تناقض حوثي مفضوح حول مصير قحطان    لم يتم العثور عليه حتى الآن.. أنباء عن سماع دوي انفجار ودخان في موقع حادث مروحية الرئيس الإيراني وتركيا تتدخل    الليغا .. سقوط البطل المتوج ريال مدريد في فخ التعادل وفوز برشلونة بثلاثية    بعد قلق وتريث .. اول ردود الحوثيين على حادثة سقوط طائرة الرئيس الإيراني ورفاقه    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    الوزير الزعوري يتفقد سير العمل بمشروع إعادة تأهيل شوارع ومداخل مستشفى المعاقين ومركز العلاج الطبيعي عدن    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    - البرلماني حاشد يتحدث عن قطع جوازه في نصف ساعة وحرارة استقبال النائب العزي وسيارة الوزير هشام    قيادات الدولة تُعزي رئيس برلمانية الإصلاح النائب عبدالرزاق الهجري في وفاة والده    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    وفاة وإصابة عشرة أشخاص من أسرة واحدة بحادث مروري بمأرب    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    من هو اليمني؟    خسائر في صفوف قوات العمالقة عقب هجوم حوثي مباغت في مارب.. واندلاع اشتباكات شرسة    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    صحيفة إماراتية تكشف عن "مؤامرة خبيثة" لضرب قبائل طوق صنعاء    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صدى أقنعةٍ تتشظى في الزمن العاري!
نشر في شهارة نت يوم 11 - 05 - 2011

في جبل الكرمل حيفا، وفي مركز التراث عسفيا أقام منتدى الحوار الثقافيّ لقاءّهُ بتاريخ 5-5-2-11، وقد تناولَ رواية "رائحة الزمن العاري، للشاعرة الرّوائيّة هيام مصطفى قبلان، بحضور لفيفٍ مِن الشعراء والأدباء الجليليّين وذوّاقي الأدب!
استهلّ اللقاءَ الشاعرُ رشدي الماضي ب هيام قبلان تُعطّرُ بحيرة الزمنَ العاري:
عرفت بأنّ الحريّة هي أن تخرجَ من الخوفِ ومن سجن العبوديّة، لذلكَ رفضتْ عارَ الاستسلام وأمسكت بناصيةِ الشجاعةِ الحازمة، بعدَ أن تعرّتْ تضاريسُ الواقع، وجعلتها تغمرُ نفسَها بأيقوناتِ كلماتٍ أبتْ إلاّ أن تكونَ حبوبًا ناضجة للتغيير، وسيْلاً عارمًا مِن التمرّدِ على الغيوم السّوداء، لأنّها لم تُردْ أن يفلتَ زمامُ وقائع الحياة مِن يديها، ولا أن تعيدَ بناءَ واقعِها تحت شمسٍ أخرى غريبة، بل تحت شمسِها التي تغتسلُ بنورِها الدّافئ..
هيام قبلان تفيّأت بجمرةِ كلماتِها الناطقة، وآلت إلاّ أن تبقى سجينة الحقيقة، كيف لا، وهي العرّافة العارفة أنّ الأنثى في شرقنا، تتلقى ومنذ الصّغر ثقافة مزدوَجة، فهي تبقى في خانةِ تحضيرٍ دائم لتكون الزوجة التي يُقدّم لها الرّجلُ كلّ ما لديه، ولتكون شريكة حياتِهِ وزوجة ناجحة لرجلٍ غرائزيّ!
ولأنكِ ياعاشقة سجن الحقيقة تؤمنين بأنّ الرّجلَ قبلَ أن يكونَ رجلاً هو إنسانٌ، وليسَ مخلوقًا تُحرّكُهُ نزعاتُهُ، لذلك جاءت روايتُكِ نافذةً ناقدةً لسبرِ أعماق الرّجل، للوصول لعلاقةٍ ناضجةٍ معهُ دونَ الاستنادِ إلى ثقافةٍ قديمةٍ أثبتت فشلَها، وبإدراكِكِ أعلنتِ أنّ الحياة ليست رجلاً فقط، بل رحلةُ تطوّرٍ ذاتيّ واجتماعيّ، سواء داخلَ المؤسّسة الزوجيّة، أو التي تنالُ الرّجلَ بكيل الاتهاماتِ بحقّهِ وكذلك المرأة.
حقا يا مبدعتي.. برائحةِ هذا الزّمن العاري أكّدتِ أنّ الصّراعاتِ والاتهاماتِ يُمكنُها أن تحقّقَ أهدافًا مؤقتة، ولكنها لا تبني مجتمعًا قويًّا ولا ذاتًا بشريّة سليمة، ولا رجالاً أكفاءَ ولا حتى نساءَ عظيمات، لذا ترفضين السّباحة في مستنقع الخوف والتردّد!
"صدى أقنعةٍ تتشظى في الزمن العاري"! مداخلة آمال عوّاد رضوان:
رواية "رائحة الزمن العاري" للشاعرة الأديبة هيام مصطفى قبلان، تُجسّدُ قضايا اجتماعيّةً ووطنيّة وقوميّة متّصلةً بالجهل والانغلاق والعمالة، ومحاولة تغيير الواقع مِن خلالِ تجاوزِ الحبكةِ المعقّدة، ومِن خلالِ نبشِ الذاتِ الإنسانيّةِ لشخصيّةِ "نبيل" الوطنيّة التي ترفض التجنيد الإجباريّ في دولةِ الاحتلال، وشخصيّة "هزار" المرأة، التي تلمحُ المستقبلَ بعينِ الحرّيّةِ مغايرة، وترفضُ أن تظلّ مُحاصَرةً تجترُّ ماضيها. كما وتحْيي في ذاكرتنا قضيّة شهداء أكتوبر الجليليّين، الذين قتلهم الاحتلالُ في هبّة أكتوبر عام 2000.
الزمنُ في الفعلِ الرّوائيّ هو محورٌ أساسيّ في تشكيل أحداثِ الرّواية ووقائعِها، بأشكالٍ سرديّة مختلفة كالتعاقب والتناوب والتضمين، لكن الأزمنة في هذه الرّواية تتكسّرُ وتتداخلُ وتتشابك وتختلط ببعضها، فتتنقل بإشاراتٍ خاطفةٍ بين الماضي والحاضر بفنيّة ولباقة. ففي حين أنّ زمنَ السّردِ يُشكّلُ هيكلَ الخطابِ الزّمنيَ، والزّمن النّفسيّ يكشفُ دلالاتِهِ وتجلياتِهِ مِن خلالِ الأحداثِ ورؤى الشّخصيّات، فنراهُ زمنًا منفتحًا ومُغلقا، والكاتبة تلتقطُ جوهرَهُ المُكثّفَ عبْرَ نقاطٍ محدّدةٍ تشيرُ إليها بفنيّةٍ، دونَ الخضوعِ لتتابع الحياةِ الخارجيّةِ اليوميّة، ويندمجُ الزمنُ السّرديَ والزمنُ النفسيّ مع الزمن القصصيّ المتخيّل بكلّ تحوّلاتِهِ وتجدّدِهِ وتأثيرِهِ على العناصر، فيعيش القارئ سنين وعقودَ مختزلة بساعات، ويمرّ الوقت قصيرًا بأحداثِهِ وشخوصِهِ وتحرّكاتِهِ في الأمكنة دون تتابع منطقيّ، ليغطي جيلاً وعقودًا بسرْدٍ سيّالٍ منساب ومُشوّق!
الكاتبة هيام قبلان تجسّد رؤيتها وهواجسَها تجاه الزمن والحياة والوطن المُستلَب ورفضها لخدمة التجنيد الاجباري، وصراعها في ملحمة الزمن والوطن بتهكّم مرير تقول ص118:
هباءٌ رائحةُ الزّمن العاري! رائحتُهُ عفِنةٌ كريهةٌ؛ تتفشّى في الجوِّ من أحذية الغُزاة، ومن نعال الذّئاب الحائمة تحت سُترة اللّيل، ومن عباءات الجوخِ، ومن رِماح خيامهم العاشقة لجسد النّساء!
وفجأة، يَعْبُر وجهُ والدها أمامها بحاجبيْه ٱلغليظيْن، ولم تسمع صوتَ أمّها ووصيّتها، ولم تلمح عيون "نزار" ٱلمراقِبة! كلُّ ما في ٱلمكان يتهاوى، ويتساقط كأوراق التّينة، كأعشاش ٱلعصافير وحوريّات ٱلبحر، وكصوت "شَهْرَزاد" يشهق لونُ الرّماد، ليعلن ٱلزّمن ٱلعاري رائحتهُ؛ رائحة الحقيقة! ص 106
" كريم.. "نزار".. "والدي".. "خالي".. كما صادرَ ٱلوَقت أرضي صادَرْتُم الكَرامَة، وتَعاونْتُم في بيعِ ٱلأراضي، يا سَماسِرة ٱلزّمن في تهجير شباب ٱلمستقبل! ثِقْ أنّكَ سَتُغادر هذه ٱلحياة دون هويّة، وستصبح مجرّد رقمٍ من الأرقام، ولن يذكرك أحد، وستنالَ منك تربة "الحاكورة" ٱلخلفيّة حول منزلك ٱلقديم، وسَيَغْضَب عليكَ ناطور ٱلزّمن كما غضبت"! ص33.
يا الوطن.. أنتَ الّذي تتولاّك الطَّعنة تلو الطّعنة تلو الطّعنات، وما يزالون يمتهنون محاولة اغتيالك، ويحترفون نشوة النَّصر الوهميّ على نحر الوطن! كيف كان بإمكانِ أَبي أنْ يغتالَ تاريخًا كاملاً؟! ص 95.
يا الوطن يستغلّون رائحتك الطّيّبة ومروجك الخضراء وصنوبرك الأشمّ، ويبيعون كلّ ما تملك للغريب! ونبيل عاد ليبني على مساحتكَ مشروعًا جليلاً كخطوة أولى في خطّة تحرير الجسد من الاغتيال، والفِكر من التّعفُّن! ص75.
تتعلق هزار بالفن والطبيعة كنوع مِن التحرّر من القيود، ولتجسيدِ حركة الزمن الرّوائيّ في الحاضر السّرديّ، مِن خلال التغيّر الطفيف في رؤيةِ الشخصيّات للحياة ومواجهة الواقع والظلم والقهر، والتطلع نحوَ الحريّة والأفضل، فتهبّ منتفضة ص 128:
كفاني صمت.. أنا الصّامتة ٱلنّائحة.. أنا اللاّئمة العاتبة، والعاشقة الحزينة.. أنا مَن كشَفَ ٱلزّمن نقابَها.. أنا الموشومة بالنّزف والمنقوشة على الصّخر!
تتوالى صورُ المجتمع الذكوريّ المُجحفِ القاسي القاتل للأنثى منذ مولدِها بنظرته الدّونيّة اللئيمة ص 96:
و"منية"؛ هذه الطّفلة الرّضيعة، لم يستغرق بتر عمرها الغضّ أيّامًا.. ياااااااااه.. قتلوها بتداول عاداتهم اٌلبالية في التّداوي والشّعوذة! مسكينة وككلّ الإناث، ليست سوى مجرّد رقمٍ ينتهي بتاء التّأنيث، ويُساومَ عليه، كما يُساومون على "نون النّسوة" القابلة للمساومة والاتّجار والاستعباد، بشتّى الأشكال وبمختلف الأصناف والألوان".
تتحدّى المجتمعَ بكلّ ضغوطاتِه على الأنثى، وتخبّطاتِهِ في أخطاء تجرّ أخطاء متكرّرة، وقد هدّها القهرُ المستمرّ والعادات البالية والقتلُ على خلفيّة الشرف فتقول ص96:
"المراوغات لم تكن كافية لتُقتَلَ "دلال" بدمٍ بارد، بل اغتالوها وكبرياءَها، كما اغتالوا عذريّة تراب الوطن! لقد قُتلتْ شهيدة التّراب، مرجومةً بأقاويل حثيثة التّشويهِ المتكلّسِ على رخام عفونة إشاعات، كم أذعنتْ في ترهاتها حدّ الفجيعة!"
وتتابع وجعها الملازم لها ص 56:
خيطٌ رفيع للون دمها النّرجسيّ سال ولا يزال، تعبق رائحتهُ بٱلمكان، وتخالطه رائحة أقدام النّسوة وهنّ يَمْشينَ على وجعها، ويعبُرْنَ من فوق طُهْرِها، ليمزّقْنَهُ بألسنتهنّ المعقوفة!
اتخذت هيام قبلان شكلَ زمن السّرد الحلزونيّ الذي انتهى بنهاية مفتوحة، بإصابة نبيل البطل برصاصةٍ لا نعرف إن كانت قتلته أم لا، وظلت هي يُواريها ذهولها ويُراودُها صوت ابنتها مناديا أمااااااااه، وبقيَ القارئُ بانتظارِ أحداثٍ جديدةٍ ورؤية مغايرة للموت والزمن والحياة، فهل تتجدّد بهمّةِ ابنتها وبصوتِ حبيبها المجلجل ص 124:
سأنهضُ لأدافعَ عَنْكَ أيّها ٱلوطن؛ الوطنُ حبيبتي وأمّي وأختي.. اللّواتي حاولوا قضْمَ رؤوسهن! الوطنُ "سيفٌ وقلمُ".. الوطنُ فرحٌ آتٍ على غيمةٍ تُمطرُ حمامًا، للآتينَ مِنْ بَعدي! حطّ اليمام وطارَ ٱليمام! حَطّ الحمام وطارَ ٱلحمامُ! لمْ يبقَ سِوى أسلاكٍ شائكة، وخارطة ٱلتّقسيم باللّون الأحمر! سأشكّل خارطة ٱلوطن بيدي، بِلوحاتي، بريشتي المغموسة بدمي! سوفَ نكون أنا وأنتِ غدًا يا حبيبة!
لمسنا منذ بدايةِ الرّواية بناءً تداخليًّا للزمن التاريخيّ بالواقعيّ، وبالزمن النفسيّ والمتخيّل والخطابيّ، فزمن الروايةِ والسّرد ليس تتابعيًّا تراتبيًّا، ممّا يحطّ بالقارئ على أمواج تأويلاتٍ تغوصُ في عمق الحاضر الدّراميّ، ثمّ تتصاعدُ ليطفو على شكل ذكرياتٍ وخواطرَ وأفكار، كأنما المؤامرة بكمائنِها تتربّصُ بالحاضر والماضي لتغلبَ إرادة الإنسان وتطلّعاتِهِ! تقول ص 122:
"هزاري" يا ٱلمُغادِرة روحي.. كيفَ هانت عليكِ وحْدَتي؟ كيفَ هنتُ عليكِ فتركتني، لينهشني ٱلزّمنُ ٱلعاري بسكاكين ٱلعبوديّة، كما نَهَش جسدَكِ ونبضَكِ منذُ عشرينَ عامًا؟
محورُ الرّواية هو الصّراعُ مع الزمن والظلم والاحتلال بكلّ تفاصيلِهِ البعيدة والقريبة، ومحاولة البحثِ عن الذات وحلولٍ للحاضر والمستقبل دون اجترار، فتقول ص 118:
تعالَيْ يا غاليتي، فالوقتُ يتلوّى، بعد أن نَبتتْ زعانِف اللّيلُ المتطاول في أرحام أحلامنا المغتصَبة، فماذا تغيّرَ في هذا العالم يا "هزار"؟
وها الفؤاد الممزّق الّذي طعنتْهُ سكاكين العبوديّة والقبليّة، بكلّ ثقوبه الغائرة عاد ينبض، برغم جفاف الطّبيعة وقسوة الزّمن، وبرغم مراوغة العواصف ونَشاز الأصوات المنبعثة من فوق سطوح المنازل، ومن فوق الغرف المسكونة بثرثرة النّساء في القرية، وبرغم الألسنة المشحوذة بالنّميمة ضدّ كلّ شيء يتحرّك أو يتلوّن، فيبعثُ مع النّسيم رائحة عطرة جديدة ضدّ الانفتاح والجمال والحُبّ والسَّكينة! ص61.. وتردّ ص 116:
ها أنا آتية إليكَ عارِيَةً من الفِكر، أنَزَعُ عَنْ وجهي قناع العزّة والكبرياء، وأحتَفي بِفُتات الوقت معك..
وتظلّ رائحته على ثيابها، بين خُصلات شعرها، وعلى عنقها وأصابعها وجسدها كلّه، بل رائحة تراكماتٍ مكدّسةٍ من نشيج الغياب ونشوة في الضّلوع! أكداس من "رائحة الزّمن العاري" اخترقت المسافات بمحاذاة السّاحل، إلى أن وصلت ٱلقرية! ص 108
السّردُ فيهِ مكاشفة على الجسدِ ورغباتِهِ وشهواتِهِ العاجزة بسبب الخوفِ والقيود، ونرى التموّجاتِ الزمنيّة تتقطع وتتواصلُ عبْرَ إرجاعاتٍ زمنيّةٍ متشظية البناء، فتهبط إلى ماضٍ قريب التقت فيهِ مع الحبيب نبيل في المتحف، وأخرى دائريّة وتضمينيّة وتتابعيّة، فالزمنُ دائمُ الحضور للوجود الإنسانيّ الدّائريّ المتكرّر بوجوهٍ تتعدّد متشابهة في بناء جيل بكلّ وقائعه المادية، فيبدأ السّرد مِن المرحلة قبل الأخيرة، من لحظةِ اللقاءِ والهروب بمفارقةٍ مشوّقة، تطاردُها خشيتها مِن الخطايا فتقول ص 107:
هل اقترفنا خطيئة يا "نبيل"؟ لم نقترف حبيبتي، هو حقُّنا الّذي سُلبَ منّا وأعدناه! هل انتصرنا عليهم وعلى كلَّ السّنين الضّائعة! لا تحزني، أنتِ حبيبتي وزوجتي أمام الله والبحر والسّماء، ألا يكفيكِ هذا؟ لا أيُّها ٱلطَّيْف! سوفَ أنساكَ، وسأجعلُ مِن هَذَياني أرجوحةً، لحلمٍ تشكَّلَ في زمن ٱلخَطايا، فلن تَعذرني "سَمر"، إن غَلَبني ٱلشَّوقُ! ص30
التشكيلُ الزمنيّ يتراوحُ بين صيرورتِهِ وتحوّلاتِه، فيبلورُ هيكل الرّواية والرّؤى، وينسجُ الحركة بين زمن الرّواية وأحداثها وزمن الخطاب بتطوّراتِه ودلالاتِهِ وأبعادِه، بفنيّةٍ عاليةٍ وبحركةٍ لبقةٍ وبتقنيّاتِ التداعي والمونولوج وتيار الوعي ومنطق الصور ومفارقاتٍ زمنيّة، تتنقلُ الكاتبة هيام بالقارئ في بناء أحداثٍ متداخلةٍ تتقاطعُ محاورُها وتتراجعُ وتتلاحق، فتُسرّعُها وتُبطّئُها وتسيطرُ على أحداثها دون انتظام، ويتقافز الزمنُ بينَ ثنائيّة الماضي والحاضر، وهزار ممزقة بين أقطاب الحلم والواقع، وبين الظلم والعدل، وبين إرادتها وسلطةِ المجتمع بجبروته وطغيانِهِ المهترئ وابتزاز سكوتها، وتردّدُها يتجلّى ص 126: عادتْ وجوه المسرحيّة التراجيديّة تسامرُ عمر "هزار" الشّاحب، بصور لا تتعب! وجهُ عمّها الّذي يسكن في المدينة، ولن يُحوّل لها راتب والدها "كريم" إن تزوّجت، وستفقد "سمر" حقوقها في ٱلإرث!
في نهايةِ الرّواية يُعادُ ترتيبُ المادّة الحكائيّة بكلّ مكوّناتِها في ذهن القارئ، فيتفجّرُ الماضي مِن ثقوب الحاضر بذاكرتِهِ نحو الأمام، ويطفو على سطح الواقع بعنفِهِ وسطوتِهِ وجدلِهِ المزمن، كضرورةٍ مُلحّةٍ في محاربةِ العمالة والقيم الفاسدة بكلّ فوضويّتها.
آآآآآآآه يا زمن! حافيًا هو ٱلقدر الّذي يجمع بيْنهما ثانية، وحافيًا قلبها يقفز إليه! ص129
عيناهُ تستَغيثان بعينيْها.. وفمهُ يُزبدُ وَيُرغي وتتحشرج أنفاسهُ: "هزار".. أنتِ وطني.. اغفري لي..
على صدر هزاره كانت شهقته الأخيرة.. ص130
تفرّقت الجموع.. ونُقل الجرحى بسيّارات الإسعاف، ونقلت ثلاث عشرة جثّة شهيد! يتلوى زهر اللّوز كمدًا، وتغتالًها ٱلعيون، ولا ترى إلاّ أطراف قدميْهِ على حمّالة من خشب، وأصدقاؤهُ وراء الحمّالة يشهقونَ ويصرخون! آه يا زمن... اُخرجْ من ملامح وجهكَ ٱلباسم، وانتعل "رائحة ٱلزمن ٱلعاري! ص131
د. منير توما: السقوط نحو فردوس مفقودٍ في رواية رائحة الزمن العاري للشاعرة هيام قبلان:
إنّ أوّل ما استوقفني عندما تناولت الرّواية لقراءتها هو العنوان الذي اختارتهُ الكاتبة لروايتها هذه، وحين انتهيت مِن قراءةِ هذه الرّواية أيقنت الدّوافعَ وراءَ هذه التسمية، بمنطق الإيحاءِ الأدبيّ والتداعيات النفسيّة لبطلة الرّواية مِن خلال الرّمزيّة الكامنةِ للزمن العاري، لِما في هاتيْن الكلمتيْن مِن فرادةٍ بالمعنى والصّورة.
لقد عاشت "هزار" بطلة الرّواية حياة كئيبة منعزلة في بيتها بعد وفاة زوجها "كريم"، وأصبحت أرملة في ريعان شبابها، لا عملَ لها سوى العنايةِ بتربية ابنتها "سمر"، التي انتظمت في الدّراسة الجامعيّة وكوّنت لنفسها حلقة اجتماعيّة مع زملائها وزميلاتها في إطار الجامعة، وبالتالي فإنّ "هزار" قد أمست في خواء عاطفيّ يغلب عليه الحرمان الجنسيّ في مجتمع لا يُوفرُ لها حرّيّة التصرّف والسّلوك لإشباع حاجاتِها ومتطلباتِها الحسّيّة والجسديّة، خصوصًا وأنّ أخاها "نزار" المتعامل مع السّلطة سياسيًّا يُضيّق عليها الخناق بالمراقبةِ المستمرّة والعنيفة أحيانًا، مستعيدًا بذلك دوْر والدِهِ الذي حال دون زواج "هزار" من حبيبها "نبيل"، وأرغمَها على الزّواج مِن ابن عمّها "كريم" لتعيش حياة تعيسة وغيرَ هانئة معه، الى حين وفاتِهِ بعدَ مرور خمس سنواتٍ مِن زواجهما. ومع مرور الأيّام ورغم الزمن المنقضي، فإنّ "هزار" لم تنسَ حبيبَها "نبيل" الذي بقيَ يستحوذ على ذاكرتِها عاطفيًّا، والذي كان قد ترك القرية وهاجر إلى خارج البلاد بعدَ فشل محاولةِ زواجهِ مِن "هزار". ولكن "نبيل" الذي تزوّج فيما بعد مِن "لورا" وأنجبَ منها، يعودُ إلى البلاد ليلتقي بهزار ثانية، ليُجدّدا ما انقطعَ مِن وشائج الحُبّ والغرام، يحدوهما الأمل بالعودة إلى فردوسٍ مِن العيش المشترك، ولا سيّما أنّ زواجَ "نبيل" من "لورا" قد كُتب عليه الفشل، بسبب يتعلق "بلورا" التي تطلب منه الطلاق أخيرًا.
إنّ علاقة "هزار" بأدهم قبل عودة "نبيل" إلى البلادِ تُجسّدُ وتعكسُ حرمانَها الجنسيّ، الذي تحاولُ التغلّبَ عليه بسقوطِها الأخلاقيّ في علاقتِها الجنسيّة مع أدهم، الذي يستغلُّ جسدَها لإشباع شهواتِهِ في وقتٍ كانت "هزار" بأمسّ الحاجة إلى رجُلٍ يُشعرُها بأنوثتِها الفيّاضة. ومِن هنا فإنّ علاقة هزار بأدهم هي علاقة تخلو من الحُبّ، لأنّها تقومُ على علاقةٍ يشوبُها استغلال، أو يشوبُها احتياجٌ جسديٌّ أو حسّيّ مِن نوع ما. فالحبّ ليس هروبًا مِن مشاكل الحياة، وليس رغبة في الحصول على الإشباع الجنسيّ فقط، وليس تبادلاً للمنفعةِ، وليس بحثًا عن المتعةِ في الحياة أو التكيّف المُريح معها، أو هروبًا مِن وحدةٍ أو مللٍ أو فشل. والحبُّ ليسَ امتلاكًا، وليس سيطرة جنسيّة، وليس شعورًا مِن طرفٍ واحدٍ مهما كان هذا الشعور.
إنّ علاقة هزار بأدهم كانت علاقةً مِن الحبّ المريض، فهو قد كان نتيجةً طبيعيّة للوضع الذي وُضعتْ فيهِ المرأة منذ سَلبَها المجتمعُ عقلها ونفسَها واعتبرَها جسمًا فقط: ص 52:
كلّ الرّجالِ هكذا يفكّرون بالمرأة كجسد! وهل البستانيُّ أفضلُ منهم؟ البستانيّ الذي دخلَ الحمّامَ في منزلِها، و"كريم" كانَ يهطلُ شهوتَهُ عليها، ويُمارسُ حقّهُ في جسدِها، دون اهتمامٍ ببرودةِ جسدِها، وبأسنانِها المتلاصقةِ وعينيْها المشدودتيْن بسقف الغرفة! هذا هو "أدهم" يرى جسدَها متمرّغًا بكأس نبيذٍ وسيجارة.. لم تبصر رسْمتَهُ المغطاة بشرشفٍ ورديّ، ولم يكن يهمُّهُ أن ترى اللوحة، إنّما كأيّ رجلٍ أرادَ إشباعَ غريزتِهِ! كيف لو كان له ذلك؟
هذا هو ما حدث لهزار، لقد ألغت نفسَها أمامَ الرّجل المتمثل هنا بأدهم، وتخلصت مِن شخصيّتها لتحصلَ على خضوع الانثى واللذة والأمن المؤقت ورضا الرّجل، ص 54:
التحم الجسدان، ولم يتكلم "أدهم"، و "هزار" أغمضت عينيها، لتغطّ في حلم عميق، يوقظ سبات العمر الذي ضاعَ من بين أنفاسِها.. اقتربَ أكثر وأكثر، والتصق بها، مداعِبًا سواحلَ بحْرها، أحسّت بنشوةٍ غريبة، وأطلقت لنفسِها العنان.
انطلاقا مِن هنا تبرز رمزيّة الزمن العاري، باعتبار أنّ زمن تجربة هزار مع أدهم هو زمن عارٍ أخلاقيًّا، وذلك بكوْن العُري وبخاصّة عري الجسد رمزا للشّهوانيّة والملذات الحسّيّة والفساد الأخلاقيّ، وهذا يوحي بسقوط "هزار" وخروجها مِن فردوس النقاء والطهارة الجسديّة والرّوحيّة، أي سقوطها من مستوى إلى مستوى، تمامًا كالترميز النابع مِن سقوط آدم وحواء بالخطيئة الأصليّة، وشعورهما عندئذ بالعُري الجسديّ والأخلاقيّ معًا، وبالمعصية تجاه الخالق. وفي الحقيقة، فإنّ رمزيّة العري تتطوّرُ باتجاهين، باتّجاه الطهارة الجسديّة والأخلاقيّة والفكرية والرّوحية، والثاني باتجاهٍ شهوانيّ استفزازيّ فارغ مثيرٍ للحواسّ والجسد على حساب الرّوح.
ومِنَ المهمّ الإشارة هنا إلى أنّه في التقليد التوراتيّ يمكن اعتبار العري كرمز لحالةِ الإعلان عن كلّ الأشياءِ بوضوح دون إخفاءٍ لها، كأمرِ آدم وحوّاء في جنة عدن أو الفردوس الذي فقداه، ومن الملاحظ أنّ آدم وحواء أدركا حاجتهما إلى الملابس بعد السّقوط، بنفس الكيفيّة التي أدركت فيها هزار حاجتها إلى الحبّ الرّوحيّ والجسديّ معًا بعد انفصام علاقتِها مع أدهم، حيث أدركت في اللاوعي على الأقلّ أنها ارتكبت حماقة لا تغتفر مع أدهم، وتعرّت كليًّا من التزاماتِها الأخلاقيّة والإنسانيّة السّليمة، وهذه التجربة الغراميّة مع أدهم تعتبر على سبيل المفارقةِ بمثابةِ الزمن العاري الذي استمرّ معها فيما بعد، وحاولت أن تتجاوزهُ مع "نبيل"، ولكنّه بقيَ عاريًا ولكن بمفهوم آخر مختلف، مع أنّه يحملُ في الكثير من ثناياه رواسبَ وبقايا مشاعر الأنثى المحرومة جنسيًّا وروحيًّا، التي لم يُكتب لها الخلاص مِن سقوطِها الأوّل مع أدهم، وبطبيعة الحال، فإنّ العري يُشيرُ إلى الفقرِ النفسيّ والضعفِ الرّوحيّ معًا، وهذا ما يلمسُهُ القارئ في مشهدِ مداعبة هزار لجسد جارتها "أم فراس"، ممّا يوحي بوجودِ ميولٍ سحاقيّة كامنة لدى هزار، كتعويض وتطبيق عمليّ لِما جاء في الكتاب الذي يتحدّث عن علاقة الرّوح بالجسد، وعن ملامسةِ الأجساد وأجساد الغير ص 95:
لم تخطط "هزار" طريق الوصول إلى عنق "أم فراس".. أخذت تلامسُهُ وتنزلق بأصابعها إلى الصّدر وإلى الخصر، إلى أخمص القدمين، وتعيدُ ملامسة الجسد الممدّد أمامَها دون حراك، مرّة تلوَ المرّة، و"أمّ فراس" مغمضة عينيها، كأنّها في حلم جميل!
إنّ استبدادَ "نزار" وثورته المستمرّة تجاه سلوك شقيقته "هزار" كان يُشكّلُ على الدّوام كابوسًا مُقلِقا لها، ممّا جعلها تطمحُ بالتمرّد عليه مهما كانت الظروف والنتائج، لتعيش حياة الاستقلال والاستقرار بحرّيّةٍ معَ حبيبها "نبيل"، وبالتالي فإنها حين تتكلم عن أخيها "نزار" تعرّي هذا الزمن الذي يتحكّم فيه أخوها بمصيرها وحرّيّتها، وذلك بازدرائِها له ولتعاملِه مع السّلطة، حيث يرمز العُري في هذا السّياق إلى العار والسّلوك الشائن.
ومن اللافتِ في هذهِ الرّواية أنّ هزار أرادت الخلاص من زمنِها العاري وسقوطها فيه، باستعادةِ العلاقة الحميمة مع "نبيل" رغم تهديدِ أخيها وممارساتِهِ العنيفة تجاهه، فنبيل هو المنقذ والمخلّص المنشود الذي تحلم به لتحقيق حلمها بالحرّيّة والسّعادة، وهو في الوقت نفسِه حبيبُ الجسد والرّوح في آن واحد، والذي تذوبُ في أحضانه شوقا وعشقا وتساميًا ص 115:
لفّهما غطاءُ السّرير بحنانِهِ، وغابَ ضوءُ الأنين بلذة الجسدِ، فكانت الرّوح تنادي نَزْف ليلٍ بعدَ ليلٍ مِن أغنياتِ البُعد والشوق، وتناغي عزفَ ليلٍ بعدَ ليلٍ مِن موشحاتِ الغربة والرّحيل!
عندَ هذهِ النقطة، يجدرُ أن نشيرَ إلى رمزيّةِ العُري في المفهوم الغنوصيّ، حيث يُصوّرُ العريُ فكرة المثل الأعلى الذي يُراد الوصول إليه وتحقيقه، ومِن المفارقة في المشهد السّابق مِن الرّواية، أنّ الحبيبيْن يتعرّيان في السّرير ويمارسان الحبّ ليتخلّصا مِن زمن العري الشائن الذي يلفهما خارجًا، ولا يُعيرُ الحبّ الرّوحيّ أيّ اعتبار. وبذلك تتجلى في هذا المشهد نفحةً صوفيّة عابرة تعكسُ روحَ اندماج الجسدِ بالرّوح نحوَ رؤية خلاصيّةٍ إنسانيّةٍ سامية.
إنّ العلاقة الجنسيّة بين هزار ونبيل تختلف كليًّا بشكلِها وجوهرِها ومضمونِها عن علاقة هزار وأدهم، التي كانت مبنيّة على إرواءِ الشهوة دونَ أيّ تواصلٍ روحيّ، وبهذا كان هزار ونبيل ينشدان ويبغيان التكاملَ، مع أنّ الجنسَ ضروريٌّ في مثل هذه الحالة، حيث أنه في الجنس ينصهرُ الإنسان بكاملِهِ ويتورّط جميعُهُ نفسًا وعقلا وبدنا وروحًا وماضيًا وحاضرًا ومستقبلا، فكلّ درجات الوجود كائنة في الجنس، وأعلى صورِهِ هو الجنس في الزواج لأنّه ينشدُ الاستمرارَ والدّوام، وينفرُ مِن الوقتيّة وينأى عن الانفصال.
هذا ما كان يهدفُ إليه كل من نبيل وهزار جسديّا وروحيّا واجتماعيّا، أي أنهما بتخطيطِهما للزواج مستقبلا كانا يُغطيان رمزيًّا عُريَ هذا الزمن الذي ينغّص عليهما الحياة، وبالتالي فإنهما يسعيان إلى دخولِ فردوس أرضيٍّ جديد، يُخلّصُ هزار من عثراتها السّابقة ويكفّرُ عن سقوطِها العابر، لتتكاملَ كليًّا مع حبيبها "نبيل".
ولا يفوتنا هنا أن نذكر، أنّ خلفيّة العلاقة بين هزار ونبيل باعتبارهما حبيبيْن قبل زواج هزار من كريم، تشفعُ لهما في تبريرِ العلاقة الجنسيّة بينهما بعيدا عن نظريّة السّقوط، وذلك لأنّ الجنسَ هو التقاء شخصيّتيْن متكاملتيْن لقاءً حُرًّا، فإذا ما خبَرَ إنسانٌ ما (رجلاً كان كنبيل أو امرأة كهزار) هذا الجنس، فإنّ هذه التجربة تصبحُ في حياتِهِ خبرة إنسانيّة حقيقيّة تثري حياتَه وتساعد على ازدهارِ شخصيّتِه، وتزيدُ مِن قدراتِهِ على التفكيرِ الحُرّ والابتكار، وهذا ما حدثَ فعلاً مع هزار في تحدّيها أخيرًا لأخيها "نزار"، فالرّغبة الجنسيّة لدى "هزار" تجاه "نبيل" ليست رغبة جسميّة فحسب، ولكنها رغبة نفسيّة للحبّ والحرّيّة أدّت في نهايةِ المطافِ إلى نهايةٍ مأساويّة للرّواية، بمقتل "نبيل" أثناء المظاهرة، ليُقتل بذلك حلمُ هزار بفردوسِ الحبّ والهناء والحرّيّة، ولتطغى رائحة الزمن العاري على حياتها الشّخصيّةِ المقبلة.
ويبقى لنا كلمة أخيرة في رمزيّةِ أسماءِ الشّخصيّات ومعانيها الهادفة، حيث أنّ "هزار" يعني طائرًا صغيرًا حين التغريد، ممّا يعكس برمزيّتِهِ رقة هزار الإنسانة الرّقيقة الشفافة التي عانت روحيًّا وجسديًّا ونفسيًّا، جرّاء ما أصابها مِن خلال مرارة حياتِها، وما تعرّضت له مِن ظلم أبيها وأخيها وعائلتها.
أمّا "كريم" زوجها المتوفى فاسمُهُ يعني الجامع لأنواع الخير والشرف والفضيلة، ولكلّ ما يُحمَدُ بكوْنِهِ النزيه الأحسن الصّفوح، لكن الاسم هذا بخصالِهِ بعيدٌ كلّ البُعد عن صفات شخصيّة كريم، حيث أنّ أديبتنا قد استخدمت المفارقة السّاخرة لهذا الاسم، فورد الوصف الساخر لكريم ص12:
"كريم" فارسُ ٱلوطنِ، حاملُ ٱلبندقيّة ورجلُ ٱلرّصاصِ، بدلتُهُ كاكيَّة ونجوم لامعة على كتفيه! إنّه حارسُ ليلِ الوطن!"
وفيما يتعلق باسم "سمر" ابنة هزار، فإنّه يرمز الى أنّ هذه الابنة هي التي تسامرُ والدتها هزار في وحدتها في سواد الليل بعد وفاة زوجها، فسمر تعني المسامرة، كذلك تعني الدّهر أي ما منحَ الدّهر لهزار في حياتها، ليُعوّضها عريَ حياة الوحدة!
وبخصوص رمزيّة اسم أدهم، فيعني الليل الدّامس الأسود القيد لسوادِهِ، حيث يعكس ذلك ما يرمز إليه أدهم مِن وحي العلاقة الجنسيّة بينه وبين هزار، التي تصوّرُ سوادَ وقيودَ الشّهوات في ليل الحرمان الجسديّ التي تعاني منه هزار، كما يمثل سوادَ السّقوطِ الأخلاقيّ بتلويث طهارة الزوجة الأرملة وعريها المَجازي في سواد الليل.
وعن رمزيّة اسم "نزار" فإنّ هذا الاسم يعني القليل التافه، وكما تصف الرّواية سلوكَهُ وتصرّفاتِهِ تجاهَ أختِهِ ومجتمعِهِ وشعبه، فإنه يتصفُ بالنذالة والخساسة والتفاهة الخلقيّة والاجتماعيّة، التي تسعى إلى المنفعةِ والمصلحةِ الأنانيّةِ الذاتيّة دون وجودِ أيّة نزعةٍ إنسانيّةٍ عاطفيّة لديه، أي أنه عارٍ تمامًا عن الخلق الرّفيع والخصال الحميدة لعمالتِهِ وفظاظتِه.
أمّا الحبيب الحقيقيّ "نبيل"، فاسمُهُ يعني كثيرَ النجابة والفضل والذكاء، والرفيق العاقل الحاذق الشريف، وكلُّ هذه المعاني تنطبق على شخصيّة نبيل في الرّواية، مِن خلال الأحداثِ المتتالية بشأن علاقةِ نبيل المخلصة الصّادقة بهزار وبمجتمعه وبزوجته لورا، وبشأن حياته العمليّة والاجتماعيّة، وبما حققه مِن سيرة حياتيّةٍ ناجحة، علاوة على إخلاصِهِ الدّائم الأبديّ لهزار المُتسم بنبل العاطفة جسديًّا ونفسيًّا وروحيًّا وإنسانيًّا.
وأخيرًا.. رمزيّة "لورا" زوجة نبيل فهو اسم لاتينيّ يعني المُكللة بالغار أي المُحققة للانتصار، فحين طلبت الطلاق من زوجها، فإنها مِن جهة انتصرت عليه بكونها المبادرة لطلب الطلاق واستجيبَ لطلبها، ومِن الجهة الأخرى وعلى سبيل المفارقة السّاخرة، فإنّ الانفصالَ عن زوجها بطلاقِها منه هو هزيمة للمؤسّسة الزوجيّة القائمة بينهما ولوضع أولادِهما الاجتماعيّ، وليس نصرًا حقيقيًّا لها، ولكن قد يُعتبر طلاقها مِن نبيل نصرًا غيرَ مباشر لعلاقة الحبّ الذي يجمع بين هزار ونبيل، ليتحرّرا بذلك مِن قيودِ وعوائق زواج نبيل بلورا، وبالتالي يتمكن نبيل وهزار أن يعيشا أمل الارتباط الأبديّ بينهما، ذلك الارتباط المنشود الذي لم يتحقق ولم تكتب له الحياة، لتتعرّى بهذا كلّ الحقائق، ولتنتشر رائحة هذا الزمن العاري مِن الحريّة، والمطليّ بالقيود والأغلال الحياتيّة على مختلف الصّعدِ والمستويات.
وفي مداخلة د. بطرس دلة ووجدانيّات الشاعرة الروائيّة هيام قبلان في رائحة الزمن العاري قال:
هذه الرّواية محاولةٌ أولى مِن نوعِها تكتبها الشاعرة والأديبة هيام مصطفى قبلان، فتفاجئُنا بروعةِ الأداء، وبلغةٍ شاعريّةٍ تليق بها كشاعرة مرهفة الحسّ، انّها جريئة تدافعُ فيها عن حقّ المرأة في الحياة، حياةِ الحريّة في مجتمع ذكوريّ يغتالُ الأنوثة دون أن ترمشَ له عين، فيغصبُها والدُها المتجبّرُ بالزواج مِن ابن عمّها الذي لا تحبّه، حيث الوالد يلجأ إلى العنفِ الجسديّ لترضى بقرارِهِ الجائر، فيحطّمُ كبرياءَها وأنوثتها، وتحاولُ جاهدةً شرعنةً حقّها في العيش مرّتيْن، أي العيش مِن جديدٍ وبحريّةٍ مع مَن اختارَهُ قلبُها.
هذا المجتمعُ الذي يدوس المرأة بقدميْه، عليها أن تدوسَ قلبَها وأن ترضى بابن عمّها حسبَ التقاليد البالية، فحبيبُ القلب الذي غابَ عن القرية سنواتٍ عديدة، وعاشت ذكرياتِ الشّباب وذكراها عندما كان زوجُها ابن عمها يحتلُّ جسدَها، بينما روحها تطيرُ وتحلّق في فضاءٍ آخرَ لتصلَ إلى "نبيل" حبيبها، ها هو الآن يظهرُ مِن جديدٍ، تلتقي بهِ في مكتبةِ القرية، وقد خطّ الشّيبُ رأسَهُ وبدَتْ بعضُ التّجاعيدِ في محيّاه، فهل الحبيبُ ليعيشَ معها حلمَها مِن جديد الذي كانت تحلم به منذ سنوات؟
نثرًا أم شِعرًا:
الأرض والوطن السّليبُ هما رمزُ لعذريّةِ بطلة الرّواية "هزار"، فاختارت المؤلّفة حادثًا أوْدى بحياةِ الزوج "كريم"، لتنطلقَ الزوجة الأرملة سابحةً بأحلامِها، تعيشُ ذكرياتِ حبِّ صباها مع البطل نبيل، لكن مِن جهةٍ أخرى يقفُ أمامَ حرّيّتها مانعان: الأخ " نزار" الذي ورث عن أبيهِ عصبيّته وعنجهيّتَهُ وعنفوانَهُ وأفكارَهُ الرّجعيّة بالنّسبةِ لحرّيّةِ الأخت، ومعهُ يقفُ المجتمع الذكوريّ، الذي لا يرحمُ الأرملة ويُحصي خطواتِها وكافة حركاتِها. كذلك الأخت "دلال" تنتحرُ بسبب الضغوطِ العائليّةِ والمجتمعيّةِ، وهنا تعيشُ البطلة تمزّقًا داخليًّا وصراعًا مريرًا، فتصرّحُ في رثاءِ أختِها مِن خلال موقفِها مِنَ المجتمع في مقطعٍ وجدانيّ هو أقربُ إلى الشّعر منهُ إلى النثر ص 20:
"لم أطلق صرختي أمامهم، ولم اقترب من جثمانك الغافي في ملكوت سكونه، لكني عايشت انين افنفاسك القاتل بدمع صامت، وانت تودعيت نور الشمس وغبار الثريا، ومقعدا هزازا كانت جدتي قد تركته في متحف الحديقة، عند احواض الحبق لفظت زفراتك الاخيرة وعطرَ انفاسك، ودون استئذان من توسلاتي اسلمت صرّة الروح لقراصنة الرحيل، رحيلك يا توام الروح باغتني حين حل فجاة في غفلة من توقعي!
بعد الاعتداء على الشرف:
بطلة الرّواية بحادثِ اعتداءٍ مِن قِبل الجنائنيّ الذي استدعَته ليعمل في حديقةِ المنزل، ولمّا كانت تستحمّ فتحَ بابَ الحمّام عليها فجأةً، وهاجمَها بقوّتِهِ وبعضلاته المفتولة، لم تستطعْ و"ما أنقذَها منه سوى يدُ ابنةِ الجيران، حين امتدّت تقرعُ ٱلبابَ بطفوليّة هاتفة ص 24: "خالتي "هزار".. أريد أن أستلفَ قليلاً من الطّحين! ولاذ الجنائنيّ بالفرار" . في هذه اللحظاتِ القاسيةِ وبعدَ أن نجحتْ بمنعِهِ مِن أن ينالَ مبتغاهُ منها، كانت تفكّر بالحبيب "نبيل" الذي هاجرَ إلى الخارج بعدَ زواجها مِن كريم، فهل ستتصرّفُ معه كما الآن مع الجنائنيّ؟
في مجتمعِنا العربيّ اليوم تُقتلُ الفتاة التي تخطىءُ وتبيعُ شرفَها في نزوةٍ عابرة، فهل كانَ أجدادُنا أكثرَ وعيًا وأبرعَ حنكة؟ في القديم كانوا يعالجونَ موضوعَ الحفاظِ على الشّرفِ بفِكرٍ منفتحٍ أكثر ممّا نعالجُهُ نحن اليوم، فقد كان شيخ القبيلة أو أيُّ رجلٍ كريم يكتبُ كتابُهُ على مَن ترتكبُ مثلَ هذه الخطيئة إلى أن يُزوّجَها مِن أحدِ أفرادِ القبيلة، لكن في الوقتِ نفسِهِ لا يجامعُها، لأنّ زواجَهُ منها يكونُ لحمايتِها مِن نقمةِ الأهلِ والقبيلة، وقد يكتفي الشيخُ بأخذِها إلى بيتِهِ دون كتابِهِ عليها، ويتحايلُ على تزويجِها مِن أيِّ رجلٍ في القبيلة.
أمّا القتل كحجّةِ الدّفاع عن شرفِ العائلة فلم يكن واردًا بالحسبان، فهل يتعلّمُ مجتمعُنا حكمة الشيوخ هذه؟ ولو عدنا إلى علاقةِ هزار بنبيل لوجدنا أنّ هزار لم تسمحْ لنبيل أن يلامسَها، مع أنّهُ احتضنَ يدَها ولامسَ شعرّها، إلاّ أنّها لمّا مرّت بتلك التجربةِ القاسيةِ مع الجنائنيّ فقد امتنعت عن الاتصال بنبيل جسدًا، لأنّها كانت تخافُ مِن تكرارِ أزمةِ الاغتصاب وما ترَكته مِن أثرٍ في نفسِها، وتخافُ مِن عودةِ ابنتِها سمر فجأة مِن الجامعة، وتخشى مِن ظهورِ أخيها نزار فجأة، وتخافُ مِن الفضيحةِ في مجتمعٍ لا يرحم إذن؛ فلتكبت مشاعرَها وأحاسيسَها، فهي تفتقدُ لحرّيّة التصرّفِ بجسدِها وبما لهذا الجسدِ مِن حقوق عليها، وقد ضربت بأشواقِها المكبوتة طوالَ سنين، ولكن؛
ومع أنّه "تزوّجَ نبيل، وما زلتُ أفتّشُ في حَناياه عن عطرِ امرأة.. شوقِ أنثى! ص 34.
وعندما تعودُ بذاكرتِها كيف أجبرَها والدُها على الزواج ممّن لا تحبّ، وحرَمَها الزواج مِن حبيب القلب فهي تعود تخاطبُ أباها ص 36: "صَدَقْتَ يا أبي.. منذُ أيّامٍ ٱستسلَمْتُ لِحُلْمي، وأرَدْتُ رَمْيَ وصيّتَكَ.. أردتُ أن أعاقِبكَ لأنّكَ سَلَبْتَ منّي مشاعرَ ٱلأنثى.. والآن ها أنا ألجَأُ إليكَ.. بحقِ السَّماء قلْ لي.. هل بإمكاني أن أطردَ حلمًا اخترقني، ويتجسَّدُ فيَّ، ويتَنَفَّسُهُ جلدي حتّى ٱلنّخاع؟ كيفَ لي أن أُقاوم؟!
صراع مع الذات والنتيجة:
على الرغم من تساؤلاتها الكثيرة وتردّدها في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، حيث كانَ عليها أن تتخذ قرارًا، وتُحدّدَ فيهِ نوعيّة العلاقة مع الحبيب العائد. ما يقضّ مضجعَها أكثرَ مِن غيرِهِ مِن أسباب؛ خوفها مِن دوْرِ أخيها نزار الذي تُظهرُهُ بمظهرِ العميلِ للسّلطة، والإنسان الذي لا ضميرَ عندَهُ، ومستعدّ أن يُقدّمَ أيّ تقريرٍ سلبيّ عن فلان للسّلطة الأمنيّة (الشّين- بيت) وليكن ما يكون، وهو شابٌّ مليءٌ بالحيويّةِ والنشاط ورجعيٌّ في آنٍ واحد، حيث نشأ وترعرعَ في بيتِ عميلٍ هو الأبُ المُعادي حتى لحرّيّةِ أهل بيته، إذن؛ هي تُعاني مِنَ التمزّق الدّاخليّ، فجسدُها له حقوقٌ عليها وهي تريدُ حياة الحرّيّة خاصّة بعدَ موتِ الزوج، وتريدُ أن تعيشَ حياتها الثانية بطريقةٍ أفضلَ مِن الطريقةِ الأولى في الحياة، وتعيشُ الأملَ في علاقةٍ محترمةٍ تحميها مِن الفضيحةِ أمامَ المجتمع، فتناجي نبيل بكلماتِها الشّاعريّة المُعبّرة عن أحاسيسِها تجاهه ص 41:
"كم اعتراك الوجلُ في غربتِكَ؛ غربة الوطن والنفس/ وُلدتَ غريبًا.. وسافرتَ غريبًا.. وعدتَ غريبًا/ أيُّها الغريب.. على تراب أرضك يناديكَ فؤادي عارِيًا إلاّ منكَ.. ترجَّلْ كما يترجَّلُ الفارس عن صهوة جواده! لم يبقَ لنا غير سرج الأماني، فهل ستعتليه ثانية وتغادر"!
تعيشُ صراعًا داخليًّا والقلبُ يقولُ نعم لتجدّدِ الحبّ والحياة! والمنغِصّاتُ والمجتمعُ والموانعُ كلّها تقولُ لا؟ ماذا عليها أن تفعلَ، هي تعي أنّ أخاها نزار يقفُ لها بالمرصاد ولن يتردّدَ عن قتلِها بادّعاءِ الدّفاع عن شرف العائلة، أيّة سخافةٍ هذه التي يؤمن بها مجتمعُنا عندما يبحث عن شرفِ العائلة بين فخذيّ امرأة؟
مع الفنان أدهم كانت لها تجربة تستحقّ التوقّف عندها، لنكتشفَ ماذا أعدّت الكاتبة هيام للبطلة هزار، فهل ستجنّبُها محاولات أخرى للتحرّش بها جنسيّا، أم سوف تجعلها تعبُّ مِن حياة الجنس لتشبعَ رغباتها الجنسيّة؟
أدخلت شخصيّة جديدة إلى حياةِ هزار هي شخصيّة الفنان الرّسّام أدهم الذي رسمَ لها لوحةً بكلّ تفاصيل وجهِها أثارت دهشتها، وجعلتها تنهارُ أمامَ رجولتِهِ ص54:
"وكأنّها ٱلمرّة ٱلأولى ٱلّتي تراهُ.. تأمّلته، ورأت نشوة في عينيْهِ غابت عنها عمرًا؛ نشوة ٱلشّباب ٱلضّائع، وفي شفتيهِ رجفة ظمآى! أحسّت بصخب أنفاسِهِ يلفّ وجهها، ويعانِقها.. لمْ يعد لونُ ثوبها أرجوانيًّا،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.