بقدر ما يشعر المواطن العربي بالارتياح لالتئام القمة العربية – الافريقية الثانية في سرت بعد انقطاع دام أكثر من 33 عاماً، ولاتخاذها قرارات واعتماد آليات تحقق شراكة إستراتيجية عربية وافريقية بما فيها الدعوة إلى قمة ثالثة بعد ثلاث سنوات، فإنه يشعر بالمرارة وهو يرى القمة العربية الاستثنائية، وقبل يوم واحد ، تتجنب الاتفاق، مرة ثانية، على مقترح رابطة الحوار العربي الذي تقدم به امين عام جامعة الدول العربية السيد عمر عموسى، ناهيك عن ترددها في اتخاذ موقف واضح وحازم من مجريات القضية الفلسطينية التي تمر بأخطر مراحلها. فإذا اكتشف الزعماء العرب، بعد ثلاثة عقود ونيف، أهمية الجوار الافريقي الذي تعثرت العلاقة العربية معه بعد الظروف التي رافقت اتفاقيات كمب ديفيد عام 1978 ( أي بعد عام على القمة العربية – الافريقية الاولى)، فالى متى ستبقى امتنا منتظرة حتى يكتشف ملوكها ورؤساؤها وامراؤها أهمية الجوار الاسلامي المتمثل بتركيا وايران لا سيّما بعد ان حسمت الدولتان الاسلاميتان الكبيرتان موقفهما من القضية المركزية لامتنا وهي القضية الفلسطينية. لقد كانت علاقة العرب بجوارهم شديدة الحضور في الفكر والعمل العربي الحديث، لا سيًما في الفكر والعمل القومي العربي والذي عبّر عنه جمال عبد الناصر في كتابه الشهير "فلسفة الثورة عام 1954، (أي بعد عامين فقط على ثورة يوليو 1952) حين تحدث عن دوائر عربية واسلامية وافريقية ينبغي لمصر ان تتحرك فيها، وحين ناصَر الزعيم العربي الراحل بقوة لحركات التحرر في بلدان افريقية واسلامية وغيرهما حيث ما زالت شعوبها تتذكر حتى الان دوره ودور مصر والعرب في اسناد كفاحها. وعلاقة العرب بدول جوارهم كانت، أيضاً، وما تزال حاضرة في ادبيات المؤتمر القومي العربي، والمؤتمر القومي/الاسلامي، والمؤتمر العام للاحزاب العربية، وملتقى الحوار الثوري العربي الديمقراطي منذ تأسيس هذه المؤتمرات مع بداية التسعينات حيث كانت العلاقة مع دول الجوار الحضاري تحتل بنداً رئيسياً في جداول اعمال المؤتمرات، كما في بياناتها، انطلاقاً من الشعور العميق بأن مواجهة التحديات الضخمة المفروضة على المنطقة تتطلب بناء علاقة تواصل وتضامن بين العرب وجيرانهم المسلمين والافارقة خصوصاً ان بينهم دولاً فاعلة وهامة وذات حضور في غير مجال. بل كان هم العلاقة العربية مع ايران وتركيا محط اهتمام الوحدويين العرب إلى أبعد الحدود، فأقام مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع جهات عربية وايرانية وتركية ندوات اربع اثنتان منهما حول العلاقات العربية – الايرانية انعقدتا في الدوحة وطهران، واثنتان حول العلاقات العربية – التركية اولهما انعقدت في بيروت وثانيهما قبل أشهر في اسطمبول، وقد شكلت الندوات جميعا، بابحاثها ومناقشاتها،ً مادة ثمينة جداً للباحثين، كما لاصحاب القرار، تماماً كما وفرت فضاءً علمياً وموضوعياً لحوارات صريحة تتناول جوانب بين العرب ودول جوارهم الاتفاق وضرورة هذا الاتفاق وجوانب الاختلاف وسبل معالجته. وحين انطلقت في السنوات مبادرات عربية واسلامية ودولية تتعلق بقضايا الأمة، لا سيّما قضية فلسطين، وجد العرب والاتراك والايرانيون أنفسهم جنباً إلى جنب في ملتقيات وتحركات بالغة الاهمة والتأثير لدعم القدس، وحق العودة، والمقاومة، والجولان، وكسر الحصار على غزة وقد كان "أسطول الحربة" ترجمة عملية وعالمية للتلاقي العربي مع ابناء جوارهم الاسلامي. وبغض النظر عن الأسباب التي قد تدعو بعض الحكام العرب إلى الاحتفاظ بتحفظاتهم على قيام مؤسسة ناظمة لعلاقة العرب بدول جوارهم الاسلامي، ومنها ما هو مرتبط بضغط خارجي، وخصوصاً امريكي، ومنها ما هو متصل بهواجس وملاحظات على سياسات لهذه الدولة المجاورة أو تلك من بعض الملفات الحساسة، بل منها ما هو مرتبط بالارتباك القائم حالياً داخل البيت العربي نفسه المدعو إلى اصلاح ذاته قبل التوجه إلى الآخرين، كما قال الرئيس بشار الاسد في قمة سرت الاستثنائية، الا ان تجاوز هذه الأسباب مطلوب ، وبسرعة، لتحقيق اهداف اساسية ثلاثة: اولها: ان قيام مؤسسة دائمة لعلاقة العرب بدول جوارهم من شأنه ان يعزز الاستقلال العربي عن التأثيرات والاملاءات الاجنبية، ويحصن الوجود العربي، لا سيّما الفلسطيني، بوجه العدوانية التوسعية العنصرية الصهيونية التي كانت احدى ابرز ركائز استراتيجيتها هو قيام "حزام" معاد للعرب من حولهم وهو ما اسماه بن غوريون "بنظرية المحيط" وسعى المسؤولون إلى تطبيقها عبر التغلغل في ايران الشاه، وتركيا مندريس، ودول منابع النيل في شرق افريقيا. وثانيها: ان قيام مثل هذه المؤسسة التكاملية بين العرب ودول جوارهم هو الاطار الأمثل لا لتحقيق مصالح إستراتيجية واقتصادية وسياسية وأمنية وثقافية مشتركة بين هذه الامم فقط، بل أيضاً وبشكل خاص من اجل ايجاد اطار يؤسس لمعالجة كل الخلافات في السياسة، والتباينات في الرؤى، والملاحظات على السلوك والملفات العالقة بين هذه الدول جميعها، خصوصاً ان امامنا في العالم نماذج لمنظومات قارية واقليمية نجحت في عقلنة العلاقات بينها، وفي تجاوز الكثير من الرواسب التاريخية والصراعات الدامية التي عاشتها على مدى قرون من الزمن. وثالثها: ان تكون هذه المنظومة الاقليمية ذات الموارد والطاقات الضخمة مدخلاً للانتقال إلى تطوير علاقات مهمة وضرورية مع منظومات اقليمية قائمة حالياً سواء في القارة الاسيوية أو الأمريكية اللاتينية أو الاوروبية، فلا تكون العلاقات محصورة بين دولة عربية أو اسلامية من جهة وبين هذه المنظومات القائمة، لأن التكافؤ في هذه الحالة يكون شبه معدوم. وإذا كان بعض حكامنا متردداً في الاقدام على تأسيس منظومة تضم العرب ودول جوارهم، فإن القوى الحية في اقطارنا العربية ودول الجوار مدعوَة إلى التحرك على مستويين اولهما الضغط للاسراع بتطبيق مشروع (رابطة الجوار العربي) من جهة، وثانيهما من خلال تشكيل منظومات غير حكومية تشكل رافعة للمشروع، وساعية لتطوير العلاقات بين العرب ودول جوارهم ولتصحيحها حيث يجب، ولبلورة رؤى وتصورات تصون المصالح المشتركة، وتحافظ على الاحترام المتبادل لسيادة كل مكون من مكونات هذه المنظومة، بل تفتح للجميع أوسع الآفاق. من هنا تتخذ مبادرتنا في المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن التي طرحناها منذ ثلاثة اعوام لتأسيس مؤتمر دائم للحوار العربي – التركي – الافريقي يضم شخصيات وقيادات سياسية وثقافية واقتصادية من الشعوب الثلاثة ولتأسيس مؤتمر دائم عربي – افريقي مماثل بحيث تكون مهمة المؤتمرين مواكبة العلاقات العربية مع دول الجوار ومراقية تطوراتها، وتعزيز دورها والتنبه إلى أي قصور أو تعثر في مسارها. وبعد ذلك ننطلق لتشكيل منظومات غير حكومية مع الامم الاخرى أيضاً على شكل مؤتمرات دائمة عربية – اسيوية ، عربية – امريكية لاتينية، عربية – صينية، عربية – روسية، عربية – امريكية شمالية خصوصاً ان الاحداث تقدم لنا كل يوم اسماء جديدة من شخصيات العالم تجاهر بدفاعها عن حقوقنا وتناضل بشجاعة إلى جانب هذه الحقوق.