هزيمتنا العرب لا تنتهي، هي هزيمةً متأصلةً تتابع استمراريِتهِا متعمقة في كينونيةِ نفوسِنا من زمنٍ بعيد، فسنبقى فيها وعلى دربِها نسير منزوعي الثقة، ممرغي الكرامة حتى نغادر عقدتنا ونتحررَ من التبعيّةِ للأخرين.. المجدُ لا تصنعهُ الأبراج العالية، ولا الحدائقِ الغناءِ او كَثَرة المناصرين والأحلافِ المركبةِ، إلى البطانة والخدم والجواري، قدر ما تصنعهُ عِزةَ النفس والشعورِ بعضمة المسؤليةِ تجاهَ من حولك بنيةٍ خالصة، وصادقةٍ، فلو تأملنا في حال كثير من حكامنا العرب ومن حين أوصلتهم شعوبهم إلى سدّةِ الحكمِ وأرتبطوا بذلك إرتباطاً لا ينفكَ ابداً من بعده إما إلى السجن وإما إلى القبر، وبضنهم أنهم قد بلغوا بذلك العضمة، فلم يعصمهم المنصب عن التنكيل بمن حوالهم من المنافسين والمعارضين لهم، والذين هم اصلاً جزء لا يتجزاء من الشعب نفسه الذي مكّنهم من هذا الموقع. وكانت النتيجةُ المخزيةُ لهذه العصمةِ، والعضمةِ، المزيفة بقتل بعضهم ومبيت اخرون يرزحون خلف قضبان السجون، والمحصلة النهائية، السير بالأوطان في دروب الضياع، وتشريد الكثير من اهلها، وكل هذا يعود لعدم إيجاد طريقة صحيحة وآمنة لبلوغ ذلك المجد. يحزنّي اليوم وإنا اُشاهدُ وأستمعُ ذلك الآهتمام، والتغطية الآعلامية من قبل إعلامِنا العربي الغير مسبوقة في تاريخنا، بالإنتخابات الأمريكية وما يرافقها من تنافس بلغ ذروته بنقلِ الحدث اولٍ بأول، فالبعض منها مبدية تحيّزها إلى جانب ترامب في تحليلاتها المبطنة، ومنها إلى جانب بايدن وكأنَ الصندوق الإنتخابي، والديمقراطية الأمريكية تحولت محاكاة بقرار رسمي إلى أروقة بيت صناعة القرار العربي، ولتنتقلَ من بعدهِ إلى الشارع، الذي لم يجد ما يسد به جوعه للحريةِ، وللتنافسِ، بعيدا عن رقص الرصاص، وهزّ خصر المدافع سوأ التعلّق بوهم الفوز والوصول لمرشحه الجمهوري، او الديمقراطي إلى البيت الأبيض. وهذا لا يفسره إلا شيئا واحد وهو أنّ مطبخ السياسة العربية هو البيت الأبيض بشحمه، ولحمه، وحجرهِ، وساسهِ وحشمه وخدمهِ وصولجانهِ وما وجود ما يسمى بالسيادة العربية إلا عبارة عن ديكورٍ مزيفٍ حكّامها لا شأن لهم بمشاكل شعوبهم، إلا التسّفيقَ مقسمة مهمومة بنزول الجمهوري، وصعود الديمقراطي والعكس. وهذه عقدتنا العرب والتي لن تحل إلا من داخلنا العرب أنفسنا، فجرحنا لن يدملهُ صعود بايدن او نزول ترامب، فأمريكا محكومة أن تخط طريقها لمستقبلها هي ..لا طريقنا نحن، وكل رئيس يصعدُ لا يهمل الإطار العام للتوجه الأمريكي ذاته، ولبقاءها كدولة مهيمنة على القرار العالمي ومنذو قيامها تستمد سيايتها من مؤسساتٍ ودوائرٍ تقف من خلف كل رئيس منتخبٍ، لتدفع به إلى الآتجاه المتعارف عليه، وهو الهيمنة والتغطّرس والتي لولاها ما بقي بوجهها بارقٍ إلى اليوم. عشية إنتخابات 2010م وعند صُعود مشيل اوباما إلى البيت الابيض صادفتُ احد الشباب صباحا وعلى وجهِ التعبَ والإرهاق وقلت ما بك هكذا مريضاً او ماذا!؟ فرد على الفور بل سهران إلى الصباح، وملصي فص للحضة هذه!، عَرَفت حينها انه يعيش مع الإنتخابات الأمريكية. وقلت له: ماذا سيفعل لك يعني أوباما لو فازَ؟ لن يفعل لك اكثر من ما فعله أسلافهُ من تميع العرب وتهميشهم، ليرد غاضباً بالقول: أوباما يختلف عتهم جميعاً، أوباما، وأوباما...ومن هذا المديح حتى اقشعرَ جسدي. والمحصلة كيف كان عهد أوباما؟. توسعت إيران وصولاً للعمق العربي، ودخول العرب مستنقع ثورات ما سمي بالربيع لهم دفعوا ثمنهُ باهضاً بخلافات وحروب بينهم لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، ولا زلت أتسائل هل تبخّر حلم ذلك الشاب من يومها او ما زال يؤمّل على بايدن هذه المرة. المثلُ اللحجي يقول: الطبل في الحوطة والرقص في سِفيان ..وسِفيان تبعد عن الحوطة عاصمة محافطة لحج اليمنية، بحولي ثلاثة كيلوا متر إلى الشمال منها، وأنا اقول: الطبل في امريكا والرقص في أوطان العرب. وهذا الرقص لأضنّه إلا رقص المجانين ومن مثلهم السكارى والأخير مستبعداً بالمرة أن تكون هي، لأن السكران وبعد إنقضاء مفعول المخدر في دمهُ يعي ويعود إلى رشدهِ ليدرك أنّ هذا خطأ، ومن ثم يكف عن الرقص فإن كانت ليس هي المعنيةَ بالأمر، إذاً هي الثانيةُ وهذا حالنا العرب إن لم نعود آلى رشدنا فقد كتبَ علينا بذهاب عقولنا ولا رجعة لها ولا عِزة لنا إلّا أنّ نفيق ونصحى من جنوننا.