كانت المساجد ينبوعاً من ينابيع الحياة، لكن الطائفية حوَّلتها إلى بؤرة من بؤر الموت.. كلُّ طائفة تريد أن تسيطر على المسجد لتسوِّق أفكارها ومذهبها، وهناك من يستخدم المسجد والمنبر لأغراضه الشخصية، ولجمع التبرعات ولإرهاب المخالفين لمذهبهم بالنار وعذاب القبر. في الأول من رمضان قُتل شاب في مسجد الريان ب"نُقم"، لمجرد أن أشخاصاً متشدِّدين اختلفوا حول من يصلي بهم التراويح، فكان هذا الشاب ضحية لهذا الاختلاف. هل بالضرورة أن تُقام صلاة التراويح حتى وإن كان المقابل إزهاق روح!! وهل بالضرورة أن نتقاتل عليها كلَّ عام، فقائل بضرورتها لأن النبي صلى الله عليه وآله صلَّاها، وقائل بوجوب تركها لأن النبي تركها.. العام الماضي تقاتل المصلُّون في المسجد القريب مني، فمنهم من قام بقطع أسلاك الكهرباء عن المسجد، ومنهم من قام بتكسير المايكروفون، كلُّ هذا حدث داخل المسجد دون مراعاة لحرمة بيت الله. وزارة الأوقاف بإمكانها أن تحسم الأمر وتصدر "فرماناً" يسمح بأداء التراويح لكلِّ من أراد أن يصلِّي، شريطة أن يقوم إمام الجامع بفصل المايكروفونات الخارجية والاكتفاء بالسماعات الداخلية، كي لا يشغلوا من هم خارج المسجد، وهذا حلٌّ توافقي يتيح الصلاة لمن أراد، ولا ينزعج منها من لا يريد. كيف يتعايش الناس في دول أوروبا وهم من ديانات مختلفة، وكثير منهم ليس له أيُّ دين.. ونحن لم نستطع أن نتعايش مع بعضنا رغم أننا جميعاً مسلمون، ندين بدين واحد، ونعبد رباً واحداً، ونتبع نبياً واحداً!! يأتي رمضان ليعمر المسلمون مساجد الله، ونحن يأتي عندنا لنتقاتل في المساجد وننتهك حرماتها، وكلٌّ منا يدَّعي أنه على الصواب وما سواه باطل. أخيراً، رحم الله المتنبِّي الذي قال: إذا رام كيداً بالصلاة مقيمها فتاركها عمداً إلى الله أقربُ.