غرقت الولاياتالمتحدة الاميركية، التي لاتزال الى اشعار آخر القوة العظمى الوحيدة في العالم، في مستنقع آخر اسمه الاعصار «كاترينا» الذي ضرب خصوصاً مدينة نيواورلينز في ولاية لويز يانا مخلفاً آلاف القتلى ومأساة انسانية لم يشهد البلد مثيلاً لها منذ فترة طويلة.. واثر الاعصار على اسعار النفط بعدما تعطلت مصاف عدة في المنطقة المنكوبة لم يكشف الاعصار مدى هشاشة المؤسسات الاميركية التي عليها التعاطي مع كوارث تتسبب بها الطبيعة فحسب، بل كشف ايضاً مدى اعتماد القوة العظمى الوحيدة في العالم على مصادر الطاقة خارج اراضيها وفي الشرق الاوسط تحديداً. بدا للوهلة الاولى أن لاعلاقة بين الاعصار الذي ضرب ولايات اميركية، خصوصاً لوزيريانا، وبين الاعصار الآخر الذي مسرحه العراق والذي تسببت به الادارة الامريكية التي لم تقم اي حسابات لمرحلة مابعد الاحتلال العسكري لهذا البلد ولكن تبين لاحقاً ان ثمة اوجه شبه كثيرة بين الاعصاريين. كما حصل في العراق، حصل في نيواورلينز في المكانين انفلتت الغرائز و باتت تتحكم بتصرفات الناس وفي الحالين تبين ان الادارة الامريكية لم تتخذ الاجراءات التي كان يفترض بها اتخاذها بشكل مسبق لمنع عمليات السلب والنهب. في الحالين تدخل الجيش الامريكي متأخراً لمحاولة بسط الهدوء والأمن. وفي الحالين ظهرت الادارة الامريكية في مظهر المنحاز مع طرف ضد طرف آخر. في العراق بدت سلطات الاحتلال الامريكية وكأن أهل السنة العرب آخر همومها وألاّ علاقة لها بمصيرهم وبما يتعرضون له. وكانت النتيجة ان لجأ هؤلاء الى الارهاب لعله يعيد لهم بعض حقوقهم وفي العراق ايضاً نهبت البيوت والمتاحف على مرأى من الجنود الاميركيين ومسمعهم وكانت ولاتزال عمليات خطف يومية يبدو واضحاً انها تستهدف في نهاية المطاف تأكيد ان البلد لن تقوم له قيامة إلاّ اذا سيطرت عليه فئة معينة موجهة من الخارج وذلك باسم حكم الاكثرية. انفلتت الغرائز في العراق، وليس مايشير اقله في المدى المنظور الى أنه سيكون في الامكان ضبط الاوضاع مجدداً عند هذا الحد تتوقف المقارنة بين الاعصاريين في نهاية المطاف ستتمكن مؤسسات الدولة العظمى من اعادة الاوضاع الى طبيعتها في ولاية لويزيانا وغيرها من الولايات المتضررة والتي تبلغ مساحتها نحو 532الف كيلو متر مربع، اي مايوازي نصف مساحة فرنسا ولكن سيظل عالقاً في ذهن الامريكيين ان دولتهم تظل وبغض النظر عن آلتها العسكرية وكل ماتمتلكه من تكنولوجيا متطورة وكل مافيها من شركات عالمية كبيرة دولة متخلفة فيما يخص جوانب معينة انها دولة غير قادرة على فهم الاحاسيس الانسانية والتعاطي معها. والدليل على ذلك عدم اتخاذ الاجراءات اللازمة لتفادي الكارثة الناجمة عن اعصار «كاترينا» لقد كان هناك متسع من الوقت لاجلاء المواطنين عن المناطق المنكوبة، والمؤسف ان الميسورين فقط ومعظمهم من البيض استطاعوا المغادرة في الوقت المناسب. اما الفقراء ومعظمهم من السود. فقد بقوا حيث هم. وكانت النتيجة ان آلافاً من هؤلاء قضوا حتفهم من سيقنع مواطني نيواورلينز الذين تصل نسبة السود بينهم الى سبعة وستين في المئة بأن لاتمييز عنصرياً في الولاياتالمتحدة وانه لم تتخذ الاجراءات الواجب اتخاذها لان المهددين بالاعصار هم في معظمهم من السود؟ من سيقنعهم بأن الادارة الامريكية ترددت في ارسال فرق الانقاذ باكراً على الرغم من أنه كان معروفاً قبل ايام عدة من الكارثة بأن الاعصار المدمر في طريقه الى لويزيانا وولايات اخرى؟ سيمضي وقت طويل قبل أن ينسى ملايين الاميريكيين من سكان الولايات الجنوبية انهم مواطنون من الدرجة الثانية، لكن سيأتي يوم يقال فيه ان الاعصار مر من هنا وانه لابد من تناسي ماحصل على الرغم من الخسائر الضخمة انسانيا ومادياً، فإضافة الى ان عدد القتلى يمكن ان يتجاوز عشرة الاف، يمكن للخسائر المادية ان تزيد على مئة مليار دولار.. وفوق ذلك كله، ظهر مسلحون في شوارع نيواورلينز راحو ينهبون كل ما وقعت عليه اياديهم. في النهاية ستتجاوز القوة العظمى الوحيدة في العالم اعصار «كاترينا» وسيكون في استطاعتها ان تنساه يوماً، ولكن كيف يمكن للعراقيين وللعرب عموماً تجاوز الاعصار الامريكي ؟ لقد جاء الامريكيون الى العراق لاعادة تشكيل المنطقة والعالم انطلاقاً مما سيفعلونه في هذا البلد. وتبين انهم سيكونون قادرين على ذلك في حال اعترفوا بأن المستفيد الاول من حربهم على العراق هو ايران. علماً بأنه في المدى البعيد ستكون اسرائيل المستفيد الحقيقي من زاوية ان تفتيت العراق تفتيت للمنطقة ليس إلاّ، وهذا مايخدم مصالحها الاستراتيجية. ذلك هو الاعصار الحقيقي الذي يواجه الولاياتالمتحدة انه اعصار من صنع يديها، لقد كانت الفكرة التي في اصل اجتياح العراق فكرة لها ما يبررها خصوصاً اذا اخذنا في الاعتبار ماارتكبه نظام صدام حسين من جرائم في حق العراقيين وأهل المنطقة، لكن النتائج التي تحققت لاتبشر بالخير اطلاقاً هناك مؤشران الى ان الاعصار الذي ضرب العراق والشرق الأوسط لايزال في بدايتة يتمثل المؤشر الاول في ارتفاع اسعار النفط وزيادة اعتماد امريكا على الذهب الاسود الذي مصدره المنطقة . اما المؤشر الثاني فيتمثل في زيادة النفوذ الايراني في العراق الى حد انه يمكن القول ان جزءاً من العراق صار تحت السيطرة الايرانية. وهذا الواقع لاتخفيه ايران التي يؤكد المسؤولون فيها ان امريكا صارت تحت رحمتهم في ضوء التطورات التي حصلت في العراق، والاخطر من ذلك كله ان الصراع المذهبي في العراق لم يعد سراً. ويستطيع من لديه ادنى شك في ذلك العودة الى كارثة جسر الائمة في بغداد الاسبوع الماضي وعدد الضحايا من ابناء الطائفة الشيعية الذين سقطوا نتيجة عمل ارهابي اعلن انصار «القاعدة» مسؤوليتهم عنه. امريكا بين اعصارين الاول «كاترينا» وهو اعصار طبيعي انتهى او يكاد ان ينتهي، لكنه كشف هشاشة مالدى القوة العظمى الوحيدة في العالم ، اما الأعصار الثاني الذي هو من صنعها ، فانه لايزال في بدايته، الخوف كل الخوف ليس من انعكاسات هذا الاعصار على امدادات النفط العالمية.فحسب، بل من حرب مذهبية تتجاوز حدود العراق وتتحول الى مواجهة غير مباشرة تتخذ طابع حرب عربية- فارسية تدور في منطقة كلها آبار نفط ايضاً. ماذا ستفعل امريكا في هذه الحال؟ هل امامها خيار آخر غير مزيد من التورط العسكري في منطقة الخليج؟