حين كنا نستمتع (بشموليتنا) في الجنوب أيام كان عندنا دولة قانون، رغم عيوب وأخطاء تلك الشمولية، قبل أن نتطور بفضل الوحدة ونصبح في دولة يحكمها العرف ويسود فيها الشيخ ويصبح فيها الباسط مالك بقانون القوة، قبل كل ذلك كنا نتندر على الدول الاشتراكية. من طرائف ذاك الزمن، أن جهات معنية بعالم الحيوان طلبت دراسة عن الفيل كمخلوق شديد القوة وتصادف أن أسندت المهمة لمتخصص من أوروبا الاشتراكية وآخر من أوروبا الغربية، وقد طلب الغربي وسائل توصله إلى بيئة الفيلة في أفريقيا فيما طلب الاشتراكي كرتون من مشروب (الفودكا) وغرفة هادئة في احد الفنادق، وبعد أشهر رجع المتخصص الرأسمالي ببحث يفي بالغرض فيما خرج المتخصص الاشتراكي من صومعته بمؤلف من ثلاثة مجلدات معنونة ب (الفيل قبل الثورة، والفيل بعد الثورة، ولينين والفيل).
القراءة عن بعد كما في طرفة (لينين والفيل) تتطابق كثيرا مع قراءة البعض للقضية الجنوبية من الأشقاء في صنعاء، فكل من (خطف) له (علاقي) قات من احد الأسواق وانزواء في إحدى الزوايا اخذ (ينظر) في الشأن الجنوبي بصورة أكثر استفزازا من مدافع ورشاشات قتل الجنوبيين، ولا تجد فرق بين تنظير (شيخ الجامعة) و(أستاذ القبيلة)، في النظر إلى دونية دماء الجنوبيين ونكران حقهم في ارض حموها بدمائهم وأرواحهم.
لا ادري لماذا يهرب منظري وشيوخ الشمال عن حقيقة مأساة هذه البلاد وكوابح لحاقها بركب الشعوب في دول جوار كانت إلى عهد قريب أسوأ حالا وأكثر تخلفا من صنعاء، ولا توجد مقارنة اليوم، لا من حيث البنى ولا من حيث التنمية البشرية ووعي الناس، ولا يقولن احد أن السبب هو (البترول) لأن السبب الحقيقي هو غياب دولة المؤسسات وغياب الأهداف والأولويات.
أن كوابح الانتقال إلى العصر تكمن في صنعاء ومن صنعاء تنعكس في كل الشمال، من سجون المشايخ إلى الجيوش الخاصة إلى رفض دولة القانون حيث الناس متساوون في حقوق وواجبات المواطنة، قبيلي كان أو مهمش.
وفي صنعاء تغرس ثقافة التمييز وصناعة الكراهية، ومن صنعاء تم تصدير الانفصال ووصل معلبا إلى الجنوب فلم يكن أبناء الجنوب انفصاليون قبل أن يرون صنعاء، وإذا كان أبناء الجنوب صنعوا الانفصال فمن هم صناع الوحدة؟، أن الوحدة في نظرنا قيمة عاطفية فيما هي في نظر آخرين مساحات فيد وميادين تكسب.
يا دكاترة وشيوخ ومثقفي صنعاء، صنعاء أكثر حاجة إلى جهدكم وتنظيركم لتدخلوها العصر وتلحقوها بركب المدنية، أما الجنوب فهو شأن يخص ساكنيه، وحين قرر أبناء الجنوب مواجهة أدوات الموت والسجون والملاحقات بصدور عارية فأنهم لم يأخذوا إذنا من احد ولم يحتاجون إلى منظرين ليعلموهم معنى الحرية وكيفية الوصول إليها فهم مدرسة للحرية ومنهم تعلم الآخرون، وقد اخذوا على عاتقهم كامل مسؤولية ذلكم القرار، فشكرا لمن اجتهد في التنظير والاستخفاف، لكن القرار شأن جنوبي مطلق. عدن 9/12/2012م