كانت الساعة قد قاربت الثامنة صباحا من يوم الجمعة حين قض مضجعي إنقطاع التيار الكهربائي الذي بات يزور منازلنا كضيف خفيف الظل يلقي التحية و ما نلبث أن نستأنس بحضوره حتى يودعنا مرة أخرى على أمل أن نلقاه بعد ساعات طويلة من رحيله عنا ، و بعد أن يئست من العودة إلى نومي قررت الخروج إلى المقهى القريب منا لأشرب فنجان شاي و أكل الخمير و هي عادة صباحية تمكنا هنا في عدن من الحفاظ عليها بعد أن خسرنا الكثير من تلك العادات التي كانت تميزنا في هذه المدينة عن سوانا بسبب عوامل التعرية الإجتماعية (الديموغرافية و الجيوسياسية) التي أجتاحت هذه المدينة فشوهتها، و أنا في طريقي إلى المقهى لفت إنتباهي مجموعة من عمال النظافة اللذين كانوا يعملون في ذلك الوقت من الصباح و في هذا اليوم الذي يعتبر يوم عطلة نهاية الأسبوع لم أستطيع أن أمر من أمامهم دون أن ألقي التحية عليهم كيف لا و هم من يعملون و يجاهدون في هذه الساعة المبكرة و في هذا اليوم المبارك و الناس جميعها نيام بمن فيهم أصحاب البطون الممتلئة اللذين لا يستطيع أحدهم النظر إلى تحت قدميه بسبب تلك التخمة التي بسطت نفوذها على بطنه و عقله معا ، و بعد أن ألقيت بتحيتي عليهم حاولت أن أمضي قدما صوب هدفي (المقهى) لم يكن بعيدا كانت خطوات قليلة تفصلني عنه و لكنها بدت لي ثقيلة و أنا أفكر و أسأل نفسي بعض الأسئلة : هؤلاء و أقصد بهم عمال النظافة اللذين رأيتهم يعملون هل يلقون الرعاية و الإهتمام الكافي من مسؤوليهم ؟ وهل مسؤوليهم يقدرون جيدا ما يقوم به هؤلاء المجاهدون من أعمال مهمة ؟ ماذا إن توقف هؤلاء عن العمل بالتأكيد ستكون كارثة؟ يا ترى كم يتقاضى أحدهم من الأجر إزاء ما يقوم به من جهد مضني و شاق و خطير في نفس الوقت؟ ماذا عن الرعاية الصحية لهم هل يحصلون عليها؟ هذه الأيام المباركة و نحن قريبين جدا من عيد الأضحى المبارك هل استلم هؤلاء مستحقاتهم؟ أليس من المفروض أن تكون رواتب هؤلاء العمال هي من أعلى الدخول لموظفي الدولة؟ كل تلك الأسئلة و غيرها دفعتني دون تردد و أنا في طريق عودتي أن أطلب منهم التقاط بعض الصور لهم لكتابة هذا المقال عرفانا مني و تقديرا بتلك الجهود التي يبذلها هؤلاء و بتلك الجباه السمر التي لحفتها حرارة الشمس و لهيب الحر هنا في عدن و التي تقوم بما لم يستطيع القيام به أي مسؤول في هذا البلد فهي على الأقل تجعل من شوارعنا و أحيائها تبدوا نظيفة بينما عجز الكثير من أولئك المسؤولين عن تنظيف مكاتب عملهم من قذارة و نتن الفساد الذي تزكم الأنوف روائحه الكريهة المنبعثة منه كلما إقتربت من إحدى تلكم المكاتب، لذلك يجب أن نحمد الله على أن منحنا هذه النعمة بوجود مثل هؤلاء العمال المجاهدون الشرفاء اللذين يعملون على راحتنا و أمننا الصحي و أن يقبل تلك الجباه كل مواطن و كل مسؤول يمر بمحاذاتهم و يراهم يعملون و يجاهدون بهذا النشاط و هذه الحيوية في زمن كثرت فيه الأوساخ و القاذورات و الروائح النتنة في مدينة من المفروض أن تكون زهرة المدائن .