بالأمس خرج علينا السيد "هيكل" ليُجهز على كل ما كان قد تبقى من رصيد تاريخه المهني والصحفي ، لا بل وحتى الأخلاقي ، حين أعلن وعلى الملأ بأن السيسي هو "مرشح الضرورة" ، واليوم يخرج علينا السيد "حمدين صبَّاحي" ليقدم أوراق ترشحه للرئاسة، في انتخابات أجمع عليها كل المنشغلين بالسياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بل وحتى الأميين والأطفال الصغار، بأنها محسومة سلفاً لصالح المرشح "الإله"، المنقذ والمخلِّص للوطن المشلول وللشعب "اللي اندحك عليه"، من قبل التنظيمات الإرهابية والجماعات التكفيرية التي كانت قد سرقت الثورة ووصلت إلى سدة الحكم - برأي الانقلابين ومن يدور في فلكهم أمثال "هيكل" و"صبَّاحي"- . ولأن تلك الجماعات – وبخاصة الإخوان المسلمين – كانت قد شكلت بوصولها إلى السلطة خطراً عظيماً يهدد أمن ومستقبل مصر" وأمن ومستقبل إسرائيل" معاً، فكان لابد من الوقوف في وجهها ، والعمل على محاربتها وإسقاطها ، ثم سجن قياداتها وأنصارها ، وإعلانها تنظيماً إرهابياً ، بل وحتى محوها من الوجود، في سلوك انتهازي و"نازي" لم تعرف البشرية مثيلاً له ، سوى في قاموس الانقلابيين بقيادة السيسي وبمباركة بعض السياسيين أمثال "هيكل" و"صبَّاحي". ولأن "صبَّاحي" صاحب شعار "واحد مِننا" الشهير، هو بالأصل "واحد منّهم"- أي الانقلابيين- ، فقد انقلب على هذا الشعار بسرعة البرق بمجرد فوز مرسي بالرئاسة آنذاك، ولم يستطع الصمود يوماً واحداً ، فالطبع غلب التطبع ، وحقده الدفين للإخوان وللإسلاميين عموماً ، جعله واحداً من أهم الرموز السياسية التي دعمت الانقلاب وبقوة، وكأن لسان حاله يقول: فلتذهب مصر بأكملها إلى الجحيم .. أهم شيء ألا يحكمها الإخوان حتى وإن اختارهم الشعب وأتت بهم صناديق الاقتراع عبر انتخابات حرة ونزيهة ، فهؤلاء ليسوا بشراً وليسوا مصريين "وهمَّ شعب وإحنا شعب" بمنطق الإنقلابيين ومن يدعمهم ك "هيكل" و"صبَّاحي". ربما كان من محاسن الانقلاب – إن جاز لنا أن نطلق عليه هذا اللفظ - فهو أنه فضح هؤلاء على الملأ، وأظهر حقيقتهم للذين كانوا لا يزالون منبهرين ومخدوعين بمثل تلك الشخصيات التي نعرف تاريخها جيداً، والتي لم تلتقِ في يوم ما على شيء كالتقائها في الحقد على الإخوان المسلمين، بل والحقد على كل ما هو ذو طابع إسلامي، وأتساءل .. لمَ كل هذا الحقد الدفين؟! .. الخارج عن كل معطيات العقل والمنطق، وكذا الحسابات السياسية المتوازنة؟! ولا أجد إجابة ..!! وقد أتفهم جيداً أن تختلف مع الإخوان أو غيرهم في الجانب الفكري أو في الرؤى والبرامج السياسية ، وأن تتنافس معهم في الوصول إلى السلطة عبر مسار ديمقراطي أنت تدعيه أصلاً ، لكنني لا أفهم لماذا تعاديهم كل هذا العداء، ولماذا تحقد عليهم كل هذا الحقد، لدرجة أنك تريد تصفيتهم ومحوهم من الوجود، إذا كنت تؤمن فعلاً بفكرة التعايش ، وتُنظِّر للديمقراطية ليل نهار. أدعوا السيد صبَّاحي – لا أقول إلى احترام عقول جمهوره ومناصريه، فهو لم يعد له جمهور بتقديري الشخصي– لكنني أدعوه لأن يحترم ذاته هو، فلا يوجد سياسي عاقل يحترم ذاته وكذا تاريخه السياسي – إن كان له تاريخ سياسي بالأصل - ، أن يخوض معركة انتخابية محسومة سلفاً في ظل انقلاب عسكري مكتمل الأركان ، إلاّ إذا كان ذيلاً تابعاً لقائد الانقلاب، بل وجزءً أصيلاً من الانقلاب منذ يومه الأول وهو الآن يلعب دور "الكومبارس" ليس أكثر. من المفترض بعد كل تلك الأحداث التي توالت منذ اليوم الأول للانقلاب وحتى اليوم، أن يكون الشعب المصري – وبخاصة من غُرر به في ال 30 من يونيوا من العام المنصرم - قد وعي الدرس وعرف من هم أعداءه الحقيقيون الذين سرقوا ثورته وأحلامه ، ومن هم الذين دفعوا - ولا يزالون- الأثمان الباهظة في سبيل نهضته وتقدمه، وكذا نيل حريته وكرامته، ومن ثم يقوم بدوره الذي يتوجب عليه القيام به وهو النزول إلى الشوارع والالتحاق بركب القوى الثورية الرافضة للانقلاب التي تجوب الشوارع والأزقة بشكل سملي ليل نهار، ما لم فعليه أن يتحمل تبعات المرحلة المقبلة، والتي لا شك بأنها ستكون حالكة السواد، طالما بقيت مصر بأكملها تحت قبضة العسكر.