ملف أعده -محمد الجماعي – يسرى بيرق في هذه المساحة من موقع الثورة اليمنية، تسجل العديد من النساء اللاتي عملن ضمن لجان النظام النسائية في حراسة منافذ ساحة التغيير بصنعاء.. فمنذ اندلاع ثورة الشباب الشعبية السلمية أواخر يناير، وبداية فبراير 2011م، ساهمت المرأة اليمنية جنبا إلى جنب مع شقيقها الرجل، في العديد من المجالات الثورية والإبداعية المختلفة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، المشاركة في دور الحارسة لعشرات المنافذ المؤدية لساحة التغيير.. وكتجربة مهمة ينبغي رصدها وتدوينها قمنا بعمل هذا الاستطلاع الذي شمل العديد من النساء ليروين بأقلامهن تجربة يوم من أيام ساحة التغيير في حراسة المنافذ، كون المرأة العصرية اليمنية تقوم بهذا العمل لأول مرة في تاريخ اليمن القديم والوسيط والحاضر.. وفيما يلي ثلاث تجارب لثلاث نساء سطرن بأقلامهن أهم ما شاهدنه وسطرته ذاكرتهن..
أم حامد.. نضال مقدس
لعبت المرأة اليمنية ولا تزال، دورا مهما في مسيرة الثورة الشعبية السلمية، انطلاقا من شعورها بأن دورا مهما يجب أن تؤديه، بل هو جهاد مفروض عليها اقتداء بنساء الصحابة رضوان الله عليهم في الغزوات والجهاد حيث شاركت المرأة إلى جانب أخيها الرجل في اللجان الأمنية المخصصة لحماية ساحة التغيير من خلال الوقوف على كافة مداخلها المتوزعة على كافة الأحياء والحارات المحيطة بساحة التغيير..
وبالنظر إلى طبيعة الأدوار المناطة باللجان الأمنية النسائية وصعوبتها فقد كنا ولازلنا نحتسب الأجر والمثوبة من الله سبحانه وتعالى.. وكلما واجهتنا صعوبات أو تعرضنا لإساءات، ازددنا يقينا بأن أجورنا من الله تتضاعف، فما كان علينا سوى أن نجدد نياتنا في كل وقت وحين..
وقبل أن أتحدث عن المواقف التي واجهتها، أحمد الله تعالى أولا وأشكره أن وفقني للمشاركة من أول الثورة، وأشكر زوجي العزيز حفظه الله، إذ كان له الفضل بعد الله في تسهيل نزولي ومشاركتي في هذا الميدان..
ومن ضمن المواقف والأحداث التي تعد بمثابة العقاب الجماعي لكل من في الساحة: ·في أحد الأيام وصادف يوم جمعة، طفحت المجاري التي تمر من تحت أقدام زملائنا شباب اللجنة الأمنية، حتى وصلت المجاري إلى جوار الخيام، فكان الشباب يقومون بتغطية أنوفهم بالشيلان، ويمر بعض الأشخاص من أمام المنفذ فيقولون لشبابنا بسخرية: تعطروا وتبخروا، فاليوم جمعة!! بل ويمدون أيديهم نحو تلك اللثامات والأغطية لجعلهم يضطرون لاستنشاق تلك الروائح الكريهة المنبعثة من المجاري التي كانت تطفح أحيانا بفعل فاعل.. أنا شخصيا تأذيت من ذلك حيث أصبت بصداع استمر لمدة يومين، ولم يتمكن من تناول طعام الإفطار وكذا الغداء، فكنت حينها أقرأ سورة الكهف وأبكي وأدعو الله أن يكف عنا أذى الظالمين. وبكيت مرة ثانية عندما كنت أرى الشباب يتعاملون مع الناس بكل أدب وكان بعض الناس يشتمهم ويتكلمون بكلام بذيء جدا، فكنت أبكي وأدعو الله أن يعجل بالفرج والنصر..
·في أحد الأيام ذهبنا مشيا على الأقدام من شارع الرباط إلى شارع العدل لأن المواصلات مقطوعة بسبب الازدحام على الوقود وعندما روحنا مشينا نفس المشوار من شارع العدل إلى شارع الرباط، ولكن رغم التعب والشمس في هذا اليوم لكنني كنت أقول في نفسي ولمن حولي: إنهم يستطيعون أن يقطعوا عنا كل شيء، إلا أنهم لا يستطيعون أن يمنعوا عنا الإرادة. نحن سوف ننزل من البيت مشيا ونحتسب الأجر من الله. كما أنني أحسست وأنا أؤدي عملي في شارع العدل أن الشارع أصبح اسما على مسمى، وذلك عندما أرى أن النظام يطبق على الجميع، الصغير والكبير، المسكين والمسئول، الرجل والمرأة، الكل يخضع للتفتيش، وبدون أي وساطة، وهذا هو الذي نحلم به لبلدنا وخرجنا من أجله..
· في أحد الأيام دخلت إحدى النساء وكانت ترفض أن نقوم بتفتيشها، وعندما منعها زملاؤنا الشباب، من الدخول قبل المرور علينا كلجنة نظام نسائية للتفتيش، رفعت عقيرتها بالصياح والشتم، بل واتهمتنا بأننا سرقنا من حقيبتها اليدوية خمسة آلاف ريال وخرصة (ذهب)!! مع أن هذه ليست هي المرة الأولى التي نتهم فيها، فقلت في نفسي وأنا أسمع تجريحها، بأننا سوف نتحمل السب والشتم والتجريح، وسيأتي اليوم الذي يعرف فيه الجميع أن كل ما نفعله هو من أجلهم. وكان ذلك مما يجعلنا نأبى الرد على من يشتمنا أو يتهمنا، بالإضافة إلى احتسابنا الأجر والمثوبة من الله جل وعلا..
· كم تأخذين أجرا في اليوم الواحد؟؟ عدة نساء كن يسألنني نفس السؤال.. كنت أجيب: هذا عمل تطوعي لا آخذ عليه أجرا.. يسخرن مني ويسألن أيضا: أنت أم؟؟ فقلت نعم، أم لخمسة أبناء فتزداد سخريتهن مني.. لكنني كنت أرد عليهن بأن الشباب يضحون بدمائهم وأرواحهم أفلا نستطيع أن نضحي معهم ببعض أوقاتنا وأعمالنا؟؟..
· في بعض الأيام وأثناء التفتيش كنت أكتشف بعض الأشياء الممنوعة من الدخول إلى الساحة كالأسلحة البيضاء بشكل متواصل، وحصلت مرة على مخزن مسدس وهو مليء بالرصاص فأخذ هذه الأشياء وأسلمها للجنة النظام الأمنية، وعند خروج المرأة صاحبة هذه الأشياء أقوم بإعادة أشيائها إليها.
· من الأشياء التي ترفع معنوياتي: - رؤية الشباب وهم يمرحون بكل نشاط وحيوية رغم كل ما يمرون به، فأحيي صمودهم وأقدر ثباتهم ورباطة جأشهم.. - دعاء النساء الزائرات للساحة لنا نحن مسئولات النظام في المنافذ. - عندما أرى الشباب يتعرضون للشتم والتجريح والإهانات والسب والشتم ويستقبلونها بكل ثبات ومعنويات عالية جدا. - عندما أرى الصغير والكبير يتطورون وتتغير ثقافتهم في التعامل مع الناس والواقع والظروف، حتى الذين كانوا يشتموننا في أول أيام الثورة، تغيرت مفاهيمهم رويدا رويدا، وبدأوا يفهمون أن هذا النظام جعلهم يعيشون في جهل وكذب وخداع من خلال قنواته التضليلية الرسمية.. · رغم التعب والشمس والإهانة والتجريح الذي نواجهه، لكن الملل لم يكن يتسرب إلينا، فما كنا نكمل دوامنا في الساحة من الصباح إلى الظهر مثلا، لا يأتي اليوم الثاني إلا ونحن أكثر اشتياقا للنزول.ز نسأل الله أن ينصر ثورتنا ويكتب أجرنا ويعجل بالفرج والنصر القريب إنه على ذلك قدير.. آآآمين..
م. ج.. بين طفلتي ووطني الكبير
ها قد طلعت شمس يوم جديد.. ومازالت ثورتنا مستمرة، ومازال الجهد والمعنويات مرتفعة لمواصلة النضال، حتى تحقيق كافة مطالبنا، وقطف ثمار ثورتنا.. بدأ يوم جديد، وبدأت الأفكار تتزاحم عليّ في أمور عديدة، ما بين سرعة إنجاز أعمال البيت وتجهيز الأولاد، وأخذ طفلتي الصغيرة وتجهيزها، وأخذ الاحتياطات لها من مأكل ومشرب وملبس وغيرها..
ها قد وصل الباص الذي سيقلنا إلى الساحة، ها أنا أصعد إليه، وزميلاتي يتبادلن السلام والتحايا، ويتجاذبن أطراف الحديث عن الصعوبات التي واجهنها في اليوم الأول، وكذا عند ترتيبهن للخروج إلى الساحة. هذه تقول أنها استطاعت الخروج بسهولة، وأخرى تقول إن أعمال البيت قد أثقلت عليها فأصبحت تشعر بالإرهاق الشديد، وأخرى تتحدث كيف أن أولادها لم يناموا طوال الليلة الماضية من شدة الحمى، وأخرى تتحدث عن الصعوبة التي وجدتها من زوجها الذي أثقل عليها لدى موافقته على خروجها..
ها هي ساحة التغيير قد بدت أمام أعيننا، وغمرتنا لحظات شعور بالسعادة الحقيقية التي لا توصف، سعادة ملأت قلوبنا سكينة وطمأنينة وراحة تهون علينا كل الصعاب التي واجهتنا. وصلت إلى المكان الذي أقوم بحراسته. بدأت في نفسي ثقة بالهدف الذي نسير عليه وبدأتُ أستشعر أجر الرباط في ساحة التغيير، وكل ذلك بفضل الله ثم بفضل زوجي الذي أعانني على ذلك، وسهل لي الظروف وساعدني في إنجاز ذلك ورفع معنوياتي الروحية والاستمرار في هذا العمل الوطني الهام..
بدأت أتحدث مع زميلتي عن آخر الأوضاع والمستجدات الراهنة، وإذا بالنساء تتوافد إلينا للتفتيش فنبادلهن التحية والابتسامة والكلمة الطيبة والملاطفة التي بها نستطيع استمالتها وجعلها تنصاع للتفتيش بيسر وسهولة..
كنا نرى النساء أصنافا.. فمن النساء من تزيدنا ثباتا وإصرارا وتبشيرا بالنصر، ومنهن من تبادرنا بالسب والشتم والإساءة، ومنهن من ترفض التفتيش وتحاول الهروب إلى الداخل ولكننا نقوم باللحاق بها ويتم تبادل الكلام فتبدأ بالصراخ والشتم وترفض أن نلمس أشياءها، ومع إصرارنا على التفتيش وأداء المهمة مع محاولة امتصاص غضبها واستيعاب الموقف.. فإما أن تلين وتتفتش وإما أن نتفق على أن أقوم بمرافقتها إلى المكان الذي تريده إذا كان لغرض شخصي.. رافقت إحدى النساء وهن من أصحاب الحارة رفضت التفتيش وبدأت أتحاور معها وأفهمها إن هذا لمصلحتنا جميعا، ولكنها أصرت على عدم التفتيش وأنها إنما تريد أن تذهب لشراء بعض الأغراض من إحدى البقالات داخل الساحة، فقررت استيعابها وملازمتها حتى تنتهي من شراء الغرض الذي تريده، وفي طريقنا إلى تلك البقالة بدأت أشرح لها أهمية العمل الذي نقوم به، وأننا لا نريد أن نسيء إليها ولا إلى غيرها، وأن هذا العمل لمصلحة أهل الحي أيضا لأن الضرر قد يعم الكل. رجعنا إلى المنفذ أنا وهي فإذا بها تصافح زميلتي الأخرى عن طيب نفس وتعتذر عن موقفها الذي بدر منها.. ونجد أيضا صنفا آخر من النساء ترفض التفتيش ومع المحاولة ترضخ للتفتيش، لكنها سرعان ما تغتاظ وتقوم بالاعتداء بالضرب على من فتشتها، كما حصل مع إحدى زميلاتي، غير أنني أمسكت بيد هذه المرأة وسرعان ما تمت معالجة الموقف مع اللجنة الأمنية (النظام) وعادت المرأة لتعتذر عما بدر منها لزميلتي الطيبة..
تأثرنا بهذا الموقف وأحسسنا بأن الأرض ضاقت علينا جراء هذه الإهانة التي لقيناها، لكن ذاكرتنا كانت أسرع في تعظيم هذا العمل في نفوسنا واستشعار أجره عند الله وأثره بعد ذلك على وطننا الحبيب، فأطفأ ذلك نيران قلوبنا والحمدلله..
ويستمر الوضع وبدأ خاطري يتجول في حال طفلتي الرضيعة التي أودعتها في الخيمة المجاورة، كيف حالها، وحال أولادي الذين يلعبون الآن وهم لا زالوا أيضا صغار، وبدأ ينتابني شعور بالقلق والخوف من إصابة ابنتي بالمرض وذلك بسبب تقلب أحوال الطقس طول تلك المدة، فكنت أدعو الله كلما خرجت من البيت أن يحفظها من كل سوء ومكروه، حتى لا أحرم بسبب مرضها من الحضور إلى ساحة التغيير.. وبعدها والحمد لله تم توفير خيمة صغيرة لطفلتي الرضيعة لكي تنام فيها، علما بأنها كانت تبلغ من العمر شهرين فقط، عندما بدأت بالمشاركة في الساحة وهي الآن تقترب من إكمال الحول..
إنني أرى توفيق الله لي وحفظه لأولادي رغم نزل الأمطار والرياح وحرارة الشمس، إلا أن لطف الله كان أعظم من ذلك. فقد أعطاني من الخير مالم أجده قبل ذلك..
تم الاتصال بي، بأن الطفلة تبكي، فذهبت إليها، ثم عدت إلى المنفذ الذي أحرسه ومعي طفلتي أجرها على عربتها وهي تبتسم وتوزع ضحكاتها على كل من حولها، وهي لا تعلم ما الذي يدور حولها.. أليس موقفا مثيرا للشعور بالوطنية والإحساس بغلاوة اليمن الحبيب، أن طفلتي صار الشارع بيتها الذي قضت فيه جل عامها الأول مع شباب ساحة التغيير، بشمسه ومطره وحره وبرده، وهي لا تفقه إلا شيئا واحدا وهو أنها تريدني أمامها، وأنا أتفاءل بحياة جديدة لليمنيين، خرجت لأصنع لها مستقبلها المنشود الذي حرمنا أنا وأبوها منه، ليحيا الأمل والطموح بأمن واستقرار دائمين..
لقد بدا العمل في لجان النظام النسائية بساحة التغيير شيئا ممتعا وصرنا لا نستطيع مفارقته، وصارت ساحة التغيير جزء من حياتنا، فيها بعد الله كل أحلامنا وآمالنا، فهي تمنحنا قوة وعزيمة وإرادة وعزة لم نتذوقها طوال حياتنا، وجدنا المستقبل يرتسم بآماله، ويمننا يتزين بحلة جديدة للانتقال إلى مستقبل أفضل وجميل..
أم حذيفة.. يزداد شوقنا كل ما ازداد تعبنا
الحمدلله رب العالمين الذي وفقنا للمرابطة في سبيله، والمجاهدة لإعلاء كلمة الحق. عندما أنوي للمرابطة على أحد منافذ ساحة التغيير، أبدأ بتهيئة نفسي وتجهيز عملي في بيتي، سواء في المطبخ أو أية أعمال أخرى، ثم أهيئ أولادي ثم بعد ذلك أذهب إلى الساحة، ويحصل معي ذلك يوميا، ما عدا الجمعة فهي راحة وعطلة أسبوعية..
أحيانا نتأخر، حيث أصاب بالنعاس والملل أحيانا، ولكنني عندما أتذكر أجر الرباط وحاجة الوطن، يزول عني الكسل والملل والتعب..
من أكثر الأمور التي تسبب لنا المعاناة: ترك الأولاد الساعات الطويلة في البيت، وخاصة طفلتي التي لا تتجاوز العامين، حيث تظل تبحث عني في كل غرف المنزل، ماما ماما، وفي إحدى المرات مرض علي كل الأولاد فصار كلما شفي واحد منهم مرض الآخر، حتى أصابهم المرض جميعهم الخمسة أولاد، وهم صغار ويحتاجون جميعا للرعاية.. ولكن من أجل الوطن واحتسابا للأجر كانت كل المصائب تهون.. أما زوجي الحبيب فقد كان يساعدني في كل تلك الأوقات، إذا أصبت بالخمول أو الكسل يقوم بتشجيعي على الذهاب فلولا هو لم أكن لأنزل إلى الساحة وإلى المنافذ ولما وفقت لهذا الرباط وهذا العمل الوطني الكبير، ولا شك أن أجر زوجي أكبر من أجري..
وبالمقابل يتضايق زوجي الحبيب عندما يحصل مني بعض التقصير في حقوقه وأحيانا يصل من العمل إلى البيت فلا يجد الغداء جاهزا مثلا بسبب كوني في الساحة أو ذاهبة إليها فيتذمر ويتضايق، فأقوم بتذكير بعظمة العمل والأجر فيتراجع ويهدأ..
عندما نعود أنا وزوجي من الساحة إلى البيت ونحن متعبين ومرهقين، يأتي اليوم الثاني وقد ازداد شوقنا إلى بعضنا والله سبحانه يزيل كل ذلك التعب فأسأل الله أن يكتب لنا النصر المؤزر عاجلا غير آجل.. *موقع الثورة اليمنية | خاص|