يمثل إعلان عدن مرحلة مفصلية هامة وغير مسبوقة في النضال التحرري الجنوبي المستمر منذ سنين طويلة؛ فهو قد أعاد إحياء القضية الجنوبية وحملها إلى الصدارة بعد أن طغت عليها أحداث الحرب، فانشغل الناس بأعبائها الثقيلة والمرعبة حتى كادوا ينسون أنفسهم ويتوقف تفكيرهم ويتركز اهتمامهم على تأمين وسائل الحياة اليومية التي غدت جد مكلفة وجد متعبة، والاهتمام بسلامة أبنائهم وأقاربهم، سواء في جبهات القتال أو حتى في المدينة نفسها. وكاد أن ينحصر تفكيرنا في المراهنة على موقف دول التحالف، وخاصة دولة الإمارات. ولم يسبق لنا أن رأينا مثل هذا الاهتمام الإعلامي العربي والدولي الواسع بقضية شعب الجنوب، بغض النظر عن اختلاف اتجاهاته، كما أن العديد من الدول، وخاصة دول التحالف العربي وفي مقدمتها السعودية والإمارات، بدأت تتعامل مع القضية الجنوبية على أسس مختلفة. وقد فوض الإعلان الأخ عيدروس الزبيدي بتشكيل قيادة للحامل السياسي للقضية الجنوبية، وهذا هو الطريق الممكن لتشكيل قيادة سياسية موحدة، خاصة وأننا قد جربنا في الماضي كل الوسائل الممكنة للتوافق على قيادة موحدة ولم نفلح، وكنا بعد كل محاولة نجد أننا قد أصبحنا أكثر فرقة وأكثر تباعداً وأكثر تشظياً من ذي قبل. صحيح أنه ليس بهذه الطريقة تتشكل القيادات للقضايا الكبرى كالقضية الجنوبية، فهي تولد وتنمو وتتشكل في خضم النضالات الوطنية، إلاّ أن الكثير من المؤثرات الخارجية، وكذلك العوامل الذاتية المتمثلة في التفكير القاصر والمشوش، أو الشطط والطرح غير الواقعي، أو التأثر بثقافات الماضي ورواسبه، أو الانتماءات الحزبية والسياسية، أو الانطلاق من أزمات الأفراد الذاتية وتفكيرهم الضيق، كل هذه العوامل وغيرها كانت تفشل جهود التوحد وتشكيل قيادة واعية ومتماسكة. وقد رأينا كيف بدأنا، وما آل إليه حالنا اليوم؛ فبعد أن كنا مكوناً واحداً من المهرة وحتى باب المندب، حراكاً واحداً يهز المعمورة وترتعد له فرائص نظام صنعاء، صرنا ستة، ثم ستين مكوناً، ثم ..........، وحدث ولا حرج، ولم يتبق لنا من ذلك الإرث النضالي كله إلاّ بعض الشراذم المتناثرة وأشخاص لاهثون وراء الزعامة والمصالح الأنانية الضيقة. فدعونا نسير مع الإعلان ونمنح الزبيدي ثقتنا، فقد ننجح، بل أننا سوف ننجح إذا نحن أخلصنا النوايا، وتسامينا فوق كل خلافاتنا واختلافاتنا، وغلبنا المصلحة الكبرى على ما عداها من المصالح الشخصية والأنانية. وأنا على ثقة أن الزبيدي سوف يعقد لقاءات ومشاورات واسعة مع كل المكونات والأطياف والشخصيات السياسية والاعتبارية في الداخل والخارج، وسيأخذ بآرائهم ومقترحاتهم عند تشكيل قيادته. ولتكن هذه القيادة على أضيق نطاق ممكن، ما يعني أنها لن تشمل إلاّ نخبة من الجديرين بعضويتها، وهم كثيرون، فأرجو أن لا يتأثرون بذلك، ثم أنه من خلال التجديد الدوري للقيادة، والذي من خلاله يتم الاستغناء عن الشخصيات الأقل نشاطاً بأشخاص آخرين جديرين بعضويتها، وهكذا، ربما يجد أولئك فرصهم للمشاركة. أتصور أنه سوف يسود الساحة جدلاً واسعاً، ولكن دعونا نخلص النوايا ونتفاءل الخير، ودعونا نتحاور ونختلف، وليكن شعارنا، "الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية". إن أي خطوة عملية تقربنا من هدفنا المنشود، خير ألف مرة من التنظير والتفكير العقيم. وعلى الأخ الزبيدي أن يحث الخطى، فلا خير في التأخير.