الاثنين الماضي ساق هادي مستشاريه إلى مراتع صعدة الجدباء.. قال لهم اسألوا السيد الشاب عن رؤيته للشراكة.. وتقبل قطيع المستشارين توجيه الراعي وذهبوا إلى حضرة السيد الحوثي.. لم يدركوا أنهم قادة العمل السياسي وأكبر نخبة سياسية في البلاد، ولم يسألوا أنفسهم: إلى أين يجترنا هادي وفتى الكهوف، فقد أوصاهم "السائس" أن يسألوا فقط.. لم ينتبهوا أيضاً إلى أن سلوك الحوثي واضح لا يحتاج إلى استفسار.. فقد أقصى الجميع بمن فيهم الدولة نفسها. ولأنهم من كبار السن لم تسعفهم الذاكرة بمشاهد الوفود الرئاسية بين صنعاء وصعدة قبيل اقتحام العاصمة.. وتبين فيما بعد أنها كانت مسرحية محكمةً بين شاب طامح وعجوز بلا خيال! قناعتي منذ اليوم أن هادي والحوثي وجهان لمصيبة واحدة، ويعملان ضمن مشروع أميركي إيراني واحد ولا خلاف مطلقاً بينهما.. اسألوا أنفسكم: كم مرةً اتخذ هادي سلوكاً أو قراراً ضد الحوثيين.. اسألوا أنفسكم ماذا فعل هادي حيال رجال دولته الذين قتلهم أو شردهم الحوثي، ماذا فعل إزاء مقتل العميد القشيبي قائد اللواء 310 واللواء علي محسن مستشار الرئيس، اطرحوا أسئلة عميقة.. وصولاً إلى السؤال عن اختفاء العميد يحيى المراني؟ والمراني لمن لا يعرفه هو الصندوق الأسود للمخابرات اليمنية "الأمن السياسي" اختطفه الحوثيون من داخل بيته نهاراً جهاراً ويُقال أن التحقيق معه يتم الآن في طهران.. وماذا فعل هادي؟! فعل ما كان خارج التصور الإنساني، لم يخذل رجل دولته فقط، بل وعيّن بدلاً عنه شخصاً محسوباً على الجماعة الحوثية! التحالف الثنائي العميق بين هادي والحوثي يقود البلاد إلى احتمالات مفتوحة ونتائج مجهولة، فالرئيس الذي خذل شعبه وباع وطنه يسعى الآن إلى تحطيم كل ماله علاقة بثورة فبراير التي أوصلته إلى الحكم، ليفتح طرقات التاريخ أمام ما يسميه الحوثيون ثورة 21 سبتمبر وهو يوم اسقاطهم للعاصمة بموافقة هادي، وترك المجال للتغول الحوثي عبر لجانه الشعبية والثورية التي باتت تتحكم بكل صغيرة وكبيرة في البلاد، من تعيينات قادة الجيش إلى نفقات البنك المركزي إلى استيراد المشتقات النفطية، إلى توجيه القضاء والمحاكم. في الوقت ذاته يعمل هادي على إقصاء وإقالة كل من ساندوا ثورة 11فبراير/شباط 2011 وتعيين كل من وقفوا ضدها في مواقع عليا، حيث عين حمود الصوفي رئيساً لجهاز المخابرات "الأمن السياسي" واستفز مشاعر الناس بتعيين العميد عبدالله قيران مديراً لكلية الشرطة وهو الفار والمتهم الرئيسي بارتكاب محرقة تعز في 29 مايو/آيار 2011 ضد ثوار فبراير، والمتهم بالتنكيل بنشطاء الحراك الجنوبي بعدن، وغير بعيد أن يكون هادي اتفق مع الحوثيين على أن يعين قيران وهم يرفضونه حتى يكسبوا شعبية كبيرة لدى أبناء تعز وعدن المجروحين من قيران.. لكن الأخير فهم اللعبة سريعاً وأبلغ وزير الداخلية أنه لا يشرفه العمل مع هادي.. مع جعل الرئاسة تصدر ليلة السبت توضيحاً أن هادي "وجه وزارة الداخلية بالعمل على تعيين شخصية مهنية ومتميزة تتمتع بقبول ورضا شعبي مديراً لكلية الشرطة".. كل هذا العبث الرئاسي وهو لديه 12 مستشارا!! ستستمر الغواية الشيطانية وسيعزز هادي تحالفه مع الحوثيين ويستقوي بهم ضد القوى السياسية والاجتماعية الأخرى التي تريد لنا دولة مدنية أو على الأقل الذهاب إلى انتخابات رئاسية، فمثلاً لو قرر حزب الإصلاح النزول للشارع والمطالبة بإسقاط هادي أو إجراء انتخابات رئاسية سريعة سيكون الإصلاح هنا أمام خيارين مرين أما القبول بهادي وعلاته أو البديل له هو الحوثي ومليشياته، بمعنى أن هادي يمارس التخويف بالحوثي، ثم أنه تكفي إشارة خفيفة من هادي للحوثيين للتنكيل بالإصلاح، وهنا لن يتدخل رئيس الدولة، كما لن يستطيع الإصلاح مواجهة جماعة استحوذت على إمكانيات ومعسكرات الدولة.