كان لحادث اغتيال القائد الاستثنائي جعفر محمد سعد وقع مؤلم في نفسي، وقطعا عند كثير ممن عرفوه وأحبوه. عرفت جعفر صاحب موقف شجاع ورأي حر لا يعرف المهادنة. وهكذا كنت أجده كلما شاء الحظ أن نلتقي، وللأسف كانت لقاءاتنا قليلة ومتباعدة بسبب مشاغل الحياة الكثيرة، وكان كل مرة نلتقي فيها يترك في نفسي انطباعا بأن الرجل وفي جدا لبيئته الاجتماعية التي جاء منها في أحد أحياء الشيخ عثمان، وكان جعفر وبحمده ابنا بارا لعدن وهو بانتمائه إلى مدينته الحبيبة عدن لم ينس وطنه الكبير أبدا.. ولذلك كان صادقا عندما كان يدعم وبثقة بالغة المقاومة الجنوبية ومساندتها للمقاومة في تعز، مما يؤكد توجهه الوطني الأصيل من أجل يمن حر تنتصر فيه قوى الخير المحبة للأمن والسلام. ان الذين دبروا اغتياله كانوا على علم بمعدن جعفر الأصيل، فخشوا منه واغتالوه، وباغتيالهم له توهموا أنهم سيغتالون أحلام شعبنا في أن ينعم بوطن يسوده الأمن والاستقرار والسلام، وفي أن ينعم شعبنا بمدينة كانت رمزا للحضارة. عدن كانت فخورة بجعفر وستظل فخورة به وبأمثاله. ويعرف أهل عدن الطيبون كيف مارس جعفر مهامه كمحافظ لها بحب وتفان نادرين منذ اللحظة الأولى لتسلمه هذه المسؤولية المحفوفة بالكثير من المخاطر، وكان المحيطون به عندما يلتقونه كمحافظ لعدن يرون فيه عدن الغد التي تستعيد ابتسامتها الحلوة الساهرة التي افتقدتها لسنين. وقد علق هؤلاء والشعب معهم آمالهم في أن يروا عدن تنهض من جديد برسالتها الحضارية، ولكن قوة الشر التي ما فتئت تعبث بكل ما هو جميل في عدن تحديدا وفي الوطن عموما، أرادت بوعي كامل حرمان عدن من التمتع بامتلاك قائد وطني فذ يمتلك كل مواصفات وشروط القائد الاستثنائي.. بكيت جعفر كإنسان وكمواطن عندما جاءني خبر اغتياله الذي وقع علي كالكارثة، وكان خبر اغتياله صادما حقا لكل الخيرين في بلادنا. كان جعفر كما عرفته قليل الكلام، ولكني كنت أراه صاحب رأي شجاع في كل ما يقوله.. فهو فعلا لم يكن يحب أن يهادن ويعرف جيدا حجم المسئولية التي تقع على عاتقه كمحافظ. وكان على وعي تام بأن موقعه هذا سيجعله هدفا للعابثين بالوطن والمتربصين به إلا أن إرادته الصلبة كانت تمده بالإصرار على مواصلة مهامه مهما كانت التضحيات مسلحا بيقينه بالانتصار على التحديات وهي جسيمة وكثيرة. وقبوله للمنصب لم يكن حبا فيه ولكن حبا لعدن ولأهلها الطيبين. والكل يدرك تماما ان هناك ثمن لمن يعبث بالوطن ويتربص به شرا، وكان طبيعيا أن يدفع جعفر حياته ثمنا لعدن التي أنجبته وأحبها أيما حب. هل تموت أحلام شعبنا باغتيال جعفر؟! أقول وبحزم ويقين وإصرار: لا لن تموت أحلام الشعوب ولن تتوقف، وعلى العكس من ذلك سيواصل شعبنا حلمه الذي يعطيه القدرة على مواصلة الحياة بكرامة. وهذا هو خيار شعبنا الوحيد وفي هذا السياق فأنا على يقين أن الفدائي الآخر عيدروس الزبيدي ومعه الشاب الواعد الجسور شلال شائع سيواصلان مشوار جعفر بنفس الإصرار والتصميم لتستعيد عدن عافيتها وابتسامتها. واضح أن عيدروس الزبيدي وشلال شائع توليا منصبيهما وهما يعرفان أنهما يمشيان على جمر وأن وطريقهما مزروع بالشوك ومحفوف بالمخاطر لينتصرا لعدن وأهلها وليعيدا الأمل للناس في إمكانية أن تستمر الحياة رغم تربص العابثين بالوطن من قوة الشر والتآمر والإجرام. أقول في ختام كلامي هذا نّم يا جعفر قرير العين في قبرك لأنك ستبقى خالدا في وجداننا وعقولنا وضمائرنا وسيتذكرك كل من يحلم بغد مشرق لعدن وسيبادلونك الوفاء بالوفاء وليطمئن عيدروس الزبيدي ومعه شلال شائع أننا سنحيطهما بكامل حبنا ومساندتنا لهما. فهما يستحقان منا كل ذلك، متمنين لهما النجاح في مهامهما الصعبة وبالغة التعقيد. والحياة حتما ستنتصر لأننا نرفض العبث من أينما جاء وكيفما أتى. وهذا هو رد شعبنا الصائب والسليم على قوة الشر التي اغتالت جعفر. وأقول لذوي جعفر وأهله ومحبيه من أهل عدن ومن كل الخيرين إن جعفر جدير حقا بأن تفتخروا وتتفاخروا به، وهذا هو العزاء الحقيقي لفقداننا جعفر على هذا النحو المأساوي. رحم الله جعفر وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.. إنا لله وإنا إليه راجعون!. *عدن الغد