كانت دور النشر هي الوسيلة التي يطمح إليها الشعراء والكتَّاب لنشر إبداعاتهم عبرها، ليصلوا إلى قرائهم وجماهيرهم.. ولم يكن يصل إلى مرحلة طباعة كتاب إلا من كان كاتباً حقيقياً ومثابراً على إبداعه، وكلما طبع كتاباً كلما كان حريصاً على تجويد منتجه الإبداعي. ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي فأصبحت هي المنصة الأسرع لتوصيل إبداعات الكتاب والشعراء، حيث أن جمهور الفيس بوك حاضرون على الدوام، وكأنهم في قاعة واحدة. أصبح الفيس بوك منصة من لا منصة له، وأصبحت الجودة في المواد المنشورة آنية، لحصد عشرات الإعجابات فقط، ولم يعد بعض الكتاب والشعراء يُجوِّدون كتاباتهم ويتعبون على قصائدهم، لأنهم يتعاملون معها على أنها منشورات فيسبوكية ولن تكون ضمن كتاب، فتلاشت الجودة وظهرت السطحية في كتابات معظم الشعراء الذين ركبوا الموجة، وأصبحوا يكتبون الأبيات السريعة لغرض التعليق على نص، أو لغرض التغزل بصورة فتاة جميلة لا يعرفها هذا الشاعر ولم يرها من قبل، ولا يعرف حتى جنسيتها، بل قد تكون صورة مصممة ببرنامج الفوتشوب أو صورة إعلانية لمنتج رخيص. البحث عن صور الجميلات في جوجل لكتابة قصيدة تتغزل بالصورة إنما هو وهم واستخفاف بالشعر.. وهي دون شك عقدة عند من يلهث خلف صور الجميلات.. فكل إنسان يبحث عما ينقصه. فإن كان الشعر بهذه السطحية فعلى الشعر السلام.. والفرق شاسع بين الشعر وبين النظم، فالشعر ليس محصوراً في قالب وزني وقافية فقط. من هؤلاء النظامين من ينظم قصيدة مطولة عن عينيها الزرقاوين، وهو يدري أنها عدسات لاصقة!! أما الأنكى من ذلك أن يكتبوا تعليقاتهم على شكل قصائد وأبيات طازجة «سفري»، يقومون بنسخها ولصقها في كل المنشورات النسائية ليظهروا وكأنهم فريدو عصرهم، أو يردوا على تعليقات النساء ببيتين ساخنين قاموا بخبزهما في تلك اللحظة. كان ذلك بادياً بوضوح مقزز في مناسبة عيد المرأة العالمي الشهر الفائت.. وفي عيد الحب الفالنتيني.. فقد نظم الكثير منهم قصائد لزوجاتهم اللاتي ليس لهن حساب في الفيس بوك، ولا علم لهن بهذه القصائد، لأنه لم يقرأها لزوجته، وإنما كتبها ليتظاهر أمام أصدقاء صفحته بأنه ذلك الرجل الجنتلمان الذي يحب زوجته ويقدس العلاقة الزوجية، مع أنه يخجل أن يقرأها أمام زوجته ويخبرها بهذه المشاعر الزائفة. بدلاً من كل هذا الزيف اشترِ زجاجة عطر ووردة وغلفها كهدية جميلة وضع عليها قبلة وبيت شعر وأعطها لزوجتك. أن تكتب قصيدة تصف فيها قدمي امرأة ولون حذائها، وتتمنى لو أنك عطرها أو حقيبتها أو حتى ثلاجة شايها.. أو تكتب قصيدة لأجل كلمة «برشا» قالتها لك فتاة تونسية، وقصيدة تحت عنون «بزاف» وتهديها لامرأة مغربية فهذا هو الجهل بجوهر الشعر. الشعر أسمى وأجلُّ مما تقومون به، فلو عرفتم جوهر الشعر لتهيَّبتم كتابته، ولما وصلتم به إلى هذا المستوى من الانحطاط.