كما نتفهّم الإعلان عن مجموعات تغييرية مختلفة .. صحفيون من أجل التغيير .. أكاديميون من أجل التغيير .. مستقلون من أجل التغيير .. شباب من أجل التغيير .. قبائل من أجل التغيير ..الفرقة الأولى مدرع من أجل التغيير .. سنتفهّم أيضاً (خليجيون من أجل التغيير) – طبعاً التغيير في اليمن وليس في الخليج- ، فهم محصنون ببركات البيت الأسود والبيت الأبيض . وليس غريباً علينا في اليمن أن نستدعي الخارج لحل مشكلاتنا وفض نزاعاتنا منذ ذلك الزمن القديم الذي استعان فيه سيف بن ذي يزن بأوباش كسرى لضرب أحباش إبرهة ، إلى الزمن المعاصر ، و جماعة "أبو متعب" التي أتعبتنا بعلي عبد الله صالح 33 سنة وتريد أن تقلب الشريط على الوجه الآخر لإتعابنا بلا علي ولا عبد الله ولا صالح لعقود أخرى مقبلة . أما ونحن أمام ثورة شبابية شعبية يمنية حرة بهذا الزخم العظيم الذي يهدد بتحريك كل المعادلات الاستاتيكية في العلاقات اليمنية – السعودية ، فدعونا نمر على بعض المحطات التاريخية للتذكير فقط بالتدخل السعودي في اليمن دون الاستغراق في التفاصيل المعروفة للكثير من المهتمين بهذا الشأن والمعاصرين له لنتخيل كيف يمكن وصف التدخل الراهن وتقدير حجمه المشهود فضلاً عن ذلك الذي لانتمكن من كشف تفاصيله بسهولة .. إنه مسلسل طويل منذ قوات حزام العجماني في بداية القرن التاسع عشر الميلادي التي غزت اليمن إبان الدولة السعودية الأولى ، مروراً بحادثة الحج اليماني 1921م في وادي تنومه ومقتل حوالي 3000 حاج يمني ، وتوقيع اتفاقية مكة بين إبن سعود والحسن الإدريسي 1926 م لفصل الدولة الإدريسية عن اليمن ، واتفاقية تسليم (المجرمين ) بين البلدين في 15 يناير 1935م تحت الضغط السعودي ، واندلاع الحرب السعودية – اليمنية 1934م وتوقيع معاهدة الطائف ، والمشاركة السعودية في قمع الثورة الدستورية 1948م ، ثم المشاركة في قمع حركة 1955م ، ثم إدارة الحرب في الساحة اليمنية إبان حصار السبعين والحرب بين الجمهوريين والملكيين لثمان سنوات ، والضغوط السعودية لإقالة محسن العيني من رئاسة الوزراء عدة مرات أثناء الحكم الجمهوري ، والضغوط نحو تعيين نصيرهم حسن العمري كرئيس وزراء لأربع مرات ، إلى الإسهام في حروب الشطرين اليمنيين بواسطة عملائهم ، وكذلك أخذ تعهد من الحجري لإقفال ملف الحدود ، الضغط السعودي على الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي لطرد الخبراء السوفيات لاستبدالهم بأمريكان ، ومحاولات الانقلاب عليه التي قام بها المشائخ المدعومون سعودياً في 13 يوليو 1975م ، و16 أغسطس 1975م ، و20 فبراير 1976م ، ثم في بداية يوليو 1977م في صعدة ، حتى اغتياله الآثم بإشراف مباشر من ملحقهم العسكري بصنعاء في أكتوبر 1977م ليتسلم السلطة حليفهم الغشمي ، وليكافئوا اليمن بعد ذلك على صبره الطويل ب علي عبد الله صالح . ثم استمرار التدخلات التي تصل إلى اختيار الوزراء و انتخاب مرشحين في البرلمان اليمني 1988م ، وصولاً إلى المحاولات المستميتة لمنع تحقيق الوحدة ، وبعد أن تحققت الوحدة اليمنية كان لهم الدور المعروف في أزمة 93م وحرب 94م وصولاً إلى اتفاقية جدة 2000م التي سلمت بموجبها الحكومة اليمنية للسعودية الأرض المستأجرة في نجران وعسير وجيزان بثمن لم يستلم منه الشعب شيئاً سوى العار والدمار وتم ترسيم الحدود على هواهم و طريقتهم . اليوم يقول شباب الثورة بأنها ثورة على الحاكم المستبد المتسلط الديكتاتور الطاغية الفاسد ، وثورة من أجل الحرية ، ومن المفروض أنها ثورة بالضرورة على كل ماسبق ذكره من تاريخنا ، ويقول أصحاب الفورة : إياك ثم إياك تتحدث عن أية ممارسات للإقصاء تحدث في الساحات حتى لو كانت أسوأ من ممارسات رموز السلطة وبلطجيتهم .. الآن عرفتُ كيف يستوي السلطوي والمعارض في الإرهاب. قدم الخليجيون مبادرة على مقاسهم ومقاس صالح ومقاس نظام الحكم الذي هو من مدخلاتهم ولابد أن يصبح من مخرجاتهم ، الشارع خرج غاضباً على المبادرة التي تمارس التحايل بالألفاظ مستهترة بأرواح الشهداء وتضحيات الأحرار المرابطين في الميادين والساحات ، إنهم لا يرون فينا حتى الآن إيماناً ولا حكمة بقدر مايرون فينا شعباً قلوب أبنائه رؤوفة وصدور شبابه عارية وجيوب شيوخه مواربة ، وهذا ما نتوقعه من دول حرّمت المظاهرات بالفتوى وقلبت الشريعة والسنة النبوية عاليها سافلها لكي لا يخرج إبن حرة في بلادهم ليقول لا. انحاز د. ياسين سعيد نعمان لإرادة الجماهير والشباب وعبر عن رفضه للمبادرة ، وهو موقف سيضاف إلى رصيده الوطني المشرف ، مع أنها بالنسبة لكثير في المشترك مبادرة حسن النوايا ومقبولة ومرحب بها ، بل نعمة من نعم الخليج علينا ، وإن اضطر بعضهم ادعاء خلاف ذلك في الإعلام ، ونستطيع أن نتخيل حجم الضغوط التي واجهها وسيواجهها هذا الرجل النعمان الطيب، أما المبادرة الخليجية بتعبير علي محسن فرصة لا تفوّت وقد تناسى أنه دخل على خط الثورة لحماية المعتصمين وخياراتهم والذين يرفضون مبادرة خليجهم الأشم ، وعلي صالح وسط هذا الهرج والمرج يضحك على الجميع ويستهتر بإرادة الشعب ويقوم بتشطيب آخر حزمة دولارات في بنوك الولايات الأحمرية المتحدة . الثورة اليمنية تدخل شهرها الثالث وتُعد الأطول في موسم الثورات العربية ، ولكن الحق يقال إن الفرز الذي يحدث في سياقها السياسي والميداني والإعلامي يوفر من الجهد الذي كنا سنقطعه بعد سقوط صالح ، بمعنى أن مايحدث في مصر من إعادة ترتيب للأوراق وتصحيح للمسارات منذ سقوط مبارك حتى اليوم نحن نقطع شوطاً منه قبل سقوط صالح وفقاً لخصوصيات الحالة اليمنية وتشعباتها، وكل هذا لن يحول أبداً دون سقوط صالح بل هي أيام الفرز المبكر وانكشاف مهم لأقنعة (الفوّار الأحرار) .. لاخوف إذاً على ثورة الشباب الأبطال ، مادام فينا فرداً واحداً يقول ( لا ) لمن يريد اختطافها والالتفاف عليها والإرادة الإلهية تأبى إلا أن تُمضي أحكامها ، ويأبى الله إلا أن يُتم نوره ، ولو كره الكافرون . عن صحيفة اليقين الاسبوعية eskandarsh@ yahoo.com