يقول الكولونيل روتير في كتابه (رحلة من تفليس إلى استانبول): "لقد رأيت بأم عيني إعدام عبدالله بن سعود، رئيس الوهابيين الذي قتلوه في ساحة آيا صوفيا مقابل قصر حدائق السراي، وأن الترك وضعوا رأسه بعد قطعه في فوهة مدفع ورموها وأما جسده فعلقوه على عامود وبسطوا عليه قطعة قماش كتب عليها تركيا فوق الجميع، وثبتوه بخنجر"، وقد أعدم رفاقه في نفس اليوم في أماكن متفرقة من استانبول في شهر نوفمبر 1818م . ذلك كان هو الهلاك الأول لدولة البغي والفجور السعودي. ومثلما كان الهلاك الأول بسبب البغي فإن الهلاك الثاني سيكون أيضا بسبب البغي والطغيان، والذين لم يروا بغي آل سعود الأول بل سمعوا عنه فليروا البغي الثاني على شعب اليمن الضعيف وكيف قادوا عليه تحالفهم وحاصروه ودمروا كل مقدراته وقتلوا أطفاله ونساءه وشيوخه ولا يزالون في ظل صمت عالمي من قبل حلفائهم والمنظمات الدولية التي اشتروها بأموال نفط المسلمين.. الفارق الكبير بين الهلاكين هو أن الهلاك الأول جاءتهم به قوة إمبراطورية عظمى دخلت عليهم للدرعية عاصمة ملكهم وجعلتهم يدمرون بأيديهم كل قصورها وتحصيناتها، أما الهلاك الثاني فقد جاءوا إليه بأنفسهم، إلى شعب ضعيف وفقير ليس معه ما يخسره إلا فقره وضعفه وسينصره الله عليهم بعد أن بلغ البغي منتهاه.. وحين يغزو قرن الشيطان اليمن، وفي اليمن بأس شديد شهد به الله "نحن أولو قوة وأولو بأس شديد"، وفي اليمن إيمان شهد به رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وفي غلمان آل سعود بغي وفسق وفجور، حين يلتقيان يعلم الجميع لمن ستكون الغلبة خصوصا وأنهم قادوا أنفسهم إلى مصارعهم ولم يقُدهم أحد وغزوا بلاد التبابعة ولم تغزهم واقتطعوا أرضهم ولم يقتطعوا منهم أرضهم وأرادوا إذلال رموزهم وقادتهم ولم يرد اليمانيون إذلالهم.. وسيرى الجميع لمن يكون النصر غداً. **** قام البريطانيون حين تأسست دولة آل سعود الأولى بإيجاد أسرتين إحداهما للزعامة الدينية وهي أسرة محمد بن عبدالوهاب وأخرى للزعامة الدنيوية وهي أسرة آل سعود، وقد مكنتهما من السيطرة على أجزاء كبيرة من نجد والحجاز حتى هيمنا على الحرمين الشريفين ومارسا أفظع الوسائل لقتل المؤمنين الموحدين بحجة الشرك والبدع، وعندما استشرى خطرهم وبدأوا يقطعون طريق الحجيج ويصادرون أموالهم ويسومونهم العذاب ويفتنونهم في دينهم (كشفت الوثائق البريطانية حقائق الدور البريطاني في فساد هاتين الزعامتين وفضائحهما وأهمها مذكرات الجاسوس همفري).. بعدها بعثت لهم السلطنة العثمانية جيشا من مصر بقيادة إبراهيم بن محمد علي باشا حيث حاصرهم حصارا قاسيا في الدرعية استمر نحو العام وأسر أميرهم عبدالله بن سعود الكبير وساقه إلى مصر ثم إلى الأستانة ليعدم هناك بعد التشهير به ثلاثة أيام كما أشرنا، وكان ذلك نهاية الدولة السعودية الأولى (1744-1818) وفسادها الذي امتد للعالم الإسلامي من خلال غلو المذهب الوهابي. وفي بداية القرن العشرين انتهضت الأسرة من جديد بقيادة المؤسس الأخير عبدالعزيز آل سعود وبدعم قوي من الإمبراطورية البريطانية ثم الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد أن ورثت بريطانيا وفي نطاق نفس التآمر على الإسلام والمسلمين، وصادف انتهاض ابن سعود الأخير بداية الحركة الصهيونية بقيادة هرتزل 1898وتطورت الحركتان تحت الرعاية الإمبراطورية البريطانية ثم أمريكا حتى استقرتا كدولتين، إحداهما تهيمن على الحرمين الشريفين وتبسط سيطرتها على أجزاء كثيرة من جزيرة العرب بعد أن اقتطعت أجزاء غالية من اليمن الكبير هي نجران وجيزان وعسير وصبيا والوديعة، بعد أن قادت حروبا انتهت بعقد اتفاقية الطائف 1934. والأخرى على فلسطين الغالية، وأصبح وجود آل سعود منذ نشوئها مصدر الشر للعالم الإسلامي ومصدر الحماية والدعم والتمويل للكيان الصهيوني.