أعلنت دمشق عن إجراءات لوقف هبوط العملة السورية لكن المتعاملين أبدوا شكوكهم في نجاحها بعد تداعي وقف إطلاق النار وانهيار محادثات السلام بما أدى إلى أحد أشد التراجعات في قيمة العملة منذ اندلاع الحرب قبل خمس سنوات. وفقدت الليرة أكثر من 90 بالمئة من قيمتها على مدى سنوات الحرب وتسارع هبوطها في الأسابيع الأخيرة منذ انهيار محادثات السلام في جنيف واستئناف القتال في حلب بين قوات الحكومة والمعارضة المسلحة. والليرة متداولة عند حوالي 635 ليرة للدولار في دمشق مقابل 47 ليرة عشية اندلاع الحرب وتتراجع قيمتها أكثر في المدن الأخرى حيث انخفضت نحو 20 بالمئة في أقل من شهر حسبما قاله متعاملون بالهاتف. وتخلى كثير من السوريين عن الليرة ويستخدمون الدولار في تعاملاتهم اليومية ويحاولون اكتناز العملة الصعبة لحماية مدخراتهم. وقال أديب ميالة حاكم مصرف سوريا المركزي يوم الأربعاء إنه سيتخذ ما يلزم من إجراءات لوقف انهيار العملة مضيفا أن البنك ضخ عشرة ملايين دولار في السوق منذ بداية الأسبوع. وأبلغ ميالة وسائل الإعلام الحكومية أن صعود سعر صرف الدولار ليس مبررا على الإطلاق في ضوء معرفة البنك المركزي بالطلب على النقد الأجنبي والعرض وحجم السيولة في الليرة. وتابع أن سعر صرف الدولار سيشهد هبوطا كبيرا عندما تحدث الإجراءات تأثيرها وسيتكبد المضاربون خسائر كبيرة. واجتمع ميالة أيضا مع تجار العملة لمناقشة الخطط. وقال خبير مالي كبير في دمشق إن ضخ العشرة ملايين دولار الذي أعلنه ميالة حتى الآن لن يؤثر بشكل يذكر على أسعار الصرف. وأضاف في تصريحات لرويترز "إذا لم تصاحب تلك الإجراءات خطوات أخرى على نطاق أوسع لاستعادة الثقة فسنشهد هبوط العملة إلى 700 ليرة مقابل الدولار قبل يونيو." وقال مصدران ماليان مطلعان غير حكوميين في العاصمة السورية إنه نما إلى علمهما أن البنك المركزي يخطط لإنفاق 100 مليون دولار لدعم العملة في الأيام القادمة. ويسعى البنك لضخ مزيد من العملة الصعبة في السوق من خلال إصدار أوامره لكل شركة صرافة معتمدة ببيع ما يصل إلى مليون دولار للجمهور بسعر 620 ليرة للدولار. وستلقص تلك الخطوة الفارق بين سعر الصرف في السوقين الرسمية والسوداء في محاولة للقضاء على الأخيرة. خوف من المستقبل مع احتدام القتال في حلب وغياب أي بادرة تسوية سياسية يتضاءل أمل السوريين في تحسن الاقتصاد. ودفع انهيار العملة معدل التضخم للصعود وأدى إلى تفاقم المعاناة بسبب الحرب حيث يكافح السوريون لتدبير احتياجاتهم الأساسية مثل الغذاء والطاقة. وارتفع إنفاق الحكومة بالليرة في الميزانية لأكثر من مثليه لكنه يظهر تراجعا حادا عند حسابه بالدولار. وقال مستثمر مالي مطلع على خطوات البنك المركزي طلب عدم الكشف عن هويته "هناك مخاوف الآن بخصوص مستقبل الليرة نظرا لفقدان الثقة في الإجراءات الحكومية إضافة إلى انكماش الاقتصاد." وحدث الهبوط السريع الأخير للعملة حينما أعلنت روسيا أنها خفضت دعمها العسكري للرئيس بشار الأسد في مارس آذار. وكانت العملة حينئذ عند نحو 475 ليرة للدولار. ورغم الدمار الهائل الذي أحدثه الصراع والعقوبات الغربية المفروضة على سوريا فقد تفادت الليرة حتى الآن خطر السقوط الحر الكامل. ومن المعتقد أن إيران حليفة الأسد أودعت مئات الملايين من الدولارات في احتياطيات البلاد المستنزفة التي كانت 17 مليار دولار قبل الأزمة. وقال أحد المصرفيين إن حملة الحكومة على السوق السوداء للعملة حققت بعض النجاح في الماضي في كبحها لكن تأثير ذلك يتضاءل الآن. وقال مصرفيون ورجال أعمال اتصلت بهم رويترز إن كثيرا من الناس يحجمون عن شراء الدولارات من خلال القنوات الرسمية حتى عندما تتيح لهم سعرا أفضل من السوق السوداء خشية سؤالهم عن مصدر أموالهم. وقال متعامل بشركة صرافة معتمدة في حلب التي تمزقها الحرب قدم نفسه باسمه الأول أحمد "لسوء الحظ لا يرغب أحد في الشراء من الشركات المعتمدة ويتجه معظم الناس إلى شراء الدولار من السوق السوداء حتى ولو بتكلفة أعلى."