اجرت الحوار / ضياء سروري من حسن حظنا ان توفرت لنا فرصة اللقاء والحديث مع سيادة الرئيس السابق / علي ناصر محمد بعد فترة غياب ليست بالقصيرة عن وسائل اعلامية كانت مرئية او مسموعة , حيت تشهد الساحة الوطنية اليمنية منعطفات ومستجدات سياسية كثيرة وصراعات دموية خطيرة وحروب شاملة طالت جغرافيا الوطن باكمله .. مشكلات وازمات تتفاقم كل يوم منذ عامين من الحرب حصدت الاخضر واليابس وتسببت باكبر ازمة انسانية في العالم .. استعصت عن الحل للخروج الى وضع السلام . . (صوت عدن ) حملت معها هموم الوطن والمواطن وتلمست طبيعة الخلافات والمشكلات التي ادت الى حرب دموية بشعة لم يشهد مثيلا لها في التاريخ اليمني المعاصر وانعكاساتها المحلية والاقليمية والدولية .. واستقصت المخارج والحلول بان فتحت حوارا شاملا مع شخصية حكيمة رشيدة ومحنكة وذات تجربة طويلة راسخة جذورها في الارض تتصف بالموضوعية والمصداقية وبقول الحقيقة .. انه الرئيس السابق لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الاستاذ علي ناصر محمد الرئيس والقائد الحكيم .. المناضل الفذ ورجل الدولة الذي يحظى بسمعة سياسية وشخصية متميزة ورائعة .. يسكن قلوب الناس لتواضعه وبساطته لانه صاحب قلب متفتح على الجميع ويحظى بعلاقات واسعة في الصعد الوطنية والاقليمية والدولية كشخصية قيادية وسياسية بارزة له وجهات نظر غاية في الاهمية يستوعبها العقلاء باعتباره شخصية محورية مهمة يمتلك رصيد نضالي وقيادي ووطني محل اعجاب وتقدير حافل بالعطاء والعمل وايثار الوطن . ( صوت عدن ) فتحت مع الرئيس القائد حوارا مستفيضا حول عديد من القضايا الراهنة في المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد .. فتح قلبه بتواضعه الذي الفناه وعهدناه بصفته علما بارزا وشامخا من اعلام الثورة والنضال والبناء قاد اليمن الجنوبي في احلك المراحل وكان في طليعة المناضلين من اجل حياة افضل للناس ومدافعا عن حقوق الانسان وقيم العدالة والمساواة والحرية والتطوير .. له سجل وطني حافل بالمنجزات .. تحدث لنا بكل شفافية ووضوح واضعا النقاط فوق الحروف وسلط الاضواء على حاضر ومستقبل اليمن وسبل الخروج من نفق الوضع الراهن وتلك تفاصيله في الحوار التالي :
” ان ارادوا لفعلوا “ 1- سيادة الرئيس لماذا عجزت دول الخليج عن تقريب وجهات النظر بين الفرقاء اليمنيين لرأب الصدع ؟ تستطيع الدول الخليجية ان هي ارادت ذلك، ليس فقط ان تقرب وجهات النظر بين الفرقاء اليمنيين بل وان تساعد اليمن للخروج من ازمته من منطلق ان امن واستقرار اليمن جزء لا يتجزأ من امن واستقرار الدول الخليجية والعالم، لقد حاولت الكويت ذلك واجتمع الفريقان هناك لثلاث اشهر كاملة دون ان يتوصلوا الى نتيجة لان تجار الحروب لا يريدون نهاية لها، اليمنيون ايضاً قبل غيرهم يتحملون مسؤولية الفشل. 2- هل هناك رغبة دولية لوقف الحرب وايجاد حلول حقيقية في اليمن ؟ اعتقد ان الكل يبحث عن مخرج لهذه الحرب، فكلفتها البشرية والمادية ليست قليلة على الجميع، قد تكون مثل هذه الرغبة موجودة، ولكن ربما لم تنضج الظروف بعد لاتخاذ قرار بوقف الحرب … وكلما زادت مخاطرها وكلفتها كلما اقترب العالم من البحث عن حل او مخرج لها .. نرجو ألا يطول امد ذلك، لان شعبنا هو من يدفع الثمن، كما تشكل الحرب تهديداً للامن والاستقرار ليس في اليمن وحدها بل تهدد الامن والسلام الاقليمي والدولي، ونحن نأمل أن تكلل مساعي المبعوث الاممي الى اليمن السيد اسماعيل ولد الشيخ في جولته الاخيرة بالنجاح.
” الحرب كارثة انسانية كبرى “ 3- كيف ترى المشهد اليمني، وما هو الحل من وجهة نظركم للخروج من الازمة بعد عامين من الحرب التي احدثت كارثة انسانية كبرى في اليمن ؟ اتفق معك بان الحرب قد احدثت كارثة انسانية كبرى، وهذه طبيعة كل حرب اذ لا تخلف سوى المآسي والكوارث والموت والدمار، تقارير المنظمات الدولية الانسانية تشير الى ملايين يحتاجون الى مساعدات انسانية عاجلة ولكن الأهم من المساعدات الانسانية هو وقف الحرب لكي يعود الناس الى وطنهم ومنازلهم واعمالهم لممارسة حياتهم الطبيعية، تسألينني عن الحل … الحل هو وقف الحرب باسرع ما يمكن، والشروع في البحث عن حل سلمي، ويمكنك العودة الى المبادرة التي تقدمت بها بهذا الشأن، لكن الوضع في اليمن شديد التعقيد. 4- سيادة الرئيس لماذا تصر بعض الاطراف الاقليمية والدولية على وحدة امن واستقرار اليمن دون حل للقضية الجنوبية ؟ الامر يتعلق اين تكمن المصلحة؟ .. من المصلحة ان ترى الدول الاقليمية والدولية أن في أمن واستقرار اليمن بحكم موقعها الاستراتيجي مصلحة للاقليم والعالم واليمن بالتأكيد، هذه حقيقة بديهية يفرضها الموقع الجيوسياسي لبلادنا ونحن لا نختلف معهم في ذلك، لكن من ناحية اخرى توجد اليوم ازمة عميقة في اليمن، وجوهر هذه الازمة واسها القضية الجنوبية العادلة، وبات الاقليم والعالم على قناعة بذلك، لكنه فيما يبدو لم يتوصل بعد الى رؤى بحلها او انه لا ينظر اليها كأولوية … واظن ان هذا مسألة وقت فقط، وكلما تأخر حل القضية الجنوبية كلما ازدادت الازمة اليمنية تعقيداً وهذا ليس من مصلحة اليمن ولا الاقليم والعالم، الحرب الدائرة اليوم اكبر دليل على ذلك .. ونحن نقول ان حل القضية الجنوبية حلاً عادلاً يرضي الشعب في الجنوب هو المفتاح لحل الازمة اليمنية برمتها ونأمل ان يصل الاقليم والعالم الى هذه القناعة.
” ازمة تكوين حامل سياسي “ 5- ما اسباب فشلنا في ايجاد حامل سياسي بمكون واحد وقيادة واحدة ويكون ممثلاً شرعياً لشعب الجنوب ؟ يشهد الله اننا قد بذلنا ونبذل مع اخوة اخرين كل ما نستطيع من جهد ووقت للوصول الى ذلك، وتنقلت من بلد الى بلد، ومن عاصمة الى عاصمة، والتقيت بكل القيادات السياسية الجنوبية من كافة المستويات، ولم نألوا جهداً في سبيل الوصول الى ايجاد هذا الحامل السياسي والرؤى الواحدة لما يشكلانه من اهمية للقضية الجنوبية وعدالتها وكان المؤتمر الجنوبي (الأول) عام 2011 واحدة من هذه الجهود. ففي الاخير حتى مع اقتناع العالم بالقضية وبعدالتها فانه يحتاج ان يتعامل مع كيان واحد تشارك فيه كل القوى يمثلها في اي حوار او ترتيبات لا مع مكونات متعددة، وللاسف فان مكونات الحراك حسب علمي بلغت العشرات، ومع ايماننا بالتنوع والتعدد لكن هذا ليس بالامر الطبيعي ولا المقبول .. وهذا واحد من اسباب ما نحن فيه من عجز، ومن عدم التعامل مع القضية الجنوبية بجدية، واحيانا بنوع من الاهمال والتهميش والتجاهل، نحن نمر بلحظة تاريخية فارقة اما نكون او لا نكون.
” فشلنا في فرض قضيتنا على صناع القرار” 6- لماذا عجزت النخب السياسية الجنوبية من فرض قضيتها على صناع القرار الدولي ؟ اعتقد ان ما فشلت فيه النخب السياسية رغم محاولاتها الجادة بهذا الشأن بسبب عدم توحدها في رؤى واحدة وقيادة واحدة، نجح فيه شعبنا وحراكه السلمي الذي اوصل القضية الجنوبية وعدالتها الى صناع القرار بحيث صارت ضمن اجندتها، ودون شك فان اتفاق الحراك الجنوبي السلمي على حامل سياسي واحد ورؤى موحدة سيشكل قوة مؤثرة فاعلة في المستقبل نحو مزيد من اقتناع العالم وصناع القرار فيه بعدالة القضية الجنوبية والمساعدة في ايجاد حل لها، ونحن نبارك اي جهود على هذا الطريق. 7- سيادة الرئيس هل عجزنا اعلامياً وسياسياً في نقل هموم الجنوب للعالم ؟ لا يخفى على احد بان امكانيات الحراك في هذا المجال متواضعة خاصة ما يتعلق بالجانب الاعلامي، اذ ليست لديه قنوات فضائية ووسائل اعلامية (محترفة ومهنية) قياساً بما لدى الاخرين … لكن خلال السنوات الاخيرة حدث تطور يمكن البناء عليه من حيث اهتمام العالم بالقضية الجنوبية وبعدالتها، ويعود الفضل في ذلك الى نضال شعبنا في الجنوب والى حراكه السلمي الشعبي الذي نقل القضية الى طور جديد وجعلها في متناول الرأي العام ودوائر صنع القرار بحيث لم يعد بوسع احد تجاهلها او التعتيم عليها كما كان الحال قبل عدة اعوام. 8- اين يقف الرئيس ناصر من كل الاوضاع الداخلية في الجنوب خاصة واليمن عامة . وهل لك من كلمة توجهها لكل الاطراف اليمنية والاقليمية والدولية ؟ مواقفي واضحة ومعلنة من الاوضاع في اليمن بشكل عام، والجنوب بشكل خاص، وليس من شيء اخفيه، فانا ادعو (اليوم ومنذ سنتين) الى وقف الحرب، ودعوت الى حوار بين كل الفرقاء والى اعتماد الحلول السلمية، فالحروب لا تخلف سوى القتل والدمار والمآسي .. وفيما يتعلق بالجنوب فأنا ادعو منذ عام 1994 وقبل انطلاق الحراك الجنوبي وما بعده وثورة العام 2011 واخيراً مؤتمر الحوار الوطني الى حل القضية الجنوبية حلاً عادلاً بما يرضي الشعب في الجنوب وفقاً لمخرجات المؤتمر الجنوبي الاول بالقاهرة عام 2011 من وجهة نظرنا. وكلمتي لكل الاطراف المحلية والاقليمية والدولية هو ان تعمل مافي وسعها لوقف الحرب ومساعدة اليمن في حل ازمتها، لان في استقرار اليمن استقرار للمنطقة والعالم نظراً لاهميتها الاستراتيجية في باب المندب والبحر الاحمر والمحيط الهندي والقرن الافريقي وجزيرة العرب، فذلك سيعود بالنفع على الجميع وان يساعدونا في ايجاد حل عادل للقضية الجنوبية.
” ماساة عدن “ 9- سيدي اذا عادت عجلة الزمان الى الوراء ماذا تمحي من تاريخ عطاءك السياسي ؟ وكيف تعالج الوضع الانساني الراهن في عدن الحاضنة للجميع والتي يفتقر اهلها اليوم لابسط مقومات الحياة ؟ الزمن لا يعود الى الوراء، انه يسير دائماً الى الامام، لذلك فان العودة بالزمن الى الخلف يصبح نوعاً من الاماني، كأن يحلم المرء ان يعود شاباً وقد تقدم به العمر .. لكن دعيني انتقل الى الجزء الاخر من السؤال وهو الاهم .. لقد واجهنا معضلة كهذه في مراحل عديدة من عمر الدولة الفتية في الجنوب، جمهورية اليمن الديمقراطية، وكانت الاوضاع الاقتصادية والمالية فيها صعبة والبلد يتعرض لحالة حصار سياسي واقتصادي، ولكننا كنا نجد الحلول المناسبة دائماً معتمدين على الله وعلى اصالة وطيبة شعبنا، والحق يقال ان لدينا شعباً طيباً واصيلاً وصبوراً .. وعلى سبيل المثال عندما واجهنا ازمة اقتصادية ومالية في بداية السبعينيات بسبب تخلي بريطانيا عن التزاماتها المالية لدولة الاستقلال ورفض الاخرون مساعدتنا، خرج الناس والموظفون منهم يطالبون بتخفيض رواتبهم، وكانت تلك حالة نادرة في التاريخ ان يخرج الناس للمطالبة بتخفيض رواتبهم ومصدر دخلهم الوحيد، فيما العادة ان يخرج الناس في الدنيا كلها بمظاهرات واضرابات يطالبون فيها بزيادة رواتبهم!! لكن ذلك الاجراء ساهم في تخفيف الضغط على الوضع الاقتصادي الصعب … وكان اجراءاً مؤقتاً الى حين اذ عادت الرواتب للأزدياد بعد ذلك .. ولا تنسي انه كان في اليمن الديمقراطية دولة نظام وقانون ودولة رعاية اجتماعية (التعليم والصحة فيها مجانيان) … وفيها ادنى اجور السكن في العالم وخالية من الفساد .. ولديها نظام مالي واداري من افضل ما يمكن ورثته عن بريطانيا .. وكانت الدولة تدعم اسعار السلع الاساسية واسعار الدواء والكتاب وكانت ارخص منه في اي مكان، وهناك مثال اخر اود ان استشهد به: فعندما واجهت البلد ازمة الكهرباء في بداية الثمانينيات بسبب قدم محطات الطاقة اتخذنا اجرائين في نفس الوقت ترشيد الاستهلاك عبر دعوة المواطنيين الى عدم تشغيل المكيفات وبدأت بمكتبي وبيتي وبمؤسسات الدولة وبيوت المسؤولين من ناحية وكانت استجابة المواطنيين كبيرة وبالبحث عن مصادر تمويل لانشاء محطات طاقة جديدة من ناحية اخرى استعنا بالطاقة الفائضة عن حاجة مصفاة عدن واستوردنا مولدات كهربائية جواً بشكل عاجل من الخارج وعملنا على بناء محطات كهرباء بالتعاون مع دولة الامارات العربية المتحدة، وخلال وقت قصير استطعنا تجاوز الأزمة بالاضافة الى الاستمرار في بناء محطة الكهرباء في الحسوة وفي خور مكسر والمنصورة بدعم من الشيخ زايد رحمه الله. ولولا ذلك لربما كان وضع العاصمة عدن اسوأ مما هو عليه اليوم، ولم تشهد عدن انقطاعاً في الكهرباء يوماً واحداً بعد ذلك التاريخ ونحن لا نمن على الشعب في عدن حيث دخلت الكهرباء منذ العام 1928م. والمثال الثالث كان القطاع العام يهيمن على التجارتين الداخلية والخارجية بما في ذلك تجارة التجزئة وكان ذلك يسبب معاناة شديدة لمواطنينا ويقفون طوابير طويلة للحصول على حاجاتهم من الخضراوات والفواكة والاسماك وغيرها، فاتخذنا اجراء بالسماح للقطاع الخاص بالاستيراد والمساهمة في عملية التموين وتجارة التجزئة وفي التنمية وحل هذا مشكلة كبيرة … دائما توجد هناك حلول شريطة وجود دولة ومسؤولين قلبهم على الوطن والمواطن … ما اريد قوله: انه وفي اشد ازمات البلد المالية والاقتصادية وحتى السياسية لم تتوقف الدولة يوماً عن دفع رواتب الموظفين او التأخر في دفعها عن مواعيدها كما يحدث اليوم بكل اسف لكن مع هذا يجب الاعتراف بان التجربة لم تخلوا من السلبيات شأنها شأن كل تجربة انسانية.
10) سيدي الرئيس متى ستشرق شمسنا ؟ ان شاء الله الشمس ستشرق من عدن التي كانت منارة للحداثة والتنوير وعندما يستلم جيل جديد القيادة.. جيل خالي من امراض وعقد الماضي ويملك مشروع وطني للمستقبل . شكراً سيادة الرئيس على اتاحتكم الفرصة لاجراء هذا اللقاء السريع وان شاء الله يكون لنا لقاء اخر في عدن الحبيبة , في أمان الله .