لم أشاهد مشاهدة حية البريطانيين في عدن لكوني من مواليد 1971م أي بعد خروج بريطانيا بعدة سنوات ، ولكني سمعت الكثير عنها ممن عاصروا بريطانيا في تلك الفترة ، وكيف كانت عدن مدينة جميلة حضارية متقدمة على كثير من الدول في الشرق الأوسط أنداك ، كانت مدينة أمنه و مستقرة و مزدهرة و يأتيها الناس من شتى بقاع الدنيا للتجارة و للتعليم و للعلاج و غيره ،و كان شعبها يعيش في أحسن حالاته ، فعدن بشوارعها و مبانيها و طرقها وجميع مشاريع البنية التحتية هي بمجهود و عمل بريطاني فقط ، حتى الجهاز القضائي و الاداري و الأمني و العسكري ظل قائم لسنوات طويلة معمول به بعد خروج بريطانيا . البعض يظن أن ذلك الازدهار و البناء و منظومة الجهاز الاداري و القضائي و التشريعي و الأمني في عدن هو صنيعة الثوار و الحزب الاشتراكي وهذا تزوير للواقع و التأريخ ، إذا أردت أن تنظر لمنجزات الثوار و النظام الاشتراكي فلا تنظر إلى عدنبريطانيا، بل أنظر إلى لحج و عاصمتها الحوطة و إلى زنجبار و عتق وغيرها من عواصمالمحافظات وأستثني الضواحي و القرى فحالها أسوء بكثير ، سترى غياب البنية التحتية و التنمية و غياب التخطيط العمراني و المدارس و الطرقات و غياب معظم مشاريع الخدمات ، عندها يجب أن تعلم و تفهم ماذا قدم الثوار و الحزب للوطن ، لم يقدموا شيء سوى مزيدا من الصراعات و التصفيات الدموية من أجل الوصول إلى السلطة فقط .
حتى الدين و العلماء لم يتدخل الاستعمار فيهما إطلاقا بل كانت لهما مكانةً مرموقة .
بعد الموجات التحررية التي ضربت العالم و خصوصاً الدول العربية وفي مقدمتها جمهورية مصر العربية ( جمال عبدالناصر ) غزت موضة الفكر التحرري العالم العربي بشكل سريع .
فخُدعت تلك الشعوب العربية من قبل مراهقي الثورات العربية مع احترامي للقلة من القادة الشرفاء المتميزين ، إذ أوهموا تلك الشعوب بأن حياتها ستتغير و ستصير أحسن حال من السابق بعد خروج الاستعمار من أراضيهم ، أوهموا تلك الشعوب بأن الاستعمار هو سبب رئيسي لتخلفهم و جهلهم و تأخرهم الاقتصادي و العلمي ، و مازالت شعوبنا حتى يومنا هذا مدمنة على الوهم و الهروب من الواقع و فهم الحقيقة .
فخرجت تلك الشعوب عن بكرة أبيها تنادي بالتحرير و الاستقلال و بخروج الاستعمار البغيض المستبد الناهب للثروات و المقدرات الوطنية و المغتصب للأرض و المصادر للحريات ، و بعد خروج الدول الاستعمارية من كثير من الدول المستعمرة لم تعرف تلك الدول المتحررة طعم الأمن و الاستقرار و التنمية حتى يومنا هذا بسبب أن البديل كان سيء .
ذهبت تلك الأحلام الوردية أدراج الرياح ، و استيقظت تلك الشعوب على وهم أسمه عصر الثورة بقيادة الثوار ، فلم تجد أو تشاهد أي من خيرات و منجزات تلك الثورات ، بل رأت عكس ذلك من قبل الثوار الوطنيين من ظلم و نهب للثروات و قتل و سجن و تشريد و صراعات و تصفيات جسدية بين رفاق الامس أعداء اليوم وضاع الوطن و لحقه المواطن المخدوع .
و أصبح اليوم معظم قادة ثوار الأمس من الاشتراكيين برجوازيون و رأسماليون ، هكذا بكل بساطة غيروا جلودهم و أفكارهم و نهجهم و مبادئهم ، و لكن غيروها خارج الوطن و ليس داخل الوطن ، فهم يرون أن الوطن و المواطن يجب أن يظلوا للأبد سائرين في النفق المظلم لكي يتم قيادتهم بسهولة متى ما دعت الحاجة إليهم .
وهاهم الرفاق الرأسماليون الغائبين منذ عشرات السنين عن وطنهم و أخباره ، اليوم يطالبون وهم من خارج وطنهم بحق الزعامة و القيادة الحصري بل و يريدون العودة بالوطن و المواطن إلى الوراء وهم و ذويهم إلى الأمام .
اليوم صاروا الأخوة الرفاق يمتلكون المصانع و الشركات و الفنادق وغيرها من المزايا الرأسمالية في دول المهجر ، و بأنانية مطلقة و حقيرة لم يستمروا دولاراً واحد من أموال الشعب المسروقة و المنهوبة في أي مشروع يخدم وطنهم الماضي ، فقد بدل الكثيرون جنسيتهم و حتى أسمائهم في جوازات تلك الدول .
أولئك الرفاق ولم يشاركوا حتى في بناء مدرسة أو مستوصف أو حتى حفر بئر للمياه في وطنهم الماضي و مصرين حتى هذه اللحظة على الاستمرار بالمتاجرة بمعاناة شعبهم و بقضية وطنهم ، أحلوا لأنفسهم ما حرموه عن شعوبهم وحتى هذا اللحظة لا يريدون تقديم أي اعتذار عن أخطاء الماضي الكارثية التي دفع ثمنها الوطن و المواطن فقط .
حينها تذكر الناس أن ذلك المستعمر الأجنبي كان أرحم بهم من ثوارهم الوطنيين المستبدين مصاصي دماء شعوبهم و خيرات بلدانهم .
الدين المعاملة أخذتها و فهمتها و طبقتها بعض الدول المستعمِرة من ديننا الإسلامي و تركها وعمل بعكسها حكام ثوراتنا العربية ، بهذه الطريقة العملية التي حثَ عليها الإسلام دخلت شعوب الدنيا في دين الله طواعية .
بالمعاملة الحسنة يتذكر الشعب ذلك المستعمر بكل خير رغم بعض السلبيات و بالمعاملة السيئة من قبل ثوار الامس يتحسر الشعب على خروج ذلك المستعمر .
فمعظم الدول التي تأخر فيها خروج الاستعمار البريطاني كا هونج كونج و تايوان و غيرها شهدت تطور اقتصاديا كبيرا منقطع النظير ، و صارت من أغنى دول العالم رغم افتقارها للموارد الطبيعية ، إن السبب الرئيسي للتخلف هو نحن ولا أحد غيرنا ، لأن من يقودنا هم عبارة عن مجموعة من المتخلفين الأغبياء و حتى هذه اللحظة يجهلون حقيقية أنفسهم بسبب مجموعة من المنافقين المداهنين اللذين يوهموهم بأنهم الزعماء الحقيقيون رواد النهضة الكارثية .