القضية الجنوبية بين عبد ربه منصور ورشاد العليمي    الاتحاد الجنوبي لمكافحة الفساد والشروط الضرورية لنجاحه    كيف لجنوبي الاقتناع بوحدة كفرته وسلبت كل حقوقه    سلطان العرادة وشركة غاز صافر يعرقلون أكبر مشروع لخزن الغاز في ساحل حضرموت    الجزء الثاني من فضيحة الدولار أبو 250 ريال يمني للصوص الشرعية اليمنية    رئيس الوزراء بن مبارك يغادر عدن هربا من مواجهة الأزمات التي عجز عن حلها    شاهد: صورة تجمع سالم الدوسري بأولاده.. وزوجته تكشف عن أسمائهم    شاب يمني ينتحر شنقاً في صنعاء الخاضعة للحوثيين (صورة)    من طهران إلى صنعاء: رحلة الأسلحة الإيرانية التي تغذي الصراع في اليمن    عبدالملك الحوثي يغدر بأقرب المقربين من صالح الصماد .. و "مصادر موثوقة" تكشف ما حدث لزوجته وأطفاله!    "لا حق لكم بإقحام الجنوب في توجهاتكم الشاذة!"...قيادي بالحراك يهاجم "الانتقالي" ويصف قياداته بالمطبعين    هل دقت ساعة سقوط الحوثيين؟...قبائل الجوف تكسر حصار الحوثيين    مكافأة 10 آلاف دولار لمن يدلي بمعلومات عن طفل يمني اختفى    القاضي قطران ينتزع حقاً من الحوثيين لأول مرة في صنعاء... ماذا فعل؟    شاهد: فضيحة فيسبوك تهزّ منزل يمني: زوجة تكتشف زواج زوجها سراً عبر المنصة!    قيادات بإصلاح المحويت: استمرار اختطاف قحطان يكشف الطبيعة العدوانية للحوثيين    أولويات الكبار وميادين الصدق    مارب.. افتتاح مدرسة طاووس بن كيسان بدعم كويتي    دعم سعودي جديد لليمن ب9.5 مليون دولار    - 45أعلاميا وصحفيا يعقدون شراكة مع مصلحة الجمارك ليكشفون للشعب الحقيقة ؟كأول مبادرة تنفرد بها من بين المؤسسات الحكومية منذ2015 فماذا قال مرغم ورئيس التحرير؟ اقرا التفاصيل ؟    برشلونة يختتم موسمه بالفوز امام اشبيلية    دراسة حديثة تدق ناقوس الخطر وتحذر من اخطر كارثة تتهدد اليمن !    الاشتراكي اليمني يرحب بتوقيع قبائل الصبيحة ميثاق شرف لإنهاء الثأرات مميز    منظمة إيرانية منفية تكشف اساليب ووسائل إيران في نقل الأسلحة للحوثيين مميز    فتاة تكشف عن فضيحة كبرى تهز اليمن    قيادة «كاك بنك» تعزي في وفاة والدة وزير العدل القاضي بدر العارضة    وزير الصحة يلتقي مع المشرف العام لمركز الملك سلمان للأعمال الإغاثية والإنسانية    الجامعة العربية تشدد على ضرورة تكاتف الجهود للنهوض بالشراكة العربية - الإفريقية نحو آفاق أوسع    البنك المركزي يعلن عن مزاد إصدار سندات حكومية طويلة وقصيرة الأجل    تعز.. العثور على جثمان طفلة جرفتها سيول الأمطار بالمدينة    بينهم يمني.. شاهد: الأمن العام يُحكم قبضته على المُجرمين: لا مكان للجريمة في السعودية!    الأهلي المصري يتوج بطلًا لأبطال إفريقيا للمرة ال12 على حساب الترجي التونسي    الحكومة اليمنية ترحب بقرار "العدل الدولية" وقف الهجوم العسكري على رفح مميز    الثاني خلال أسبوع.. وفاة مواطن نتيجة خطأ طبي خلال عملية جراحية في أحد مستشفيات إب    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    الذهب يتجه صوب أكبر خسارة أسبوعية في أكثر من خمسة أشهر    عالم يمني يبهر العالم و يكشف عن أول نظام لزراعة الرأس - فيديو    "القسام" تعلن عن أسر جنود للاحتلال في كمين داخل نفق في جباليا    حصاد كهنة الآل لثمانية أشهر... بين استغلال المشاعر، واستثمار العاطفة!    لعبة المصارفة التي تمارسها الشرعية تحصل على الدولار بسعر 250 ريال يمني    الونسو ينهي موسمه بخسارة وحيدة في جميع البطولات    باريس سان جيرمان يتوج بكأس فرنسا بعد تفوقه على ليون في النهائي    العميد طارق صالح يعلق على فوز العين الإماراتي بدوري أبطال آسيا والأهلي المصري بدوري أبطال إفريقيا    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    اللواء العرادة يعلن عن إنشاء مدينة طبية وبناء كلية طب ومستشفى جامعي بمأرب    برشلونة يعلن إقالة تشافي رسمياً    34 تحفة من آثار اليمن مهددة للبيع في مزاد بلندن    مليشيات الحوثي تصدر بيانا بشأن منعها نقل الحجاج جوا من مطار صنعاء إلى السعودية    عالم يرد على تسخير الإسلاميين للكوارث الطبيعية للنيل من خصومهم    الفن والدين.. مسيرة حياة    عن طريق أمين جدة السعودية.. بيع عشرات القطع الأثرية اليمنية في لندن    تصحيح التراث الشرعي (32) أين الأشهر الحرم!!؟    إعلان سعودي رسمي للحجاج اليمنيين القادمين عبر منفذ الوديعة    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    وهم القوة وسراب البقاء    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السيدة التي تحارب المجاعة منفردة في اليمن
نشر في سما يوم 24 - 09 - 2016

بعد عامين من الصراع في اليمن والحصار الذي يفرضه التحالف الذي تقوده السعودية، والذي استمر 18 شهرا، هناك الملايين من الجائعين في اليمن. بعضهم يموت من الجوع ببطء شديد، بسبب نقص الغذاء. ولكن طبيبة من مدينة الحديدة، التي تقع على ساحل البحر الأحمر، تفعل كل ما بوسعها لإنقاذهم.
ولم تشهد أشواق محرم خلال عملها طبيبة لعشرين عاما، تدهورا للأوضاع إلى هذه الدرجة. وتقول أشواق "أنا أشاهد نفس الوضع الذي كنت أشاهده على التلفاز عندما ضربت المجاعة الصومال. لم أتوقع أبدا أن أشاهد هذا الوضع في اليمن".
عملت أشواق لسنوات مع المنظمات الدولية لتقديم المساعدة، ولكن معظم تلك المنظمات ترك البلاد بعد بداية الصراع في شهر مارس/آذار عام 2015، وخفف من تبقى منها نشاطه بشكل كبير. لذا تقوم أشواق محرم الآن بتوزيع الأدوية والغذاء على نفقتها الخاصة مستخدمة سيارتها كعيادة متنقلة.
قضيت أسبوعين مع أشواق، نزور مدنا وقرى قرب الحديدة، ونشاهد مناظر، لم يخطر ببالي أبدا أني سأشاهدها في اليمن.
مدينة الحديدة، التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون الذين سيطروا على معظم مناطق اليمن عام 2014، كانت إلى وقت قريب المدخل الرئيسي لسبعين في المئة من واردات اليمن من الأغذية. أما الآن، فهي لا تعاني فقط من الحصار، بل تضررت كثيرا أيضا بسبب الضربات الجوية التي نفذتها قوات التحالف بقيادة السعودية.
فقد تحطم ميناؤها، وتدمر تماما منتجع سياحي بها كان يطل على البحر.
ويشكل الحصار والقذائف تهديدا مضاعفا لمرضى اشواق محرم التي تقول "إذا لم تقتلك الضربات الجوية فسوف تموت بسبب المرض والجوع الشديد"، مضيفة "وأبشع طرق الموت تلك التي تسببها المجاعة".
بعد أن حمَلنا السيارة بالأدوية، توجهنا الى منطقة بيت الفقيه التي تقع على بعد مئة كيلومتر جنوب شرق الحديدة.
كانت القرية مزدهرة يوما ما، وتُعرف بزراعة الموز والمانجو المعدين للتصدير، ولكن الصادرات توقفت اليوم وفقد معظم العاملين وظائفهم. أما الفواكه، التي تحملها على الحمير نساء مرتديات أزياء ملونة، فهي بالنسبة لمعظم اليمنيين سلعة لا يمكنهم شراؤها.
هنا قابلنا أم عبد الرحمن، ورأينا طفلها الذي يعاني من حساسية ضد المواد التي بها لاكتوز أو سكر الحليب. ولا يزيد وزنه على وزن رضيع يبلغ ستة أشهر.
سألتها: "كم عمره؟"
أجابت: "ثمانية عشر شهرا. كان من المفترض أن يتحدث ويمشي وهو في هذا العمر"، ثم تنهار في البكاء.
يحتاج عبد الرحمن لنوع معين من الحليب كان متاحا في السابق في كل أرجاء اليمن ولكنه اختفى بعد تعرض ميناء الحديدة للدمار وبداية الحصار.
قالت الأم: "بحثنا في كل الصيدليات. الكل أجمع أنه غير موجود في أي مكان".
وقالت أشواق للأم إنها ستساعدها. وعدٌ سرعان ما عرفت الأم أنه قد لا يتحقق. إنها تعرف أن الطفل يمكن أن يموت بدون الحليب، ولكن الحصول عليه يعد تحديا كبيرا.
وتقول الطبيبة إنها بحثت بنفسها عن هذا النوع من الحليب من قبل، ولكنها لم تجده في أي مكان.
واجهت عائلتها مشاكل مشابهة. فقد مرض زوجها بعد بداية الحرب وبدأ قلبه يصارع التهابا أصابه، وأصبح إيجاد العلاج أمرا ملحا. وتقول أشواق "سارعت إلى مستشفى القلب الرئيسي في صنعاء، ولكني كطبيبة كنت أعلم الرد. لا توجد أي إمدادات ولا يمكنهم تقديم المساعدة"، مضيفة أنها قالت لهم "أنا طبيبة وزوجي كان يحتضر أمامي ولم يكن بمقدوري مساعدته ..."
وتنهار أشواق محرم بالبكاء.
وسافر زوجها إلى الأردن ومعه طفلاهما باحثين عن الأمن. الطفلان كانا قد توقفا عن الذهاب إلى المدرسة.
وأضافت: "أشعر بالإجهاد كطبيبة وأم وزوجة".
وعدنا إلى الحديدة بالسيارة، الخيام تصطف على الأرصفة. وأرى من نافذة السيارة رجلا يستحم بملابسه وسط الشارع، وأطفالا يجرون حوله بأقدام حافية يطارد أحدهم الآخر. هؤلاء هم اليمنيون الذين هربوا إلى الحديدة من المناطق التي يشتعل فيها الصراع على أشده.
وتقول أشواق "الأغنياء أصبحوا الآن أبناء الطبقة الوسطى، وأبناء الطبقة الوسطى أصبحوا بدورهم فقراء، أما الفقراء فيموتون جوعا"، وتضيف "بعض هؤلاء كانوا يعيشون حياة مثلك ومثلي، أما الآن فانظر"، وتشير إلى الناس على الرصيف. "لقد فقدوا كل شيء".
وتوقفنا للتحدث إلى أم وجدناها في الطريق مع أطفالها الثلاثة. قالت الأم إنهم كانوا يعيشون في حرض قرب الحدود السعودية أقصى الشمال. وقضوا أشهرا في مخيم للاجئين يحصلون على القليل من الغذاء والدواء ولكن المخيم تعرض للقصف وقتل زوجها.
وبينما كنا نجلس على الرصيف نتحدث، أخذت طائرات التحالف تحلق على ارتفاع منخفض فوق رؤوسنا.
اليمنيون محاصرون. أكثر من ثلاثة ملايين شخص من بين 27 مليون نسمة تركوا منازلهم. وأغلقت، في نفس الوقت، قوات التحالف كل الموانيء، مانعة أي شخص من المغادرة. ليس هذا فحسب، فقد أغلقت في وجوههم أبواب العديد من البلدان التي كانت تستقبل اليمنيين بدون تأشيرة.
ورأينا خلال تنقلي مع أشواق من قرية إلى أخرى مرارا وتكرارا، العديد من الأطفال يعانون من سوء التغذية الحاد. إنهم يموتون جوعا.
سوء التغذية يضر بجهاز المناعة، ويجعل الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالمرض، في وقت أصبح فيه الحصول على العلاج أمرا صعبا جدا. عدة مستشفيات اضطرت إلى إغلاق أبوابها، إما بسبب القصف، وإما لقلة الإمدادات الطبية. قسم الأطفال في مستشفى الحديدة ممتلئ بأكمله. هناك طفلان أو ثلاثة على كل سرير.
وهناك قابلنا شعيب، ابن الأربعة أعوام الذي اقترض جده من الجيران لكي يسافر به ويحضره إلى المستشفى. ويعاني الطفل من الإسهال والحمى، ولكن الأطباء اضطروا إلى إخبار الجد أنه ليس بوسعهم مساعدته. مدير المستشفى أخبرنا أن كل المضادات الحيوية الموجودة لديهم لا تعالج نوع البكتيريا الذي لديه.
ومع استلقاء شعيب على السرير، أخذ جسده يبرد بمرور الوقت، ثم يمسك جده بيديه ناحبا.
توفي شعيب بعد ساعة. أشاهد الموقف، الجد يبكي في صمت ويغطي جسد حفيده بشاله ويحمله إلى والدته المنتظرة في منزلهم.
وأشواق هي الأخرى لا يهدأ جرحها. وتتساءل: "من المسؤول عن موت شعيب؟ الحرب مسؤولة! ولكن سيعتبرونه ضحية إهمال المستشفى. الآلاف مثله يموتون. هل يجب أن يقتلوا من جراء القصف الجوي حتى يُعترف بأنهم ضحايا حرب؟"
وسمعنا ونحن نغادر المستشفى، أنباء عن تعرض المستشفى الذي تديره منظمة أطباء بلا حدود في مدينة عبس القريبة، للقصف من قبل طائرات التحالف.
وتستشيط أشواق غضبا "إنهم يقصفون المستشفيات، لماذا؟".
أحد الأسباب أن السعودية تتهم الحوثيين باستخدام المستشفيات كمخازن للأسلحة.
في اليوم التالي، زرت مستشفى أطباء بلا حدود. وبينما كنت أسير وسط حطام قسم الأطفال، استوقفني مشهد مأساوي: قبعة حفل ورقية، وبقايا كعكة عيد ميلاد، وشموع مبعثرة على الأرض.
وقال دكتور يحيى العبسي مدير المستشفى "الأطفال كانوا يحتفلون بعيد ميلاد أحدهم قبل القصف".
وقتل 19 شخصا من جراء القصف وأصبحت محافظة عبس بلا مستشفى.
في اليوم التالي، استقبلت الطبيبة أشواق محرم بعض الأخبار السارة. فقد وجد صديق طريقة للحصول على حليب من السعودية لإنقاذ حياة الطفل عبد الرحمن وبتكلفة معقولة.
وبعد ستة أيام، حصلت على الحليب وذهبت مسرعة إلى منزل الطفل.
وبعد أسبوعين من اليأس، من الرائع أن أشاهد أخيرا نهاية سعيدة. إذ يتناول عبد الرحمن الحليب من القارورة ويشربه بسرعة حتى آخر نقطة، بينما تراقبه والدته وهي تبكي.
وقالت الأم لأشواق وهي تعانقها: "لقد جلبت السعادة لمنزلنا".
وبالرغم من أن أشواق محرم استطاعت إنقاذ حياة طفل واحد، فإن معاناة أكثر من مليون طفل آخرين مع الجوع لا تزال تستمر في كل أرجاء اليمن.
ويوجد 20 من بين اثنتين وعشرين محافظة على حافة المجاعة. قد يفقد اليمن جيلا بأكمله إن لم يحدث شيء، قريبا جدا، يضع حدا لمعاناتهم.
يبث وثائقي "اليمن: أطفال الجوع" يوم الثلاثاء 27 سبتمبر أيلول الساعة السابعة وخمس دقائق مساء بتوقيت غرنتش، بعد نشرة الأخبار.
بي بي سي عربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.