عبدالكريم السعدي تناسى أبناء الجنوب فحوى خطاب السلطة والمعارضة التقليدية في مرحلة بداية انطلاق الثورة والذي أختلف الفر قاء من خلاله على بعض النقاط واتفقوا على أخرى, ولو عدنا إلى بدايات انطلاق الثورة الشعبية وتذكرنا خطاب المعارضة والسلطة آنذاك سنجد وبوضوح اختلاف هؤلاء على النقطة التي تشمل مطلب إسقاط النظام ذلك المطلب الذي رفعته الثورة الشعبية وتبنته المعارضة ورفضه النظام الحاكم وطرحت فيما بعد حلولا بديلة عنه طالعنا بعضها من خلال المبادرات الخليجية المتلاحقة آنذاك .. أما النقطة الثانية في خطاب هؤلاء فقد كانت كل الأطراف المتصارعة متفقة عليها اتفاقا واضحا لا يقبل البدائل ولن يقبل بها مستقبلا تلك النقطة هي (الحفاظ على الجنوب)في إطار الوحدة المزعومة وعدم التهاون أو التسامح مع من يفكر لمجرد التفكير في غير ذلك من الخيارات وكان الجنوب بالنسبة للجميع هو النقطة التالية من حيث الأهمية إن لم يكن الأولى قبل إسقاط النظام!!
سمع ووعى وأدرك أبناء الجنوب كل ذلك سواء قبل اندلاع الثورة أو أثناء سريان الثورة ووصولا إلى المرحلة الراهنة مرحلة استراحة الثورة... وللأسف الشديد لم يقف أبناء الجنوب بجدية أمام فحوى ومضمون ذلك الخطاب الجامع للمتضادات ولم تعطى له الأهمية من حيث التقييم في حينها ولم يحاول احد منهم أن يقرأ مستقبل هذا الخطاب وما قد يؤدي إليه , بل أن الجميع انشغل عن توقع ما قد يقدم عليه الفر قاء من حيث تنويع الوسائل والخطط في ظل بوادر تداعيات الأوضاع السياسية والأمنية التي تشهدها الساحة للحفاظ على هذا الجنوب الذي ينظر إليه الفر قاء على انه (الكعكة) التي يحتدم عليها الصراع ... وتفرغ أبناء الجنوب للجدل ألظلامي الذي رموا أنفسهم فيه والشبيه بجدل البيضة والدجاجة وأيهما الأقدم وجعلوا من الضجيج غير المنتج وغير البناء وغير المسئول حول الفيدرالية وفك الارتباط هو القضية الأولى والاهم بمعنى أدق دخلوا (مبكرا) في المعركة على من سيكون صاحب الحق في امتلاك (الحليب) قبل أن يشتروا (الناقة) !!
فإذا ما عدنا وربطنا بين خطاب المتخاصمين بالأمس وبين التحولات والمتغيرات لما يجري في الساحة الجنوبية اليوم فأننا حتما سنصل للإجابات على الأسئلة التي نختلف كثيرا اليوم في تحديد ومعرفة إجاباتها... فإذا كان الجنوب في أجندة فر قاء الشمال يعني مربط الفرس فمن الطبيعي أن يكون ما يحدث اليوم في الجنوب من فوضى واضطرابات أمنية وسقوط مناطق ومحافظات بأيدي حلفاء الشمال بمختلف اتجاهاتهم ومشاربهم والتخطيط لإسقاط بقية مناطق الجنوب هو نتاج لمخططات قد تكون خرجت من دهاليز غرف عمليات القوى المتخاصمة في الشمال للحفاظ على هذا الجنوب مرحليا حتى يصلوا (أي الفر قاء) إلى تسوية لمشاكلهم الدائرة حاليا خصوصا أن ضجيج خلافاتنا حول أيهما أولا الفيدرالية أو فك الارتباط قد وصل إلى مسامعهم وعزز من يقظتهم تجاه هذه القضية وأشعرهم بأن هؤلاء الجنوبيون قد يعودوا فجأة إلى رشدهم ويعملوها ويبسطوا سيطرتهم على الجنوب مستغلين الاضطرابات والفوضى التي تشل الكثير من إمكانات الجانب الشمالي والتي بالفعل أظهرت ضعفه وأصبح مكشوفا بفعلها .
ورغم أن الجنوبيون قد خيبوا ظن الجانب الشمالي وظن هؤلاء المتصارعين في هذا الجانب ولم يحركوا ساكنا إلا أن ذلك لم ينزع الشك والتوجس من نفوسهم فأوعزوا إلى أصدقاء الأمس وأصحاب المواقف التي لا تنسى في غزوة يوليو1994م التي استباحت الجنوب وغيرها من الحملات التي قادها النظام على شعبه وذلك بعد فترة وجيزة لا تكاد تتخطى اليومين فقط من لحظة انفجار الوضع في منطقة (الحصبة) , فقام هؤلاء بدورهم الموكل أليهم وتجسدت بذلك الصورة التي نرى الجنوب عليها اليوم !!
أن كل الظواهر وكل المعطيات والأوضاع على الساحة الجنوبية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المتخاصمين في الشمال رغم أوضاعهم الراهنة لم يستبعدوا الجنوب من أجندتهم بل أنهم يضعوه في أعلى تلك الأجندة وبالتالي فهم بما تظهره الأحداث على الساحة الجنوبية أنما يعيدون احتلال مناطق الجنوب والسيطرة عليها مرة أخرى حتى ينهي فر قاء البيت الواحد خلافاتهم بعدها يتم تسليم الجنوب للفئة التي ستتسلم الحكم لاحقا خصوصا وان الثورة قد تم تخديرها وتحديد تحركاتها وأصبح أوصياء الداخل هم من ينتظر الحلفاء في أمريكا وأوروبا والأوصياء في الخليج كلمتهم النهائية بشأن نوع ولون وشكل النظام القادم !!
وحتى لا يستمر الجنوبيون في السير مرة أخرى في طريق التوقيع على بيع الجنوب دون إدراكا منهم فأنهم مطالبون بالخروج من نفق الاستغفال والتبعية الفردية والتطبيل دون معرفة أو إدراك لما يحاك حقيقة للجنوب كما أنهم مطالبون بالولوج إلى واقع المعركة الحقيقية بأن يتركوا الخلاف الغير منطقي والغير مقنع حول اختيار طريقة النضال لاستعادة الحق الجنوبي في المراحل القادمة سواء فك ارتباط كانت أو فيدرالية لان الدعوتان قائمتان على فك الارتباط كهدف نهائي وان اختلفت مراحله بين الطريقتين , ذلك لان الخلاف لن يصل إلى حل على الأقل في القريب العاجل والوقت لا يسعفنا ولا يحتمل الإضاعة خصوصا وان إخواننا المتخاصمين في الشارع الجنوبي نزلوا للأسف بخلافاتهم إلى الشارع وباتوا يراهنون على أساليب غسل الدماغ للبعض والدفع بالبعض الآخر إلى التطرف في طرح الرأي والدفاع عنه معللين ذلك بمقولة أو شعار للأسف أفرغوه من محتواه هو أن (شعب الجنوب هو من يقرر مصيره) متناسين ومتجاوزين بوعي حقيقة أن شعب الجنوب لكي يقرر مصيره فهو يحتاج لتهيئة الظروف واستصلاح الساحة لذلك , وترتيب البيت الجنوبي وتنقيته من الداخل لكي يكون جاهزا للتعامل مع هذا القرار وجعله بناء ومثمرا وحقيقة ساطعة على الواقع لا أن يصبح مجرد حقنة معنوية يساق بها الناس في الساحات لأغراض تلبي حالة صراع التيارات المتصارعة !!
وفي الختام فأن التحرك الفوري لأبناء الجنوب يجب أن يكون باتجاه العمل على إسقاط مناطق الجنوب بأيدي الجنوبيين وتوفير الحماية لها وعدم التسرع في إعلان أية قرارات سياسية قد تجعلنا هدفا للمجتمع الدولي لسوء اختيار توقيتها وارى أن إتمام هذه العملية يتطلب استدعاء قادة الجيش الجنوبي الشرفاء وتكليفهم بإعادة ترتيب صفوف وحداتهم العسكرية السابقة وتكليفهم بتنفيذ المهمة على أن تخضع تلك القوات لقيادة مدنية يتم اختيارها بالتساوي من بين صفوف القوى السياسية على الساحة الجنوبية , أو تخضع تلك القوات لقيادة (المجلس الأهلي لأبناء وأهالي عدن) كمجلس جاهز ومنظم يظم في صفوفه كفاءات وطنية وشخصيات اجتماعية وسياسية مخلصة للقضايا الجنوبية كما انه يظم إلى جانب هؤلاء الكثير من رجال المال والأعمال الذين سيكون على عواتقهم مهمة دعم هذه القوات وتجهيزها وفق الإمكانات بالتعاون مع فئات الشعب الجنوبي الأخرى !!