أكد أستاذ التاريخ اليمني القديم بكلية الآداب جامعة الحديدة علي محمد الناشري أن الوحدة في كل أجزاء اليمن هي السمة الغالبة في تاريخ اليمن في ظل كل الدول التي قامت على امتداد التاريخ . و استعرض الناشري في محاضرة خاصة عن " الوحدة اليمنية و جذورها التاريخية " نظمها منتدى الدهني للثقافة و الفنون بالحديدة ضمن فعاليات دورته الفصلية الثانية ( دورة الشاعر عبدالله عطية ) المراحل التاريخية التي تؤكد ثبات الوحدة اليمنية فكرياً و اجتماعياً وحضارياً . مبيناً أن أقدم المصادر التي تحدثت عن وحدة اليمن أرضاً و إنساناً و مملكة واحدة كانت في القرن العاشر قبل الميلاد و التي وردت في التوراة في قصة ملكة سبأ ، لافتاً إلى أنه " لو كانت هناك دول أخرى آنذاك لكان سيدنا سليمان تحدث عنها في معرض حديثه عن ملكة سبأ التي تكررت قصتها في القرآن الكريم " . مشيراً إلى أن ما ورد من ذكر لمعين و قتبان و أوسان و حضرموت عبارة عن قبائل تدور في فلك دولة مركزية واحدة هي دولة سبأ التي يعتبر ملوكها أساس من وحد اليمن خلال فترة ما قبل الميلاد . و أكد أن مكاربة سبأ هم أفضل من حافظ على الوحدة اليمنية قديماً و أن لفظة المكرِّب تعني الموحِّد أو المجمِّع و قد لُقِّب أكثر من 26 ملكاً بلقب المكرِّب من القرن التاسع إلى القرن السادس قبل الميلاد . و قال الناشري أنه في العصر الميلادي توحد السبئيون و الحميريون مكونين دولة واحدة عرفت بدولة سبأ وذي ريدان و ملكها ذمار علي و تر يهنعم في مطلع القرن الأول الميلادي و استمرت إلى عهد الملك شمَّر يهرعش الذي أضاف حضرموت في الجهة الشرقية فأصبح يلقب بملك سبأ وحضرموت وذي ريدان ويمنُتْ من القرن الثالث إلى القرن الخامس الميلادي وكان نفوذه يمتد من تهامة غرباً إلى عمان شرقاً ومن عدن جنوباً إلى ما وراء نجران شمالاً بناءً على ماورد في النقوش القديمة . و أضاف : " أما في بداية العصر الإسلامي فلم تكن هناك دولة مركزية واحدة ، لكن الشعور بالوحدة كان موجوداً والدليل قول الرسول صلى الله عليه و آله وسلم في وفد أبي موسى الأشعري : " أتاكم أهل اليمن " التي أصبحت فيما بعد ولاية للدولة الإسلامية " . ورد أستاذ التاريخ اليمني القديم على من يدّعي أن اليمن لم تكن موحدة في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم بسبب تقسيمها إلى ثلاثة مخاليف هي مخلاف الجند و مخلاف صنعاء و مخلاف حضرموت بالقول : إن هذا التقسيم إداري لتسهيل الإدارة و الدليل أن والياً واحداً تولى هذه المخاليف هو معاذ بن جبل . موضحاً أن هذا الوضع استمر حتى ضعف الدولة العباسية وبدأت العديد من الدول في الظهور بأطماع سياسية عاش اليمن خلالها تمزقاً سياسياً و فكرياً ومذهبياً حتى ظهرت الدولة الصليحية في القرن الرابع الهجري و مؤسسها علي بن محمد الصليحي الذي تمكن من تحقيق الوحدة وخلفه الأيوبيون فالرسوليون ، إلا أن اليمن عاد إلى التمزق في عهد الدولة الطاهرية . و اختتم الناشري محاضرته بأوضاع اليمن في العصر الحديث بداية بسيطرة العثمانيون على اليمن و دخولهم في صراعات مع الأئمة وظهور الدولة القاسمية وخروج العثمانيين و عودتهم للقضاء عليها و انتهاءً بتعرض الوطن العربي للاحتلال الأجنبي في مطلع القرن التاسع عشر حيث احتل الإنجليز المناطق الجنوبية من اليمن عام 1939م و سلم العثمانيون الحكم في الشمال للدولة المتوكلية فظل التشطير إلى أن أعيد تحقيق الوحدة اليمنية المباركة عام 1990م . و أثريت المحاضرة بمداخلات مستفيضة من قبل الحاضرين الذين أكدوا أن الوحدة اليمنية خيار تاريخي حضاري لا نكوص و لا تفريط فيه ، و أن أي خلاف سياسي أو أخطاء إدارية أو اقتصادية ليست مبرراً للتفريط في هذا المنجز . كما أكدوا على أن كل الأمور باستثناء الوحدة المباركة قابلة للنقاش و الحوار و التعبير بالطرق الحضارية السلمية و الديمقراطية .