وتميزت عن باقي المُدن اليمنية. وعودة إلى السؤال، فإن ما تتعرض له مدرسة "البادري" سبق وأن تعرض له العديد من المباني الأثرية والتاريخية في المدينة، وعادة ما يتم الهدم من أجل بناء مبنى حديث، وأكبر حجم وحصل هذا مع مسجد "أبان" الذي شيّده الحكم بن أبان بن عثمان بن عفان في كريتر، حيث تم بناء مسجد كبير وحديث في موقعه ليتسع لعدد أكبر من المصلين، جزاهم الله خيرا فيما يقومون به من بناء للمساجد وتعمير لبيوت الله في كثير من المناطق، إلا أننا ننصح السلطات المحلية في المديريات بتجنيب المباني الأثرية الهدم وتوفير مواقع لأهل الخير في المنطقة نفسها لعملهم الخيري هذا. لقد امتد انتهاك جمالية عدن وعرقلة وظيفتها الاستثمارية بالبناء العشوائي الذي امتد إلى الجبال التي تحتضن المعالم الأثرية ليطال كهوف "البوميس"، والذي تسبب في تصدّعات في أعمدة الكهوف، وقد سبق وأن نبّهنا لذلك في صحف محلية، ونخشى أن يصل "العشوائي" إلى برج الصمت المتبقي من آثار الفرص موقع وضع موتاهم. وكان للأستاذ معروف عقبة، استشاري جيولوجي، رئيس الجمعية الجيولوجية اليمنية- فرع عدن، السبق والريادة في إثارة هذه القضية. فقد أنذر الجميع بأن خطورة ما حصل في كهوف "البوميس" يمكن أن تؤدي إلى تداعي التكوينات الصخرية العليا، وقد يحدث انهيار صخري هائل، ويتسبب بكارثة كبيرة -لا سمح الله. كما سبق السطو على موقع "معبد الفرس"، وبناء العمارات السكنية عليه، حتى أحاطوا بالمعبد نفسه، ثم تم هدم المبنى لبناء مسجد عليه، وقد نبّهنا في حينه، وطلبنا الحفاظ على الأطلال وإعادة إعماره قبل التصفية النهائية للمعبد، وتم التوجيه من قبل السلطة المحلية بإلغاء أي تصرف لتلك المواقع الأثرية، ووقف أي أعمال هدم وتغيير لمعالمها التاريخية، ولكن "السيف سبق العدل". ألم يكن الأولى بناء مسجد أكبر من هذا في المساحة الكبيرة المجاورة بدلا من الشقق. ونخشى أن يطال الهدم مبنى مدرسة أبناء السلاطين في جبل "حديد" ومسجد "الهتاري" في مديرية التواهي، وقصر السلطان في الخليج الأمامي بكريتر. ألا تخشون أن يطال الهدم فندق الهلال، الذي يتعرض لعوامل التعرية بسبب إهماله وتوقف النشاط فيه منذ سنين؟ - فعلا، تم إهمال فندق الهلال، لدرجة أنه لو استمر هذا الإهمال لفترة أطول سيكون عرضة لاستمرار عوامل التعرية والهلاك. هذا الفندق الأثري الذي يزيد عمره عن ثمانين عاما نزلت في أحد أجنحته الملكة اليزابيت ملكة بريطانيا في عام 1954، أثناء زيارتها لعدن، وافتتاح المصافي فيها. وفي عالم الفندقة والسياحة فإن هذا الفندق، الذي يقابل ساعة "بيج بن" الصغيرة، كنز ثمين لمن يحسن استغلاله ويستثمر شهرته، إلا أنه -للأسف- أصبح وكأنه جوهرة بيد من لا يعرف قيمتها، ولذلك أهمل، هذه الفترة الطويلة، ليتهالك. ما هو دور مكتب السياحة في الحفاظ على هذا المعلم التاريخي؟ - مع استعداد المحافظة لاستقبال خليجي20، لا بُد من ترميمه وإعادة تأهيله من خلال الدراسة الشاملة لمستلزمات التأهيل بالاشتراك مع الهيئة العامة للآثار وجامعة عدن والجمعية اليمنية للتاريخ والآثار في عدن، بحيث يتم تأهيل إعادته كما كان عليه عند الافتتاح، بما فيه إعادة تأهيل المصعد القديم وتجهيز الفندق وتأثيثه بنمط الأثاث القديم نفسه، مع إدخال بعض التكنولوجيا التي لا بُد منها. هل وضعتم ميزانية خاصة لذلك؟ - هناك اتفاقية تم إبرامها بتاريخ 21 يناير 2002، بين مكتب السياحة وبين المستأجر، والتي تنص على /وقف احتساب 50 بالمائة من الإيجار السنوي للفندق ابتداء من شهر فبراير عام 2000، وحتى الانتهاء من أعمال الإصلاحات، والذي بموجبه تم وقف احتساب نصف الإيجار/. الاتفاقية أبرمت في يناير 2002، والتوقيف يتم بأثر رجعي من عام 2000، كيف ذلك؟ - عام 2000 هذا يمثل العام الذي قيل بأنه زلزال ضرب الفندق، وتسبب في تصدّعات، ولذلك فإن المبلغ الذي تم توقيعه من موارد المجالس المحلية للفترة من عام 2000 حتى 31 / 12 / 2008 بلغ 20 مليونا و880 ألف ريال، هذا المبلغ الموقوف لدى المستأجر يمكن الاستفادة منه لغرض تأهيل هذا الفندق الأثري بعد مصادقة قيادة السلطة المحلية على ذلك. ما هو دور مكتب السياحة في الحفاظ على المواقع والمنشآت الأثرية والتاريخية؟ - لقد اهتمت وزارة السياحة في هذا الجانب، وكلفت لجنة للنزول الميداني، والتي قامت بالإطلاع على الواقع السياحي لأهم المعالم والمواقع والمزارات السياحية في المحافظة، وقد خرجت اللجنة بجملة من الملاحظات والتوصيات الهادفة إلى تحسين المشهد السياحي العام، وتجاوز بعض الإختلالات التي تواجه السائح والزائر لمثل هذه المواقع، وتم إرسال التقرير من قبل الأستاذ نبيل الفقيه، وزير السياحة، لقيادة السلطة المحلية لاتخاذ ما يلزم للوقوف أمام الملاحظات، وتصحيح تلك الاختلالات وإظهار المنتج السياحي بشكل لائق، وقد كلفت السلطة المحلية الجهات المعنية بالمحافظة من خلال اجتماع مشترك لدراسة التقرير ليتم إدراج نتائجه في خطط وبرامج كل جهة. إلا أن ما يجري من أعمال هدم ومحاولة هدم المباني الأثرية يتطلب توسيع نطاق العمل لهذه الجهات لتشمل المباني الشخصية القديمة والمنشآت ذات القيمة الأثرية والتراثية، وإشراك منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة، ومن الواجب أن أذكر هنا الإنجازات التي تحققت خلال السنوات الماضية، والمتمثلة بالحد من البناء العشوائي، ورصف الطرقات الداخلية، وإضاءتها بمصابيح جميلة، إضافة إلى توسيع الشوارع، والاهتمام بالتشجير، والنظافة، وإزالة الأعمال العشوائية من مواقع الحدائق، وإعادة بناء الحدائق العامة للمواطنين، وهذه المنجزات ساهمت كثيرا في إبراز جمال مدينة عدن، والتي يجب أن نحافظ عليها. طالما وقد ذكرتم خليجي 20، بماذا استعديتم لهذا الحدث؟ - قرار إقامة خليجي20 في عدن، يؤكد اهتمام فخامة الرئيس علي عبدالله صالح بها، حيث أن هذا الحدث سيضيف إليها نوعا جديدا من المنتج السياحي، ألا وهو السياحة الرياضية، إلى جانب سياحة رجال الأعمال، وسياحة المؤتمرات، وسياحة التسوق، التي ستدخل عدن مع تنامي نشاط المنطقة الحرة لتضاف إلى السياحة الثقافية والسياحة البحرية والشاطئية والجبلية. ونحن قد قمنا بحصر الفنادق القائمة، وتحديد الفنادق المؤهلة، والفنادق القابلة للتأهيل، إضافة إلى الفنادق ذات الأربعة نجوم قيد الإنشاء، وهناك فنادق ذات خمسة نجوم سيتم إنشاؤها لاستقبال هذا الحدث. كما أننا، في الوقت الحالي، نقوم بحصر وتقييم القُوى العاملة في المنشآت السياحية ليتم تدريبها وإعادة تأهيلها في المعهد الفندقي الذي سيتم تأهيله قبل ذلك، وهناك اهتمام كبير ومتابعة مستمرة من قبل قيادة السلطة المحلية، ممثلة بالدكتور عدنان الجفري، محافظ المحافظة، لما يتم إنجازه من قبل المعنيين بإنجاح هذا الحدث. كلمة أخيرة: - ندعو الجهات الحكومية والسلطات المحلية والجهات الخاصة ومنظمات المجتمع المدني والوسائل الإعلامية والتربوية والدينية المختلفة إلى الاضطلاع بدورها في هذا الجانب؛ لخلق وعي مجتمعي بأهمية الحفاظ على المواقع والمنشآت الأثرية والتاريخية لمدينة عدن. والاستفادة من توجيهات وزير الإعلام الهادفة إلى إعطاء القطاع السياحي المساحة المناسبة في الوسائل الإعلامية الرسمية، الذي من خلاله يمكن لنا إبراز هذه المواقع والتعريف بالمعالم التاريخية والطبيعية والمباني والمنازل القديمة ذات النمط المتميز وبأساليب المحافظة عليها، وفي الوقت نفسه العمل معا من أجل إعلان عدن محمية تاريخية، والذي يمكّن السلطات من اتخاذ الإجراءات القانونية لمنع أي عبث لآثار ومعالم عدن التاريخية والمباني الشخصية ذات القيمة التراثية. وبهذا يمكن لعدن أن تستعيد مجدها كميناء فريد ومركز تجاري وثقافي يربط الشرق بالغرب، خاصة بعد قيام المنطقة الحُرة وميناء الحاويات، وتتويجها عنوانا جديدا للسياحة العربية والأجنبية القادمة إلى اليمن. وأقول إن على كل مواطن حق وواجب المحافظة على مدينة عدن وصون معالمها وإعادة توظيفها بما يخدم حركة التنمية والاستثمار والسياحية. صحيفة السياسية