لا أخفي عليكم أن القرارات التي سبقت الفعالية بأيام قليلة قد أربكتني كما حدث مع كثيرون مثلي و قد بدأت مخاوفي تزداد يوما بعد يوم اتجاه السيناريو الأكثر احتمالا و الذي ينبئ عن انفجار وشيك يلوح في الأفق قد تكون عواقبه مدمرة و نتائجه كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معنى لمدمرة و كارثية. و أنى لرجل انتمى و عاش و ترعرع في كنف هذه المدينة الحبيبة و ما تعنيه عدن له من مكانة خاصة في قلبه ربما تفوق مكانتها و حبه لها حبه لأسرته و أهله أجمعين أن يهنئ له عيش أو يطاب له مقام و هو يرى كل ما يملكه في هذه الحياة تهدده العواصف الشديدة و تتخبطه الأمواج العاتية القادمة من بعيد التي لولا لطف الله و رعايته و تدخل حكمة العقلاء من أشقائنا لذهبت الأحداث ليس منذ ذلك الحين بل قبلها بكثير .
لذلك حاولت حينها جاهدا أن ألملم أوراقي جيدا و أثرت الصمت و أنتظرت أرقب بحذر و عين فاحصة لكل شيء يدور و أحلل كل شيء في تجرد تام للعواطف و بعيدا كل البعد عن المصالح الشخصية غير مصلحة واحدة فقط هي أمن عدن و استقراراها .
فمن الوهلة الأولى لسماعي تلك القرارات تبادرت إلى ذهني مجموعة من التساؤلات و برغم ان بعض تلك القرارات قد بدت منطقية و واقعية لما آلت إليها الأوضاع في عدن إلا أن بعضها الآخر كان يحمل طابع الدهشة و الاستغراب فمثلا : سألت نفسي إن كان تغيير عيدروس مبررا له كان من المفترض أيضا أن لا يأتي بهذه الطريقة؟ و لماذا تم إقحام هاني بن بريك في الأمر فجأة؟ و لماذا وحي أمان أيضا معهما ؟ ما الذي يعنيه الرئيس بإختيار ذلك التوقيت و ذلك اليوم بالذات و هو يعلم جيدا ما يمثله ذلك التاريخ لدى الجنوبيون؟ كانت الإجابة الوحيدة فقط التي تبادرت إلى ذهني أن الرئيس بقراراته تلك يحاول أن يستفز الجنوبيون جميعا ، و ذلك أيضا ما صرح به الكثيرون حتى من شملتهم القرارات و لكن فيما بعد.
إذا حسب قانون نيوتن لكل فعل رد فعل مساوي له في القوى و معاكس له في الاتجاه.
و سألت نفسي سؤال آخر مهم يا ترى ما هي ردود الأفعال المتوقعة ممن شملتهم القرارات و هل ستكون مساوية لها في القوى و معاكسة لها في الاتجاه؟
لذلك كان من الضروري أن ننتظر لردود الأفعال تلك و خلال اليومين اللذان تبعا القرارات رأينا صمت مطبق من قبل من شملتهم القرارات و في المقابل رأينا آلة إعلامية مهولة تحركها مطابخ عديدة و جميعها موجهة في اتجاه واحد فقط إحراق عدن و محوها من الوجود و فعلا رأينا محكاة لتلك الحرب التي حاولت تلك المطابخ اشعالها و لكن فقط في مواقع التواصل الاجتماعي. و تصدرت العديد من الأقلام نحو خلق العديد من السيناريوهات المستقبلية التي تتحدث عن نشوب حرب ستأكل معها الأخضر و اليابس . و ظهرت في المقابل القليل من الأقلام الحكيمة التي تسعى للدفع بالفتنة بعيدا و إطفاء نارها قبل أن تشتعل و تحرق معها الجميع . لكم أن تتخيلوا أعزائي مدى تأثير ذلك على حياة المواطن البسيط و البائس أصلا في عدن هلع و خوف شديدان يسيطران على جميع البسطاء في هذه المدينة الطيبة. و في خضم جميع تلك الأحداث المتسارعة ظللت أنتظر الرد إلى أن أتى كان في البداية بسيط و ضعيف و لكنه سرعان ما كبر و تعاظم و هناك أيضا أسباب لذلك الضعف و سرعة تعاظمه لن أتناولها هنا حتى لا يفهم مقالي فهما خاطئا أو أفتح بابا للضرب و النهش للآخرين لكن الأهم من ذلك كله جاء الإعلان عن موعد الفعالية و سميت بفعالية إعلان عدن التاريخي ، و لأنني جنوبي عربي الهوى عدني المنشأ كان من الطبيعي ان تتضاربني كل تلك الأحداث و تعصف بي فمن غير الممكن ان أفهم تلك الدعوات التي أطلقت للاحتشاد نحو العاصمة عدن من كل مدن و قرى الجنوب على أنها دعوات عادية و طبيعية في مثل هكذا توقيت و هكذا حدث و أطمئن لها و أرحب بها و في نفس الوقت من غير الممكن ان أنكرها أو أتنصل لها و هي تحمل راية الجنوب و لوائه و هو اللواء الذي طالما حملته على مدار أعوام النضال الذي مضت ، ناهيك عن تلك الوجوه التي تصدرت المشهد حينها و التي أعلم جيدا أنها طالما عمدت على إيقاف مسيرة جمعنا و وحدة صفنا فأنى لها اليوم أن تقوم بذلك إلا فقط إذا ضمنت عودة زمام المبادرة إليها من جديد لتوجه الدفة مرة أخرى بعيدا عن الخليج العربي و تسير بالسفينة نحو الخليج الفارسي و تضعنا جميعا بين يديه .
كل تلك الأمور مجتمعة جعلتني أفكر كثيرا و مع التدبر و التفكير في كل تلك الأحداث التي تدور تطرق باب مخيلتي أسئلة أخرى جديدة فمثلا : إذا كان الرئيس يعلم جيدا ما هي ردود الأفعال المتوقعة للشارع فلماذا يقدم على هكذا قرارات؟
و هل من المعقول ان يغامر الرئيس بكل تلك الإنتصارات و المكاسب التي تحققت و هو المستفيد الأول منها دون التفكير للحظة واحدة بأنها ربما تسقط جميعها ؟
أين التحالف من كل ما يحدث و يدور و لماذا نرى ردود أفعال لشخصيات اعتبارية فقط و لا يوجد أي رد فعل رسمي هنا أو هناك؟
و لماذا نرى ردود الأفعال للأشخاص الذين كانوا يسعون للإطاحة بعيدروس و غيره تأتي مغايرة لما هو متوقع و متضامنة مع الرجل و تحريضية له ؟
و غيرها من التساؤلات التي ذكرتها سابقا في الأعلى و برغم التشويش الذي حدث و تلك الاتهامات الموجهة هنا و هناك و استباحة التخوين من الجميع للجميع عزلت نفسي بعيدا أبحث عن الإجابة لكل تلك الأسئلة و الحقها بحقائق سياسية قائمة لا تحمل الشك فوجدت ما يلي :
1- أن هناك مؤشرات واضحة و صريحة سبقت تلك القرارات بأن هناك ثورة يتم التجهيز لها و الإعداد لها جيدا للانقضاض على التجربة الجنوبية في قيادة السلطة المحلية في العاصمة عدن و على الحكومة في نفس الوقت و مبرراتها موجودة و هي أزمة الخدمات و هما ركنا الشرعية الرئيسيين في العملية السياسية، ناهيك عن إشتداد الخناق على رئيس الجمهورية من الدائرة المحيطة به و التي في أغلبها تمثل طيف سياسي واحد يحاول اللعب بمهنية و احتراف كبيرين على ورقة المتناقضات و توسيع الهوى بين المؤسسة الرئاسية و الحكومة من جانب و بين السلطة المحلية و المؤسسة الأمنية من جانب آخر لتستمر هي في ممارسة ابتزازها السياسي شيئا فشيئا و تحقيق أهدافها في إتمام السيطرة الكاملة على مركز القرار . لذلك كان لابد من عملية تحرر الجميع من جميع تلك الضغوطات و تعيد رسم المسار للعملية السياسية لذلك أتت القرارات منقذة للجميع . و لذلك رأينا ذلك التعاطف الكبير مع من شملتهم القرارات و بالذات عيدروس الزبيدي محافظ العاصمة عدن من قبل تلك القوى السياسية التي كانت تخطط للإطاحة به و لكن على طريقتها هي .
2_ كان لابد أن يحافظ الرئيس على عملية توازن القوى و الذي طالما حاول الحفاظ عليه ما بين قوى الشمال السياسية و العسكرية و كذلك قوى الجنوب السياسية و العسكرية و الذي كاد يفقده قبل أن يتم إعادة صياغة المشهد من جديد بالاتفاق مع قوى التحالف العربي بعد أن اتضح له و للتحالف جليا أن الجنوبيون لن يستطيعوا مجاراة الشمال سياسيا و لسبب ذاته تم استهداف الوزير بن بريك لتوحيد المشهد الجنوبي برمته تحت لواء المقاومة الجنوبية .
3- أن القارئ السياسي الجيد يدرك تماما مدى عمق العلاقات بين المملكة العربية السعودية و بين دولة الإمارات العربية المتحدة و أنه ليس من الممكن تحت أي دوافع أو مبررات أن تضحي إحداهما بعلاقتها مع الأخرى و ذلك في اعتقادي الشخصي و المتواضع يمثل أحد أهم الأسباب و الضمانات لنجاح مهام التحالف و بلوغ أهدافه المعلنة و أن كلا الدولتين لن تسمحا بفقدان الشئ اليسير مما تحقق فمابالكم من المغامرة بفقدان كل شيء و ذلك ما يتيح المجال أمام القارئ المتابع أن كل ما تقدم قد تم الإتفاق عليه مسبقا و تم الإعداد لتنفيذه جيدا و هو تحت السيطرة تماما .
4_ أن الشرعية ممثلة بالرئيس و التحالف العربي قد ضاقا ذرعا بتلك التصرفات و تلك الابتزازات التي تمارسها بعض القوى السياسية المتحالفة معهما في اتجاه تحقيق مكاسب سياسية فئوية و حزبية ضيقة بعيدا كل البعد عن تلك الأهداف التي ينشدها التحالف و الشرعية لذلك أصبح من الضروري تغيير المعادلة السياسية برمتها .
5_ أن التحالف يعلم جيدا تلك القوى الجنوبية المتربصة لعودتها للمشهد السياسي الجنوبي من جديد لذلك فضل أن يستغلها و أن يستثمر حضورها في دعم نجاح الفعالية و احتوائها عوضا عن تركها تقف حائلاً دون نجاحها خاصة بعد أن علم جيدا أن الداخل بدأ يتململ و يفقد ثقته بمشروعه الجنوبي بعد الإخفاقات التي حدثت لذلك استعاض بتلك القوى و هو يعلم أنه في الأخير سيجير كل شيء لصالحه و لن تتمكن تلك القوى من أخذ زمام المبادرة من جديد و توجيه الدفة نحو إيران و حتى أكون صادقا معكم هنا بالذات راودتني بعض الشكوك أو النزر القليل منها و لكنها تلاشت مع قرأة القائد للسطور الأولى من الإعلان.
على ضوء تلك الاستنتاجات و تلك الحقائق رسمت السيناريو الوحيد و قتها في رأسي و لكن كما أشرت مسبقا أن بعض الشكوك قد راودتني فيما يتعلق بتلك الوجوه التي رأيتها تتصدر المشهد قبل يوم واحد فقط من الإعلان التاريخي تماما .
كان من غير الممكن الحديث عن ذلك ساعتها لكنني لمحت لها في منشور خاص بي على صفحتي الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك و ما زالت الأحداث مستمرة و المفاجآت تأتي تباعا كما توقعت تماما.