كأنهُ تائهٌ منا، ما عُدنا نتغنى به؟ إن وجدتموه فأخبروه أن هناك من يسعى لشق عصانا وخلخلة صفوفنا،وتمزيق نسيجنا وتدميرنا ببعضنا..
أخبروه أنه كان شعارنا وديدننا، نلهث به نتغنى به،نفاخر به،نزهو بتحقيقه،ولكن يبدو لي أننا أضعناه في معمعة واقعنا ومستنقع مشاكلنا ومناكفاتنا..
أخبروه أنه كان السبب في التأليف بين قلوبنا وتشابك أيدينا،وتوحيد قوانا،ومزج أنفاسنا وعناق أرواحنا،ومحى من واقعنا وحياتنا صفحات كانت كلها بغض وحقد وغل وعداء،حتى أننا لم نتذكر أننا يوماً تقاطعنا أو تقاتلنا،أو تفرقنا..
أبحثُ عن التصالح والتسامح الذي ذابت فيه كل خلافاتنا ومشاكلنا وأحزابنا ومناطقنا وقادتنا ،وبتنا كالجسد الواحد إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى،وكالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا،لم يعد للحدود وللحواجز وللمناطق أي وجود،كلنا جنوبيو الهوى والهوية والإنتماء..
أبحث عن التصالح والتسامح الذي أحتضنته ساحاتنا وخلدته ثوراتنا وخطت عن أقلامنا بدماء قلوبنا، فنبذنا كل عنصري،كل مناطقي،كل حاقد بغيض،كل عدو يحمل في جوفه مخلفات الماضي وأدران الأيام الخوالي،لم تعد للهجة المناطق قيمة،ولم تعد لجواحز المدن أهمية،فلا فرق بين هذا وذاك،كلهم في دستور التصالح والتسامح أخوة يجمعهم دمٌ واحد،نسبٌ واحد، هدفٌ واحد،حلمٌ واحد،وهوية واحدة..
أبحث عن التصالح والتسامح الذي من أجله أُزهقت الأرواح،وسالت الدماء،وتمزقت الأجساد،من أجله ترملت النساء،ويُتم الأطفال،وأُثكلت الأمهات،من أجله عصر (بطون) المناضلين الجوع،ومزق أحشائهم العطش،وقظ مضاجعهم الألم..
أبحث عن التصالح والتسامح الذي نسجته أحلام البسطاء وروته دماء (عافية) و (وفيروز) و (الجنيدي) و ( الصمدي)،وكل الشرفاء الذين ذادوا عن أرضنا وعرضنا وعن ذلك الحلم الذي بات اليوم بعيد المنال وصعب البلوغ..
أبحث عن التصالح والتسامح بعد أن أغرقته دعوات المناطقيين والعنصريين والغوغائين،بعد أن كان ليس هناك فرق بين ( الأبيض) و (الأسود) بين ( الشرقي) و (الغربي)، بين (الريفي) و (الحضري)، ولم نعد نسيجاً واحداً،وشعباً واحداً،يجمعنا ذات الهدف،وذات الغاية،وذات الحلم النبيل..
إن وجدتموه فأخبروه أننا تشرذمنا،وأننا تمزقنا،وأن دعاة المناطقية والحزبية وولاءات الأشخاص هي من تقود ثورتنا وأحلامنا وأهدافنا،بل ولأجلهم تناسينا كل تلك التضحيات الجسام،وذلك الهدف السامي النبيل،أخبروه أننا بتنا قاب (قوسين) أو أدنى من الضياع والتفرق..