حين أقبلت غربانهم تصب قذائف الموت واللهب، ظن الصغار أنك ستغور وسيأتي غلمان نجد كي يفرشوا على ترابك بسطهم ويتكئون.. وكأنهم لم يعلموا أنك أرض أمجاد التبابعة الأولى كانت نجد إحدى حظائر خيلهم ومراعي إبلهم في كل غزواتهم. يا وطن التبابعة العظام: مر عامان على حلفهم المشئوم وهو يرسل أسراب الموت كي تصبّ علينا الفناء صبّا، وتسحق العظم والحجارة، ورجالك ونساؤك وشبابك وكهولك صامدون تحت القصف والفناء والجوع والحصار.. والحجارة -حتى الحجارة- التي تحولت رماداً تقاوم الفناء وتعمي عيونهم فيك. نسي أعراب نجد أنهم يحاربون أولياء الله في يمن الإيمان والحكمة.. ونسوا أن نفَس الرحمن يأتي من تلقاء هذه الأرض المباركة، ونسوا أن هذه الوجوه المشرقة والهامات العالية محال أن تطأطئ لغير الله . عامان وهم يتسولون الزاد والسلاح والمقاتلين في كل قارات الدنيا وعند كل قوى الاستكبار في الأرض، ونحن نزرع لهم الفناء ونحصدهم به وتحت حصارهم المقيت نرسل لهم صواريخ الموت تدك وتزلزل عروشهم وحصونهم . لا نشكو همّنا وعناءنا وأسانا إلا لخالقنا، ولا نطلب من غيره النصرة.. وهم يركعون بين يدي كل طاغوت وصنم ليخلصهم مما هم فيه وينقذهم من صولة أهل الإيمان الحفاة العراة القليلي الزاد والمؤونة . كم أحببت فيك أمّي وكلّ عجائزك الطهر يا وطني.. أولئك اللواتي خرجن من كلّ بيت ليعلنَّ أنّك الأحبّ، وأنّ الوفاء لك واجب، وأنّ حفظك عهد وذمّة في كلّ قلب، وأن ما سواك مقيت.. كم أحببت شبابك الأُلي سروا كسريان الضوء في كلّ زاوية من زواياك يعلنون أنّك الأولى بالطاعة والرعاية والحب.. ويحبطون كيد الشيطان ووساوسه وفتنته وتخييلاته ويبذلون الروح والدم الغالي دفاعاً عنك . كم أراني حبّك شيوخاً خرجوا يتوكّأون على عصيّهم ليعلنوا أنّ الولاء لك بعد الله والبقاء والحب لك بعد الله.. ما كنت أحسب يا وطني أنّك تمتلك هذه الثروة الغالية وهذه النفائس من أبنائك رجالا ونساء وشبابا وشيبا.. فقهاء، علماء يكادون من فقههم أن يكونوا أنبياء.. كما أخبرنا خير خلق الله عليه أفضل الصلاة والتسليم.. أجل يا وطني، إنّ كلّ شيء أذهلني فيك ومنك.. يا مصدر عزي وفخاري.