أن يتقن شخص اللغة العربية وقواعدها فهذا ليس تفوقاً ولا إعجازاً، لأنها لغته.. أما إن كان أكاديمياً أو شاعرا أو معلما، فمن أوجب الواجبات أن تكون معرفته باللغة عالية. وهناك الكثير يتقنون اللغة العربية وقواعدها وهم لا يمتلكون أي شهادة، وهناك الكثير أيضاً بارعون في اللغة وهم غير عرب، وهذا هو الإنجاز الحقيقي، لأنه تعلمها وأجادها ولم يرثها من مجتمعه ويتحدث بها لأنه وجد نفسه في مجتمع عربي. ليس هناك لغة تحتل قداسة في نفوس ناطقيها كاللغة العربية، لاعتبارات عديدة ليس من بينها اعتبار واحد على صواب.. فاللغة هي أداة تواصل لا أكثر، بدلا من تحويلها إلى صنم يدور حوله صراع كلما طال كلما تشعب أكثر وتفرع منه الصراع العرقي والديني، لارتباط العرق والدين باللغة. .سيأتي يوم اللغة العربية العالمي بعد أيام وقد أعدّ له الشعراء الكثير من القصائد المليئة بالأخطاء اللغوية، ويلقونها على المنصات في مدح اللغة التي لا يتقنها البعض منهم، والبعض الآخر ما زال يجتر المفردات التي كان يكتب بها امرؤ القيس والنابغة الذبياني، فتسمع قصائدهم ويخيل إليك أنك في مضارب بني عبس. دائما ما نجد نداءات وتحذيرات بشأن اللغة، وما ترك قوم لغتهم إلا ذلوا، ويربطون الشرف والعز دائما باللغة، مع أن لغتنا لن ترفع الاقتصاد لأنها لا علاقة لها به.. ولو بحثنا في الطب فلن تكون لغتنا هي الأساسية في هذا المعجم الطبي المهم. لنتعامل مع اللغة بدون تعقيدات لكي نستطيع أن نطورها ونضيف إليها المفردات التي يتم الاصطلاح عليها، لأننا إذا ما اعتبرناها مقدسة فلن نجرؤ على الاقتراب منها أو محاولة إضافة ما نحتاجه إليها. ولو أننا امتلكنا أكثر من لغة، فإننا حين نختلي بأنفسنا ونفكر في شيء معين فلن نفكر باللغات التي نمتلكها، ولن نفكر بالفصحى.. سنفكر بلهجة القرية التي ولدنا فيها، وبلهجة الأسرة التي نشأنا فيها. اللغة العربية لغة آسرة وساحرة حين يستخدمها من يجيدها، وليس من يتشدق بها.. لكنها غير قابلة للتجدد بسبب تعصب الناطقين بها.. فقد وقف المجمع اللغوي في القاهرة حائرا بعد اختراع التلفون، وفكروا طويلا في الاسم العربي الذي سيكون مناسبا له، فمنهم من قال الهاتف، وفريق آخر أجمع على تسميته ب»الندّاء»، وفريق رأى أن يبقى اسمه تلفون فقط، وفي الحالات المشابهة لهذه لا يتم سوى اعتماد ما اصطلح عليه الناس وتداولوه، كما اصطلح القرشيون على كثير من المفردات الفارسية وتداولوها، ولذلك وجدت في الخطاب القرآني لأنهم قد أضافوها إلى معجمهم وصارت حاضرة في أحاديثهم اليومية. اللغة سهلة فلا تجعلوا منها عائقا بتقديسها.