"أيها اليمنيونَ الأحرارُ، لقدْ قامَ جيشُكم الباسلُ بثورةٍ أنهتِ الملكيةَ إلى الأبدِ و أقامتْ حُكمَ الشعبِ لكي يحكمَ نفسَهُ بنفسهِ بواسطة ممثليه الحقيقيين" . كلماتٌ سمعَها اليمنيون في صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر من عام 1962م عمَّتِ الفرحةُ و تنفَّسَ اليمنيون نسماتِ الحريةِ و طارتْ أرواحُهم فرحًا و ابتهاجًا بانْتهاءِ عقودِ بلْ قرونٍ من الاستبدادِ و التجبُّرِ و حكمِ الفردِ المطلقِ، هو المجتبى وهو المصطفى هو المختارُ "وبقيةُ اللهِ في الأرضِ" و باقي الناس عبيدٌ ببابِه، بلْ لا بُدَّ أن يتمايزوا في ذلك ويتنافسوا في التسابقِ على ما يتفضلُ به عليهم من قهرٍ وجهلٍ وجوع وتعذيب . نحن كيمنيين عِشْنَا على هذا الحلم فرحنَا وغردْنا وأنشدْنا وغنينا ونضمنا الشعرَ ولسانُ حالِنا في كلِّ وقتٍ يقولُ كما عبَّرَ عنه البردَّوني : يَا صَرْعَةَ الظُّلمِ شَقَّ الشَّعْبُ مَرْقَدَهُ وَ أَشْعَلَتْ دَمَهُ الثَّارَاتُ وَ الضِّغْنُ هَا نَحْنُ ثُرْنَا عَلى إِذْعَانِنَا وَ عَلى نُفُوْسِنَا وَ اسْتَثَارَتْ أُمُّنَا "الْيَمَنُ " لَا "البدرُ" لَا "الحسنُ" السَّجَّانُ يَحْكُمُنَا الْحُكْمُ لِلشَّعْبِ لَا " بدرٌ " وَ لَا "حسنُ " نَحْنُ الْبِلَادُ وَ سُكَّانُ الْبِلَادِ وَ مَا فِيْهَا لَنَا؛ إِنَّنَا السُّكَّانُ وَ السَّكَنُ الْيَوْمُ لِلشَّعْبِ وَ الْأَمْسُ الْمَجِيْدُ لَهُ لَهُ غَدٌ وَ لَهُ التَّارِيْخُ؛ وَ الزَّمَنُ فَلْيَخْسَأِ الظُّلْمُ وَ لْتَذْهَبْ حُكُوْمَتُهُ مَلْعُوْنَةً وَ لْيُوَلِّي عَهْدُهَا النَّتِنُ ذَهبتْ حكومةُ الظلمِ و جرَّتْ معها أذيالَ الخزيِ و العارِ، إِذْ توارتْ و غابتْ في الظَّلامِ ، أو لعلها ارْتَدَتْ أزياءً أخرى مبهرجةً و جميلةً ظاهرَها الرضي عن حالِ الشعبِ و باطنَها؛ نارٌ تلظى حقدًا وعداوةً و تربصًا ومقتًا. جرَتِ الدنيا لما هو غالبٌ أو لما أُريدَ لهُ أنْ يكونَ و لكنْ وكما قيلَ "ليسَ من مصلحةِ الوصيِّ القويِّ الخائنِ أنْ يُبَلِّغَ الأيتامَ رشدهَم" و كذلك هو حالنا كيمنيين توالتْ علينا أحداثٌ وحكوماتٌ و أنظمةٌ سياسيةٌ و حروبٌ وتدخلاتٌ خارجيةٌ أيديولوجيَّاتٌ وأنظمة قبليةٌ وصراعاتٌ داخليةٌ بعضُها، و من شدَّةِ و قعتِها جعلتْنا نفقدُ البوصلةَ و نغفلُ عن حراسةِ ثورتِنا و بناءِ دولتِنا المنشودةِ، واستكمالِ حريتنا واختيارِ من يحكمُنا ديمقراطيا؛ في خِضمِّ هذا كلِّه أتانا ظلامٌ لا نعرفُ من أين خرجَ! و رجلُ كهفٍ لا نعرفُ كيفَ ظهرَ واستفردَ بالشعبِ كما يستفردُ الذئبُ بالحملانِ؛ فعاثَ تقطيِعًا وتقتيلَا وسجنًا وتفجيرًا.. علوًّا و كِبْرًا و اسْتبدادًا طاغوتيًّا كالسرطانِ الذي امتدَّ إلى جسدِ الشعبِ وابتلعَ مساحاتِ الإنسانيةِ فيهِ، جعلَ من أتباعِه جهلًا أو حتَّى ممنْ جاملَهُ خوفًا و هلعًا جعلهم لا يرونَ الآخرينَ إلَّا صِغارًا . لا يستوونَ إلَّا بتَسْيِيْدهِ وَ التقربِ إلى جَنابه و العيشِ في ظلهِ الوارفِ، ومن هنا نجدُ أن من حولِه أصبحوا أنصافَ بشرٍ أو أرباعَ بشرٍ، أصبحوا كُسورًا لا رجالًا، وما نقصَ من تمام إنسانيتهم أُضيفَ زُورًا إلى الكبيرِ المغرورِ، فأصبحَ فرعونًا متألِّهاً بعدما كانَ فردًا كغيرهِ من الْبشِرَِ. و هكذا أصبحَ حالُ الشعبِ اليمنيِّ بَينَ من لسانِ حالهِ يقولُ: ما أريكمْ إلَّا ما أرى؛ وبينَ من يستغلُ فقرَهُ وحاجتَهُ من أجلِ منافعِ سياسيةٍ ومصالحِ ضيقةٍ وحروبٍ ليس لها أهدافًا واضحةً مُعلنةً ولمْ تُغيِّرْ في الواقع شيئًا، ولكن كل نتائجَ هذهِ الحروبُ وانتصارَاتِها ذهبتْ واستبدلوا لنا مكانَها مصباحَ علاء الدين. وبقيَ السؤالُ الذي يغصُ في حنجرةِ كلِّ حُرٍّ شريفٍ؛ أين المخرجُ ؟، إلى أينَ الملجأُ ؟ من سيحملُ المسؤوليةَ ؟ ، من سيوقدُ الشمعةَ في هذا الظلام ؟ ، ومن سينتظرُ و يبقى يلعنُ الظلامَ مع المنتظرين؟ .. حريٌّ بكلِّ حرٍّ شريفٍ يحملُ همَّ بلدِهِ أنْ يكنَ هو حاملُ تلك الشمعةِ ينيرُ الطريقِ لسانُ حالهِ يقول : "لنعترفَ " أنَّا أضعْنَا الصباحَ فلنحترقْ حتَّى يضيءَ الطريقَ ألمٌ نؤجِّجَ نحنُ بدءَ الكفاحِ؟ فلنتّقدْ حتَّى مداه … السحيقِ لن ننطفئَ ما دامَ فينا جراحٌ مسهَّداتٌ في انتظارِ الحريقِ لن ننطفئَ رَغمَ احتشادِ الرياح فبيننا و النصرُ وعدٌ وثيقٌ و فجرنَا الآتي يمدُّ الجناحَ لنا و يومِئُ باختلاجِ البريقِ. نعمْ، لن ننطفئَ سننهضُ سنحترقُ ونضيءُ الطريقَ، سننهضُ من جديدٍ ونهضتُنا الشبابُ وََ العلمُ، محاربةُ الجهلِ مسؤوليةُ كلِّ متعلمٍ وَ ُهوََ دَينٌ على عاتقِ كل أكاديميٍّ و بارزٍ ومثقفٍ وناشطٍ اجتماعيٍّ، وَ المسؤوليةُ الآن عليكم أنتمْ جيلُ النهضةِ و على عاتقكم تقع مسؤوليةُ إخراجَ الشعبِ اليمني من المأزقِ الفادح . ِ والمصيبةِ الجللِ التي حلتْ به، وعن هذا قال كثير من الحكماء: إن الحريةَ التي تنفعُ الأمةَ هي التي تحصلُ عليها بعدَ الاستعدادِ لقبولِها، و أما التي تحصلُ على أثر ثورةِ غضبٍ لحظيةٍ، أو انتفاضةٍ طائشةٍ فقلما تفيدُ شيئًا، لِأن مثل هذهِ الثورةِ غالبًا ما تكتفي بقطعِ شجرةِ الاستبدادِ ولا تقتلعُ جذورَها فما تلبثُ أن تنمو وتعودَ أقوى وأغشمَ مما كانتْ عليه. و لهذا دعوةٌ إليكم يا صفوةَ المجتمعِ كلَّ المثقفييَن والأكاديميين أن تنظموا إلى تيار نهضة اليمن القادمة بإذن الله علَّنا نأخذُ هذه السفينةَ إلى مرفأِ الأمانِ بعدَ أن اعتلاهَا الُشيطانَُ وََ أخذَوَها عُنوةً، وقذفوا بها في وحلِ التخلفِ والجهلِ و القهرِ و الاستبدادِ. دعوةٌ إلى الأدباءِ و المعلمين علموا ما استطعتم وتذكروا دائما قول أحمد شوقي : فعلّمْ ما استطعتَ لعلَّ جيلًا ..سيأتي يُحْدِثُ العجبَ العُجابا . كل فردٍ من أبناءِ الشعب يفعلُ ما يستطيعُ أن يفعلَه، أزيلوا عن الناشئةِ غبارَ الجهلِ، لِأن الجهلَ أضرُّ شيءٍ على الإنسان وأضر آثارِ الجهلِ هو الخوفُ، والجهلُ في حقيقته وثنيٌّ لأنه لا يغرسُ أفكاراً بل يُنصِّبُ أصنامًا . نحن معًا في هذا التيار ولابدَّ أن نجعلَ له من اسمهِ نصيبًا، لا بدَّ أن نجعلَ منه تيارَ رياحٍ صرصرَيَةٍِ عاتيةٍ لا تبقي من الاستبداد باقيةً، لابدَّ أن نجعله إعصارَ شؤمٍ على أصحابِ الكهنوتِ و التخلفِ والظلام وأصحابِ التمييز ومن يركبون أكتافَ الضعفاءِ بغير حقٍّ. نحن على الدربِ؛ نعلمُ أن الطريقَ طويل و الدربَ موحش والمؤنَ قليلة؛ وليس لنا إلا اللهُ معينًا ثم أنتم يا أبناءَ الشعب و أذكركم بقول مالك بن نبي "نحن لا نستطيعُ أن نصنعَ التاريخَ بتقليدِ خطأِ الآخرين في سائرِ الدروبِ التي طرقوها بل بأنَ نفتحَ دروبًا جديدةً" .