اليسار في اليمن كان ولم يزل يساراً حزبياً ينظر الى العالم وإلى الحياة والأشياء بعيون الحزب . لذلك فإن اليساري اليمني ، اليساري الحزبي ، لا يرى أبعد مما يراه حزبه ، وهو لا يستطيع أن يقف أبعد من موقف الحزب . اليسار وعي متجدد ، وانسلاخ مستمر ، وانشقاق دائم للوصول إلى رؤية مغايرة لرؤية الحزب ، المعارضة إلخ . واليسار في اليمن وعي متخثر ومتجمد لم يزل ينظر إلى العالم من خلال تلك الثنائية المبسطة التي تعلمها الحزبيون اليساريون في مدارسهم الحزبية والقائمة على الصراع بين الأضداد وبين الأقطاب : الخير والشر، النور والظلام ، الفقير والغني ، المظلوم والظالم، السلطة والمعارضة ..إلخ حيث المطلوب منك أن تنحاز وبحماس لطرف ضد الآخر. اليسار ليس انحيازاً أعمى، ولا هو انحياز عدائي، ولا هو كذلك مجرد حماس ثوري ولكنه انحياز شبيه بانحياز النحلة .. فمن طبع النحلة أن تنحاز للعسل وليس لهذه الزهرة أو تلك . اليساري ينحاز للضوء ولا يكره الظلام ينحاز للربيع ولا يكره الشتاء ينحاز للوردة ولا يلعن الشوكة ينحاز للنهر ولا يحتقر البرِكة ينحاز للجمال ولا يضيق بالقبح ينحاز للحلم ولا لايتنكّر للواقع ينحاز للمتعبين وللفقراء ولا يحقد على المترفين والأغنياء ينحاز للمظلومين ولا يكره الظالمين ينحاز للمغلوبين ولا يكره المنتصرين ينحاز للأقلية وهو ليس ضد الأكثرية. اليسار انتماء دون تحزّب ، وانحياز دون كراهية أو تعصب. اليسار والحزبية لا يجتمعان ولكنهما في لحظة ما قد يتقطعان. اليسار هو أن تقف على يسار حزبك اليساري.. لكن حزبك أول من يدينك لكونك وقفت على يساره .