في السياسة كل شيء قابل للبيع مع اختلاف الثمن والذي يغدو باهظا حين يتعلق بالثوابت فدماء الشهداء لا جدال فيها ولا يمكن أمامها أن تساورنا عقولنا بشيء ما مهما كان. لا استغرب أن تمارس الأخطاء والآثام الحزبية بل أستغرب وبشدة أن نسكت عنها لا بل أن ننتمي لتلك الأحزاب ونحاول بكل الطرق أن ندرأ الشبهات ونغالط بأن قليل الحرام في السياسة لا يؤثر في كثير الحلال فماذا عن السياسة حين يتلبسها الحرام حتى أخمص قدميها!! وهل باب التوبة مفتوح أما الساسة؟؟ أما أن آثامهم قد أغلقت كل الأبواب!!! لا أدري..كل ما أؤمن به بأن دماء جمعة الكرامة وما قبلها وما بعدها هي دماء طاهرة ومقدسة لأرواح كانت تستحق الحياة وأن القاتل في نظري لا يختلف عن المساوم في قطرة دم واحدة. في ذلك اليوم جمعة الإنذار والتي سميت بعد المجزرة البشعة بالكرامة كانت هزة عنيفة تحت أقدام النظام والتي تبعتها الاستقالات على استحياء حتى وصول الجنرال الأحمر لمصاف الثورة توالت الاستقالات على غير استحياء وبدأت سلسلة الأحداث تتداعى على غير إستحياء أيضا. وبعد أن أنتهى الأمر بأن أصبح الشمال محسوما تتداعى الأكلة على الجنوب في حين أن خذلان الدماء عليه ألا يتكرر هنا وأن الثورات المسروقة تورث عاهة في جسد الشعب لسنوات طويلة ولا تتكرر اللحظات التاريخية إلا بعد مئات السنين فأرجو ألا نبكى في يوما ما قهرا على دماء شباب الجنوب وألا تسرق الثورة وتنتهي بما لا نريد, فعلى الشعب أن يستمر في إرادته للحياة والكرامة حتى ينالها.
فبعد عام من الكرامة لم يتغير شيء سوى أن الذكرى ستكن موجعة فتلك الدماء التي سالت من أجل الوطن..خذلها الساسة والذين سرعان ما يقدمون قوارب النجاة للغريق فقد مر عام على الثامن عشر من مارس لكن المشهد لم يختلف كثيرا سوى أن دماء طاهرة حلمت بالوطن انتهت بكابوس مريع لم تردعه نقاوة تلك الأحلام.
من الساحة صوت يائس يحدثني أنه لو علم أن هذه ستكن النهاية لما خرج منذ البداية وبأن أصدقاء كثر له أصابتهم العديد من الحالات النفسية والصدمات فلم تكن لهم كلمة للتاريخ للدكتور(ياسين نعمان) سوى الإبرة المخدرة التي سرعان ما أنتهى مفعولها ليعود الألم من جديد.من الساحة نفسها صوت حزين يبكي الثورة ويبكي تلك الدماء الطاهرة. أصوات تتعالى بأن الأحلام تبقى أحلام وبأن للواقع دوما طرقا متعددة لوأد تلك الأحلام. أمنت دوما بأن الحرية للجميع وأحببت وبشده لو ينالها كل من خرج يطلبها..ولكن!!! الثورة كحضن الأم عليه أن يظل طاهرا ومقدسا حتى النهاية ولا يرتمي فيه من يدنسه أو يشوهه ولو حدث ذلك لما أصبحت الأم أما ولا الثورة ثورة.
طيف أخير: يموت الجبناء مرات عديدة قبل أن يأتي أجلهم أما الشجعان فيذوقون الموت مرة واحدة. (شكسبير)