السعودية: حالات اشتباه تسمم غذائي في حفر الباطن وإجراء عاجل من أمانة المنطقة    لعبة المصارفة التي تمارسها الشرعية تحصل على الدولار بسعر 250 ريال يمني    ماذا يحصل على مذبحة سعر صرف؟!    باير ليفركوزن يكمل الثنائية بالتتويج بكأس ألمانيا على حساب كايزرسلاوترن    باريس سان جيرمان يتوج بكأس فرنسا بعد تفوقه على ليون في النهائي    ريال مدريد يتعادل امام بيتيس في وداعية كروس    الميلان يودع حقبة بيولي بتعادل مخيب امام ساليرنيتانا    لودر بأبين ترتجف تحت وطأة انفجار غامض    "فاطمة محمد قحطان" تُدوّن جانباً من معاناة أسرتها جراء استمرار إخفاء والدها    الحرب على وشك الاتساع: صراع دامٍ بين الهاشميين بصنعاء والحوثيين!    " بريطانيا والحوثيون يتبادلون الرسائل خلف الكواليس"    بوتين يكشف مفاجأة بشأن مقتل رئيس إيران    هل هو تمرد أم تصفية؟ استنفار حوثي في صعدة يثير مخاوف من انقلاب داخلي    الحوثيون يواجهون وحشاً جديداً: جرائمٌ غامضة تُهدد صفوفهم!    العميد طارق صالح يعلق على فوز العين الإماراتي بدوري أبطال آسيا والأهلي المصري بدوري أبطال إفريقيا    عيدروس الزبيدي يصدر توجيهات عاجلة للحكومة بعد انهيار الريال اليمني في عدن    بتمويل سعودي.. العرادة يعلن إنشاء مدينة طبية ومستشفى جامعي بمدينة مارب بمناسبة عيد الوحدة اليمنية    إضراب شامل في أفران عدن والضالع احتجاجًا على ارتفاع أسعار الروتي    قبائل الصبيحة تودع الثارات والاقتتال القبلي فيما بينها عقب لقاءات عسكرية وقبلية    غزة.. استشهاد 6 نازحين بقصف إسرائيلي على مخيم النصيرات    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    البرلمان العربي: الاعتراف الدولي المتزايد بدولة فلسطين يمثل انتصاراً للحقوق وعدالة للقضية    المنظمة البحرية الدولية تدين هجمات الحوثيين ضد ممرات الشحن الدولي مميز    الرئيس الزُبيدي يشدد على ضرورة اضطلاع الحكومة بمسؤولياتها في انتشال الوضع الاقتصادي والخدمي    الموت يفجع مخافظ محافظة حضرموت    مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي يقدم رؤية للحد من الانقسام النقدي في اليمن مميز    أيمن باجنيد "رجل الظل لدعم الارهاب و تعزيز الفساد في اليمن"    - لاول مرة منع دخول اجهزة إنترنت فضائي لصنعاء من قبل الجمارك فما هي اجهزة الإنترنت الفضائي    برشلونة يعلن إقالة تشافي رسمياً    اليدومي: نجاح التكتل السياسي الوطني مرهون بتجاوزه كمائن الفشل ومعوقات التحرير    الفريق الحكومي: المليشيا تتهرب من تنفيذ التزاماتها بشأن المختطفين عبر خلق مسرحيات مفضوحة    صاعقة رعدية تنهي حياة شاب غربي اليمن    بعد تعادلة مع نادي شبام .. سيؤن يتاهل للدور 16 في كأس حضرموت ثانيا عن المجموعة الثامنة    البنك المركزي يشرعن جرائم إنهيار سعر الريال اليمني    بن ثابت العولقي: الضالع بوابة الجنوب وقلعة الثورة والمقاومة    34 تحفة من آثار اليمن مهددة للبيع في مزاد بلندن    شاهد: مراسم تتويج الهلال بلقب الدوري السعودي    الامتحانات وعدالة المناخ    مليشيات الحوثي تصدر بيانا بشأن منعها نقل الحجاج جوا من مطار صنعاء إلى السعودية    السعودية تعلن عن الطرقات الرئيسية لحجاج اليمن والدول المجاورة للمملكة للتسهيل على ضيوف الرحمن    كيف يزيد الصيف أعراض الربو؟.. (نصائح للوقاية)    حملة طبية مجانية في مأرب تقدم خدماتها لأكثر من 839 من مرضى القلب بالمحافظة    عالم يرد على تسخير الإسلاميين للكوارث الطبيعية للنيل من خصومهم    الفن والدين.. مسيرة حياة    عن طريق أمين جدة السعودية.. بيع عشرات القطع الأثرية اليمنية في لندن    أحدث ظهور للفنان ''محمد عبده'' بعد إصابته بالسرطان.. كيف أصبحت حالته؟ (فيديو)    دورة الانعاش القلبي الأساسي للطاقم الطبي والتمريضي بمديرية شبام تقيمها مؤسسة دار الشفاء الطبية    المهندس "حامد مجور"أبرز كفاءات الجنوب العربي تبحث عنه أرقى جامعات العالم    تصحيح التراث الشرعي (32) أين الأشهر الحرم!!؟    إعلان سعودي رسمي للحجاج اليمنيين القادمين عبر منفذ الوديعة    نايف البكري يدشن صرف البطاقة الشخصية الذكية لموظفي وزارة الشباب والرياضة    وزير الأوقاف يحذر ميليشيا الحوثي الارهابية من تسييس الحج والسطو على أموال الحجاج    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    وهم القوة وسراب البقاء    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تار يخ اليمن.. مقبرة الغزاة .. للباحث / عبدالله بن عامر (الحلقة (63)
نشر في 26 سبتمبر يوم 05 - 04 - 2020

بحث مقارن لحملات الغزاة المتعاقبة على اليمن عبر التاريخ خلص إلى أن الغزاة لايستفيدون من التجارب
أدى استبسال أهالي الشحر إلى مقتل جميع البرتغاليين المحاصرين وفي المقابل استشهد من أبناء المدينة المئات ؛بسبب الطلقات النارية وعدم تكافؤ القوة بين الطرفين
استبسال أهالي الشحر ادى إلى مقتل جميع البرتغاليين المحاصرين وفي المقابل استشهد من أبناء المدينة المئات؛بسبب الطلقات النارية وعدم تكافؤ القوة بين الطرفين
الغزو البرتغالي هو الفصل العاشر من هذه الدراسة نستعرضه في حلقات لتسليط الضوء على ما كان من تحرك البرتغاليين للحيلولة دون بلوغ الاتراك الذين هدفهم في السيطرة على اليمن، ومن ثم تحول هدف ذلك الصراع الى تحقيق ما تنطوي عليه نفوسهم من مثلهم مثل سابقيهم- من أطماع.
عرض/ امين ابو حيدر
تفاصيل الصمود والاستبسال:
يوم الخميس ربيع الثاني 929ه الموافق 25 فبراير عام 1523م اقتربت عدد من السفن البرتغالية ميناء الشحر وبعد ساعات ترجل منها ثلاثة من البحارة يحملون رسالة إلى حاكم المدينة الذي كان وقتها غائباً في وادي حضرموت غير أن نائبه مطران كان يمارس مهامه ؛ولهذا سارع البحارة البرتغال إليه في مجلس الحكم وسلموه الرسالة التي تحتوي على إدعاءات وافتراءات ومبررات ومقدمات للغزو والاحتلال وقد أدرك نائب الحاكم ذلك ، وكان إدعاء البرتغال أن تاجراً منهم قد توفي بالمدينة وأن حاكم المدينة بدر بن طويرق قد استولى على ثروته وأن قائد الحملة البرتغالية يطالب بتسليم الثروة إليهم.
حاول نائب الحاكم الرد عليهم بالتوضيح أن لا صحة لتلك الإدعاءات وما إن عاد الجنود إلى السفينة حتى قرر قائدها الإسراع في عملية الاحتلال ولم تمضِ سوى ساعات حتى قرر إرسال رسالة أخرى تحمل التهديد العلني باحتلال المدينة وكان فيها أن على حاكم المدينة تسليم ثروة المنوفي أو عليهم مواجهة الخيار الآخر وهو احتلال المدينة.
هنا سارع نائب الحاكم إلى التشاور مع كبار الشخصيات في الشحر بعد أن استدعاها على وجه السرعة للحضور في مجلس الحكم وكان على رأس تلك الشخصيات فقهاء وعلماء المدينة ، وقد نتج عن ذلك الاجتماع المهم عدة قرارات الأول هو الصمود والمواجهة بمعنى عدم الاستسلام للغزاة والحيلولة بكافة الوسائل دون تمكينهم من المدينة والاستعداد العسكري بالوسائل المتاحة للتصدي لأي هجوم إضافة إلى أخذ الاحتياطات اللازمة لتهيئة المدينة وتحويلها من الوضع الاعتيادي إلى الظرف الاستثنائي فقرروا إخراج من في المدينة من نساء وأطفال إلى خارجها ؛حتى يكونوا بمأمن عن أي اعتداء وحتى لا يكونوا نقطة ضعف أمام المقاومة ،وكان هذا القرار قد أدى فيما بعد إلى حصر الخسائر في الرجال الذين انخرطوا في المقاومة ، وتقرر وقتها بعث الرسائل إلى القبائل المجاورة في داخل حضرموت للمساعدة والنجدة.
ولهذا نستطيع القول إن هذا الاجتماع كان بداية الصمود والتصدي ؛حيث وضعت الخطط وقررت الخطوات ومن ضمن الاستعدادات المقرة أن يتم تجميع كل القادرين على المواجهة في جماعات مختلفة كل جماعة يقودها أحد الأشخاص وتم تحديد الأسلحة التي يتوجب جمعها للتصدي للغزاة ،وكان أهالي الشحر وقتها يمتلكون الأسلحة التقليدية البدائية في ذلك الزمن وهي السيوف والرماح والسهام والفؤوس وقد أضافوا إليها سلاحاً بدائياً آخر لم يعد مستخدماً وقتذاك وهي الأحجار ولهذا تولت مجموعة منهم إحضار الأحجار ووضعها في شوارع المدينة ، وعند قراءة تفاصيل تلك المعركة الحربية الأسطورية نجد أن أهالي الشحر قرروا مواجهة الغازي ولم يكونوا يمتلكون أي قوة عسكرية فقد كانت الحامية العسكرية التابعة لحاكم المدينة ترافقه في إحدى زياراته إلى وادي حضرموت وهو ما يعني أن أهل الشحر سطروا بطولة لا يمكن أن تتكرر في زمان ومكان آخر، وكلف الاجتماع أهم العلماء والفقهاء في المدينة على التعبئة العامة من خلال رفع المعنويات وحشد الطاقات واستنفار الأهالي واستنهاضهم من خلال الدعوة إلى الجهاد وترتيل آيات القرآن التي تحث على قتال المعتدين وعلى الدفاع عن الوطن أمام الغزاة ،ولهذا كان لهؤلاء العلماء والفقهاء دور كبير في تنظيم صفوف المقاومة وفي رفع درجة التأهب والاستعداد إلى أقصى مستوياتها ومن ثم رفع الروح المعنوية لدرجة الانفجار الشامل وهو ما سنلاحظه من خلال الهجوم على الغازي الذي يمتلك سلاحاً نارياً بالأحجار والفؤوس ، وما إن جاءت ساعات الصباح الأولى واقتربت لحظة المعركة حتى وصلت إمدادات المناطق الداخلية لحضرموت من قبائل آل كثير وآل تريم ،وكان الفقهاء يمرون على جماعات المقاومة حاملين معهم مصاحف القرآن وكان ذلك يثير الحماسة لدى المدافعين عن المدينة ويدفعهم إلى بذل الجهود أكثر من أجل الاستعداد للمعركة التي لم تبدأ إلا وكان الفقهاء قد توزعوا الحارات وقادوا جماعات المقاومة واجترحوا النصر بدمائهم الزكية وصنعوا لتلك المدينة تاريخاً لا ينسى ليس في الذاكرة الوطنية اليمنية فحسب بل في الذاكرة العربية الإسلامية والإنسانية كذلك.
في اليوم الأول الجمعة وبعد أن كشف أهالي الشحر بغية الأعداء وأهدافهم واستعدوا بالإيمان والعزيمة للجهاد والتصدي كانوا مستعدين للهجوم البرتغالي الذي بدأ عند ساعات الصباح الأولى بتقدم السفن وكان عددها 14 سفينة وعلى متنها المئات من الجنود ،إلا أن عدد الجنود الذين تولوا مهمة احتلال المدينة 400 جندي وقد ترجلوا من السفن وهاجموا المدينة من عدة اتجاهات وكانوا يحملون البنادق ومعدات الحريق إضافة إلى فرقة خاصة كانت تحمل السلالم الخشبية.
وقام الغزاة بالاعتداء على الميناء وأحرقوا 5 سفن راسيات فيه ثم توجهوا إلى التدمير الشامل للمدينة فأضرموا النار في مستودعات الأخشاب وفي أحواض بناء السفن بالساحل وبعدها هاجموا المدينة بإطلاق النار على كل شخص كان يتواجد في طريقهم وقد تمكنوا وقتها من التقدم إلى الشوارع الضيقة بالحارات الداخلية للشحر منها حارة القرية ، وكان أبناء الشحر قد استعدوا من الليلة الماضية لمثل هكذا هجوم ولهذا كان التصدي سريعاً لكن بعد أن كان الغزاة قد دخلوا إلى المدينة ،وعلى ما يبدو أن عدم تكافؤ القوة بين الطرفين من حيث نوعية السلاح دفع أبناء المدينة إلى ابتكار خطة عسكرية تتمثل في جر الغازي إلى داخل المدينة وهناك سيتمكن أبناء الشحر من التصدي بدلاً عن الميناء والساحل ،فالشوارع تتيح لأبناء المدينة فرصة الانقضاض على الجندي البرتغالي وإبطال مفعول سلاحه الناري على عكس الأماكن المفتوحة التي يتفوق فيها الجندي البرتغالي ولهذا تمكن أبناء الشحر من الاقتراب من البرتغاليين والقبض على بعضهم وقتلهم ما أدى إلى إرباك المعتدي ،وأمام هذا اتخذ البرتغاليون في خطتهم تشكيل مجموعات صغيرة كل مجموعة تتولى تحقيق هدف من الأهداف التي في مجملها تؤدي إلى السيطرة الكاملة على المدينة ولهذا قامت إحدى تلك المجموعات باقتحام منطقة التجار أو المستودعات والمخازن وقامت بإحراقها ونهبها وبدأ الدخان يتصاعد في سماء المدينة الصامدة وامتدت ألسنة اللهب لتأكل كل ما بطريقها من أخشاب وأبواب ومنازل ،فيما كان الغزاة يمعنون في إطلاق النار على أبناء المدينة حتى من هم داخل المنازل وقد جرت في الأثناء معركة شرسة في منطقة القبان وتمكن الأهالي من قتل 37 من البرتغال فيما كانت خسائر أبناء المدينة قد تجاوزت 80 شهيداً ،أما في بقية الشوارع فكان أبناء المدينة يتساقطون في موكب الفدائية المجيدة حتى أن البعض قد أشار إلى أن الشهداء كانوا بالمئات بسبب تفوق البرتغال بالسلاح الناري .
يالها من معركة تاريخية ويالها من فدائية وطنية صاغها أبناء الشحر فلم تدفعهم قوة الغازي وسلاحه الناري العجيب والهائل والضخم والخارق لأنه لم يكن معروفاً وقتها جنوحهم إلى الاستسلام بل كانت عصيهم وأحجارهم وسيوفهم ورماحهم وأيديهم هي القوة المعبرة عن قوة الإرادة ولهذا نجد استماتة أبناء الشحر في الدفاع والتصدي لم يبلغها أحد من قبلهم في ذلك العصر بل وتكاد تكون تلك المعركة من المعارك التاريخية التي يجب أن تسطر في أنصع صفحات التاريخ ، وبعد أن حاول الغزاة إحراق مساجد المدينة ومنها مسجد المحضار توسعت دائرة المقاومة حتى فكر البرتغاليون بالتراجع بعد أن شعروا أن مقتل العشرات منهم يعني الكثير والكثير ولهذا قاموا بسحب جثث قتلاهم وحملها على ظهورهم ومن ثم غادروا إلى سفنهم عند منتصف النهار ، وحنيها تنفس أبناء الشحر الصعداء وبدؤوا في إحصاء شهدائهم الأبرار وفي إطفاء الحرائق وفي لملمة جراحاتهم وإعادة ترتيب صفوفهم ، وما هي إلا ساعات من ذلك النهار حتى قرروا الاستمرار في الثورة على الغزاة وتدعيم تحصينات المدينة وإعادة ترتيب الصفوف وتنظيم المقاومة استعداداً للمعركة القادمة.
في اليوم الثاني عاد الغزاة البرتغال وقلوبهم متخمة بالحقد على أبناء الشحر ؛جراء نتائج المعركة في يومها الأول وكانت ثقيلة بالنسبة للغزاة الذين لم يتوقعوا أن تواجههم كل هذه المقاومة من قبل أهالي لا يمتلكون البندقية ولا يعرفون السلاح الناري ورغم الخسائر الفادحة والكبيرة التي تعرض لها أبناء الشحر ومن معهم من أبناء بقية المناطق في حضرموت إلا أنهم ظلوا على أهبة الاستعداد للتصدي لأي هجوم آخر ،بل إن حالة الاستعداد التي شهدتها الشحر بعد غروب اليوم الأول تؤكد أنهم كانوا على يقين بعودة الغازي مرة أخرى ، وما إن أشرقت الشمس حتى تقدمت السفن البرتغالية للانتقام من أبناء المدينة وكذلك للشعور بأن نتائج المعركة في اليوم الأول قد تؤدي إلى إضعاف المقاومة اليمنية ،فقد كان عدد الشهداء من اليمنيين بالمئات فيما قتلى الغزاة بالعشرات إضافة إلى حالة الدمار التي حلت بالمدينة وهو ما شجع الغزاة على شن هجوم آخر ظنوا أنه سيتكفل بما تبقى من جيوب للمقاومة وأن المقاومين لن يتمكنوا من التصدي بعد أن كانوا قد بذلوا كل طاقتهم في المعركة الأولى.
تمكنت مجموعات من الغزاة من الدخول إلى المدينة وكانت تطلق النار في وجه أي شخص تصادفه في طريقها وكان الهدف في اليوم التالي بسط السيطرة على المدينة ولهذا توجهت تلك المجموعات لإحراق المساكن المتوقعة أن تكون بؤراً للمقاومة ومنها مساكن التجار فقذفوا إليها بالقذائف الملتهبة لتشتعل النار مجدداً في دور ومنازل أهل الشحر ويمتد الحريق إلى المنازل والشوارع وهنا تقدم أبناء الشحر في كتل بشرية متحدة للتصدي للغازي واستشهد منهم العشرات منهم العلامة أحمد بن رضوان الذي كان يقود المقاومة في ذلك اليوم وقام البرتغال بعد أن نالوا منهم بعيار ناري بالتمثيل بجثته.
وفي اليوم الثالث باشرت السفن البرتغالية الهجوم وترجل منها العشرات من الجنود الذين تمكنوا من الدخول إلى المدينة مدججين بأسلحتهم محاولين إحراق ما تبقى من المدينة كالمساجد ،إلا أن أهالي الشحر كانوا لهم بالمرصاد فقد توزع البرتغال مهام السيطرة على الأماكن المهمة داخل المدينة منها مجلس الحكم وأيضا السوق الكبير وكان أهالي الشحر أيضا قد انقسموا إلى مجموعات ،فعند مجلس الحكم تولى الأمير مطران قيادة المقاومة وتصدى ببسالة هو ومن معه للعشرات من البرتغاليين الذين قصدوا ذلك المجلس للاستيلاء عليه وقد أدت تلك المعركة الشرسة إلى استشهاد مطران والعشرات من أبناء الشحر ، أما المعركة الثانية فكانت في السوق بعد أن تمكن أهالي الشحر من محاصرة ما يقارب ال 40 جندياً برتغالياً كانوا قد تسللوا إلى السوق ،وبعد الحصار دارت المعركة العنيفة وكان يقود المقاومة في ذلك السوق الشيخ سالم بن صالح باعوين.
أدى استبسال أهالي الشحر ادى إلى مقتل جميع البرتغاليين المحاصرين وفي المقابل استشهد من أبناء المدينة المئات؛بسبب الطلقات النارية وعدم تكافؤ القوة بين الطرفين ومن ضمن الشهداء الشيخ سالم باعوين وبحسب ما كتبه المؤرخون حتى تلك الأيام التاريخية فإن من بين الشهداء في اليوم الثالث عدداً من أبناء الجالية الصومالية الذين اشتركوا في الدفاع عن المدينة والتصدي للغزاة البرتغالين وكانت قبائل حضرموت قد قررت دعم أبناء الشحر فوصل في اليوم الثالث جيش من المشقاص بقيادة عيطف بن دحدح إلا أنه وصل بعد المعركة فقام بالسيطرة على الوضع وحماية المحلات التجارية من النهب وقدم العلاج للجرحى وجمع جثث الشهداء من شوارع المدينة ، وبعد أن شعر الغزاة بحجم استماتة اليمنيين في الدفاع عن كرامتهم وأرضهم وسيادتهم واستقلالهم رفعوا أيديهم عن الشحر وقرروا المغادرة بلا عودة وبالتأكيد أن البرتغال أنفسهم قد وقفوا بدهشة بالغة أمام بطولات أبناء المدينة فلم يسبق أن واجه البرتغاليون الذين كانوا وقتها من أقوى القوى في العالم كما فعلها أبناء الشحر ،فقد كان البرتغاليون يظنون أن تفوقهم بالسلاح الناري سيخضع كل أعدائهم وسيؤدي إلى تفوقهم وسيطرتهم وتحقيق كل أهدافهم.
لقد استمرت المعركة لعدة أيام والشهداء كانوا بأعداد كثيرة وقد ذكر البربان باسباع في كتابه ( بهجة السمر في أخبار بندر سعاد المشتهر) أن بعض القتلى لا تعرف أجسامهم وأنهم نقلوا في المكاتل (الزنابيل) أوصالا مقطعة ويدفنون جماعات في قبر واحد بمقبرة مولى السقاية (مقبرة عمرو المهري الشحري) ويذكر نفس المؤرخ أن عدد الشهداء بلغ 926 رجلاً من أبناء الشحر ومن غيرهم.
ولهذا كان يوم العاشر من ربيع الثاني 929ه الموافق 28 فبراير 1523م يوم الانتصار ويوم المعجزة ويوم انتهاء الملحمة البطولية العظيمة بانتصار الكرامة اليمنية على الأطماع البرتغالية في أرض السعيدة وحتى اليوم يحتفي أبناء الشحر خصوصاً وحضرموت واليمن عموماً بما حققه الأبطال الصناديد الأوفياء المخلصون من انتصار تاريخي وكان في صدارة أولئك المجاهدين أئمة وقادة المدينة السبعة الذين دُفنوا في مكان واحد وهم الفقيه العلامة يعقوب بن صالح الحريضي والشيخ سالم بن صالح باعوين والفقيه الشيخ أحمد بن عبد الرحمن بلحاج الذي قاتل قتال الأبطال وهو الذي أرسل لطلب المساعدة والنجدة من قبائل حضرموت والشيخ حسين بن عبد الله الجمحي عيدروس والشيخ أحمد بن رضوان با فضل والشيخ فضل بن رضوان با فضل والأمير مطران بن منصور الذي استشهد بعد إصابته برصاص بندقية،وهناك كتاب الشهداء السبعة للمؤرخ محمد بامطرف الذي شرح تفاصيل الملحمة وقدمها بأسلوب لغوي بديع.
انتصار آخر خاطف وحاسم :
يذكر أن الشحر في ذلك الوقت كانت تعد من أهم المراكز البحرية التجارية في المنطقة وشهدت ازدهاراً كبيراً حتى أن الجاليات المختلفة كانت تعيش في المدينة ومنها من شارك في الدفاع عنها ضد الغزو البرتغالي وسقط شهداء من الهنود والصوماليين في تلك المعارك الخالدة، وتوجت الشحر انتصاراتها بتأسيس أسطول بحري تولى مطاردة البرتغاليين والنيل منهم حتى أن سمعة المدينة قد بلغت كافة أرجاء المنطقة العربية والإسلامية، ولم ينس البرتغال ما حل بهم في هذه المدينة من هزيمة منكرة واستمرت أحقادهم تأكل أنفسهم حتى قرروا معاودة الهجوم على المدينة كلما تهيأت لهم الفرصة المناسبة،ولهذا نجد أن معارك الثلاثة الأيام ليست كل شيء فيما يتعلق بالصراع اليمني البرتغالي فقد تعرضت الشحر لهجوم برتغالي آخر 942ه وهذه المرحلة تمكن فيها الغزاة وبالخديعة والمكر والتسلل من أسر عدد من النساء والأطفال الأمر الذي دفع بحاكم المدينة إلى اتخاذ طريق السلام من أجل تأمين حياة الأسرى فبذل في سبيل تحريرهم الكثير من المال ،وفي نفس العام عاود الغزاة الهجوم على المدينة ب 14سفينة وترجل منها بعد اقترابها من الميناء 100 جندي ،إلا أن أبناء المدينة وقتها كانوا قد استعدوا للغازي وأصبحت تحصينات المدينة أقوى وفيها قوات يمنية من مختلف المناطق سيما من أشراف الجوف الذين شاركوا في الدفاع عن الشحر.
وأثناء محاولة الجنود البرتغال الدخول إلى المدينة تولت مجموعة من المقاومة اليمنية استغلال نزول أولئك الجنود من سفنهم وانشغالهم بالهجوم على المدينة فسارعت إلى السفن وتمكنت من السيطرة عليها ولم يكن فيها سوى العبيد والأموال التابعة للبرتغال فيما الجنود البرتغال باتوا في تلك الأثناء يواجهون مقاومة شرسة دحرتهم وتمكنت منهم وأصبحت جثثهم في الشوارع فقرروا العودة بعد أن شاهدوا اليمنيين وقد استولوا على السفن وكانت من نتائج تلك المعركة قتل 30من الجنود البرتغال واسر من تبقى منهم وهم 70 وكذلك تم الاستيلاء على السفن بما فيها من الأموال والعبيد.
ويقول المؤرخون : ورأى الإفرنج من حامية الشحر ما لم يعهدوا مثله قط في الماضي من النزال والكفاح وأصبح يوم الأحد والشوارع لا يخلو كل منها من قتيل أكثرهم من الإفرنج وأسر أهل الشحر الكثير من البرتغاليين في تلك المعركة حتى أن أهل الشحر وجدوا في منازلهم بعض البرتغاليين مستخفين فقاموا بالقبض عليهم وضمهم إلى قائمة الأسرى الذي وصل عددهم إلى 70 أسيراً، وبانتصار أهل الشحر توطدت علاقة سلطانها بالعثمانيين الذين عرضوا عليه ولاية عدن حتى ظفار في 944ه
ولهذا نجد أن الشحر قد أذاقت البرتغال المر والعلقم وصارت مقبرة حقيقية لهم فهاهم يسجلون هذه المرة انتصاراً ساحقاً وخاطفاً وكانت العقلية الحربية اليمنية حاضرة من خلال الخدعة ،فاليمني يستفيد من معاركه السابقة ويعرف نقاط الضعف لدى العدو ويتمكن من هزيمته ،وقد أكدت هذه المعركة مدى تلاحم اليمنيين والتراث الحضرمي يذكر لنا أن العشرات من أشراف الجوف شاركوا في التصدي للبرتغال وفي الدفاع عن المدينة والأمر كذلك بالنسبة لبقية مناطق حضرموت الذي قدمت دفاعاً عن الشحر فلذات أكباد أبنائها وكانت الشحر هي المنطقة العربية والإسلامية الوحيدة التي أدت إلى كل هذه الخسائر في صفوف البرتغال دون أن تمتلك الأساطيل الكبيرة أو الأسلحة النارية أو أي تحصينات دفاعية قوية ،فقد كانت التحصينات هي إرادة أبناء المدينة وكانت عزائمهم هي الجبهة الإمامية الصلبة والمتماسكة والتي أدت في فترة من فترات التاريخ إلى أن تمكنت من إلقاء القبض على قادة برتغاليين واحتجزتهم في الشحر لسنوات طويلة.
اندحار الغزاة البرتغاليين :
في الوقت الذي كانت فيه أغلب الممالك والدويلات تسعى على مهادنة البرتغال نظراً لقوتهم في تلك الفترة كان اليمنيون يقاومون بكل بسالة وتحدٍ وشموخ فلم يتمكن البرتغال من السيطرة على عدن أو الحديدة أو الشحر ولم يستقروا في كمران أو في سقطرى ، مما أضطرهم وبعد المقاومة العنيفة والمستميتة لعدن والشحر إلى عدم تكرار الهجوم على السواحل اليمنية ، ومن أهم نتائج التواجد البرتغالي في البحرين الأحمر والعربي انهيار اقتصاد اليمن ؛نتيجة احتكار البرتغاليين للتجارة وتحويل طرق التجارة إلى طريق رأس الرجاء الصالح وتضرر كافة اليمنيين من ذلك فقد ارتفعت الأسعار نتيجة الاحتكار وقبل ذلك الحصار .
الفصل الثاني:
الغزو المملوكي (الجراكسة)
القرن السادس عشر
التاريخ يكرر نفسه .. فها هي خلافات اليمنيين تستجلب الغزاة في ظل ظروف دولية معقدة وقوى عالمية تتسابق نحو السيطرة على السواحل والجزر اليمنية فالخطر البرتغالي على الملاحة البحرية في البحرين العربي والأحمر دفعت المماليك بمصر إلى مطاردتهم وكانت تلك ذريعة للسيطرة على اليمن، وقد غزا المماليك اليمن بقوة عسكرية منظمة تمتلك أسلحة نارية في وقت كان اليمنيون فيه لا يعرفون هذه الأسلحة وما زالوا يقاتلون بالأسلحة البيضاء وهنا سنجد أن مرحلة الغزو المملوكي كانت اختباراً للإرادة اليمنية في وجه الغزاة الذين تفوقوا عسكرياً بشكل كبير ،ولهذا كانت تضحيات اليمنيين وعزيمتهم وراء تغيير المعادلة العسكرية فانتصر السلاح الأبيض على السلاح الناري في معارك عدن وكاد أن يهزمه في زبيد وهزمه شر هزيمة في بلاد عمار النادرة وفي نقيل سماره وفي صنعاء فانكسر تفوق الغازي وانقلبت القوة إلى ضعف وتجلت مظاهر التضحية والفداء في معركة الصافية بين جيوش يمانية سلاحها الصبر والعزيمة والإخلاص وجيش الغزاة بسلاحه الناري الفتاك ، وتصدرت مقاومة الغزاة عند دخولهم الدولة الطاهرية بقيادة عامر بن عبد الوهاب وأخيه ومن ثم تحرك الإمام شرف الدين وابنه القائد العسكري الذكي المطهر ومعهما كافة القبائل اليمنية من صنعاء ومحيطها وإب وما حولها وكل من تبع تلك القبائل في مسيرة النضال ، إضافة إلى بقايا أنصار الدولة الطاهرية بقيادة عامر بن داوود حتى تمكنت كل تلك القوى رغم خلافاتها من دحر الغزاة وطردهم ليتمكن اليمنيون من تطهير معظم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.