كانت تتمتع بصحة جيدة جدا منذ ان وطئت قدميها هذه الارض الطيبة وهذه البلدة المباركة كيف لا وهي لاقت فيها من بذل حياته وافن عمره في تربيتها والاعتناء بها منذ نعومة اظفارها وحتى شابت وشاخت وبلغت من العمر عتيا ، في علاقة وجودية ومصيرية بين انسان وانسانة من نوعا اخر لا تشبه كل النساء تغشته بحباً بعطاءها واسبلت بوداً عليه خيراتها وبادلته الوفاء بالوفاء والحياة بالحياة حتى في اعتى الظروف التي حلت به وبقومه قبل وبعد 1945 م . ضلت الاوضاع على هذا الحال الرائع دهورا وقرونا حتى جاء ذلك الصيف الملوث المشين فتعكر معه صفو صحتها وبهجة رونقها ومظهرها فأُدخلت الى غرفة العناية والرعاية من اوسع ابوابها وهي محمولة على نعش الانقاذ واجريت لها الفحوصات والدراسات كيف لا وهي المرة الاولى التي تصاب فيها بهذه الورم الخبيث ، تداعى اليها المسؤولون في صورة جدا وحزم بعلاجها وانقاذها بعدما عجز اهلها وذويها عن فعل اي شيء لها ليس اهمالا ونكرانا وانما قلة حيلة وقصر يد ، وكعادة كل مرضانا الذي تشبعوا وتشبعت اوردتهم بالمضادات الحيوية وعقاقير التهدئة والتسكين ، تماثل للصحة جذعها واغصانها المبتلة والزجه من ذلك الفيروس الذي ضرب نخاعها واعاق عطاءها وخيرها . خرجت من كل ذلك وهي مرتاحة الضمير مسرورة السريرة ليس لأنها عُلجت بل لان موتها لو ماتت في ذلك اليوم سيكون بسبب مرض او عاهة وليس نتيجة امر اعدام او عملية تفجير تتم وفق صورة رسمية وقانونية او حتى نتيجة قتل غير متعمد ومقصود ، كما فعل بالمئات من اشياعيها وذويها واصدقائها وأقربائها لاحقا في احياء مدينتها التي طالما تغنت بها وعانقت شعاع شمسها وتنفست وكسجينها قبل ان تولد ام من ينصب لها المشانق او حتى ام من تبجح بإصدار قرار اعدامها وازالتها ومن يقف خلفه وامامه و بجانبه . اخر ما سمع من تمتماتها وهي تموت وتنفق استنكارها لنذالة وفحش وانحراف طبيعة اولئك الارهابيون وعملياتهم الانتحارية المبتذلة بحقها وبحق طيبتها وانسانيتها التي شهدت لها مريم وهي متكئة بجذعها تلد عيسى ، مذكرةً من حاربها وحارب وجودها وحارب سلالتها من بعدها وهي تعلم بانهم لا يتذكرون بحديث محمد الحنون تجاهها وتجاه ذريتها الطيبة لعلى وعسى ان يخرج من صلب اولئك القذرين من يشفق ويشفع لمن تبقى من رفاقها المرتعبة والخائفة . لفظت انفاسها الأخيرة وهي عطشه تلعق التراب وتستغيث بمن انتفخت بطونهم وكرشهم بتمرها الذهبي وتصعرت خدودهم برطبها وزادت صحتهم وقوتهم وتكاثرت اموالهم وعبيدهم بفضلها ، وتمتعت عيونهم بمنظرها الخلاب عقودا وهي واقفة الى جانب بيوتهم وحدائقهم لم تمل وتتعب تصد عنها الرياح العاتية وتخفض حرارة الشمس الحارقة وزمهرير الشتاء القارص ، اولئك الذين لم تلقى منهم سواء قوننت اعدامها وشرعنة ازالتها واجتثاثها. ومحاكمة من يحاول الذود عنها واسعافها ناهيك عن من يحاول الاتصال والابلاغ عن حالتها وهي تحتضر وتموت على قارعة تلك الطريق وتلك السكة الاسفلتية المكتظة بالمتفرجين والمشاهدين الملتفين حول عمدان تلك المشانق الحديدة ، في مجزرة ابادة ناعمه ومعركة نكران واضحه .