على مشارف مدينة عدن وفي مساحة نظيفة ومضللة جيداً، يقف الجندي في نقطة العلم مبتسما ومرحباً بالمسافرين ومهنئاً لهم بالسلامة، ثم يوزع عليهم منشورات كتبت عليها أرقام هواتف الخدمات العامة، وجملة تقول: "مرحباً بكم في مدينة الأمن والسكينة، حيث تقدم لكم كل الخدمات وتحسب عليكم كل المخالفات"، ثم يعتذر عن إجراءات التفتيش في النقطة التالية، موضحاً أن أي قطعة سلاح تتجاوز نقطة العلم تحتجز في النقطة التالية وتعاد لصاحبها بعد احضار سند الغرامة بخمسين في المئة من قيمتها. إما في حال اكتشافه داخل المدينة فغرامته تعادل قيمته ومن شدة انبهارنا بتغير المدينة آثرنا التجوال ونحن غير مصدقين أننا في عدن ومن جولة كالتكس استقلينا الجسر المعلق الأيمن الذي يمتد إلى جولة ريجل، فلم نستطع نقاوم جذب منتجع العروسة على يميننا فعدنا عبر الطريق الأرضي التي تزين ضفافها الأنوار ومستطيلات الورود والأزهار والمواقف الفسيحة على ضفاف البحيرات تعمدت القي علبة السجائر الفارغة وسرعان ما التقطها شاب نظيف المظهر دون أن يلتفت الينا، واستقبلنا آخر مبتسما يحمل جهاز آي باد، فطلب مني بعد الإعتذار التبصيم على الجهاز ثم غمز بعينه منصرفاً على رصيفي طريق المنتجع تنتشر الكراسي في الهواء الطلق، فجلست إلى جوار رجل عجوز وسألته أهذه عدن أم أننا قد ضللنا طريقنا إلى باريس، حتى صور الزعماء والرايات ليس لها وجود؟ فقال: "لا ألومك، ولكنك في عدن حيث يسمح لك أن تعمل ثلاث وتمنع من ثلاث، وهي أن تعمل كل ما تريد وكل ما يحلو لك وكل ما ترغب وان تمنع من أذية الآخرين والخروج عارياً والمشي على اليدين بدلا من القدمين انت في مدينة عدن حيث لابد أن تدفع أو يدفع لك"، قلت له كيف ذلك؟، فقال: "عند مغادرتك مدينة عدن سيطلب منك بصمة الابهام وستدفع جزء من أجرة عامل النظافة. وهكذا بقية المخالفات أنت تدفع اذا خالفت قواعد المدينة، حتى القات يا أبني ستحاسب عليه أن شوهدت تمضغه في الشوارع والأماكن العامة وأثناء قيادة المركبات، وحتى حين تطلب كوب من الشاي أنت تدفع الضريبة عبر نظام شبكي في كل متجر مهما صغر حجمة، وحين تشتكي البطالة هناك جهات مختصة توجهك لأماكن العمل فتدفع ضريبة الدخل، وإن كنت عاجزاً أو مقعد يدفع لك بدون منه". وأردف قائلاً: "هذه عدن لا تحتاج إلى صور ورايات طالما انا وانته مشاركين في جمالها ونظافتها شئنا أم أبينا". وماذا عن الكهرباء وبقية الخدمات؟" "لن تصدق أن موظفي الكهرباء يبلغون كل الساكنين مسبقاً في حالة أي انقطاع لغرض الصيانة وما شابه، وفي حالة حدوث انقطاع مفاجئ، يتم إعفاء المستهلكين ضعف وقت الانقطاع. لقد شعرت بمعنى الإنسانية والكرامة، ولكنا اطلاق نار كثيف من مدخل شارع الستين اسفل الفندق الذي نزلت فيه أيقظني مفجوع ومبلل من العرق بسبب انقطاع الكهرباء لقد قررت الرحيل عن عدن واكتشفت أثناء مغادرتها الفندق أن الذي إطلق النار كان على حق، فقد تبين أن المجاري الطافحة كانت تسيل على طول شارع الستين الأيمن منذ زمن، فعملوا أصحاب تلك الجهة حاجز ترابي في مدخل الطريق لكي تفيض عبر الجهة اليسرى من الشارع، ولكن أصحاب المحال في الواجهة اليسرى عملوا حاجز آخر فتكونت بحيرة عملت على حصار نقطة التفتيش الواقعة في بداية الشارع، فهب الجنود لفتح منفذ للمياه العادمة فحدث ما حدث بين المواطنين وجنود النقطة. عموما وعند وصولنا جولة كالتكس اوقفنا جندي المرور طالبا الرخصة واوراق المركبة، ثم وبدون خجل قال: "أنا ما وجدت أي مخالفة ولكن وضعنا سيئ وما طابت به نفوسكم مقبول"، وفي نفس الجولة نقطة تفتيش سؤالهم الوحيد "انتم تبع من؟ " قلنا خاص تبع أنفسنا فعقبها سيل من الأسئلة من ضمنها "من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ ولكنهم نصحونا أن لا نسلك الطريق المؤدية إلى الشيخ عثمان نتيجة تبادل إطلاق نار كثيف بين تجار الأراضي. سلكنا الطريق البحري فلم نجد الجسور المعلقة، وفي النقطة التالية أجبنا على سؤالهم الروتيني "نحن تبع ابو القعقاع" وبدون أن نعلم من يكون أبو القعقاع أشاروا لنا بالانصراف فانصرفنا فمتى يا ترى ستصبح أحلامنا حقيقة؟!!