الحفاظ على ماء وجهه تركيّا وعالميا ليس بالأمر اليسير بالنسبة للرئيس التركي أردوغان تكلفته باهضة جدا. فكلما حاول الإفلات من قبضة روسيا والعودة بنفسه وحكمه إلى ما قبل إسقاط المقاتلة الروسية فوق أجواء سوريا يجد نفسه يغرق في بحور الفشل والهزائم ويتم تقليم أظافره وقصقصة أجنحته وتم دحره من أغلب المواقع التي كان يطمح الهيمنة عليها ونهب ثرواتها حتى أضحى نظامه زائل إلى زوال أمام مرأى ومسمع من العالم أجمع ولم يتبق له سوى قاعدة في الصومال وثانية في قطر التي أصبحتا هما الأخريان مهددتان بالترحيل لتسببهما في إغراق الشرق الأوسط والقرن الإفريقي بالمشاكل والأزمات بل وتهديد أوروبا والغرب بإرسال الجماعات الإرهابية إليهما. أردوغان خسر ما كان يحلم به في ليبيا وشرق البحر المتوسط عسكريا واقتصاديا على إثر مؤتمر برلين وعلى إثر نشأة تحالف يجمع مصر واليونان وقبرص وإيطاليا. ولما شعر بأن أحلامه الفوضوية ذهبت وأدراج الرياح حاول الالتفاف على مخرجات مؤتمر برلين ونقل آلاف الإرهابيين من سوريا إلى العاصمة الليبية طرابلس, وبهذا التصرف الأحمق يكون قد خرق اتفاقيتي سوتشي وأستانا اللتين وقعهما مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كان رد الروس على هذا التصرف بأن سمحوا للرئيس السوري بشار الأسد أن يرسل جيشه العربي السوري ليطبق مخرجات سوتشي وأستانا من طرف واحد ويطهر الأراضي السورية من الجماعات الإرهابية وتحرير المناطق الخاضعة لتلك الجماعات المدعومة من قبل نظام أردوغان. وسارع الجيش نحو التقدم إلى الأمام سر ملبيا نداء الوطن محققا انتصارات عظيمة في شمال غرب سوريا في حلب وإدلب الأمر الذي أغاظ أردوغان دافعا عشرة آلاف مقاتل تركي مع آلاف المركبات والمدرعات لمواجهة قوات الجيش السوري وداعميه. والمقصود من الداعمين هي روسيا بدرجة رئيسية بالنظر إلى ما سبق وإلى كون روسيا أغلقت الأجواء السورية في وجه المقاتلات التركية, وليس بالضرورة أن تكون إيران داعمة للجيش السوري في حربه ضد الجيش التركي حيث يستبعد أن تدخل القوات الإيرانية المتواجدة في سوريا في مواجهة ضد القوات التركية مساندة للجيش العربي السوري في معركته ضد الغزو التركي لأراضيه وذلك كما تقتضيه مخرجات لقاء القمة الرباعية في ماليزيا بين كل من الرئيس التركي والرئيس الإيراني وأمير قطر ورئيس وزراء ماليزيا والذي امتنع رئيس وزراء باكستان الحضور والمشاركة فيه. بحث أردوغان عن مخرج من المصيدة الروسية بأي شكل من الأشكال وبأي ثمن جعله يتهور ويرسل هذا الكم الهائل من قواته إلى خارج تركيا دون تغطية جوية إنما هو بغرض فرض على شعبه وجيشه سياسة الأمر الواقع وإن كانوا متأكدين بأنه يرسل قواته إلى المحرقة والتي حتما سوف تصبح غنائم للجيش السوري. في كل تصرف من تصرفاته, أردوغان إنما يسعى من ورائه جر حلف الناتو لمواجهة روسيا منذ إسقاط المقاتلة الروسية مستغلا عضويته فيه. وهو صراحة وعلنية يدعو حلف الناتو إلى دعمه ومساندته في مواجهته ضد روسيا وإن ادعى أنه يحارب الجيش السوري حليف روسيا. بينما حلف الناتو يتحاشى أية مجابهة مع روسيا يكون سببها غرور أردوغان وعنجهيته ولا أحد يعلم ماذا وراء استهبال أردوغان بالغرب وبحلف الناتو إلا الغربيين أنفسهم الذين يؤكدون أنه ليس هناك دولة من دول الناتو تفعل ما تفعله تركيا في ظل حكم النظام الأردوغاني العثماني, وتقوم بغزو أراضي دولة أخرى دون موافقتها ودون الرجوع لحلف الناتو ولمجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة. وعندما لم يلق استجابة من الناتو ولم يجد عندهم أذن صاغية له وضع نفسه أمام خيارين ذهب لبحثهما في باكستان, أولهما دفع باكستان إلى التوسط لدى إيران بهدف الحصول على دعم مباشر من قواتها المتواجدة في سوريا كما تمليه قمة كوالالمبور الرباعية, وثانيهما دراسة إمكانية تأسيس حلف عسكري إسلامي يضم الدول الخمس ( إيرانوماليزياوتركياوقطر زائد باكستان ) مع استغلال الصواريخ الروسية إس400 وإدخالها في الحرب ضد سلاح الجو السوري والروسي في المعركة التي تدور رحاها. كل ما قام به أردوغان ويقوم به من تصرفات رعناء يضع حلف الناتو في موقع حرج يجعله ضعيفا أمام روسيا والعالم أجمع, وحين ينهزم الجيش التركي أمام الجيش العربي السوري البطل المنتصر فإن كرامة وقوة الحلف تخدش ويتعرض للإهانة, الأمر الذي يحتم على حلف الناتو اتخاذ موقف صارم تجاه نظام أردوغان وربما يصل تجميد عضوية تركيا في عضوية الناتو إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التركية.