اسفرت الحرب الدائرة في اليمن منذ 7 سنوات عن أزمات إنسانية في أكثر من اتجاه. وفي ظل استمرار هذه الحرب فإن تبعاتها الإنسانية في تصاعد. ارقام تشير الاحصاءات الأولية للأمم المتحدة إلى سقوط أكثر من 330 ألف قتيل على الأقل وعشرات الألاف من الجرحى والمصابين على جانبي النزاع بينهم عدد كبير من المدنيين، أطفالٌ ونساءٌ ورجال. كما أدى اشتداد المعارك إلى نزوح وتشريد الملايين داخل البلد وخارجه فبحسب برنامج الاوتشا وصل عدد النازحين إلى 4 مليون نازح وعدد اليمنيين الذين يحتاجون إلى مساعدة 20.7 مليون إنسان بينما بلغ عدد الأشخاص المحتاجين للمساعدة بشدة 12.1 مليون انسان. في ذات الوقت أكدت تقارير لمنظمة "أطباء العالم" على لسان جان فرنسوا كورتي مدير العمليات بالمنظمة ان 15 مليون شخص لديهم "حاجات إنسانية كبيرة"، من بينهم 2.5 مليون نازح داخل اليمن و250 ألف لاجئ يمني في جيبوتي والصومال. وقالت دراسة ميدانية نفذها فريق تابع لمؤسسة قطر الخيرية لتحديد الأضرار الناتجة عن الأزمة اليمنية والأثار الإنسانية، إن 82% من الشعب اليمني بحاجة ماسة إلى المساعدة، خصوصا في قطاعات هامة كقطاع المياه والأغذية والتعليم والصحة التي تتطلب ما لا يقل عن 2.450 مليار دولار للتغلب على احتياجاتها الإنسانية. "الأمن الغذائي " وقال برنامج الأغذية العالمي إن الأمن الغذائي لنحو 1.3 مليون يمني نزحوا داخليا في خطر. وقدر البرنامج أن عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي بلغوا نحو 13 مليون يمني، بينهم ستة ملايين بحاجة ماسة لمساعدة خارجية. هذه الأرقام دفعت بالكثير من المهتمين بالجانب الإنساني إلى إطلاق مبادرات سواء من خلال جهود الأممالمتحدة ومبعوثيها إلى اليمن أو عبر المنظمات التابعة لها المهتمة بالشؤون الإنسانية. اربعة مبعوثين أرسلت الأممالمتحدة اربعة مبعوثين خاصين للمساعدة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإطلاق مسار حل سياسي للنزاع في اليمن كان اولهم المغربي جمال بن عمر (2011 - 2015) ثم الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد (2015 - 2018) تلاه البريطاني مارتن غريفيث 2021م، وبدأ المبعوث الرابع "هانس غروندبرغ " عمله خلال الفترة الأخيرة. وكانت الأممالمتحدة رعت ثلاث جولات رئيسية من مشاورات السلام اليمنية جرت في كل من جنيف ثم بيل السويسريتين فالكويت، وقد فشلت جميعها باستثناء نجاح شكلي لجولة رابعة في ضواحي ستوكهولم تركزت على تجنيب مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة عواقب هجوم لقوات التحالف أواخر العام 2019م. وشهد النزاع على هامش هذه الجولات جهوداً ومساعي إقليمية ودولية عدة لم يكتب لها النجاح منها محاولة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري لإعادة ترتيب تنفيذ أولويات القرار الدولي الشهير 2216 الصادر في إبريل نيسان 2015 أو من خلال المبادرات الإقليمية التي بدأت من الكويت وتبعتها مبادرات سلطنة عمان بهدف وضع نهاية للحرب اليمنية. نجاحات جزئية وأهداف طموحة المبادرات المحلية بدأت من خلال جهود فردية لشخصيات اجتماعية في إطار تخفيف العبء عن كاهل المواطنين بفتح الطرقات كما حصل في تعز خلال السنوات السابقة (منفذ غراب عبر شارع الستين غربي تعز) الذي استمر لفترة كمنفذ لدخول وخروج المواطنين وإدخال المواد الغذائية حتى اغلق عقب الاشتباكات في تلك المنطقة. جهود أخرى بذلت وتمكنت من فتح طريق الدمنة صبر الأقروض "المسراخ" الذي استمر كمنفذ رئيسي حتى الآن إلا أن الجهود المحلية لم تتمكن من فتح طريق الحوبان الذي يعد أقرب طريق للمدينة بسبب حسابات عسكرية لطرفي الصراع، غير ان هذه المبادرات نجحت في تنظيم عمليات تبادل للأسرى بوساطات محلية وقبلية. حول هذا الموضوع يقول الاستاذ عبد اللطيف المرادي أحد الوسطاء المحليين واحد من يقودوا مبادرات محلية في هذا الشأن بمحافظة تعز " الجهود المجتمعية والمحلية التي تقودها شخصيات اجتماعية من الطرفين تمكنت خلال السنوات السابقة إطلاق 750 اسيرا من الطرفين. كما اثمرت الجهود قبل ايام قليلة عن إطلاق 200 اسير من الطرفين. ليصل عدد الأسرى المفرج عنهم 950 اسيراً " وعن دور المجتمع المحلي في دعم هذه الجهود قال المرادي: "هذه المبادرات لاقت دعم محلي ومجتمعي من الطرفين" كما ان القيادات العسكرية تبدي تعاون كبير في تسهيل مهام هذه المبادرات". وحول إمكانية تطوير هذه المبادرات إلى مبادرات ضاغطة لوقف إطلاق النار والدخول في حوار شامل قال:" نأمل أن تتحول المبادرات المحلية بشكل عام إلى أدوات ضاغطة للقبول بوقف إطلاق النار". المبادرات المحلية شهدت خلال الفترة الأخيرة تطورا ملحوظا من خلال دخول شخصيات سياسية وأكاديمية على الخط وإطلاق مبادرات جديدة منها مبادرة التحالف المدني للسلم والمصالحة الوطنية، الذي يضم في عضويته الاتحادات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات العامة. واقامت المبادرة لقاءات حوارية مع قيادات سياسية من الطرفين ولقاءات فكرية بهدف الوصول إلى رؤية واقعية للحل. المبادرة الوطنية للتحالف هدفت لإيقاف الاقتتال وتحقيق المصالحة الوطنية، وشددت المبادرة على ضرورة وقف مختلف أشكال الاقتتال والحرب بما في ذلك وقف إعلام الكراهية امتثالا لحرمة دم المسلم على المسلم ودرءا للفتنة. وشهدت العاصمة الأردنية عمان يومي 1و2 سبتمبر 2021وبدعم من الاتحاد الأوربي اجتماعا ضم قيادات من المجتمع المدني والقطاع الخاص حول بناء السلام المحلي في تعز الاجتماع ناقش الوضع الحالي في تعز واستعرض الجهود التي بذلت منذ العام 2015م للتخفيف من المعاناة الإنسانية، وتضمنت تلك الجهود المبادرات والحملات التي تركزت حول فتح الطرق وتيسير تبادل الأسرى وتعزيز التماسك الاجتماعي وتم صياغة عدد من المبادئ التي سيعمل عليها المجتمع المحلي لمعالجة أكثر القضايا والمشاكل إلحاحًا والتي تواجه المدنيين في تعز. من ضمن المبادرات الداعية للسلام أيضا تم الاعلان عن تأسيس تجمع اليمن للسلام والتنمية بتاريخ 22-4-2021 من مدينة عدن، يدعو لإيقاف الحرب واحلال السلام ويعمل هذا التجمع من خلال التنسيق مع كل دعاة السلام في اليمن. مبادرة حركة وعي الوطنية لإحلال السلام في اليمن التي اسسها المستشار د. مصطفى خالد والتي تدعو الى ايقاف الحرب واجراء مصالحة وطنية تحتكم للحوار وحقن دماء اليمنيين والتزام كافة الاطراف بإطلاق الاسرى والمعتقلين واعادة فتح الموانئ والمطارات والطرقات وتسليم المرتبات وايصال المساعدات للناس. وتكمن أهمية المبادرات المحلية في تحقيقها نجاحات صغيرة على أرض الواقع فعلى سبيل المثال تستمر اتفاقات تبادل الأسرى التي ييسرها ويتوسط فيها وسطاء محليون من تعز، وعلى الرغم من صغر حجم تلك التبادلات إلا انها أسفرت عن إطلاق سراح مئات السجناء ما أدى إلى تغيير حياة عشرات الاسر.