إنّ من المعلومات في علم الرياضيات أن المتغير ( س ) يسعى دائماً للحصول على قيمة ثابتة في نهاية المعادلة , أما في معادلة حياتنا اليوم , فالثوابت أصبح تتغير بصورةٍ مخيفةٍ ورهيبةٍ ولا تسعى للثبات أبداً وبشكلٍ يومي , فالتَغيّر وعدم الاتزان في أحد أطراف معادلة الحياة قد يهوي بالمعادلة كلها إلى حافة الانهيار وعدم الثبات وإلى الدخول في نفقٍ مظلمٍ وفي دائرةٍ موصدةٍ من الصراعاتِ ليس منها مناصٌ أو مهرب . لقد إعتدّتُ ومُذْ كنتُ طفلاً على سماع عبارةٍ كان أبي المهندس عوض جبور الشاطري – حفظهُ الله - يرددهاً دوماً وهو متكئٌ يقرأ مجلتهُ المفضلة " مجلة العربي" , إنّما الأممُ الأخلاقُ ما بَقيتْ ... فإن هم ذَهبتَ أَخلاقهم ذَهبوا ! . واليوم أصبح الكل ‘‘ يتحدثون عن هبوط الريال وانهيار العملة , لقد هبطتْ الأخلاق وانهارتْ القيم وتراجعتْ الإنسانية وتفشى الفساد والمحسوبية وأصبح نسيج المجتمع مهدداً بالتفكك والتشظي ولكن وللأسف الشديد لم يلحظ أحد ذلك , بينما الكل مهتمٌ بما وصل إليه حال العملة ‘‘ . يقول نبينا عليه الصلاة والسلام : " إنّما بُعثتُ لِأُتمّم مكارمَ الأخلاقِ " . نعم لقد كانت لدى الجاهلية الأولى أخلاقٌ وقيمٌ ومبادئٌ افتقدناها اليوم للأسف الشديد , قال شاعر الجاهلية عنترة ابن شداد : و أغضُ طرفي ما بَدتْ لي جارتي ... حتى يُواري جارتي مأواها إنّي أمرؤٌ سَمحُ الخليقةِ ماجدٌ .... لا أُتبعُ النفسَ اللجوجَ هواها . ومما استوقفني أثناء قراءتي لبعض كتاب التاريخ العربي هو موقف أبو جهلٍ عمرو بن هشام أشد النّاس عداوةً للنّبي محمدٍ عليه الصلاة والسلام و للإسلام , عندما تآمر المشركونَ على قتل النّبي محمدٍ عليه الصلاة والسلام , ‘‘ إذْ قالَ أحدهم لأبي جهل : يا أبا الحكم لما الانتظارُ حتى الصباح ؟ لم لا نتسور عليه وندخل بيتهُ ونقتلهُ ونستريحَ ؟ فقالَ له أبو جهل : وتقولُ العربُ أنَّ أبا الحكم قد روعَ بناتَ محمدٍ في بيتهنَّ ؟ لا و اللاتِ لا تَفعلوا ... ! ‘‘ , عوضاً أنّهم كانوا يمتازونَ بالكرمِ فكان فيهم حاتم الطائي أكرم العرب , وبالحلم فكان فيهم الأحنف ابن قيس صاحب المقولة الشهيرة " سيد القوم خادمهم " . ونحنُ في زمنٍ أصبحَ القابضُ فيهِ على أخلاقيهِ وقيمهِ كالقابضِ على الجمر ! والناظر إلى مُجملِ حالنا اليوم يقول : يا أمةً ضحكتْ مِنْ جَهلها الأممُ ! , إذْ أضحى لسانُ حالنا " ألا لا يجهلنَّ احدٌ علينا ... فنجهلَ فوقَ جهلِ الجاهلينا ! , وحتى لو خرج علينا أحدٌ من الجاهلية اليوم لأنكر أننا عرب , فلا اتصف حالنا واقعنا بأخلاق الجاهلية ولا بمبادئ أو قيم الإسلام السمحاء فأصبحنا في نظر الأمم " كَالمستجيرينَ مِن الرمضاءِ بالنّارِ " ! . ومع ذلك يبقى هنالك بصيص أملٍ يحذونا أن تتغير أوضاعنا وأن تتحسن أحوالنا , فدوامُ الحالِ من المحالِ والله عزوجل " كُلّ يَومٍ هو في شَأن" , لذلك يجب علينا أن نهتم بالتعليم والقراءة وأن نحث أبناءنا عليها فأول كلمة في ديننا هي كلمة " اقرأ" فالقراءة مقياس ذكاء الأمم وغذاء الالباب والطريق إلى القلوب المغلقة , ودولةٌ كثيرةٌ وكبيرةٌ ليس لديها موارد تُذْكرْ قدْ نهضتْ بالعلم مثل ماليزيا وغيرها , ولنتذكر أنّ مبدأ الصين العظيم هو " الإنسانُ ثمَّ البنيان " , كفى نواحاً على حالنا , ولنبدأ بأنفسنا ومجتمعنا بالقيام بالتوعية والدعوة إلى العودة إلى القراءة وإلى التعليم , فالثقافة والوعي هما السبيلان لعودتنا إلى الريادة والقيادة ... ف " إنّ اللهَ لا يُغيرُ ما بقومٍ حتى يُغيروا ما أنّفُسِهم " .