سنوات وأنا في الغربة خارج الوطن منذ مطلع القرن الماضي حتى يومنا هذا وخلال تلك السنوات التي قضيتها خارج الوطن بالتأكيد افتقدت إلى أشياء كثيرة أحتكيت بها ومرّت عليّ خلال أكثر من عقدين من الزمن قضيتها في وطني بين أهلي وبين أبناء قريتي وفي مدرستي بين المعلمين والزملاء من الابتدائية إلى الإعدادية إلى الثانوية ثم إلى الجامعة ولديّ أصحاب ورفاق و أب وأم وأخوان لي وطن ولدت وترعرعت فيه لا استطيع التعبير عن هذا الموضوع كثيراً كلنا يدرك ما معنى أن تفارق وطنك وأهلك. وكل شي فارقته يحتاج إلى مجلدات للحديث عنه. فعندما أجلس مع نفسي وأتذكر مراحل الطفولة التي قضيتها بين أهلي وأصحابي ومراحل التعليم التي قضيتها مع زملائي وآبائي المعلمين، نعم أحزن عندما أتذكرهم وأتذكر منطقتي الواقعة في يافع. يافع الشموخ يافع العز يافع الكرامة التي أعتز وأفتخر بها كثير لأنها المسكن والقبيلة والأم والأب والأخ والصديق والرفيق.
وكل ما ذكُر استطيع أن أواسي نفسي وأصبّر نفسي على فراقه، إلا شي واحد الذي لم استطع أن أصبر على فراقه وعندما أتذكره تدمع عيناي وتضيق بي مرارة العيش وتضيق بي الدنيا وتظلم في وسط النهار حتى لا أرى ما حولي ألا وهي مدينة عدن ( كل شي إلا فراقك يا عدن ) وقصيدة الدكتور الفنان أبو بكر سالم تعتبر عنوان لما أشعر به ويشعر به الكثير.
لو يمر العمر كله في شجن لو أبات الليل ما أذوق الوسن كل شي مقبول .. كل شي معقول كل شي إلا فراقك يا عدن
أدرك أن الكثير يحب عدن ولكنني أتحدث عن نفسي لم استطع تفسير هذا الحب والشوق الكبير الذي ينتابني نحو عدن قد يقول قائل أنها جميلة، أهلها طيبين، كانت عاصمة الجنوب، تعاطفاً معها لما لحق بها من الظلم والأذى، حاولت أن أقول من أجل ذلك. يقولون لي أهلي ربما تحب عدن إلى هذا الحد لأنّها مسقط رأسك، (حيث أنني من مواليد عدن مستشفى الجمهورية بخور مكسر) ولم أمكث بها طويلاً فنقلوني إلى منطقتي في يافع وأنا طفل رضيع لا يتجاوز عمري سنة واحدة وعندما كبرت كنت أزور عدن في فترات متقطعة وكان أفضل ما عندي أن أزور عدن ففي السنوات الأخيرة قبل مغادرتي الوطن مكثت في عدن ما يقارب سنتين.
قد استطيع أن اسرد مجلدات عن الفترة القليلة التي عشتها في عدن، وكيف كنت أعيش؟ ومع مَن؟ والأماكن التي كنت أتردد عليها، وعن بحرها الصافي، وعن أهلها الطيبين أصحاب القلوب الرحيمة، وعن جمالها وهدوءها، وعن الأصحاب والحبايب الذي لي فيها.
شعوري نحو عدن شعور الابن لأمه، ففراقي لعدن كل هذه السنوات رغم أنني مرغم أشعر في نفسي أنني لم أقدم شي يذكر لعدن لم أخدم تراب هذه المدينة الباسلة التي كنت أتمنى أن أقضي عمري في حضنها الدافئ ولكن لم أعش معها كل الأيام الحلوة والمرة أشعر أنني مذنب أشعر أنني تخليت عن عدن العزيزة والكريمة أشعر أنني لم أفي بما علي تجاه هذه المدينة التي قدمت وعانت من أجلنا الكثير التي وهبت نفسها فداء من أجلنا، والتي تحاصرت وتدمرت من أجل أن نعيش أحرار أعزاء مكرمين مرفوعين الرأس وهي التي نأكل ونشرب من خيراتها.
كم شعر عنها الشعراء كم تغنى بها الفنانين كم كتب عنها الكتّاب وأرخ عنها المؤرخين كم طمع فيها الطامعين. فما بالك بإنسان عادي مثلي وأبن هذه المدينة ويحبها ولم يستطع تقديم شيئا من أجلها إلا القليل الذي لا يذكر أتمنى من الله العلي القدير أن يوفقني لخدمة عدن وإلى تقديم ما تستحقه هذه المدينة الباسلة.
لم استطع أن أعبر 1% عمّا بداخلي تجاه عدن الحبيبة وتجاه أهلها الطيبين لان الروح إذا قدمتها من أجل عدن وأهلها أشعر حينها أني ساهمت وقدمت جزء مما تستأهله هذه المدينة الباسلة. التي دائماً تأخذ النصيب الأكبر مما يعانيه الوطن.
بالنسبة لي تربطني بعدن أشياء لا استطيع شرحها حتى أنا لا أعرفها الذي أعرفه أن عدن تعني لي كل شي وأفرح لفرحها وأحزن لحزنها. فقد وفقني الله لزيارة عدن في العام الماضي 2010م. وكانت زيارة وكأنها تفقدية درت كل مكان وتأملت في كل شي وقعدت في المقاهي القديمة مع كبار السن كنت أصبح في الصباح وأشتري الصحيفة من أحدى الأكشاك وأقعد في أحدى المقاهي القديمة في كريتر وأطلب الشاي العدني وأبدأ بتداول الحديث معهم فأحس أن فيهم عدن التاريخ وعدن الحضارة وعدن التسامح وعدن الحب وعدن والإخاء وعندما أقعد مع شباب عدن في البحر أو في الأماكن الترفيهية أحس أن فيهم البراءة والحب والأمان والأمانة والثقافة والتطلع إلى المستقبل بعكس مما شاهدته في بعض شوارع عدن المليئة بالزوار والمقيمين من المناطق الأخرى الذين يتعاملون مع الناس وكأنهم عابرين وهم فعلا كذلك وعكس مما شاهدته في بعض الجولات والنقاط من الجنود المدججين بكافة الأسلحة. فعدن وأهلها براء من هذه المناظر ولا يتمنون أن تخدش جمال مدينتهم.
عدن هي مدينة السلام والأمن والأمان والمحبة والإخاء والتعاون والخير والعطاء والعلم والثقافة والفن عرفت عدن بهذه الصفات وستظل، بالرغم من كل الذي جرى لعدن لازالت تحافظ على تلك الصفات الطيبة وإن شاء الله ستظل وتبقى عدن الثغر الباسم مدينة الحب مدينة الجمال مدينة السلام.
رمضان كريم على كل أبناء عدن والأمة العربية والإسلامية.