دماغ الإنسان معقد وهو بالقدر نفسه مدهش. أناسٌ كثر يعيشون حياة طبيعية، ولكنهم يملكون وبشكل خفي رهاباً كبيراً، يظهر على نحو مفاجئ وعشوائي، وفي الوقت غير المناسب. الرهاب هو خوف غير عقلاني في شدته أو ماهيته، يرتبط بجسم أو فعالية أو حالة معينة، يسبب التعرض له القلق والرعب الفوري. بالإضافة إلى أنواع الرهاب الكثيرة، انتشرت في الشرق الأوسط أنواع غريبة من الرُهاب، ترتبط بأهوال الحرب ونتائجها، وغالباً ما تسبب للأشخاص المصابين بها آثاراً سلبية. ينتشر هذا الرُهاب اليوم في بعض دول المنطقة. لا يشعر المصابون به بالأمان إلا إن وجدوا تحت سقف أو في مكان مغلق، ويعيشون حالة قلق مستمرة إذا ما كانوا في أماكن مفتوحة، ويسبب هذا الرُهاب الذعر من أي صوت أو "صفير" يشبه صوت قذيفة الهاون. وهو مرتبط بالتنظيمات الجهادية. ينتشر في المناطق القريبة من مناطق سيطرة هؤلاء، ويدفع بالكثيرين إلى هجرة منازلهم والانتقال إلى مناطق بعيدة. يُعزا سببه إلى الأخبار المتناقلة عن وحشية هذه التنظيمات، إضافة إلى المواد المصورة التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي حول قيامهم بالقتل والذبح وقطع الأعضاء والرجم. بالإضافة لانتشاره في مناطق من الشرق الأوسط، وتحديداً في العراق، ينتشر أيضاً في أوروبا والولايات المتحدة، ويكوّن عند المصابين به هاجساً من الحقائب، علب الكيك، أكياس القمامة أو أي شيء مثير للشبهات مرمي على قارعة الطريق، فضلاً عن الهاجس الأكبر من السيارات المفخخة وأصحاب اللحى الطويلة. تراهم يتجنبون العبور بجانب المقار الأمنية والحكومية وتجمعات القوات التي من الممكن استهدافها، ويترجم هاجس قلقهم بالركض والصراخ وتحذير الناس حال رؤيتهم ما يثير خوفهم. يدفع هذا الرهاب المصابين به إلى الاختباء في الزوايا وتحت الطاولات والأسرّة حال سماعهم صوت الطائرات الحربية، ويترجم أحياناً بحالات هلع وصراخ، وينتشر عند الأطفال والنساء. يخشى المصاب بهذا الرهاب عبور الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش. الارتجاف وزيادة خفقان القلب أبرز آثار الإصابة به، وتظهر عادة إذا ما طُلبت البطاقة الشخصية من المصاب به أو عند عبور الحواجز العسكرية. تنقلات المصابين بهذا الرُهاب قليلة، ويتجنبون السفر براً. أغلب المصابين برهاب اللحى يكونون قد تعرضوا لحادثة مؤلمة ترتبط بهذا المسبب، كأن يكون للمصاب ضحايا في هجمات لمتشددين أو عصابات وأفراد ذوي لحى طويلة، أو لأنه كوّن صورة نمطية عن الرجال الملتحين، وفي بعض الأحيان يكون عدم ظهور اللحية بشكل كاف عند بعض الشباب سبباً لذلك، وقد تم اكتشاف هذا الرهاب عام 1850. هنالك رُهابات أُخرى غريبة ترتبط بحياة الإنسان اليومية، فعلى سبيل المثال، ثمة من يفقدون السيطرة على مقود سيارتهم فجأة بعد أن يظهر أمامهم جسر مرتفع، لأنهم يعانون من رهاب الجسور أو غيفروفوبيا "Gephyrophobia”. من أبرز هذه الرهابات: الخوف من الشفرات، الخوف من التقطيع، التشريح، القص، أو ربما من أن يأتي شخصٌ تكرهه ويقوم بتقطيعك على "دفة الفرم"، الأمر مخيف بالنسبة لكثيرين، لذا يحرصون على صنع "سندويشاتهم" من الشوكولا أو الزبدة بالملعقة، واستخدم الطريقة التقليدية لقص الورق والخيطان. هذا الرُهاب ينبع من قلق فقدان السيطرة، أو عدم القدرة على الاستيقاظ من جديد، وربما من الحاجة الماسة لاستهلاك ساعات يقظة أكثر، أو التفكير بأمور مصيرية. قلة النوم قد تدفع لأمور ومشاعر خطيرة ومتهورة، وعندما تصل هذه الحالة إلى مرحلة الحرمان من النوم يبدأ المصاب بتخيل أمور غير موجودة. يعزو بعض الباحثين هذا الرهاب لوجود "وادي مخيف" لا يعلم أحد مكانه، يتجمع فيه المهرجون. الذين يعانون من هذا الرُهاب يخافون بشكل كبير من المهرجين. تصبح حياة المصابين بهذا الرهاب صعبة، في عالم متباين الألوان، فيتغير أسلوب حياتهم بشكل تام لتجنبها. وفقاً للإحصائيات، فقد تبين أن الأطفال هم الأكثر عرضة لهذا النوع من الفوبيا. غالباً ما يرتبط هذا الرهاب بأحداث مؤلمة في حياة شخص ارتبطت بالجحيم "جهنم"، إضافة لحالات مرعبة تعرض لها المصاب خلال فترة الطفولة. يدفع هذا الرهاب بالمصابين إلى تجنب الأماكن المرتفعة الحرارة المغلقة، أو مشاهدة النار المستعرة والحرائق. الذين يعانون من هذا الرُهاب يخافون من الكائنات التي تحتوي أجسامها على ثقوب الصغيرة أو ترتبط بها مثل حيوان الإسفنج أو النحل. وعلى الرغم من أنه لم يتم تسجيل هذا النوع من الرُهاب رسمياً ضمن الأنواع الأخرى إلا أنه يتم الإبلاغ عن الآلاف من الناس الذين يعانون من هذا الخوف. تتراوح أعراض هذا الرهاب ما بين الحكة في الجلد والغثيان والذعر. الذين يعانون من هذا الرهاب يملكون خوفاً كبيراً من الوقوع في الحب أو أن يكونوا محبوبين. بعض الباحثين ربط هذا الرُهاب بالخوف من الالتزام أو التعلق والخسارة. هو رُهاب منتشر بكثرة، يدفع صاحبه للشعور بالغثيان والتقيؤ، حين يجد شعرة عالقة في أسفل حلقه لسبب غير معروف، أو حين يعثر على شعرة في طعامه، أو حتى على حوض الحمام. أي الخوف من الأشخاص "الصلع"، إذ ارتبطت الشخصيات الشريرة في معظم الأفلام والمسلسلات بالرجل الأصلع. غالباً ما يتجنب المصاب بهذا الرُهاب الجلوس أو التعامل مع أشخاص صُلع، ويتجنب كلياً النظر في عيونهم. وهو رهاب يجعل المصاب به يخشى ملامسة الآخرين له، أي بمعنى آخر، يخاف من أن يحتل أحد ما حيزهم الشخصي، وخصوصاً إذا ما كان اللمس بشكل مفاجئ. هذا الرهاب يكثر بين الإناث في الشرق الأوسط. يقول الأطباء النفسيون إن تقنيات المعالجة السلوكية أثبتت فاعليتها في معالجة مرض الرهاب، عن طريق إضعاف عامل الخوف وذلك بجعل المريض يواجه العامل الذي يسبب له خوف تدريجياً. ولكن هذه الطرق لا تنفع في معالجة أنواع الرُهاب المرتبطة بالحرب وآثارها، فلا يكون أمام المصابين بهذه الأنواع من الرهاب سوى التعايش مع الواقع، بتجنب أي أماكن أو حالات تسبب لهم الخوف، أو عن طريق المغادرة إلى مكان أكثر أماناً.