على أنقاض دولة بني أيوب الكردية الساقطة في اليمن ، والتي سامت اليمنيين سوء العذاب ومارست ضدهم أبشع ممارسات المحتلين والغزاة من اضطهاد وظلم ونهب للحقوق واستبداد وقمع للحريات ؛ تقوم دولة جديدة صاعدة ويظهر أمرها بقوة هي دولة بني رسول التي أعلن عن قيامها وتأسيسها في العام 1229 م بقيادة عمرو بن رسول الغساني الذي أعلن نفسه ملكا مستقلا وتلقب بلقب “ الملك المنصور “ . وتصف كتب التاريخ هذا الملك الرسولي بأنه كان طموحا وسياسيا بارعا ، صعب المراس ، شديد الذكاء ، ورجل دولة لايشق له غبار ولا تلين له قناة. وبحسب ماذكرته تلك المصادر التي أرخت لتلك الفترة من تاريخ اليمن الإسلامي فقد شرع مؤسس الدولة الرسولية فور قيام الدولة في بناء دولة بني رسول على أساس صلب وقوي ومتماسك ، آخذا بأسباب ذلك مستفيدا من الظروف السائدة في تلك الفترة وتجييرها لصالحه . وأول ماقام به الملك الرسولي هذا السيطرة على مدينة زبيد بتهامة التي أكتسبت أهميتها آنذاك وكانت تمثل بموقعها الهام المتوسط مركز قوة لمن يسيطر عليها ، وبعد سيطرة الملك عمرو بن رسول على زبيد توجه شمالا نحو المرتفعات الشمالية لإخضاعها والسيطرة عليها ، ثم اتجه بعد ذلك إلى الحجاز ، واستطاع هذا الملك الرسولي القوي ان يمد ملكه من ظفار حتى مكة في فترة وجيزة ومحدودة . وقتل الملك عمرو بن رسول مؤسس الدولة الرسولية التي اتخذت من تعز بجنوب اليمن عاصمة لها من قبل ابن أخيه عام 1249 م ، إلا أن الملك المظفر يوسف الأول تمكن من هزيمة ابن عمه وقمع محاولة الزيدية لزعزعة ملكه ، وتلقب بعدها بإسم الملك المظفر وهو مظفر فعلا بكل ماتعنيه الكلمة من معنى ، واستحق هذا اللقب عن جدارة واستحقاق وكان خليقا به . وقيل أن مؤسس الدولة الرسولية التي حكمت اليمن خلال الفترة من \ 626 - 858 هجرية \ 1229 - 1454 ميلاد ية من تأسيس دولة قوية مهابة الجانب وأعلن استقلاله عن الأيوبيين في مصر ، كما أعلن نفسه ملكا مستقلا بتلقبه بلقب الملك المنصور كما سبق وأشرنا إلى ذلك . وتمكن مؤسس الدولة الرسولية كذلك من إعادة توحيد البلاد من جديد ، وبقيت تعز عاصمة دولته وقد استهل مؤسس هذه الدولة فترة حكمه ببناء قاعدة دعم شعبية في تعز ساعدته كثيراً على استكمال بناء الدولة الرسولية على أسس متينة وراسخة . ويعد الملك المظفر يوسف الأول الرسولي من أعظم ملوك اليمن في الإسلام حيث قمع الفتن والتمردات في عهده وثبت ملك بني رسول وامتد ملكه ليشمل اجزاء واسعة من اليمن ومنطقة الجزيرة العربية . وفي أعقاب سقوط عاصمة الخلافة الإسلامية بغداد بأيدي التتار بقيادة هولاكو خان عام 1258 ، تلقب الملك المظفر يوسف الأول بلقب الخليفة ونقل عاصمة الدولة من صنعاء إلى تعز لقربها من عدن الواقعة جنوبي اليمن . وذكرت مصادر التاريخ أن هذا الملك الرسولي كسى الكعبة المشرفة من داخلها وخارجها بعد انقطاع ورود كسوتها من بغداد بسبب دخول المغول إليها واجتياحها. وبقيت كسوة الملك المظفر الرسولي الداخلية للكعبة المشرفة حتى سنة 761 هجرية \ 1359 ميلادية ، وقد كتب على لوح رخامي داخل الكعبة نص يقول : “ أمر بتجديد رخام هذا البيت المعظم ، العبد الفقير إلى رحمة ربه وأنعمه ، يوسف بن علي بن رسول ، اللهم أيده بعزيز نصرك واغفر له ذنوبه ، برحمتك ياكريم ، ياغفار بتاريخ سنة ثمانين وستمائة هجرية “. ومن انجازات هذا الملك الرسولي في اليمن بناء عدد من المدارس والقلاع والحصون ومنها قلعة القاهرة الشهيرة بتعز ، وتعد فترة حكمه لليمن التي استمرت حوالي 47 سنة ازهى فترة حكم لملك مسلم حكم البلاد ونعمت في عهده بالأمن والرخاء والإزدهار ، وتبوأت عاصمة الدولة تعز خلال تلك الفترة موقعها بين المدن العربية والإسلامية كحاضرة اسلامية عظيمة ومركز اشعاع ثقافي وفكري وعلمي يقصده القاصدون والمريدون من كل البلدان في تلك الحقبة الزمنية الزاهية . وقد أنشأ الملك المظفر الرسولي خلال فترة حكمه دارا لضرب السكة في عاصمة دولته تعز إضافة إلى عدنوصنعاءوزبيد ، وصعدة ، ومكة ، وقد توفي هذا الملك العظيم في تعز ، ودفن بها بعد 47 عاما من الحكم منفردا حتى ألد أعدائه، وهم الزيدية وصفوه بأعظم ملوك اليمن تعليقا على وفاته ولم يهضموا بذلك حقه وعظمة شأنه كواحد من اشهر وأعظم ملوك المسلمين في زمانه ومكانه .