أنيس حسن يحيى إن ضميري وعواطفي وكل وجداني جميعها مشحونة بالوجع المصحوب بالحب والوفاء لقائد وطني فذ نذر حياته لوطنه وحزبه.. قائد من الصعب ان تكون عباراتنا ومفرداتنا منصفة له.. فهو تاريخ وقامة شامخة عصية على الاستسلام والانحناء.. شخصية محصنة ضد الانكسارات والمغريات والتهديدات.. فقد عرفته مبكراً ووجدت فيه معلماً وطنياً قل أمثاله، لهذا فهو فعلاً يمثل مدرسة تميزت بعشق المبادئ والقيم والطهر والنقاء. وللانصاف أقول اننا كنا نعرف أن كل أبواب الرفاهية والاغراءات تحوم حوله، إلاَّ انه اقفل كل هذه الأبواب المشرعة فهزمها منتصراً لمبادئه ورسالته التي آمن بها. لقد كان مقبل يقبل، بقناعة المناضل الجسور، على الحياة المعيشية البسيطة واهباً حياته لوطنه وشعبه وحزبه لينعموا بالسعادة والسكينة. لقد شد فقيدنا مقبل الجميع برصانة مواقفه الوطنية، حيث كان لا يعرف الشطحات السياسية أو نزق المواقف، لهذا عاش ومات عصياً ورقماً صعباً. وفي أحلك الظروف وأخطرها علّم هذا القائد الفذ طغاة الأمس ماذا تعني الكرامة وعشق الوطن والحزب معاً، وبعد انتخابه أميناً عاماً للحزب الاشتراكي اذاق السلطة بكل جبروتها طعم مرارة وهْم النصر المزعوم. لقد تمكن رفيقنا مقبل ورفاقه الآخرون الصامدون معه من إلحاق الهزيمة النفسية وذلك في اصعب المراحل بعد كارثة حرب 94م وجرّعهم ورفاقه سم الهزيمة. نعم، كيف لنا ان ننسى من أمدّ وطنه وحزبه بقوة الصمود والتحدي وكل أنواع التضحيات. ولولا عباد رحمه الله لكان الحزب في خبر كان، ولولاه لما خرج الحزب من هذه الجريمة أكثر قابلية للبقاء وأكثر شعبية واحتراماً من قبل كل القوى الوطنية الفاعلة على الأرض.. ومن هنا يحق لنا ان نعتبر مقبل مدرسة علمتنا معنى الصمود.. ليخرج الحزب غير مبال بكل صنوف التهديد والوعيد، فأصبح أكثر قوة وحيوية. وبحنكة واقتدار وحكمة أعطى مقبل لحزبه ذلك الزخم الذي افتقدناه. والمتابع لمسيرة (عباد) الكفاحية يدرك انه واجه خضات موجعة عبر كل مراحل نضالاته.. فقد عرفته الحياة السياسية منذ حرب تحرير الوطن من الاستعمار البريطاني، وبهذا اكتسب خبرة نضالية طويلة جعلته يتقن بامتياز فن الكفاح إلى جانب رفاقه، فاستحق بجدارة ثقة رفاقه وتمثل ذلك في انتخابه أميناً عاماً للحزب الاشتراكي بعد كارثة حرب 94م التآمرية. وهذه الثقة كانت بمثابة ضربة موجعة قصمت ظهر السلطة المتعجرفة. واستشعرت السلطة حينئذ بأن انتخاب مقبل القائد الفارس سيشكل لها تحدياً جسيماً من العيار الثقيل وعنواناً لمعنى القيادة الحكيمة والصلبة. وأدركت ان انتخاب مقبل أميناً عاماً انما يجسد ميلاداً جديداً للحزب، وبهذا يكون الحزب قد خرج أكثر عنفواناً. وكنا على دراية بأن هذا الفارس قد أنهكه الهم الوطني والحزبي؛ لأنه كان للصبر عنواناً وللتحدي أنموذجاً رائعاً. وقد ازدادت مواجعه مع تفاقم معاناة وطنه وحزبه، وكأنه يشاركهما الوجع والألم، ولهذا ظل أميناً عاماً دون ضجيج، فنهض الحزب، ووقع هو أسير المرض. لقد وصلت رسالته بأن يظل نبض الوطن مسموعاً، ونضال الحزب مستمراً، وأصوات الشعب تتعالى في وجه الطغيان والفساد. إن أروع ما كان يتحلى به مقبل رفضه المساومة وتجرده من عشق الذات ومن اغراءات السلطة، حيث كان خصماً لنرجسية السلوك، وتنحى وهو يمثل قمة النزاهة، إذ لم يقع أسير اية شباك مغرية تمس سمعته، فكان يؤمن بأن التاريخ لا يرحم وان المحاسبة لا تزول بالتقادم. ولقد انصفه رفيقنا المناضل الفذ والمثقف الوطني الشامخ عبدالباري طاهر حين قال كلمته التاريخية عن (مقبل) رحمه الله «عاش عفيفاً لم تنسب له اية مخالفة تتعلق بالسمعة أو انه استخدم موقعه الحساس والمهم للكسب أو الاستبداد أو الفساد».. نعم هذه شهادة تاريخية تضاف لنزاهة مقبل وتاريخه المشرف كونها تأتي من قامة تاريخية. لقد تعرض مقبل للخطر المحدق هو وعائلته بعد حرب 94م، لانهم أرادوا تحطيمه بغية استسلامه مرة بالاغراء وتارة بالتهديد، لكن هيهات ان ينحني الطود حيث ظل مقبل شامخاً، فاستمر الحزب ينمو ويكبر في كل القلوب النقية والضمائر الحية فانتصر عباد مؤسس الحزب الجديد وانتصر معه رفاقه وكل الوطنيين الشرفاء. إنا لفراقك لمحزونون يا رفيق الدرب ورمز التضحيات وحبيب كل الشرفاء. وفرضت نفسك حين لم تتخل مطلقاً عن مواطنيك ورفاقك وصمدت تمتزج بنبضاتهم، ولهذا ستظل مسكوناً في عقولهم ووجدانهم، وستظل تنعم بوفائهم. ويهمني هنا، وفي هذا السياق، ان أشير إلى دوره المتقدم في الانتصار لوحدة فصائل العمل الوطني في اليمن الديمقراطية سابقاً والذي جاء التنظيم السياسي الموحد ثمرة له، كما لا يفوتني أن أشير إلى ما كان يتميز به الرفيق (سالمين) من قوة الشخصية القيادية الفذة الآسرة وذلك في ما يتعلق بعلاقته مع رفاق دربه، إلاَّ انني استطيع الجزم بأن الرفيق مقبل كان يرى في بعض هذه المواقف ما يتعارض مع ايمانه العميق بحق التنوع والاختلاف كظاهرة صحية، كما حصل عند تسمية (التنظيم السياسي الجبهة القومية) على التنظيم الجديد بعد وحدة فصائل العمل الوطني.. وجاء المقترح بتسمية (التنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية) كحل لهذه الإشكالية الناشئة وكان قبولنا يجسد رغبتنا جميعاً في تجاوز هذه المعضلة.