كم مناليمنيين يعرف أن منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة أصدرت عُملة فضيَّة عليهاصورة الشاعر عبدالله البردوني في العام 1982م.. تكريماً له كأعمى تجاوز كلَّالمعوقات وجاء بما لم يستطعه أحد !! عبداللهالبردوني.. اسمه هكذا فقط دون أية ألقاب، لأنه كان فوق كلِّ لقَب، ولم يكن يحتاجإلى هذه الألقاب التي يحرص عليها المزيفون.. فقد كان يذيِّل مقالاته في صحيفة 26سبتمبر هكذا: (المواطن عبدالله البردوني). انتقل منالاسمية إلى العَلَمية، وصار اسم البردوني مقترناً باليمن مثل سدِّ مارب وعرشبلقيس وجبل نقم وشمسان وصهاريج عدن.. البردونيتجاوز معاصريه وأسلافه من الشعراء وأصبح مرحلة شعرية تؤرِّخ لأنموذج شعري جديد،وإن ظهر بالشكل التقليدي فللتأكيد أن الأشكال قابلة لاحتواء كل حداثة.. لأنه بدأبكتابة الشعر حين انطلقت أصوات الحداثة منادية بموت الشعر العمودي، فلم يكن لديهمن خيار سوى أن ينجرف مع هذا التيار أو يثبت أن القصيدة العمودية تتَّسع للحداثةأيضاً.. وقد فعل ذلك بما يفوق كلَّ تصوُّر. ويحضرني ماقاله عنه أحد النقاد العرب حين أجاب على سؤال حول البردوني فقال: الشعر العربيمرَّ بثلاث مراحل: قديم وجديد وبردوني. عبداللهالبردوني كان يقرأ ما حوله حين يكتب القصيدة، ويستنتج ما سيأتي، ويأتي الواقعمصدِّقاً لرؤيته التي كانت صافية كقلب الماء. أكثر منخمسة كُتب تم تأليفها حول تجربته الشعرية، كلها بأقلام عربية، وقد سألتُه ذات يومعن سبب انعدام الأقلام اليمنية في الكتابة عنه فقال لي: (المعرفة حجاب). كان يرى مالا يقدر أحد على رؤيته، رأى (وجوه دخانية في مرايا الليل) رغم فقدانه بصره، ورأى(رواغ المصابيح) رغم أن ذاكرة الضوء لم تكن لديه، وتخاطرَ مع (كائنات الشوق الآخر)رغم أنه كان يعيش في (زمان بلا نوعية).. أخبرني رحمهالله عن مشاركته في العراق في مهرجان المربد، حين ذهب إلى هناك للمشاركة في مهرجانالمربد بمناسبة مرور ألف سنة على وفاة أبي تمَّام.. بعد أن انتهى من إلقاء قصيدتهفي حضور أساطين الشعر وكبرائه جاءه نزار قباني وقال له : نعتذر يا أستاذ عبداللهلأننا قرأنا قصائدنا وأنت موجود.. فقال له البردوني: لماذا تعتذر !! قال له نزار:لأنك قلت كلما نريد أن نقوله ولم نقدر.. فسأله البردوني من أنت !! قال أنانِزار.. فقال له البردوني : قل نَزَار وليس نِزار.