تزايدت معاناة نازحو كرش في شهر رمضان الفضيل سوء، و بات الكثير لا يطيق تحمل المزيد. صيام ونزوح وتشرد وبعد عن المساكن الأصلية . شهر صيام بطعم النزوح هو ملخص المشهد ولسان حال ما يزيد عن عشرة الآف مشرد. مئات الأسر غادرت بيوتها مرغمة منذ ما يزيد عن سنة ولم تعدها، جراء اقتحام قوات الحوثي وصالح لأراض الجنوب. في 23مارس/ آذار2015 م كانت بداية المعاناة حيث اجتاحت تلك القوات لهذه الأرض والتي تعد أول أرض جغرافية تابعة للجنوب لوقوعها في خط التماس الحدودي بين الدولتين قبل توقيع الوحدة اليمنية مطلع تسعينات القرن الماضي. بتوغل قوات العدو بهذا التاريخ استحالت كرش وقراها متراميةالأطراف ذات الطبيعية الريفية إلى مسرحا مفتوحا لها يعيثون بها وأهلها قتلا وأسرا وتشرديا وتهجيرا وقتحما وتهديما للمنازل آناء الليل وأطراف النهار دون وازع من دين أو مراعاة لحرماتها أوالعاداة وأعراف بذريعة ملاحقة الدواعش وغير ذالك من التراهات والخزعبلات. نزوح وتشريد لقد تسبب هذه الأعمال المهجية المعتدية على الشريعة الإسلامية والمخترقة للقانون إلى تشرد ونزوح الأهالي مرغمين إلى أماكن عدة كالقبيطة والعند وصبر بمحافظة لحجوعدن ومن لم تساعدهم ظروفهم المادية لجؤوا مضطرين للعيش في بطون الأودية تحت الأشجار والمرتفعات الجبلية حيث تتوفر مبان كان يستخدمها الرعاة (الرّحل) لإيواء مواشيهم في فصل تساقط الأمطار.
فترة ليست بالقصيرة تجرعها أبناء هذه المناطق وما يزالون غير أنها تضاعفت في هذا الشهر الفضيل نتيجة لارتفاع درجات الحرارة وانعدام أبسط الخدمات التي يحتاجونها في هذا الشهر المبارك الذي تزامن مع صيف قائظ شديد الحرارة. يقول المواطن محمد ردمان القاضي (55عام) وهو أحد النازحين:" لم أذق مرارة التشرد وقضاء شهر الصوم بهذه الحالة بعيدا عن بيوتنا بل لم اتوقعها بتاتا، عباد الله في أرجاء المعمورة يتفرغون في هذا الشهر للصيام وقراءة القرآن والعبادة ونحن اكتفينا بالصوم فقط، لقد حُرمنا من تأدية صلاة التراويح في المساجد، ومن تأدية بعض الطقوس التي اعتدنا عليها بهذا الشهر كاللقاءات والاجتماعات بالأهل والأصحاب. ويضيف ردمان في حديثه ل"عدن الغد" معظم أبناء كرش يعانون من شظف العيش والحالة المادية المزرية، لتأتي هذه القوة الغاشمة وتشردهم من منازلهم وتبعدهم عن مصدر أرزاقهم الأساسية كزراعة الأراضي ورعي الأغنام، فالأراضي أصبحت مزروعة بالألغام، والمواشي اضطر الناس لبيعها بأبخص الأثمان، وهو ما زاد من معاناتهم وأذاقهم ألوانا من الحرمان والمتاعب. النوم في العراء عند مرورك بوأدي حدابة جنوب كرش ستجذبك كثرة الطرابيل( الخيام ) التي وضعها النازحون على عروش الأشجار لستظلوا تحتها لعلها تقي اطفالهم شي من حرارة الشمس. من قرى السفيلى والجريبة والحدب وحرذ والشريجة والحديد وقرى كثيرة نزحت إلى هذا الواد الواقع بين جبلين منيفين ويتماز بكثرة اشجاره وقربة من أبار المياه وسوق الربوع بعد أن أغلق سوق كرش. تحدث إلينا المواطن أبو علي المنصوري (40عام) بينما كان ينادي لأطفاله الثلاثة قُبيل المغرب ليعود بهم إلى المنزل القديم (غير مأهول بالسكان) الذي يسكن فيه والمكون من غرفة واحدة للنوم والمطبخ في هذا المكان المقفر. أنا هنا منذ بداية الحرب تركنا بيوتنا في قرية الحبيل بالجريبة بعد سيطرة قوات ومليشيات الحوثي وصالح. المكان غير آمن ومليء بالأفاعي والعقارب، وهو ما جعلنا نخاف على أولادنا وفي متابعة دائمة لهم. ويضيف المنصوري ل"عدن الغد" الوضع صار مأساوي وكارثي لكثير من الأسر، وحياتهم أضحت بين كماشة قوى العدوان وتخاذل وغير مبالاة من قوات الشرعية ومقاومتها، وحضور خجول للمنظمات الاغاثية والإنسانية. يختم أبو علي حديثه " رغم هذا الوضع والمكان الخالي من السكان إلا أننا نرى بأننا أحسن حال من الكثيرين، فهناك أسر تتمنى أن تحصل على مثل هكذا بيت في هذه الظروف العصيبة التي نمر بها لتستقر فيها، على الأقل تشعر بأن أطفالها وعائلتها في مأمن من قوات العدو ونيرانه التي لا تفرق بين طفل وامرأة ومواطن".
تحول المساجد للسكن
في أقصى هذا الوادي نحو منطقة الربوع يقع مسجد صغير يرتاده المصلون لتأدية صلاواتهم غير أن الحاجة الماسة لأحد الأسر النازحة من منطقة الشريجة تحول لسكن لها. يقول رب الأسرة مكثت وأفراد عائلتي المكونة من 12 نسمة في بداية النزوح تحت الأشجار، حتى تدلني أحد الخيرين على هذا المسجد ونحن نسكن فيه منذ عدة أشهر. ويضيف في حديثه ل"عدن الغد" صحيح المسجد صغير والعائلة التي تسكن فيه كبيرة، ولكن كما قال الأقدمون" شيء خير من لا شيء، والحمد لله على كل حال".